
هل يمكن لـ”حكومة دمشق” أن تصبح شريكاً فعالاً في محاربة داعش؟
بدأت حكومة دمشق، بالترويج لدورها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا فور لقاء رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية في 14 مايو/ أيار الماضي. هذا الأمر يحمل دلالات سياسية واضحة، إذ يبدو محاولة من حكومة دمشق لكسب الشرعية الدولية عبر تقديم نفسها كشريك موثوق في ملف مكافحة الإرهاب، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة التي تعتبر هذا الملف أولوية استراتيجية في المنطقة.
سعى الشرع، من خلال لقائه بترامب، والذي جاء في توقيت متزامن مع الجهود المبذولة للترويج لمكافحة تنظيم داعش على الأراضي السورية، إلى تحقيق هدفين رئيسيين؛ الأول تثبيت أقدامه على الساحة الدولية كلاعب سياسي لا يمكن تجاهله. والثاني، الاستفادة القصوى من الدعم الخارجي المحتمل لتعزيز شرعيته أمام الرأي العام العالمي والإقليمي، وربما الحصول على دعم ملموس من القوى الكبرى المؤثرة في المشهد السياسي.
والسؤال المطروح هنا هو: هل يستطيع “أحمد الشرع” أن يصبح شريكاً حقيقياً في الحرب ضد تنظيم داعش، خاصة في ظل استمرار اعتماد واشنطن على قوات سوريا الديمقراطية، التي أثبتت فعاليتها وجدارتها في مواجهة التنظيم؟ وهل لديه القدرة على تحقيق هذه الطموح على أرض الواقع؟
يعتبر ملف مكافحة تنظيم داعش الإرهابي أساسياً وحاسماً في السياسة الإقليمية والدولية المتعلقة بالشأن السوري. وقد لعب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية دوراً محورياً في هذا الصراع المعقد، وذلك من خلال إقامة شراكات محلية قوية، أبرزها وأهمها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تمثل الشريك الرئيسي للتحالف الدولي منذ عام 2015 وحتى الآن. حققت قوات قسد نجاحات كبيرة وملموسة على أرض الواقع، مثل تحرير مدينة الرقة التي كانت معقلًا رئيسياً للتنظيم، وتفكيك معظم البنية العسكرية والإدارية للتنظيم في مناطق شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى توفير بنية أمنية وإدارية مستقرة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها. كما أن انضباطها التنظيمي العالي، وطابعها التعددي الذي يمثل مختلف مكونات المجتمع السوري يجعلانها شريكا عسكريا موثوقا به، ومشروعاً سياسياً-أمنياً يخدم استقرار المنطقة، ويمنع عودة تنظيم داعش مرة أخرى.
في المقابل، وعلى الرغم من أنّ أحمد الشرع يمثل انفتاحاً سياسياً نسبياً مقارنة بالنظام السوري السابق، سيّما في ظل الدعم الخليجي وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، والفرص الغربية له، إلا أنه ما يزال محاطاً بالشكوك، وذلك بسبب تاريخ تنظيمه (هيئة تحرير الشام) الذي يُنظر إليه كبيئة سمحت بنمو وتوسع تنظيم داعش في المنطقة وكان جزءاً منه. إضافة إلى ذلك، لا يوجد سجل فعلي وموثق للشرع أو قواته في معارك حقيقية ومباشرة ضد تنظيم داعش. لذا، فأيّة محاولة من جانب الشرع للعب دور في محاربة تنظيم داعش قد تعتبر مجرد “مناورة سياسية” تهدف إلى كسب شرعية دولية، وليست شراكة أمنية موثوقة وقائمة على أسس صلبة، خاصة إذا لم تترافق مع إصلاحات حقيقية و حلول جذرية في الأجهزة الأمنية والجيش، وتحديداً فيما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم داعش سابقاً، ولا يزالون يحملون أفكاره ومعتقداته، وبالتالي يشكلون تهديداً حقيقياً للاستقرار الإقليمي والدولي، وعلى الرغم من انفتاح واشنطن مؤخراً على مسألة دمج هؤلاء الأجانب ضمن جيش سوريا المستقبلي، إلا أنّه لم تذكر أيّة آلية أو تفاصيل أخرى حول الموضوع.
إذا كان الشرع يرغب حقاً في مواجهة تنظيم داعش، فإنه يحتاج إلى دعم مباشر وقوي من الأطراف المؤثرة في المشهد، مما يضعف موقفه بشكل كبير مقارنة بقسد التي تمتلك نموذجاً قتالياً ذاتيا مدعوماً بشكل فعال من التحالف الدولي. وبالتالي، يظلّ الرهان على قوات قسد أقل كلفة سياسياً وأمنيا بالنسبة لواشنطن، بينما يبقى “الشرع” غير مضمون التوجه، مما يقلل بشكل كبير من فرص الاعتماد عليه كحليف رئيسي في ملف مكافحة تنظيم داعش. قد تسعى واشنطن لاحقاً إلى دمج النظام الجديد في “المنظومة الإقليمية لمحاربة الإرهاب” ضمن إطار تنسيقي أمني محدود يمهد الطريق أمام عمليات التحالف الدولي ضد التنظيم في مناطق التماس بين قسد وقوات “الشرع”، خاصة إذا قدّم الأخير مبادرات وخطوات سياسية ملموسة أو مؤشرات واضحة على الإصلاح. لكن في الوقت الراهن، من غير المرجح استبدال قسد بأي طرف آخر.
في ميزان التحالف الدولي، لا يمثل “أحمد الشرع” بديلاً لقوات سوريا الديموقراطية في الحرب على تنظيم داعش، على الأقل في المدى القريب المنظور. فالثقة والفعالية والقدرة على العمل وفق استراتيجية التحالف الدولي، ما تزال عناصر أساسية تمتلكها قسد دون غيرها من الأطراف الأخرى. قد يحاول الشرع استثمار ملف مكافحة تنظيم داعش لتحسين موقعه على الساحة الدولية، لكن نجاحه في ذلك يتطلب أكثر بكثير من مجرد النوايا الحسنة، وفي مقدمتها بناء مؤسسة عسكرية جديدة قادرة على مواجهة التنظيم، وتقديم ضمانات سياسية واضحة وموثوقة، وخلق نموذج محلي للتعاون غير قائم على القمع والاستحواذ والإقصاء والهيمنة والتطرف. وبينما تسعى واشنطن إلى تقليل انخراطها الميداني المباشر في سوريا، يبقى خيارها المفضل هو الشراكة مع فاعلين محليين موثوقين وفعّالين، وليس مع أنظمة هشة لا تزال في طور التكوين والتشكّل.