أدب الأطفال في الثقافة الكرديّة
للكاتب: عبد المجيد قاسم
الطفولة مرحلة بريئة من عمر الإنسان، مرحلة توحي بالجمال، وترمز إلى عالم متكامل من النقاء، والأطفـال هم مرآة مجتمعاتهم، وكيفما يكن الأطفال تكن الأمم، إنهم بهجة الحياة وزينتها الطفولة براءة روح، الطفولة نقاء قلب.
والأطفال غراس الحياة، وقطـوف الأمل، وقرّة عين الإنسان، وزهـور الأمّة، وبراعم الغد المشرق، والأطفال تذكار الصّبا، ووديعة الله المقدّسة، وهديّة السماء.
ولاشكّ أنّ أدب الأطفال هو أحد الأنواع الأدبية الهامّة، وفنٌّ من فنونها الحديثة نسبياً، وهو أدب مُوجّه إلى جمهور الأطفال دون سواهم، يهتمّ بميولهم واحتياجاتهم، ويراعي خصائصهم وقدراتهم وطبيعة نمائهم من الجوانب العقلية والانفعالية واللغوية.
وهذا الأدب يرتكز على مجموعة من الأسس الفلسفية والتربوية والنفسية الحديثة، ويهدف إلى الإسهام في بناء الشخصية الطفلية بناءً صحيحاً، وتنمية مكوناتها وقدراتها بصورة متوازنة.
ويتّخذ هذا الأدب في مجمل جوانبه أنواعاً عديدة تتمثّل في القصة والشعر والمسرحية والمقالة والرواية. والاهتمام بهذا النوع الأدبي هو وليد الاهتمام بالطفولة أولاً، ومحصلة لمبادئ التربية الحديثة التي اهتمت بكلّ جوانب الشخصية الطفلية ثانياً.
وفي هذا السياق، وعن دار سيماف في مدينة قامشلو، وضمن إصدارات هيئة الثقافة والفنّ في الجزيرة السورية، صدر للكاتب عبد المجيد إبراهيم قاسم كتاب تحت مسمَّى: أدب الأطفال في الثقافة الكردية.. كرد سوريا أنموذجاً.. وذلك على امتداد 286 صفحة من القطع الوسط.
ويأتي هذا العنوان الملفت لهذا الإصدار ليشكِّل مادّة أساسية ومرجعاً مهماً لأصحاب الشأن والاهتمام؛ وذلك لندرة الأبحاث في هكذا سياق، وحاجة المكتبة الأدبية إلى مثل هذه المصادر؛ نظراً لحيويتها البالغة وتأثيرها الجميل في ميدان الكتابة لفلذات الأكباد، وقد قيل قديماً بلغة الشعر:
وإنَّما أولادنا بيننا أكبــا دنا تـمشي على الأرضِ
لو هبَّت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمضِ
وأعتقد أنّ عين الكاتب قد امتنعت حقاً عن الغمض، وعلى مدى سنوات خلت؛ ليخرج إلينا بكتابه هذا، وليضعه بين أيدينا بهذه الصورة الآسرة.
وتأتي هذه الدراسة القيّمة في إطار تقديم صورة واضحة وشاملة عن واقع ثقافة الطفل الكردي والأدب الموجّه له بشكل عام، وكمحاولة للتعريف بهذا الأدب كردياً، وإبراز ملامحه وروّاده، من خلال تتبّع مراحل تطوره التاريخية، وتسليط الضوء على بواكير النتاجات الأدبية المنجزة للأطفال في تجربة الكرد في سوريا بشكل خاص.
ولعل من الأسباب الأخرى وراء اختيار المؤلِّف موضوع هذه الدراسة: تشجيع الكتابة الإبداعية في مجال أدب الأطفال الكردي، والدفع للاهتمام بثقافتهم عموماً، ومحاولة لسدّ ثغرة من الفراغ الكبير في المكتبتين العربية والكردية في مجال الدراسات المتخصصة في حقل الأدب الطفلي.
وقد يسأل سائل: هل ثمَّة أدب أطفال في الثقافة الكردية؟ وإجابة عن هذه التساؤل أقول: نعم، وبكل تأكيد هناك أدب أطفال في ثقافتنا الكردية، ولكن ربما ليس بالشكل الذي نريده، بمعنى آخر: هذا الأدب موجود، ولكن بمستوى متواضع.. وهذا لا يعني تهميش هذا النوع من الأدب بشكل مقصود؛ وإنما كان لغياب المؤسسات الثقافية تأثير واضح في تأخير ظهور هذا الأدب.
وأستطيع القول: إن كتاب الأستاذ عبد المجيد –الصادر حديثاً- جاء ليسد شيئاً من الفراغ في هذا المجال.
وتبقى الثقافة الكردية في كل حال ثقافة إنسانية حضارية غنية لها دورها الكبير بين مختلف ثقافات العالم، وعلى مستوى العالم برمَّته، وقد اهتَّمت هذه الثقافة بالأطفال عبر المأثورات الشعبية، فالأكراد يقولون: Zarok xemla malan e أي: الأطفال زينة البيوت،
ويقولون: Zarok gulokê zêrîn in أي: الأطفال كرات ذهبية.
ولقد حاول الأستاذ عبد المجيد قاسم أن يتلمس جوانب ظاهرة (أدب الأطفال الكردي في سورية) من خلال التركيز على عدَّة منابع، منها: شذرات أدبية متنوعة للأطفال في الأدب الشفاهي الكردي، ومجموعة من الإصدارات الشعرية والنثرية الموجّهة خصيصاً لهم، وبعض المواد الأدبية والفنية في تجارب الصحافة الكردية خلال مسيرتها، ومجموعة من الأبحاث والدراسات المنشورة في بعض الدوريات باللغة العربية، ومجموعة من الأبحاث والدراسات والمقالات المنشورة على مواقع الإنترنت، وأخيراً وليس آخراً استقراء آراء مجموعة من الكتّاب والنقّاد ممن اشتغلوا في مجال أدب الأطفال.
وتشتمل الأهداف التي يسعى أدب الأطفال لتحقيقها على مجالات تربوية ونفسية واجتماعية وجمالية كان الكاتب قد عرضها، ويمكن توثيقها في أهداف شتى، ومن بين هذه المقاصد:
– أولاً) التربوية: وذلك عبر تنمية شخصيات الأطفال عقلياً ونفسياً واجتماعياً، وتوسيع آفاق مداركهم، وإتاحة الفرصة ليعيشوا الخبرات والتجارب المختلفة، ضمن أُطر تلائم قدراتهم، ومساعدتهم في اكتشاف البيئة المحيطة، وتنمية الاتجاهات التي تُعزّز حلَّ المشكلات، وتنمية القدرات التعبيرية عن الأفكار والمشاعر.
– ثانياً) الثقافية والمعرفية والتعليمية، وتتمثّل في: رفد الأطفال بثقافة مناسبة، والإسهام في زيادة معارفهم واطلاعهم، والإسهام بدور محبّب في تعليمهم أساليب الحياة واكتشاف طبيعتها، وتزويدهم بالمعارف والحقائق عن الطبيعة والبيئات الاجتماعية المختلفة.
– ثالثاً) الانفعالية والوجدانية: وتنحصر في إثارة العواطف النبيلة، وتعزيز المشاعر والأحاسيس الإنسانية الراقية، وتهذيب انفعالاتهم، وتوجيهها الوجهة السليمة، وتأمين نوع من التوازن النفسي، وإقامة علاقات إيجابية مع الآخرين.
– رابعاً) الاجتماعية، وهي تقتضي: التعريف بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل، وقيمها الإيجابية السائدة، وتنمية الحسّ الاجتماعي، وغرس القيم الإيجابية المنسجمة مع قيم المجتمع، وترسيخ علاقات اجتماعية سليمة في الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي.
– خامساً) الجمالية والتذوّقية: وذلك عبر الارتقاء بحسّ الطفل التذوقي، وتعزيز توجّهاته الجمالية، وإكسابه حبّ الطبيعة، من خلال النماذج الأدبية التي يقدّمها، وتنمية المقدرة على التذوّق الأدبي.
وعن الخصائص العامة للكتابة الطفلية في تجربة كرد سورية، يقول الباحث عبد المجيد قاسم بأنها تميّزت بملامح بارزة، أذكر منها على سبيل المثال:
- ندرة التجارب الأدبية المقدّمة، حتى في إطار النقل والترجمة، واعتمادها بالعموم على مبادرات شخصية، أسَّست لنوع أدبي لم يكن معروفاً في السابق.
- الاعتماد على التراث الكردي، خاصّة الحكايات الشعبية، كمصدر للنصوص الأدبية المقدَّمة.
- التركيز على أهداف محدّدة، تدور في فلك التعليم والتهذيب، وموضوعات متعلّقة بالأخلاق والدعوة إلى القيم الحميدة.
- ندرة الدراسات التي تتناول هذا المجال، والافتقاد إلى حركة نقدية تواكب التجارب، وتدفعها للأمام.
- عدم مراعـــاة خصائص الشخصية الطفلية، ســـواء النفسية والعقلية والانفعالية واللغوية، أو الأسس والضوابط الواجب مراعاتــها أثناء مخاطبة جمهور الأطفال.
- انتهاج معظم الكتابات أساليب الكتابة للكبار، وقلة إخضاع المضامين للاعتبارات التربوية والنفسية، بحيث تناسب مراحل الطفولة وتنسجم مع ميولها.
الخصائص الفنية لهذه التجربة:
أما عن الخصائص الفنية لهذه التجربة فيقول الباحث عبد المجيد: إنّ المتتبّع لتجربة الكتابة عن الطفولة في الأدب الكردي يلاحظ عليها افتقار هذه التجربة إلى الخبرة في التعامل مع جمهور الأطفال عموماً، فقد ظلّت الكثير من النماذج المنجزة تعتمد أساليب التبسيط والاستسهال، وتفتقد إلى التعبير عن احتياجات الأطفال، ومن أهم الخصائص الفنية للنماذج الأدبية المكتوبة للأطفال في تجربة كرد سوريا:
عدم تحقيق الكثير من الخصائص الأدبية الأساسية في النصوص، كالتسلسل في الأحداث، والتنوّع في الشخصيات، والتوازن بين عنصريّ الواقعية والخيال.
إظهار الشخصيات والأحداث بصورة عشوائية وغير واضحة المعالم أحياناً، إذ كثيراً ما قُدمت الشخصية بقدرات وإمكانات مبالغ فيها، والأحداث مشبعة بالعواطف غير المناسبة.
كان الاهتمام بالمضمون على حساب الشكل والبناء الفني.
كثرة أساليب الوعظ والإرشاد والوصايا، والممارسة الخطابية على الأطفال، وزجّهم في مسارات سياسية بدت باهتة بالنسبة لهم.
وأعتقد أنه ليس من سبيل للمقارنة بين هذا الكتاب وسواه من الكتب في السياق ذاته؛ لأنني أرى أن هذه الكتاب الذي نعرضه لقرائنا الأعزاء هو تجربة تكاد تكون متفردة حول موضع أدب الطفل في الثقافة الكردية بشكل عام، والسورية على وجه الخصوص.
وبعد: فإنّ هذا الكتاب يُعدّ بمثابة دراسة هامة في مضمار البحوث التي تهتم بالشؤون الأدبية والثقافية والفكرية في الجزيرة السورية، كما يُعدّ باباً جديداً- بحسب إشارة المؤلف في مقدّمته- لن يبقى مغلقاً.
ونظراً لقيمة الكتاب؛ فإنّه جدير أن يكون مادّة للثقافة العامّة؛ لأنّه لا يتضمّن الجانب المادّي وحسب؛ وإنما يحتوي جوانب تربوية شاملة.
ونحن في مسيس الحاجة إلى مثل هذه المؤلفات، خاصّة وأنّ هذا الكتاب يتناول مواضيع جديدة في الأدب الكردي لم يتم التطرق إليها وفق هذه المنهجية.
وقد آثر المؤلف على طباعة كتابه هذا محلياً؛ وذلك ليكون في متناول أيدي أكبر عدد ممكن مِن القرّاء، وليكون مرجعاً للمهتمين.
بذل المؤلف جهداً مضاعفاً في العودة إلى أهم المراجع- وإن كانت نادرة في الأصل- فكان ذلك جانباً ضافياً ومتميزاً لجوهر هذا الإصدار، وللأمانة العلميّة فقد عاد الباحث إلى مراجع كردية شاملة عن الأدب بشكل عام، زادت على ثلاثين كتاباً، كما عاد إلى عدد لا بأس به من الصحف والدوريات الكردية والعربية.
هذا ويمكن تطوير أدب الطفل في ثقافتنا عبر التشجيع المادي والمعنوي، وإصدار صحف ومجلات تهتم بهذا الجانب الحيوي، وتفعيل دور الإعلام في خدمة هذا الأدب.
الكتاب: أدب الأطفال في الثقافة الكردية/ كرد سوريا- أنموذجاً، لـ عبد المجيد إبراهيم قاسم
تدقيق لغوي: علاء الدين حسن، ط 1 2018، هيئة الثقافة والفن في الجزيرة، قامشلو.