مقالات رأي

هل ستعود المظاهرات إلى الشوارع الإيرانية من جديد؟

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ثورة (المرأة، الحياة، الحرية)، التي تصادف يوم 16 أيلول/سبتمبر الجاري، بدأت تتعالى أصوات من فعاليات مدنية وسياسية وشعبية تدعو إلى العودة إلى الشوارع والإضراب العام في البلاد، وذلك بالتزامن مع تشديدات أمنية تتمثل في اعتقال ذوي ضحايا الاحتجاجات، وفصل على نطاق واسع لأساتذة الجامعات المتضامنين مع الحراك الشعبي، والذين كان لهم دور كبير في تنوير فكر الشباب الإيراني، ودعمه في تطلعاته للحرية والحياة الكريمة.

من جانبها دعت الأحزاب الكردية في إيران الشعب الكردي إلى تنفيذ إضراب عام في مناطق (روژهلات) وعموم المناطق الإيرانية، في ذكرى الثورة التي اندلعت شرارتها من هذه المناطق التي كانت المحرك الرئيسي للثورة الشبابية الإيرانية، ما دفع السلطات الإيرانية إلى مضاعفة قمع المناطق الكردية، إضافةً إلى محاولتها إحداث شرخ بين القوميات الإيرانية، واتهام الكرد بالسعي إلى الانفصال، لضرب الحراك في مهده.

في المقابل، تستمر تهديدات “الحرس الثوري الإيراني” للجانب العراقي باستئناف قصف مواقع الأحزاب الكردية على حدودها، ما لم يتم نزع سلاح هذه الأحزاب، حتى موعد أقصاه 19 أيلول/ الجاري، وذلك تحسباً للدور الذي من المتوقع أن تلعبه هذه الأحزاب في تأجيج الحراك الشعبي في المناطق الكردية، وما سيكون لها من تأثير على باقي المناطق الإيرانية.

وتشهد هذه المناطق، وفي مقدمتها مدينة سقز، مسقط رأس ژینا أميني، تشديدات أمنية مكثفة تحسباً لأيّ حراك قد يندلع في ذكرى مقتلها على يد شرطة الأخلاق الإيرانية، ولا سيّما بعد عزم ذويها إحياء ذكرى مقتلها في مقبرة المدينة، واحتمال انضمام مختلف أطياف الشعب الإيراني إلى هذه الذكرى التي تحولت إلى نقطة انعطاف مهمة في تاريخ نضال الشعب الإيراني ضد نظام الجمهورية الإسلامية على مرّ العقود الأربعة، منذ نشوئها عام 1979، بعد انقلاب الإسلاميين بقيادة الخميني على الحراك الجماهيري متعدد الأطياف، ضد نظام الشاه الاستبدادي.

صحيح أنّ الحراك الشعبي الشبابي في إيران تراجعت حدته بعد الستة أشهر الأولى، ولم نشهد في النصف الثاني من العام مظاهرات متأججة في الشوارع كما في النصف الأول منه، لكن من خلال متابعتنا ورصدنا للداخل الإيراني، كان من الواضح أنّ هذا الجيل الشاب في إيران أحدث زعزعة كبرى في بنية النظام الإيراني، وكسر أحد أكبر التابوهات التي يتمركز عليها هذا النظام وهو تقييد حرية المرأة، فما تزال المرأة الإيرانية تسير في الشوارع بدون حجاب، متباهيةً بجمالها وحريتها، ونجد الفتيات الإيرانيات يرقصن رفقة الشباب على وقع أنغام الموسيقى في شوارع وساحات مختلف المناطق الإيرانية، متحدياتٍ بذلك آلة النظام القمعية.

من الأسباب الأخرى التي أثّرت على شدّة الحراك هو وعي الجيل الشاب في إيران، واستفادته من تجارب “ثورات الربيع العربي”، التي أدت إلى تدمير بعض البلدان، وأوصلتها إلى حافة الهاوية، كما في ليبيا وسوريا واليمن، فالجيل الجديد في إيران متمسك ببلاده، ولا يريد لها الدمار بأي شكل من الأشكال، كما أنه في الوقت ذاته يطمح إلى الإطاحة بالنظام الإسلامي واستعادة الهوية الإيرانية العريقة للبلاد، فعبارة “ليأتي الشيطان ويحل محل هذا النظام” التي كانت سائدةً في الحراك الشعبي السوري، ليست مقبولةً بين المتظاهرين الإيرانيين. ونجد عوضاً عنه شطراً شعرياً شهيراً لشاعر الفرس القومي الفردوسي، رائجاً على ألسنتهم/ن، وهو: “دريغ است ايران كه ويران شود“، بمعنى: “إنها لخسارةٌ كبرى أن تدمّر إيران”. لذلك كان هذا السكون النسبي على مدار ستة أشهر بمثابة تكتيك يهدف إلى إعادة تنظيم الحراك من جهة، والضغط على المعارضة الإيرانية المشتتة في الخارج لتوحيد صفوفها، من جهة أخرى.

على الرغم من ذلك، لم تختف المظاهر الاحتجاجية في الشوارع بشكل كامل، فكانت مناسبات إحياء ذكرى أربعينية ضحايا الاحتجاجات، وأعياد ميلادهم/ن تتحول إلى مظاهرات في الشوارع، كما أنّ الاحتجاجات العمالية والنقابية المنددة بسوء الأوضاع المعيشية والحياة المهينة التي يعيشها الشعب الإيراني، بقيت مستمرة في الشوارع.

السبب الآخر لتراجع حدة الاحتجاجات كان القمع الشديد والممنهج الذي مورس ضد الجيل الشاب الثائر في إيران، بدءاً من الإعدامات وحملات الاعتقالات واسعة النطاق، والغرامات المالية، والفصل من الجامعات، وعقوبات أخرى تفنن فيها النظام الإيراني، يُعتقد أنّ خبراء روس ساعدوا النظام الإيراني في ممارستها، ومنها استهداف أعين المتظاهرات، حيث بلغت حالات الإصابة في الأعين قرابة/500/ فتاة فقدن إحدى عينيهن أو كلتيهما، إضافةً إلى فرض غسل جثث الموتى لمدة شهر، للنساء اللاتي لا يراعين ارتداء الحجاب.

هذا إلى جانب الهجمات الممنهجة بالغازات الكيميائية على مدارس البنات بواسطة المسيّرات، وذلك في محاولة لتأديب طالبات المراحل الإعدادية والثانوية، واللاتي برز صوتهن خلال الاحتجاجات، وكنّ ينظمن تظاهرات وحركات احتجاجية داخل وخارج مدارسهنّ.

إنّ عدم حدوث تغيير في عقلية النظام الإيراني، واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية، وعدم حدوث انفراجة في السياسة الداخلية أو الخارجية الإيرانية، واستمرار حالة قمع الحريات، التي تمارسها السلطة في إيران ضد شعبها، كل ذلك يهيئ الأرضية لعودة اندلاع الاحتجاجات من جديد في الشوارع، ولا سيّما إذا شعر الإيرانيون بدعم حقيقي من قبل المجتمع الدولي لحراكهم. وفي ظل وصول جميع المحاولات مع النظام الإيراني -لحثه على تغيير سلوكه- إلى طريق مسدود، ولا سيما فيما يتعلق بملفه النووي واستمرار دعم روسيا بالصواريخ والمسيرات في الحرب ضد أوكرانيا، إضافةً إلى تدخلاته الإقليمية، قد نشهد مثل هذا الدعم للمتظاهرين في الداخل، ويمكننا استشراف هذا التوجه، مع إقرار مجلس النواب الأمريكي، أول من أمس الأربعاء، قانون “مهسا أميني” لحقوق الإنسان والمساءلة الأمنية، وهو يقضي بفرض عقوبات على خامنئي وابراهيم رئيسي والدائرة المقرّبة منهما، بسبب انتهاك حقوق الإنسان، وقد يعتبر توقيت إقرار هذا القانون بمثابة رسالة دعم للداخل الإيراني، وحثه على مواصلة الحراك ضد النظام الإسلامي الحاكم في إيران.

زر الذهاب إلى الأعلى