ترجمات

أسس الحكم المهتزة ومشكلة الديمقراطية في إيران

أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، بأغلبية الأصوات، يوم 15 أيلول/سبتمبر يوماً عالمياً للديمقراطية، وذلك في سياق دعمها للحركات المناهضة للاستبداد.

الديمقراطية هي أسلوب لتنظيم المجتمع، وهي تطلق على شكل من أشكال الحكم الذي يمتلك فيها المواطنون حق المشاركة في قرارات البلاد. كما أنّ الديمقراطية مفهوم يستحضر إلى الأذهان معايير حقوق الإنسان الكامنة وراءها. بعبارة أخرى، يجب على المجتمع والحكومة الديمقراطية، بمفهومها الحديث، أن تعترف بجميع حقوق الإنسان الأساسية وتحترمها.

وفقاً لآخر تقرير إحصائي نشرته مجلة “الإيكونوميست” الأسبوعية، فإنّ ما يقرب من نصف دول العالم تعيش، في الوقت الراهن، شكلاً من أشكال الديمقراطية، في حين أنّ المجتمعات البشرية، في أكثر من ثلث دول العالم، بما فيها إيران، تحكمها أنظمة استبدادية.

إنّ إجراء انتخابات حرّة، والاهتمام بالتعددية، والمشاركة السياسية للمواطنين في عمل الحكومة، ومستوى الثقافة السياسية الديمقراطية، ووجود الحريات المدنية، هي من المؤشرات التي تقيّم على أساسها مجلة “الإيكونوميست” الأسبوعية، وجود الديمقراطية في الدول؛ هذه المؤشرات التي تتوافق جميعها مع معايير حقوق الإنسان، لكن ولا واحدة منها تُحترم في إيران تحت راية الجمهورية الإسلامية.

خلال السنوات الأربع والأربعين الماضية، بذل المعارضون السياسيون، ولا سيّما الإيرانيون في الشتات، جهوداً لرسم رؤى حول كيفية تحقيق الديمقراطية في إيران، بعد الإطاحة بالجمهورية الإسلامية. ومن آخر الأمثلة على هذه المساعي، عقد ملتقى بعنوان “العدالة في المرحلة الانتقالية: التحديات والحلول” يومي الثاني والثالث من أيلول/سبتمبر الجاري في النرويج.

وفي هذا الملتقى الذي عُقد في أوسلو، واستضافته منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، وحضره متخصصون، وباحثون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، تمت مناقشة مسألة “الانتقال إلى الديمقراطية ومسألة العدالة الانتقالية”.

إنّ العدالة الانتقالية؛ هي قضية ينبغي النظر إليها ودراستها ضمن إطار التحوّل الديمقراطي، ولذلك، يجب أن نرى أولاً ماذا تعني العدالة الانتقالية؟ وما هي متطلباتها؟

العدالة الانتقالية ومكوناتها

العدالة الانتقالية هي عملية تشمل مجموعة واسعة من الإجراءات، مثل المقاضاة، وتوثيق الجرائم المرتكبة من قبل الأنظمة الاستبدادية، وتشكيل لجان تقصي الحقائق، وإقامة محاكم عادلة ومستقلة للتعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، ومعاقبة مرتكبي الجرائم ومن أصدروا الأوامر لارتكابها، كما أنها تشمل أيضاً تعويض الأضرار.

بمعنى آخر، العدالة الانتقالية هي عملية يجب اتباعها في الدول التي تمرّ بمرحلة انتقالية، لخلق مجتمع قائم على أساس العدالة والمعايير الديمقراطية.

في هذه العملية، ومن خلال توثيق حالات انتهاكات حقوق الإنسان، يتم تنفيذ آليات لمنع تكرار الجرائم التي يرتكبها المستبدون والحكومات الاستبدادية، مثل الإعدام، وارتكاب المجازر، وتعذيب المعارضين السياسيين، واختفائهم القسري.

كما يهدف جزء من عملية العدالة الانتقالية إلى استعادة الكرامة الإنسانية للضحايا والناجين منهم، وفي نطاقٍ أشمل، استعادة الكرامة المفقودة للمجتمع بأكمله، وتعويض الضحايا. ولن يتسنى لنا أن نأمل في توقف دورة العنف، وإقامة حكومة ديمقراطية في إيران بعد إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، إلا إذا تحققت هذه العملية.

الانتقال إلى الديمقراطية في إيران وشواهده

تعدّ قضية الانتقال السلمي إلى الديمقراطية من أهم القضايا في المجتمعات المعاصرة. وعلى الرغم من أنّ العملية الانتقالية قد تستغرق سنواتٍ وعقوداً، إلّا أنّ كيفية خوض هذه المرحلة وتحقيق العدالة، والوصول إلى مجتمع خالٍ من العنف وإقامة حكومة ديمقراطية، ينطوي على أهمية كبيرة.

في نظرةٍ عامة، يمكننا سرد مختلف العوامل المختلفة التي تحوّل دون الانتقال إلى الديمقراطية، والوصول إلى مجتمع خالٍ من العنف.

إنّ اليد الخفية للدول الأجنبية، والتعارض الأيديولوجي بين المبادئ الديمقراطية والتقاليد والمعتقدات الدينية، إضافةً إلى انعدام وجود حرية التعبير، والقمع المفرط للمعارضين السياسيين على يد مختلف الحكومات المتتالية، كلّها يمكن أن تكون من بين العقبات التي تمنع وصول الإيرانيين إلى مجتمع قائم على أساس الديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من أنّ المجتمع الإيراني بذل جهوداً، خلال حياته المعاصرة، للتحرر من الاستبداد، مثل الثورة الدستورية، ودعم حكومة محمد مصدق وإيصالها إلى الحكم، وثورة 1979، لكنّه كان يفشل في كلّ مرّة.

من ناحيةٍ أخرى، يتطلّب الانتقال إلى الديمقراطية- أكثر من أيّ شيءٍ آخر- وجود شروط مسبقة. ورغم أنّ الديمقراطية تضمن تطوّر المجتمع، لكن في الوقت نفسه، لا بدّ من تحقيق مستوى مسبق بشكل مقبول من التنمية، من أجل ترسيخ هذا المفهوم في بلدٍ ما.

بمعنى آخر، بسبب قيام الاستبداد في المائة عام الأخيرة، ولا سيّما بعد نشأة الجمهورية الإسلامية في إيران، فإنّ المؤسسات المدنية المستقلة عن الحكومة، والتي هي بمثابة ضمان لتحقيق الديمقراطية في المجتمع الإيراني، هي حالياً في وضع ضعيف ومشتت، وبالتالي فإنّ إمكانية نشوء مؤسسات مواطنة ديمقراطية في المستقبل القريب، ضعيف للغاية.

وعلى الرغم من قيام الانتفاضات الشعبية، خلال السنوات الأخيرة، ضد حكم الجمهورية الإسلامية، لكن يبدو أنّ الطبقات الاجتماعية المختلفة في إيران، لم تحقق بعد شكلاً ملموساً من التضامن والاتحاد الجماعي.

بعبارة أخرى، لا يوجد في الوقت الراهن، تنظيم سياسي ذو قاعدة اجتماعية شاملة، وبرنامج سياسي محدد متطابق مع المعايير الديمقراطية، يمكن الإشارة إليه كبديل لمرحلة ما بعد إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية.

رغم كلّ ما سبق، هل يمكن اعتبار إيران دولة تمرّ بمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية؟

من أجل إثبات ما إذا كان أحد المجتمعات ينتقل إلى الديمقراطية أم لا، توجد مؤشرات يمكن الاستناد إليها لتأكيد أو نفي وجود مثل هذه الظاهرة في المجتمع. إنّ “تغيّر الأعراف الأخلاقية والقيم العرفية في المجتمع، وظهور مفاهيم عصرية متوافقة مع معايير حقوق الإنسان في مقابل المفاهيم التقليدية، وحدوث تغيير بنيوي في أنماط المعارضة السياسية، والعصيان المدني الجماعي واسع النطاق، ومطالبة النساء بحقوقهن والوقوف في وجه السلطة الكارهة للنساء، وظهور التناقضات المختبئة في قلب الحكومة الحالية، وسعي المواطنين بشكل جماعي إلى الانحراف عن البارديغما المسيطرة، وتغيّر نظرة المجتمع إلى الدين والعقائد التي يتم ترويجها من قبل الحكومة.” كلّها مؤشرات تؤكد بدء عملية التحوّل إلى الديمقراطية في المجتمع الإيراني.

من ناحيةٍ أخرى، فإنّ أداء حكومة الجمهورية الإسلامية على مدى العقود الأربعة الأخيرة، يُظهر عدم كفاءة هذه الحكومة بأكملها، في مواجهة المشاكل والأزمات. ولهذا، فهي لا تمتلك ردّاً سوى القمع أمام مطالب المواطنين، والاحتجاجات الشعبية.

كما أنّ أزمة الشرعية، وخسارة القاعدة الاجتماعية الواسعة، وأزمة الفساد الهيكلي، إلى جانب الأزمات الاقتصادية المتزايدة، وأيضاً الأزمة البيئية، كلّها تشير إلى سقوط وتفكك النظام السياسي الحاكم في إيران، بسبب عدم كفاءته، في المستقبل القريب. وعليه، فإنّ الانتقال إلى الديمقراطية في إيران ليس أمراً ممكناً وحسب، بل هو حتميّ ومؤكد.

الكاتب: جواد عباسي تولّي

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة 

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى