ترجمات

الممرات التركية أداة للإمبريالية؛ لقد حان الوقت لقلب الطاولة

لم يخفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في تعديل حدود تركيا التي مضى عليها قرن من الزمان. وقد طالب بأجزاءَ من بلغاريا واليونان وقبرص، وتحتل القوات التركية أجزاء من قبرص وسوريا والعراق. وفي الوقت نفسه، تساعد القوات الخاصة التركية نظيرتها الأذربيجانية التي تحتل الآن عشرات الأميال المربعة في أرمينيا.

في حين تستمر الصين في تعزيز سياستها الامبريالية، وتقوم روسيا بكسب دول حليفة بين جيرانها، فإن استراتيجية تركيا تبدو أنّها تهدف إلى الاستفادة من المطالبة بالممرات كوسيلة لتحقيق أهدافها في بناء إمبراطوريتها.

إذا نظرنا إلى تصرفات تركيا في شمال العراق، نرى أنه بعد أسابيع من التلميح بالقيام بعمل عسكري، بدأت تركيا حملة قصف واحتلال مكثّفة للقضاء على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. إن كراهية تركيا للأكراد بشكل عام وحزب العمال الكردستاني بشكل خاص ليست سراً. وعندما يعجز وكلاؤه عن الفوز في صناديق الاقتراع، يتهم أردوغان السياسيين الأكراد المنتصرين بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني لتبرير استبدال المعارضين بمؤيديه. ومع ذلك، يدرك أردوغان أن العنصرية الواضحة قد تضر بصورته، ولذلك فهو يروّج للعدوان بطرق أخرى للمجتمع الدولي.

تأتي الممرات الاقتصادية لتبرير العمل العسكري لتركيا تحت غطاء تمكين ممر اقتصادي من تركيا عبر العراق إلى الخليج الفارسي. ويزعم الأتراك بأنّ حزب العمال الكردستاني قد يعرّض التجارة للخطر، وبالتالي فإنّ تركيا بحاجة للقضاء عليه، على الرغم من أن طرق الممر لا تمر عبر الأراضي أو القرى التي تقوم تركيا الآن بقصفها. في الواقع، يتجنب الممر المقترح بين تركيا والعراق مدن الأكراد العراقيين، تمامًا كما بنى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين طرقاً سريعة تتجنب عمداً المدنَ الشيعية.

قامت أنقرة أيضًا بتحويل المطالبة بالممرات إلى حجّة لحرب محتملة مع أرمينيا. وتقول تركيا وأذربيجان إنه إذا لم تسمح لهما أرمينيا بشق ممر عبر جنوب أرمينيا من أجل ربط البلدين، فقد تستوليان على الأرض بالقوة. الممر المعني سيكون بطول 65 كيلومتراً على الأقل، وهي تقريبًا المسافة بين واشنطن وبالتيمور.

أرمينيا مترددة في الموافقة على مثل هذه المطالب؛ لأن الممر التركي سيقسم البلاد، وبالتالي سهولة اضعافها وعزلها عن الشركاء التجاريين الآخرين. كما أنّ الأرمن يعلمون أنه إذا قامت تركيا وأذربيجان بفتح حدودهما للتجارة العادية، فلن تبقى هناك أي حاجة إلى الممر. تُبرز هذا الحقيقة البسيطة واقعَ استخدام تركيا مطلب الممر كآلية للإمبريالية أكثر من كونه شرطاً لتمكين التجارة.

حدث الأمر نفسه أيضًا في قبرص. في شهر أغسطس/آب 2023، هاجم الأتراك في قبرص قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة العازلة التي تفصل قبرص عن المنطقة التي تحتلها تركيا في الجزيرة. حاول الأتراك وأنصارهم تبرير فعلتهم برفض القبرصيين السماح للأتراك ببناء طريق مباشر إلى بلدة “بيلا” عبر المنطقة العازلة، مما يعني بشكل أساسي إنشاء ممر إلى واحدة من البلدات القليلة التي يعيش فيها اليونانيون والأتراك القبرصيون معًا. من الناحية القانونية، لم تكن لتركيا أو الحكومة الوكيلة لها في المنطقة المحتلة أي حقّ في القيام بذلك، حيث تبقى المنطقة العازلة أرضاً قبرصية ذات سيادة حتى لو وافقت الحكومة القبرصية على عدم نشر جيشها هناك. كانت تركيا تعلم ذلك، ولكنها حسبت أنها يمكن أن تستخدم حجة الممر لتبرير محاولة جديدة للاستيلاء على الأراضي.

إنّ نمط سلوك تركيا واضح،  حتى ولو أن الغرب نادراً ما يعترف به؛ بسبب التقسيمات البيروقراطية الاصطناعية التي تحصر الدبلوماسيين والمحللين الغربيين في صناديق. أصبحت الممرات التركية اليوم مثل حصان طروادة مغلَفٍ بلغة الدبلوماسية والتنمية.

ومع ذلك، فإنّ تركيا تعاني من نقطة ضعف. إن أردوغان سياسيّ بارع تكتيكيًا، لكنه رجل أحمق في جوهره، وسجله الدراسي يضعه بعيدًا جداً عن أفضل الطلاب. إنه، في جوهره، مجرد مشاغب شوارع مزيَّف لم يتأهل للمدارس النخبوية التركية، بل ولا حتى للمدارس العادية. إنّ فهمه للتاريخ يقوم على الجدل بدلاً من الحقائق، وبالتالي فهو لا يدرك أنّ بإمكان التدقيق في التاريخ أن يعمل ضد تركيا.

أحد أكثر الطرق الدبلوماسية فعاليةً، على سبيل المثال، لرفض مطالب أردوغان بتعديل معاهدة لوزان، التي يبلغ عمرها مائة عام، والتي أنشأت حدود تركيا الحديثة، هي استخدام أي تعديل كوسيلة لاستعادة الأراضي اليونانية التي فًقدت بشكل غير عادل بعد التطهير العرقي. أردوغان يريد إلغاء معاهدة لوزان؟ حسنًا، فلتصبح إزمير مرة أخرى “سميرنا”.

الأمر نفسه ينطبق على أرمينيا. في أعقاب الحرب العالمية الأولى، أرسل الرئيس وودرو ويلسون الجنرال جيمس هاربورد لتقديم تقرير عن العلاقات الأرمنية – العثمانية بعد الإبادة الجماعية للأرمن، بهدف تقديم دراسة إمكانية إقامة ولاية تحت الانتداب تكون الولايات المتحدة القوّةَ الحامية فيها. كانت النتيجة تقريراً شاملاً يزعم أنّ نجاة أرمينيا تتطلب ممرًا إلى البحر. كان هاربورد على حق وما يزال. إذا فتحت تركيا الباب أمام الممرات، فعلى الغرب أن يفتح الباب في الاتجاه الآخر. تحتاج أرمينيا إلى ممر للبقاء على قيد الحياة. ترابزون (طرابزون) كانت تاريخيًا جزءًا من أرمينيا وتمثل خيارًا منطقيًا لنهاية الممر.

بينما يتبنى أردوغان الممرّات، حان الوقت للغرب للتأكيد على حقه في تصحيح الظلم التاريخي. فقد فتح أردوغان الباب؛ وينبغي للولايات المتحدة الامريكية وفرنسا المرور عبره.

الكاتب: مايكل روبين – مدير تحليل السياسات في منتدى الشرق الأوسط، وكبير زملاء معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة.

ترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى