ترجمات

سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرق سوريا: نحو إعادة هيكلة استراتيجية

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي والتقارير التي تتحدث عن تفكير الولايات المتحدة في سحب قواتها من سوريا، يجب على الإدارة الأمريكية إعادة تقييم سياستها تجاه سوريا، والتطلع إلى وجود طويل الأمد وبسيط مقروناً بجهود سياسية ودبلوماسية قوية لمصلحة الأمن والسلام الإقليميين.

تؤكد التوترات المستمرة في الشرق الأوسط دور الولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي وأهمية حلفائها في مواجهة التهديدات. تلعب منطقة شمال وشرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، دوراً حاسماً في الأمن الإقليمي من خلال منع عودة ظهور تنظيم داعش وتحدّي الطموحات الإيرانية للهيمنة الإقليمية.

ومع ذلك، أظهرت الولايات المتحدة علامات تدل على تشتت استراتيجي في معالجة هذه المسألة، مما يتطلب استراتيجية جديدة تتخطى الجهود الضيقة لمكافحة الإرهاب وتعترف بالأهمية الاستراتيجية الأوسع لشمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية. وهذا يستوجب إعادة تشكيل شامل للاستراتيجية الأمريكية عبر مستويات مختلفة لتعزيز المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها العامل المركزي اللّازم لتحقيق هدفها في ردع تنظيم داعش.

هناك أربعةُ مجالات رئيسية تتطلب اهتمامًا متزامنًا في استراتيجية متعددة الجوانب؛ محاربة داعش، وتعزيز الحكم المحلي، وإدارة العلاقات بين شمال شرق سوريا وتركيا، والتفاعل مع دمشق.

وينبغي أن تركز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على تعزيز الحكم السياسي والاقتصادي في المنطقة، مع السعي إلى تخفيف التوترات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية وتعزيز علاقة ذات منفعة للجانبين من خلال تعزيز العلاقات التجارية. وفضلاً عن ذلك، ينبغي لهذه الاستراتيجية أن تدعو إلى اتفاق سياسي بين نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية لوضع الأساس لاستقرار أوسع في سوريا وضمان استمرار النفوذ الأمريكي في المنطقة.

جذور التركيز على مكافحة الإرهاب وقيوده

نشأت الشراكة بين الولايات المتحدة والأكراد السوريين من الالتزام المشترك بمكافحة داعش بعد فشل الولايات المتحدة في التعامل مع مجموعات المعارضة السورية الأخرى التي كانت تدعمها تركيا ودول الخليج العربية. شهدت معركة كوباني في أواخر عام 2014 بداية لتعاون فعّال بين الولايات المتحدة و”قوات حماية الشعب” الكردية.

تطورت هذه الشراكة إلى “قوات سوريا الديمقراطية”، موحّدةً بين قوات حماية الشعب وبعض المجموعات المعارضة العربية والقوات العشائرية، ما أسفر عن هزيمة داعش على الأرض في عام 2019. ومع ذلك، ظهرت توترات عندما استولت تركيا وحلفاؤها السوريون على مناطق رئيسية في شمال شرق سوريا، وخاصة المناطق ذات الأغلبية الكردية، في عامي 2018 -2019، مما دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى تحويل الموارد والاهتمام لمواجهة هذه التهديدات.

على الرغم من فقدان تنظيم داعش للخلافة الإقليمية، فإن داعش لا تزال نشطة في سوريا وخارجها. هناك تقارير رسمية من القيادة المركزية الأمريكية والأمم المتحدة تقدر عدد مقاتلي داعش بين 2500 و7000 مقاتل في أواخر عام 2023 وبداية عام 2024. وفقًا لمشروع مكافحة التطرف، كان شهر آذار/مارس 2024 الشهر الأكثر دموية لتمرد داعش في الصحراء السورية منذ نهاية عام 2017، حيث قتل 84 جنديًا سوريًا و44 مدنيًا. ويتزامن ارتفاع النشاط الإرهابي لداعش مع تقارير حول انسحاب محتمل للولايات المتحدة من سوريا (نفتها إدارة بايدن) وهجمات تركية مستمرة في شمال شرق سوريا، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الجماعة قد أصبحت أكثر جرأة بسبب هذه التطورات.

ومن المقلق بشكل خاص وجود حوالي 10 آلاف سجين من داعش في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، إضافةً إلى أكثر من 45 ألف من أفراد عائلات داعش في المخيمات، مما يشكل خطرًا كبيرًا على إمكانية عودة التنظيم إلى القوة في حال تراجع الاستقرار. تسلط هذه الحالة الضوء على الحاجة الملحة لالتزام مستمر من قبل الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا لمنع داعش من استرداد قوته وتشكيل خطر أمني عالمي.

ولتحقيق ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تقوم تستكمل سياستها المركزة على داعش، باستراتيجية محلية إقليمية أوسع، من أجل ضمان نجاح جهود مكافحة الإرهاب في سوريا والمنطقة بشكل عام. إن الوجود المستمر للولايات المتحدة ضروري لضمان عدم عودة داعش، مما يستلزم اعتماد منهجية شاملة للتعامل مع المتغيّرات الأمنية المعقدة.

تحسين الحكم: لكن أولاً، يجب تحويل تركيا إلى “صديق”

تمثّل تركيا التهديد الأساسي لشمال شرق سوريا. تتسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة، الناتجة عن ارتفاع مستويات العنف من جانب تركيا بشكل أساسي، بالتهديد بزعزعة النظام الهش الذي تم ترسيخه بعد هزيمة داعش. زادت تركيا في الآونة الأخيرة، من غاراتها الجوية على البنية التحتية المدنية الحيوية في شمال سوريا، مستهدفة المحطات الكهربائية ومحطات الوقود والشركات المحلية، بهدف جعل المنطقة غير قابلة للحكم وغير صالحة للعيش. إن الفقر والمعاناة الناجمين عن هذا الواقع يوفران الظروف المثالية للإرهاب.

يضع ذلك تركيا في موقف قوي تمتلك فيه مفتاح الاستقرار في شمال شرق سوريا. على الرغم من الأعمال العدائية الحالية، فإن العلاقات بين تركيا والحزب الكردي الحاكم في شمال سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي، لم تكن دائمًا معادية.

في السنوات الأولى التي أعقبت عام 2012، عندما تولى حزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا، كانت هناك اجتماعات من حين لآخر بين المسؤولين الأتراك وحزب الاتحاد الديمقراطي. وأثناء “عملية السلام” التي كانت جارية بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني في الفترة من 2013 إلى 2015، تعامل المسؤولون الأتراك مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وإن كان بحذر. كان السبب في ذلك على الأرجح هو رؤية تركيا لحزب الاتحاد الديمقراطي كامتداد لحزب العمال الكردستاني، بغض النظر عن صحة هذه الادعاءات أو مدى العلاقة بين الحزبين.

خلال هذه الفترة، لم تعارض تركيا بشكل علني جهود حليفها، الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق المجاور، لتنويع الإدارة الكردية الناشئة في شمال سوريا. حيث شملت هذه الجهود مفاوضات واسعة بين المجلس الوطني الكردي السوري، وهو ائتلاف من الحزب الديمقراطي المؤيد للأكراد يضم منافسي حزب الاتحاد الديمقراطي، وأسفرت عن اتفاقيتين غير ناجحتين لتأسيس إدارة مشتركة. فشلت المحادثات التي استمرت حتى عام 2021 بسبب تردد حزب الاتحاد الديمقراطي في المشاركة في تقاسم السلطة بشكل مؤثر والضغوط التركية على المجلس الوطني الكردي -والتي تكشّفت في السنوات اللاحقة- من أجل إيقاف هذه المحادثات.

ولكن ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية وأنقرة هو انهيار عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في عام 2015. اعتمدت تركيا بعد ذلك، موقفًا عدائيًا تجاه حزب العمال الكردستاني والجماعات التي اعتبرتها تابعة له. وتزامن هذا التحول مع توسع غير مسبوق لأراضي حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة، ممتدة على مساحة تقارب ثلثي الأراضي السورية، في شرق نهر الفرات بشكل أساسي.

ردت أنقرة بعمليات عسكرية، بما في ذلك عملية درع الفرات في عام 2016 والغزوات اللاحقة في عامي 2018 و2019، مما أدى إلى نزوح جماعي للسكان الأكراد وغير المسلمين من أجزاء كبيرة من شمال سوريا. خلال السنوات الماضية، زادت تركيا حملاتها الجوية وقصفها بالمدفعية على البنية التحتية المدنية الحيوية في شمال سوريا، بهدف جعل المنطقة غير قابلة للحكم وربما غير صالحة للعيش فيها. هذه الهجمات أدت إلى عدم استقرار شديد في شمال شرق سوريا، مما أدى إلى إنشاء بيئة متقلبة للغاية معرضة لخطر جماعات مثل داعش، التي تنتظر الفرصة للظهور مرة أخرى.

لتحقيق تقدم في شمال شرق سوريا، من الضروري تعزيز التفاهم بين تركيا وإدارة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، على الرغم من أنه يمثل تحدياً كبيراً. توفر التطورات الإقليمية الأخيرة نافذة لهذه الجهود. حيث تدرك قوات سوريا الديمقراطية أنه بدون التصالح مع تركيا، فإنّ بقاء منطقتهم يتعرض للتهديد.

وعلى الرغم من التصريحات العسكرية الأخيرة لأردوغان ضد قوات سوريا الديمقراطية، يمكن أن يؤدي الموقف الضعيف لحزب العدالة والتنمية التركي في السياسة التركية بعد الانتخابات البلدية في آذار/مارس 2024 إلى تشجيع أردوغان على مراجعة سياسته تجاه الأكراد، وذلك بدافع الحاجة إلى حلفاء جدد. يمكن لأردوغان أن يختار الشراكة مع الجماعات التركية العلمانية القومية المتطرفة أو الجماعات التركية الإسلامية، أو التوصل إلى نوع من التفاهم مع حزب الديمقراطيين الرئيسي المؤيد للأكراد. ومن الواضح أن تحقيق الخيار الأخير أصعب، لكنه ليس مستحيلاً.

يمتلك الناخبون الأكراد تأثيراً كبيرًا ليس فقط في مناطق الغالبية الكردية في تركيا، ولكن أيضًا في المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وإزمير، حيث يشكل الأكراد كتل تصويتية كبيرة. يمكن لعملية سلام جديدة داخل تركيا، بغض النظر عن صعوبة تحقيقها، أن تعزز بعض التصالح بين الحكومة التركية وإدارة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا. يمكن للولايات المتحدة تسهيل ذلك من خلال تشجيع الحوار بين الحكومة التركية وحزب المساواة والديمقراطية الشعبية المؤيد للأكراد، وصولاً في نهاية المطاف إلى حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك زعيمه المسجون عبد الله أوجلان. وتُظهر الأدلة المُستفادة من عملية السلام التركية في أوائل عام 2010 أنه حتى مع وجود تحديات مستمرة، يمكن للمبادرات السياسية الإيجابية والحوار خلال مفاوضات السلام أن تخفف من العداء التركي تجاه شمال شرق سوريا.

إن ثروة النفط والغاز في شمال شرق سوريا لا تستطيع فقط تمويل الانتعاش الاقتصادي، بل يمكن أن تحفز تغييرات في السلوك بالنسبة لتركيا وإدارة شمال شرق سوريا. حيث يمكن لقرب تركيا من المنطقة وقدراتها التكنولوجية، وحاجة شمال شرق سوريا الملحة للاستثمارات الأجنبية، أن تدفع إلى تحسين العلاقات بين تركيا والأكراد السوريين. يمكن استغلال الإعفاءات من عقوبات قانون قيصر التي أصدرتها الحكومة الأمريكية لشمال شرق سوريا في أيار/مايو 2022 لتحقيق هذا الهدف. وقد عبَّرَ الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، عن تقديره لهذه الخطوة في ذلك الوقت، مؤكدًا الأثر المحتمل لها في إعادة بناء البنية التحتية ودعم الاقتصاد من خلال الترحيب بكافة الشركات للاستثمار في المنطقة. إن الاستناد على الاستثمارات والعلاقات التجارية التركية في إقليم كردستان العراق، على الرغم من أنها ليست مثالية، يمكن أن يكون نموذجًا لتعزيز العلاقات التجارية بين شمال شرق سوريا وتركيا، مما يجعل تركيا صاحبة مصلحة في تحقيق استقرار وتنمية شمال شرق سوريا.

الظروف السياسية داخليًّا في شمال شرق سوريا أيضًا مهمة. من أجل تشجيع موقف تركي أكثر اعتدالًا، يجب على إدارة قوات سوريا الديمقراطية أيضًا مشاركة السلطة مع جهات فاعلة مهمة مقبولة لدى تركيا، مثل المجلس الوطني الكردي وتيار الغد العربي السوري. يجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى انتخابات شاملة وشفافة وإعادة صياغة دستور المنطقة ليعكس تطلعات الجهات المتنوعة. على الرغم من أن دمج الفصائل المسلحة السورية للمجلس الوطني الكردي وتيار الغد في قوات الأمن المحلية سيمثل خطوة مهمة نحو استرضاء تركيا، إلا إنه من الضروري تجنب تقسيم قوات الأمن والدفاع في المنطقة إلى تنظيمات متوازية، وذلك لتجنب ظهور عقبات هيكلية دائمة أمام السلام والدفاع ضد تهديدات مثل داعش.

الأسد وحلفاؤه: فرصة لإبرام صفقة سياسية؟

إن التصاعد المتزايد في عدم الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية يقدم فرصة لنظام الرئيس بشار الأسد ومختلف الميليشيات الموالية لإيران والأسد. يستغل النظام السوري وحلفاؤه الانقسامات بين قوات سوريا الديمقراطية والقبائل العربية المحلية. وأدت إمكانية انسحاب الولايات المتحدة إلى تشجيع هذه المجموعات على تقويض استقرار المناطق الجنوبية والجنوب الغربي لقوات سوريا الديمقراطية، ما أدى إلى مزيد من التوترات.

لقد انتصر الأسد إلى حد كبير في الحرب الأهلية التي دامت اثني عشر عامًا، بدعم من إيران وروسيا. يتطلب الوصول إلى حل للصراع السوري مشاركة الأسد، كما هو موضح في القرار رقم 2254 لمجلس الأمن الدولي. كما تدعم الحكومة الأمريكية تنفيذ هذا القرار بصفته خارطة الطريق الرئيسية لحل الصراع السوري. يجب على واشنطن أن تحفّز على تحقيق المشاركة السياسية بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة الأسد، سواء كجزء من العملية المدعومة من الأمم المتحدة (على الرغم من عدم نشاطها في الوقت الحالي)، أو من خلال طرق أخرى. ونظراً لعدم وجود تهديد كبير لاستمرارية نظام الأسد، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم إدارة شمال شرق سوريا في التفاوض على الحكم الذاتي واللامركزية مع دمشق. وإن الفشل في ذلك سيكون مضرًا بسياسة الولايات المتحدة في سوريا ويشير إلى اللامبالاة تجاه حلفائها في شمال شرق سوريا ومستقبل المنطقة.

توجد مؤشرات تدل على تغيير في نهج الحكومة الأمريكية، وتقارير تشير إلى إنها تتطلع إلى التوسط للوصول إلى اتفاق سياسي بين قوات سوريا الديمقراطية والأسد، وذلك بهدف مواجهة داعش على المدى الطويل. وقد زعم الأسد إجراء محادثات سرية مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

فيما يتعلق بالصفقة السياسية بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية، فإن التحدي الرئيسي يكمن في عدم اهتمام حكومة الأسد الحقيقي بمثل هذه الصفقة لاعتقادها بأن الولايات المتحدة ستغادر وأن دمشق يمكنها السيطرة على مناطق قوات سوريا الديمقراطية بعد ذلك. وبالتالي، فإن الأسد لم يكن مستعدًا للمشاركة في حوار جاد مع قوات سوريا الديمقراطية، على الرغم الضغوط المتفرقة من روسيا والجهود المتكررة من قبل قوات سوريا الديمقراطية.

مع ذلك، تملك الولايات المتحدة الكثير من النفوذ الذي يمكنها استخدامه كجزء من عمليتها لإعادة تشكيل استراتيجيتها في سوريا. ينبغي على الولايات المتحدة تنفيذ استراتيجية تخفيف العقوبات بشكل مدروس وتدريجي عن حكومة الأسد، وذلك في مقابل الحوار والتسوية السياسية حيث يعترف الأسد بالإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد. يمكن أن يُقلل هذا أيضًا من اعتماد الأسد على طهران نسبياً. يمكن أن يمكّن اتفاق اللامركزية الإدارة في شمال شرق سوريا من الحفاظ على السيطرة الإدارية والأمنية مع السماح بانتشار محدود لقوات الأسد على طول بعض المناطق الحدودية، على غرار الاتفاقيات الحالية حيث يتم نشر بعض قوات الجيش السوري بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية. وعلاوة على ذلك، يمكن التفاوض على ترتيبات تتعلق باستخراج وبيع النفط والغاز، ربما بطريقة مشتركة، إلى جانب توسيع نطاق التجارة بين الطرفين، وإدراجها في مثل هذه الصفقة. حيث تمتلك واشنطن نفوذاً كبيراً من خلال تواجد قواتها، وسياسة العقوبات (قانون قيصر)، والعلاقات القوية مع قوات سوريا الديمقراطية.  ويتيح التوصل إلى اتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية والأسد الفرصة لتعزيز الاستقرار في شمال شرق سوريا، وتعزيز الجهود المضادة لتنظيم داعش في نفس الوقت.

أهمية وفائدة إعادة هيكلة استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا

تستلزم السياسة الأمريكية في سوريا إعادة هيكلة شاملة تدمج جهود مكافحة الإرهاب مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية في شمال شرق سوريا لمكافحة الإرهاب بفعالية، وضمان الاستقرار الإقليمي، وحماية المصالح الأمريكية والغربية. ولتحقيق هذه الأهداف، يجب على الولايات المتحدة أن تعطي أولوية للحكم والتنمية الاقتصادية وأمن السكان في شمال شرق سوريا، مع الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الفعّالة بين قوات سوريا الديمقراطية والقوى المجاورة مثل تركيا ودمشق.

يتضمن جانب رئيسي من هذه الاستراتيجية الاعتراف بالواقع المحلي لشمال شرق سوريا ومعالجته. بدلاً من متابعة نهج يركز فقط على مكافحة الإرهاب بشكل منفصل عن ديناميكيات المنطقة، يجب على الولايات المتحدة أن تدرك الترابط بين الأمن والحكم والتنمية الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية مع الجيران. حيث يمكن للولايات المتحدة منع عودة داعش وغيرها من المجموعات المتطرفة من خلال دعم قابلية الحكم والقدرة على البقاء في شمال شرق سوريا.

على الرغم من أن هذا النهج قد يذكرنا بمساعي إنشاء دولة في العراق وأفغانستان، إلا أن شمال شرق سوريا قد حققت بالفعل تقدمًا كبيرًا في إقامة الهياكل العسكرية والسياسية. حيث يمكن لواشنطن، عن طريق استغلال هذه الأسس الموجودة، استخدام تأثيرها الدبلوماسي لتعزيز الحكم وتحقيق شكل من أشكال التعاون الإقليمي، مهما كان حجمه بسيطاً. ولا يتطلب هذا تدخلًا عسكريًا على نطاق واسع، وإنّما يتطلب تدخلاً استراتيجياً، حيث يمكن استغلال القوات الموجودة بالفعل على الأرض والبالغ عددها 900 جندي، بهدف دعم هياكل الحكم المحلي وتعزيز الاستقرار.

إنّ مثل هذه السياسة المعاد تشكيلها لها أهمية في إطار المنافسات والصراعات الإقليمية والعالمية الأوسع، تتعدى حدود سوريا. في ظل ساحة عالمية تتطور بسرعة تتميز بظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب، فإن التدّخل الأمريكي المُخفّض في الشرق الأوسط قد يتسبب في تشجيع الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران وروسيا وغيرهما. إيران، على وجه الخصوص، تسعى إلى تأكيد نفوذها كقوة مهيمنة في المنطقة، مستغلّة الفرص التي يُخلِّفها تراجع تدخل الولايات المتحدة. يمكن أن يكون للفراغ الذي يُخلِّفه انسحاب الولايات المتحدة تداعيات واسعة النطاق على استقرار المنطقة، نظرًا لأهمية الشرق الأوسط الأوسع من الناحية الاستراتيجية بسبب موارد الطاقة المتواجدة فيه وممراته الاستراتيجية للغاية (مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس)، بهذه الطريقة ينبغي أن يتم النظر إلى الأهمية الإقليمية الأوسع و(العابرة للحدود) للاستراتيجية السورية. إن وجود هيكل حكم فعال في شمال شرق سوريا، مع سكان (كرد وعرب) مُنظمين تنظيماً جيداً، مستعدين، وقادرين على الدفاع عن أنفسهم، يسمح للولايات المتحدة بتحقيق أهدافها في جزء هام من المنطقة بأدنى تواجد عسكري ممكن، وربما دون الحاجة إلى تقديم مساعدات اقتصادية. هذا النهج لا يساعد فقط في منع عودة داعش بل يخفف من التهديدات الهامة لأمن المنطقة أيضًا.

وفي المقابل، إن البقاء في سوريا بدون استراتيجية محكمة، أو الأسوأ من ذلك، الانسحاب الكامل، يمكن أن يؤدي إلى عواقب خطيرة. بما في ذلك ظهور فراغ سلطة وتنافس إقليمي مكثف بين تركيا وحلفائها المتمردين من جهة، ومحور سوريا – إيران – روسيا وميليشياتهم من جهة أخرى.  تمامًا مثلما استغل “تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان” الانسحاب الأمريكي واستيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان ليصبح الجناح العالمي الأكثر نشاطًا لداعش، فمن المحتمل أيضاً أن يجد تنظيم داعش في سوريا والمنطقة المحيطة بها فرصة تتيح له إمكانية استعادة قوته وشنّ حملة عسكرية محلية معززة ذات نطاق إقليمي وعالمي أوسع.

الكاتب: محمد صالح- باحث في برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية.

رابط المقال الأصلي

ترجمة عن اللغة الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة

زر الذهاب إلى الأعلى