هل انهيار أنصار الجمهورية الإسلامية وتآكل قوة “قمع” السلطة في الطريق؟
بات من الممكن مشاهدة موجة اليأس بين أولئك الذين آمنوا بمناعة التحالف الذي تقوده الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط، داخل حدود إيران وخارجها.
وبالنظر إلى أنّ نظام حزب البعث السوري، كان يُعتبر رمزاً لقوة “محور المقاومة”، فإنّ سقوطه لم يؤدِّ إلى تقليص نطاق نفوذ الحكومة الإيرانية وحسب، بل جعل خصومها أكثر جرأةً أيضاً. لقد بات مؤيدو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، يواجهون حقيقةً مرّةً، وهي أنّ حساباتهم الاستراتيجية ربّما كانت مفرطة في التفاؤل، مما أدى إلى حدوث أزمة ثقة في قدرة “القيادة” وهيمنتها.
علاوةً على ذلك، فإنّ العواقب قد تمتد إلى ما هو أبعد من سوريا. فاحتمال ظهور دولة شبه ديمقراطية، أو تحت قيادة سنيّة، قد يغيّر موازين القوى في المنطقة، ويزيد من عزلة الجمهورية الإسلامية، وشبكة وكلائها وحلفائها أكثر من ذي قبل. وفي سيناريو آخر، توجد مخاوف من عودة التطرف السني أيضاً، والذي قد يهدد الاستقرار داخل إيران.
في أعقاب هذه التطورات، باتت القاعدة الاجتماعية لمؤسسة ولاية الفقيه تواجه حالةً من الإحباط. وقد شكّك بعض مؤيدي هذه المؤسسة في السياسة الخارجية الإيرانية، مما أدى إلى تزايد المطالبات بإعادة تقييمها.
وعندما تهدأ الأوضاع، يبقى أن نرى كيف سيُلملم خامنئي قاعدته المؤيدة، ويرد على المخاوف المتزايدة في ظل التغييرات السريعة الحاصلة في أوضاع المنطقة. إنّ حالة الإحباط الناجمة عن سقوط بشار الأسد، الرئيس السوري المخلوع، قد تعمل كحافز للتحول والتغير في الاستراتيجية والأيديولوجية بين أتباع خامنئي، لأنهم باتوا يواجهون الحقائق المعقدة في الشرق الأوسط، بعد سقوط حكم بشار الأسد.
تتجاوز تبعات هذه التحولات نطاق السياسة الخارجية، وتمتد لتؤثر على الصراعات الداخلية بين الحكومة وغالبية المواطنين الإيرانيين، الذين يسعون إلى تغيير هيكل الحكم. بعد فرار الأسد، تغيّرت العوامل النفسية لصالح الشعب في نضاله السياسي ضد الجمهورية الإسلامية، ويمكن لهذا المتغيّر أن يلعب دوراً هاماً في صياغة السلوكيات والتوجهات للتغلب على العقبات القائمة.
تزايد ضعف مكانة نظام الجمهورية الإسلامية
إنّ إضعاف قوة الجمهورية الإسلامية، وهزائمها الإقليمية المتتالية، يدفع المزيد من الأفراد إلى استنتاج أنّ السلطة في وضع أضعف لفرض التخويف والقمع، وأنها تعاني من خلل معرفي وإدراكي. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ثقة المعارضين ستتزايد بأنفسهم، لتقوية المقاومة وتعزيز الهوية الجماعية، من أجل تحفيز الناس لمواجهة الدعاية والمعلومات المضللة التي تنشرها مؤسسات خامنئي.
هذه الموجة الجديدة من الأمل بين المعارضين، إلى جانب حالة الفتور وعدم الثبات والانفصال بين بعض أتباع مؤسسة ولاية الفقيه، تعزز من إمكانية قيام حراك اجتماعي أقوى في إيران، يركز على الإلهام، والأمل، وتوحيد العمل بين الناس، للخلاص من السلطة المختلة التي وضعت إيران في وضع خطير على الصعيد الداخلي والخارجي، على حدٍّ سواء.
لم تتضح بعدُ أبعاد التردّد، وعدم الرضا واليأس لدى أنصار النظام، وقد يكون جزءٌ منه على الأقل، حالةً عابرة. الاستياء أيضاً ذو شقين: فالبعض يعتبر أنّ براغماتية النواة الصلبة للسلطة هي سبب المشكلة، في حين أنّ البعض الآخر تساوره الشكوك في صواب الأساس السياسي.
انكشفت حالة اليأس غير المسبوقة أولاً عبر منصة “بيسيمجي” التابعة لجهاز استخبارات الحرس الثوري، حيث اتُّهِمَ خامنئي بالتردد في الرد على الهجوم الإسرائيلي على إيران. وعلى الرغم من أنّ هذا المنشور سرعان ما تم حذفه، واعتذرت هيئة التحرير داخل الدائرة الداخلية، عن نشر مثل هذا الانتقاد غير المتوقع لخامنئي، فإنه أظهر أنّ الاستياء من قرارات مرشد الجمهورية الإسلامية في حالة تزايد بين الأجنحة المتشددة والمعتدلة من أتباعه من جهة، والأوساط المستقلة والمعارضة في المجتمع من جهة أخرى.
من المؤشرات الأخرى على تحطم قدسية ومكانة خامنئي، المقال التحذيري الصادر عن وكالة “تسنيم” – وهي وكالة إعلامية أخرى مرتبطة بالحرس الثوري- والذي شدّد على أهمية تنسيق العمل مع سرعة توجيهات مرشد الجمهورية الإسلامية. ويقترح هذا المقال ” ألا ينحرفوا عن طاعته يميناً أو شمالاً!”. بالإضافة إلى ذلك، تحدّث “هادي زراعي”، وهو عضو في فيلق القدس في سوريا، خلال مقابلة مصورة، بشكل أكثر صراحة عن الإجراءات الخاطئة للسلطات الإيرانية في سوريا، وأشار إلى أنّ مبالغة قائد الحرس الثوري في حديثه عن النجاحات، خلقت مشاكل للبلاد.
في الأسابيع الأخيرة، رأينا أنّ وسائل الإعلام الرئيسة التابعة لمؤسسة ولاية الفقيه، حاولت جاهدةً تخفيف حزن أنصار النظام، واستندت إلى تعليمات خامنئي التي تؤكد على ضرورة عدم الزهو بالنفس بعد الانتصار، وتجنّب اليأس عند مواجهة الهزيمة، وذلك للحيلولة دون تقوية المعارضين والمنتقدين. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنّ جميع هذه المحاولات الرامية إلى منع تضاؤل القاعدة الاجتماعية لمؤسسة ولاية الفقيه كانت بلا جدوى.
لقد كانت المصادفة، أو كما يقال “ضربات الحظ” الكثيرة، من العوامل الرئيسة في نجاح خامنئي غير المستقر في المنطقة، ويبدو أنّ هذا العامل لم يعد مستمراً، بل ربما يسير بشكلٍ معاكس في الوقت الراهن.
بناءً على ذلك، وبالنظر إلى أنّ الصمود النفسي يلعب دوراً حاسماً في الحركات القائمة على المقاومة المدنية والجماعية، ويتسبب في حالة من التوتر بين أنصار السلطة القائمة، فإنه من المنطقي توقع تسارع عملية إضعاف السلطة وانهيار داعميها نتيجة التطورات السريعة والمفاجئة في المنطقة، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل قوة القمع لهذه السلطة.
الكاتب: علي أفشاري، محلل سياسي إيراني وناشط في مجال حقوق الإنسان، مقيم في الولايات المتحدة.
ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.