“عقيدة الأخطبوط” الإسرائيلية؛ هل يهاجم نتنياهو إيران؟
كشف نفتالي بينيت، وزير التعليم الإسرائيلي في حكومة بنيامين نتنياهو، قبل حوالي ست سنوات، عن خطة لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أطلق عليها اسم “عقيدة الأخطبوط”.
ما هي عقيدة الأخطبوط؟
كانت فكرة بينيت تقوم على أن إسرائيل يجب أن تستهدف بشكل مباشر رأس هذا الأخطبوط، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدلاً من المضي لمواجهة جماعاتها بالوكالة، التي تمثل أذرع هذا الأخطبوط. وشبّه هذا السياسي الإسرائيلي إيران بالأخطبوط الذي امتدت أذرعه في جميع أنحاء المنطقة، وأشار إلى جماعات مثل حزب الله، وحماس، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا باعتبارها أذرعاً لهذا الأخطبوط.
تعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حماس منظمة إرهابية، فيما يُعتبر حزب الله جماعة شبه عسكرية وحزباً سياسياً يسيطر على جزء كبير من جنوب لبنان.
يرى بينيت، الذي كان أيضاً رئيس وزراء إسرائيل من حزيران/ يونيو 2021 إلى حزيران/ يونيو 2022، أنه بدلاً من تورّط إسرائيل في حروب لا نهاية لها مع هذه الميليشيات، يجب عليها أن تستهدف بشكل مباشر مراكز القوة في إيران، بما في ذلك المنشآت النووية والعسكرية والأمنية، وذلك لتدمير مركز قيادة هذا “الأخطبوط”.
بعد ساعات من الهجوم الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على إسرائيل ليلة الثلاثاء في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، جدد بينيت دعمه لهذه الفكرة، وأكّد أن أفضل فرصة لضرب “رأس الأخطبوط” خلال الخمسين عاماً الماضية متاحةٌ الآن، لأن الجمهورية الإسلامية، التي كانت دوماً لاعباً بارعاً في لعبة الشطرنج، ارتكبت خطأً فادحاً بإعادة إطلاقها الصواريخ على إسرائيل.
من الاستهدافات الممنهجة إلى الهجمات السيبرانية
بدأت إسرائيل، طوال هذه السنوات، بتنفيذ خطط من أجل تحقيق هذه الأهداف، وبحسب ما يقوله محلّلون من داخل البلاد وخارجها، فإنّ إجراءاتٍ مثل الاغتيالات الممنهجة، والهجمات السيبرانية، والعمليات الجوية، والطائرات المسيرة لضرب إيران، كانت جزءاً من أجندة تل أبيب؛ على الرغم من أنّ إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها بشكل رسمي عن معظم هذه العمليات والهجمات.
فيما يتعلق بالاغتيالات الممنهجة، تم اغتيال عدة شخصيات فعّالة في الصناعة النووية والصاروخية الإيرانية، وكان من أبرز هذه الاغتيالات مقتل محسن فخري زاده عام 2020. الذي يُعتبر أحد أهم الشخصيات في البرنامج النووي والصاروخي لجمهورية إيران الإسلامية.
وفي مجال الهجمات السيبرانية والتخريب، أعلن المسؤولون الإيرانيون مِراراً، خلال هذه السنوات، بتعرض بنية تحتية لمؤسسات ومنشآت نووية لهجمات سيبرانية، محمِّلةً إسرائيل المسؤولية عن ذلك.
توسع نطاق الهجمات الجوية والطائرات المسيرة، خلال السنوات الأخيرة أيضاً، ويقول الخبراء العسكريون إن إسرائيل بدلًا من التركيز فقط على استهداف أهداف مرتبطة بجماعات الجمهورية الإسلامية بالوكالة في المنطقة، ركزت، خلال العام الماضي، على استهداف مستودعات الأسلحة وقوافل نقل المعدات العسكرية الإيرانية إلى حزب الله اللبناني.
تعتبر الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، بينما يدرج الاتحاد الأوروبي جناحه العسكري فقط في القائمة السوداء، ولا يعتبر جناحه السياسي إرهابياً. كما أن لدى حزب الله ممثلين في البرلمان اللبناني.
نسخة جديدة من “عقيدة الأخطبوط”؟
منذ بدء الهجوم الذي شنته جماعة حماس المتطرفة على إسرائيل في 7 أكتوبر، بات من الواضح أنّ إسرائيل أدرجت مخططاً جديداً في عقيدتها العسكرية والأمنية، وتسعى لتوجيه ضربات لا يمكن إصلاحها لأعدائها.
تشير التجارب السابقة إلى أن هذا البلد حاول طوال تاريخه السياسي الرد على أعدائه بطريقة تجعلهم لا يجرؤون على تكرار هذه الهجمات. لكن بحسب بعض المحللين، يبدو أنّ هذه المرّة، قد تم الدمج بين هذا النهج الكلاسيكي و”عقيدة الأخطبوط”.
بعد اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل، أعلن بنيامين نتنياهو عن عزمه على القضاء الكامل على هذه الجماعة المتطرفة، وكذلك تدمير قدراتها العسكرية والحكومية. وبعد مرور شهور على العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، يبدو الآن، أنّ تل أبيب قد قررت التوجه صوب لاعبين آخرين يهددون أمن إسرائيل، لتصفية الحسابات معهم بشكل حاسم.
حاولت إسرائيل، خلال هذه الفترة، استهداف أهداف مرتبطة بإيران، بما فيها القنصلية الإيرانية في دمشق، بهدف إجبار طهران على إنهاء محاربتها لها من “المنطقة الرمادية”، أو ربما لدفع إيران إلى القيام بعمل عسكري مباشر.
في غضون ذلك، استهدفت إسرائيل بشكل غير مسبوق أدوات قوة الردع الإيرانية، وقد يكون أبرزها اغتيال حسن نصر الله، زعيم أقوى وأكبر حليف للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة.
كما يمكن اعتبار دخول الجنود الإسرائيليين إلى الأراضي اللبنانية، والذي تم بهدف معلن وهو “تدمير القدرات العسكرية لحزب الله” إحدى القطع الأخرى لهذه الأحجية.
ضربات إسرائيلية أقوى
يبدو جلياً أنّ إسرائيل حاولت خلال هذه الفترة تصعيد التوترات العسكرية مع إيران وضرب قوة الردع للجمهورية الإسلامية؛ وهي سياسة نابعة من عدة اتجاهات:
أولاً: عدم وجود ردّ متناسب لإيران على مقتل قاسم سليماني، ويمكننا القول أنّ هذا الأمر دفع إسرائيل إلى استنتاج أنّ الخطاب العسكري للجمهورية الإسلامية يمكن أن يقتصر على الحرب النفسية والدعائية، وأن طهران لن تنتقم بشكلٍ كبير، حتى على مقتل أكبر وأهم قائد عسكري لديها. ومن المرجّح أنّ إسرائيل قد توصّلت في حساباتها إلى نتيجة مفادها أنّ بإمكانهم توجيه ضربات مؤثّرة للجمهورية الإسلامية وحلفائها، دون أن يساورها قلق من ردّها.
ثانياً: يقول الخبراء إن إدراك إسرائيل للقيود العسكرية والأمنية والاستخباراتية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها إيران، جعلها أقل قلقاً بشأن رد الفعل المحتمل للجمهورية الإسلامية على الهجمات التي ستطالها.
ثالثاً: إن اعتماد إسرائيل على الدعم الأميركي يوفّر لها رأسَ مالٍ ثميناً، الأمر الذي يمكّنها من التحرك بثقة أكبر نحو توجيه ضربات لا يمكن إصلاحها لعدوها الرئيسي.
رابعاً: الفشل الاستخباراتي الكبير الذي اتُهمت به إسرائيل خلال هجوم 7 أكتوبر، أجبر هذا البلد، ولا سيّما نتنياهو، على تعويض ذلك، وكسب تأييد الرأي العام، من خلال توجيه ضربة مماثلة بنفس الحجم إلى أعدائه.
خامساً: تستطيع إسرائيل، من خلال هذه الاستراتيجية، أن تضمن إما قطع الأذرع الرئيسية لعدوها في المنطقة، أو توجيه ضربة لا يمكن إصلاحها لقوة الردع الإيرانية، أو ربما الدخول بشكل مباشر في مواجهة شاملة مع الداعم الرئيسي لهذه الجماعات، أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لمرّة واحدة وإلى الأبد. وهو احتمال تعزز أكثر من أي وقت مضى، ولا سيّما بعد الهجوم الصاروخي للحرس الثوري على إسرائيل في 1 أكتوبر/تشرين الأول.
هل ستهاجم إسرائيل إيران؟
إذا كان احتمال شن هجوم عسكري من قبل إسرائيل على إيران أقل من 50% قبل 24 ساعة من هجومها الأخير، فإن إطلاق حوالي 200 صاروخ باليستي من قبل الجمهورية الإسلامية جعل معظم المحللين يتفقون على أن نتنياهو قد وجد الفرصة التي طال انتظاره لها؛ وعليه، فإنّ إسرائيل ستقوم بردٍّ قويّ ضد إيران. وقد هدّد الجمهورية الإسلامية، بعد مضي ساعات من انتهاء هجومها، بأنها ستدفع ثمناً باهظاً على ارتكابها هذا الخطأ.
توجد الآن عدّة خيارات مطروحة على طاولة المسؤولين الإسرائيليين، وهي:
-الأول: مهاجمة جزء من المنشآت العسكرية الإيرانية، مثلما حدث في هجمات نيسان/أبريل، وتم استهداف جزءٍ من قاعدة منظومة الدفاع الصاروخية الإيرانية S300 في أصفهان. وهذا قد يكون أقلّ مستويات الردّ الإسرائيلي.
-الثاني: شنّ هجوم على البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية، مثل استهداف مصافي النفط والبتروكيمياويات. وقد ترغب إسرائيل في توجيه ردّ أقوى ضدّ إيران، من خلال شنّ هجمات على مدينة عسلوية النفطية، أو حتى الجزر النفطية في جنوب إيران، وهي ستكون ضربة كبيرة الجمهورية الإسلامية، من الناحية الاقتصادية.
-الخيار الثالث، هو شن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. ويُعتبر هذا المستوى الثالث من الهجمات التي قد تقوم بها إسرائيل، وقد تم الحديث مراراً عن ضرورة تنفيذها.
قصفت إسرائيل عام 1981 مفاعل أوزيراك (تموز) النووي في العراق، وفي عام 2007 استهدفت أيضاً منشأة الكُبر في دير الزور السورية، حتى تحول دون تطوير هذين البلدين أسلحة نووية، وفقاً لما تقوله. وإذا تمّ تنفيذ ذلك، فإنّ هذا من شأنه أن يسرّع من وتيرة التصعيد بين الجانبين بشكلٍ كبير.
-المستوى الرابع، الذي قد يكون أقسى رد فعل إسرائيلي، فهو اغتيال أحد المسؤولين الإيرانيين البارزين، وهي سياسة اتبعتها إسرائيل عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، لكنها عادة ما كانت مقتصرة على استهداف القادة والمديرين العسكريين والنوويين، ولم يستهدفوا قط مسؤولين سياسيين وعسكرين إيرانيين رفيعي المستوى من قبل.
بعد ساعاتٍ من الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل في 2 تشرين الأول/أكتوبر، كتب نفتالي بينت على وسائل التواصل الاجتماعي، أنّ هذه فرصة استثنائية سنحت لإسرائيل، لتوجيه ضربة نهائية لرأس الأخطبوط، في الوقت الذي أصيبت أذرعه مؤقتاً بالشلل.
والآن، مع تصاعد التوتّر بين الجانبين بسرعة، فإنّ الردّ الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية ونوعه، سوف يحدّدان إلى أين مدى سيصل هذا الصراع.
الكاتب: سعيد جعفري، محلل سياسي إيراني متخصص في شؤون الشرق الأوسط.
ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات-قسم الترجمة.