
تحيّة پزشکیان لنصر الله؛ استمرار التحالف مع الوكلاء
كتب مسعود پزشکیان، الذي أصبحت صورته بالزّي العسكري للحرس الثوري جزءاً من هويته في أذهان العامة، رسالةً إلى الشخصية الأولى في جماعات الوكلاء التابعة للجمهورية الإسلامية، في اليوم الثالث من رئاسته، ليؤكد التزامه بمواصلة نهج إيران في المنطقة.
وأكّد پزشکیان، في يوم الاثنين 18 تموز/ يوليو، وبعد ثلاثة أيام من توليه منصب الرئاسة، أنّ “دعم المقاومة سيستمر بقوة”. حيث جاء ذلك في رسالة موجهة إلى حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله الّلبناني، بعد اجتماعه مع خامنئي ومسؤولين آخرين في النظام، دون أن يعقد مؤتمراً صحفياً مع وسائل الإعلام، أو احتفالاً مع مؤيديه.
وهو يرى -مثل سلفه إبراهيم رئيسي- أنّ “دعم المقاومة” متجذّرٌ في السياسات الأصولية لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأهدافِ الخميني، وتوجيهاتِ خامنئي، التي يجب أن تستمر “بقوة”.
جاءت وفاة إبراهيم رئيسي في وقت كانت فيه الجمهورية الإسلامية، مع الحرس الثوري وجماعاتها بالوكالة، في حالة توتر مستمرة مع إسرائيل منذ أشهر، ومواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذي قد يشعل نار حربٍ مدمّرةٍ في المنطقة.
لقد تمكن مسعود پزشکیان النائب، الذي أصبح الآن خليفة رئيسي في منصب رئاسة الجمهورية، من التفوّق على منافسه، بِشعار تغيير المسار الحالي لإدارة البلاد، ولا سيّما على الصعيد الدبلوماسي.
لكنْ مع ذلك، أوصى علي خامنئي في أول رسالة له إلى پزشکیان، بمواصلة طريق رئيسي. كما قال القائد العام للحرس الثوري في رسالةٍ: “إنّه واثقٌ من أنّ پزشکیان سيعمل على حشد القدرات والفرص في سبيل انتصار النظام في الحرب الاقتصادية، وحماية قوته في المحافل الدولية”. وأكّد حسين سلامي أنّ الحرس الثوري جاهزٌ للتعاون مع پزشکیان في تنفيذ سياسات خامنئي.
على الرغم من وعود پزشکیان بتنفيذ مخطط خامنئي، فإنّ توصيات مرشد الجمهورية الإسلامية وتوقعات الحرس الثوري وقائده حسين سلامي، تجعل حلّ أزمة السياسة الخارجية، أمراً بعيد المنال، من دون إحداث تغيير في السياسات الكبرى للنظام، وتقليص تدخلات الحرس الثوري والميليشيات الوكيلة في التوترات الإقليمية. وتعتبر رسالة پزشکیان إلى نصر الله دليلاً على هذا الادّعاء.
لكنْ، ما هو رأي مسعود پزشکیان في الحرس الثوري والجماعات الوكيلة؟ وهل يستطيع خفض التصعيد والتحرك باتجاه حلّ أزمة السياسة الخارجية كما وعد من قبل، أمْ أنّه سيكمل طريق رئيسي مثلما طلب منه خامنئي؟
السجل السابق لدعم الحرس الثوري والجماعات الوكيلة
على الرغم من أنّ مسعود پزشکیان، جرّاحَ القلبِ، الذي تقوم أدبيّاتُه وخطابُه السياسي على “نهج البلاغة”، والذي أصبح الآن رئيس الحكومة الرابعة عشرة للجمهورية الإسلامية، قد تلقى تدريبه في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما يذكر، فإنّ مواقفه لا تختلف كثيراً عن مواقف رئيسي حيال القضية الفلسطينية، ومعاداة أمريكا، ودعم للحرس الثوري والجماعات الوكيلة.
عندما كان پزشکیان وزيراً للصحة، قال خلال أحد الاجتماعات، واصفاً روحه النضالية: “عندما كنتُ طالباً، كنتُ أوقف رئيس الجامعة عند حدّه، وعندما أصبحت رئيساً للجامعة، كنت أوقف رئيس الجمهورية عند حدّه، والآن بعد أنْ أصبحت وزيراً، سأوقف كلينتون عند حدّه”.
دخل پزشکیان البرلمان في السنوات التالية، ووقّع مع 39 نائباً متشدّداً عام 2008 على خطة عاجلة بعنوان “إلزام الحكومة بدعم شامل لفلسطين”، طلبوا فيها دخول إيران “بشكل جدي” لحماية قطاع غزّة.
في عام 2019، عندما صَنّفت الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، قدم پزشكيان مشروع قانون بعنوان “تعزيز مكانة الحرس الثوري الإيراني في مواجهة أمريكا”. وأَلزم مع زملائه في البرلمان، الحكومة الإيرانية باتخاذ إجراءاتٍ، تسببت في التمهيد لتصعيد التوترات اللاحقة بين إيران وأمريكا.
وصف پزشكيان وبقيّةُ النواب، من خلال تقديم هذا المشروع، القواتَ العسكرية والأمنية والاستخباراتية الأمريكية بـ “الإرهابية”، وألزموا إيران بمواجهتها، وإعاقة التعاون بين أمريكا ودول المنطقة.
تعود قوة الحرس الثوري وتطويرُه، خلال العقود الأخيرة، إلى دعم نواب مثل پزشکیان. فبعد مقتل قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة، دعمَ بشكلٍ علنيٍّ الحرسَ الثوري والسياسات التصعيدية المسبّبة للتوتر الإقليمي للجمهورية الإسلامية مرة أخرى، وهذه المرة من خلال ارتداء زيّ الحرس الثوري ووضع الكوفية حول رقبته. وذلك في وقت لعب فيه الحرس الثوري دوراً فعالاً في القمع الدّموي لاحتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر 2019م.
كما وصف پزشکیان، خلال مناظرات حملته الانتخابية، قاسم سليماني بـ “البطل القومي”، وقال في إشارةٍ إلى البرنامج الصاروخي والطائرات المسيرة للحرس الثوري: “إنّ أحد الأسباب التي تجعل الآخرين عاجزين عن القيام بفعل أي شيء ضدّ إيران هو الحرس الثوري”.
ردّ فعل الغرب والمنطقة على بروز پزشکیان
قد تكون المواقف السياسية لپزشکیان -الذي فاز في انتخاباتٍ قاطعتْها أكثرية الشعب- هي السبب وراء هذه العقوبة الأمريكية، والـ “لا” الكبيرة للمجتمع الإيراني، تجاه حكومة پزشکیان.
حیث أوضحت وزارة الخارجية الأمريكية أنّ الانتخابات في الجمهورية الإسلامية لم تكن عادلة، مؤكّدةً أنّ “نتيجة هذه الانتخابات لن تؤثر على نهج واشنطن”.
لكنْ في المقابل، أبدت القوى التابعة للحكومة والمدعومة منها في المنطقة، تأييدها لهذا المرشح؛ فقد كتب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي يقف حالياً على عتبة مواجهة واسعة مع إسرائيل، في رسالة تهنئة إلى مسعود پزشکیان: “سنواصل السير معك حتى نصل إلى النصر النهائي”.
كما أرسل ناصر أبو شريف، ممثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، رسالة تهنئة لپزشکیان، يقول فيها إنّه يعوّل فيها على دعم فلسطين في الولاية الرئاسية الجديدة.
يبدو أنّ مواقف پزشکیان في السنوات السابقة، هي على نقيض ما أظهرته الحملات الانتخابية، للحصول على أصوات المجتمع المعارض للحكومة والحرس الثوري، وهي أقرب إلى الحرس الثوري، وتتماشى مع السياسة العامة للجمهورية الإسلامية في دعم الجماعات الوكيلة، ومناهضة الغرب.
ثنائيّة الميدان والدبلوماسية؛ مواصلة طريق رئيسي
كان أحدُ الأسباب الرئيسية وراء فوز پزشکیان على سعيد جليلي، هو خلق ازدواجية، ولا سيّما في مجال السياسة الخارجية.
ويعتقد البعض أنّ محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق، لعب دوراً رئيسياً في فوزه على جليلي، من خلال دعمه الكامل لپزشکیان، ووعوده بإحياء الاتفاق النووي، والتفاوض من أجل رفع العقوبات.
لكنْ، وفقاً لما يقوله پزشکیان فإنّه سيعمل بناءً على رأي مرشد الجمهورية الإسلامية، فيما يتعلق بمسار الرئاسة ونهج الحكومة، بما في ذلك تعيين الوزراء.
في غضون ذلك، أبدى ظريف عدم رغبته في العودة إلى وزارة الخارجية، وربما من المرجّح ألّا تسمح تركيبة البرلمان له بالعودة إلى الوزارة. وقد يتمكن أشخاص مثل عباس عراقجي أو مهدي سنائي، أنْ يحلّوا محل ظريف بناءً على رأي خامنئي، لكن ليس أيُّ شخص يأتي-بحسب پزشکیان- سيكون لديه السلطة الكاملة مع المرشد.
في أيار/مايو 2021م. ربط ظريف سببَ فشل الاتفاق النووي بموضوع ازدواجية الميدان والدبلوماسية. فوفقاً له، فضّلت السلطات الإيرانية “الميدان”، أي أنّها فضّلت ساحة نشاط الحرس الثوري على “الدبلوماسية”. كما أشار إلى دور قاسم سليماني، قائد “ميدان” النظام، في إلحاق الضرر بالدبلوماسية في عهد الرئيس روحاني.
مع ذلك، فإنّ مسألة العلاقات الخارجية في حكومة پزشکیان مختلفةٌ بشكلٍ كلّيّ عما كانت عليه في حكومة روحاني. فمع انتهاء مدة الاتفاق النووي، وبروز العديد من الأحداث، بات إحياء هذا الاتفاق بالشكل السابق غيرَ ممكنٍ من الناحية العملية. كما أنّ الحرب في أوكرانيا وغزة، ومن ثم الاشتباك بين الحرس الثوري وإسرائيل، غيّرت الظروف العالمية بالنسبة لإيران، وباتت هناك حاجة إلى اتفاقٍ أشمل وأوسع، وهو الأمر الذي أصبح أكثر صعوبةً في الوقت الراهن.
بعد مرور يومين من فوز پزشکیان على منافسه جليلي، أعلن سعيد ليلاز -الناشط الإصلاحي وأحدُ مؤيديه- عن خطّته للسنوات الأربع المقبلة، حيث قال:” أنا لا أرى أنّه من مصلحة پزشکیان أن يقوم بأيّة حركة صغيرة في مجال السياسة الخارجية، من دون إذن وموافقة خامنئي”.
إنّ ـتأكيد صلاحية مسعود پزشکیان لخوض هذه الانتخابات غير الديمقراطية، وسجله في الوقوف إلى جانب الحرس الثوري والجماعات الوكيلة وفلسطين، واعترافه باتباع خطط خامنئي، جميعها دلائل تشير إلى أنّ پزشکیان سيتبع بشکل کامل-على الأقل في هذا المجال- خطى حكومة إبراهيم رئيسي.
الكاتب: مجتبى هاشمي – صحفي
الترجمة عن الفارسية – مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة