ترجمات

الانتخابات الإيرانية؛ إظهار قوة الشعب ضد السلطة الاستبدادية

إنّ رفض ما لا يقل عن 60٪ من الناخبين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات الإيرانية، يعتبر حدثاً سياسيًا هاماً أثار دهشة المراقبين واللاعبين السياسيين في البلاد. فعلى الرغم من أنّ الانتخابات أصبحت انتخابات تنافسية هذه المرة، فقد أصبحت نسبة المشاركة المعلنة رسمياً أقل من الدورة السابقة التي كانت تخلو من المنافسة الحقيقية.

هذه الانتخابات هي الرابعة على التوالي في إيران، وهي شهدت مشاركة أقل من 50٪ وتقترب من نسبة 30٪. بعد الدورة الثانية لانتخابات مجلس خبراء القيادة، كانت الانتخابات الرئاسية في دورتها الرابعة عشرة، هي الأكثر برودة في تاريخ انتخابات مجلس الشورى (البرلمان)، والمجالس المحلية، وانتخابات الرئاسة، ومجلس الخبراء.

لقد أكّد هذا الحدث مجددًا أنّ فصلاً جديداً في السياسة الإيرانية قد بدأ منذ كانون الثاني/يناير 2017، وأخذت مواجهة أغلبية الشعب الإيراني للحكومة تتجه إلى خارج الأطر الرسمية. فقد تعزّزت خلال السنوات السبع الأخيرة، الاحتجاجات في الشوارع وأساليب الحراك، واقتنع المزيد من الأشخاص بدعم ضرورة حدوث التغييرات الهيكلية، من خلال “الصبر الاستراتيجي” والمقاومة المدنية الجماعية. إنهم يبحثون عن النشاط بعيداً عن صناديق الاقتراع. وعلى الرغم من تنوع آرائهم ومطالبهم، فهم يرفضون مؤسسات السلطة القائمة. ويرتكز إدراكهم وفهمهم للمشكلة على أنّ المؤسسات الأساسية للسلطة والسياسات الحكومية الكبرى هي التي تسبّب المشاكل والعقبات. إنّ اختلاف الرؤساء وأغلبية البرلمان، ليس كافيًا لتحقيق انفراجة مستدامة، بل على العكس، فإنه يقوي البنية المطلقة والمتخلفة للسلطة على المدى البعيد، ويضعف المجتمع. وفي أفضل الأحوال، يكون خطوة إلى الأمام وعدة خطوات إلى الوراء.

إن تعديل وتعليق المطالب في إطار الاختيار بين “السيء والأسوأ” أو الامتيازات المحدودة لا يمكنه تحقيق انفراجة في الأفق المسدود، وفتح الانسداد السياسي والفضاء الثقافي المغلق. لكن إبراز القوة في الشارع، بكل تكاليفه وتوتراته، حقق مكتسبات مستدامة، قد تتحول بمرور الوقت إلى قفزة نوعية واستمرار المقاومة.

أدّى توازن القوى الاجتماعية، في السنوات الأخيرة، إلى تقوية مؤيدي حدوث التغييرات الهيكلية في مواجهة أجنحة النظام. في الحقيقة، إنّ ما وصفه المفكر والرئيس التشيكوسلوفاكي السابق فاتسلاف هافيل، في سياق “قوة الضعفاء” قد حدث في 28 حزيران/يونيو.

 فالثنائية القطبية الحاصلة، لم تكن بين المرشحين بل في التصويت أو الامتناع عن التصويت، مما أوضح أنّ كِلا جناحي النظام هم أقلية. لقد أصبح صوت الشعب الآن واضحاً جداً لدرجة أن موضوع عدم المشاركة قد أثير بشكل واسع في وسائل الإعلام الحكومية والمجتمعية داخل البلاد.

يتطلب فهم فشل جناحي النظام الإشارة إلى حقيقتين؛ فمن الناحية التاريخية، كانت الانتخابات الرئاسية أكثر حيوية من الانتخابات البرلمانية، لأنها تجري على مستوى وطني وتعتبر سياسة. ومن جهة أخرى، ولأن انتخابات تعيين خليفة لإبراهيم رئيسي كانت تنافسية إلى حد ما، يجب مقارنة أوجه الشبه الأخرى مع الانتخابات الرئاسية لعام 2013. إن انخفاض الأصوات بنسبة 33٪ هو مؤشر على التراجع الكبير في القاعدة الاجتماعية للجمهورية الإسلامية خلال عقد من الزمن.

كما أنّ إرجاع السبب إلى عدم إجراء انتخابات المجالس المحلية في نفس الوقت لا يعطي تفسيراً للوضع أيضاً. ففي عام 2013 جرت هذه الانتخابات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية أعلى. لكن في عام 2021 لم يكن للمجالس المحلية تأثير كبير على زيادة الأصوات. وأثبتت الانتخابات البرلمانية في دورتها الثانية عشرة أنّ المنافسات المحلية والاعتبارات الإقليمية لم يعد لها التأثير السابق، وأنّ التصويت في تلك الانتخابات قوبل باستهجانٍ أيضاً.

لقد بات من الواضح الآن أنّ شعار “أيها الإصلاحيون_ أيها الأصوليون لقد انتهى أمركم” لم يكن مجرد شعار عابر، بل إنه تحول إلى وعي وقرار استراتيجي. وفي هذه الظروف، حتى لو تم السماح بمشاركة شخصيات بعيدة عن النواة الصلبة للسلطة، ومن كبار الإصلاحيين، فمن غير المرجح أن تتغير نسبة المشاركين بشكل كبير.

لقد تلقت الجمهورية الإسلامية ضربة قوية. وبناءً على تصريحات خامنئي، فإن الأمر لم يقتصر على عدم التمكن من حفظ ماء وجه النظام، بل أصبح مصدر خزيٍ له، وتغيّر ميزان القوى النفسية لصالح الشعب. أظهرت الانتخابات أن الرصيد السياسي والاجتماعي للتوجه الراديكالي في المجتمع الإيراني قد زاد، هذا التوجه الذي تجلّى في المطالبة بالحلول السياسية والإصلاحات الهيكلية والإصلاح الثوري، والثورة السلمية. وأكثر ما يخيف الأنظمة السياسية الاستبدادية هو عدم مشاركة الناس في الحياة السياسية، وهذا ما يزيد من قلقهم حيال بقائهم.

وإذا افترضنا أنّ النواة الصلبة للسلطة كانت تهدف من قبول صلاحية پزشکیان بعد استبعاده لدورتين، إلى تجاوز الأزمة وإجراء مصالحة بين جزء من الناس وصناديق الاقتراع، فإن هذه الخطة قد باءت بالفشل. ومن هذا المنطلق، فإنّ تولي پزشکیان رئاسة الجمهورية لم تعد تعتبر ميزةً للنظام كما كانت عليه الحال في السابق، وأصبح دفع الشعب إلى قبول قواعد اللعبة غير العادلة للنظام، أكثر صعوبة مما كان يتصوره مخططو المنافسات الانتخابية لعام 2024. وقد تجلّى الشرخ العميق، مرةً أخرى، بين الحكومة والشعب، ويعتبر ترميمه ضمن إطار الهيكل القائم، مهمة مستحيلة.

كان انهيار فكرة “صنع شهيد” من إبراهيم رئيسي، من التبعات الأخرى الهامة لهذه الانتخابات، فقد حصل أداء حكومة رئيسي على تقييم سلبي من الناحية السياسية.

في الخطوة الأولى، أعلن پزشکیان أنّ هدفه هو زيادة المشاركة الانتخابية. كما أعلن عباس عبدي، وهو من نشطاء المقرات الانتخابية أن هدفهم الرئيسي هو زيادة عدد الأصوات؛ وبناءً على ذلك فقد فشلوا.

لكنّ الفشل الأكبر للإصلاحيين يتمثل في خطأهم الإدراكي في فهم عدم المشاركة الواسعة. وهم يعتقدون أنّ هذا الإجراء ينمّ عن حالة من عدم الرضى على أجزاء محدودة من النظام.

في حين أنّ العصيان المدني الذي تم، هو أبعد من التعبير عن عدم الرضا، وهو تعبير عن إرادة التغيير. ففي نظر غالبية المحتجين، المسألة ليست مسألة أسلوب الحكم الجيد، وإنما هي مسألة بنية السلطة الجيدة أيضاً. وهو تحرك هادف ضد التقاعس والإقدام على المشاركة الانتخابية في المسار المغلق والمسدود وتكرار المسار الفاشل.

لم يكن الخاسر من الانتخابات في المرحلة الأولى الجناح الإصلاحي والأصولي وجماعات أخرى مثل “حركة الحرية” أو البعض من “جبهة التغيير الثوري” وحسب، بل أيضاً عدد من البيروقراطيين والتكنوقراط وأساتذة الجامعات. وفي الحقيقة، فقد أظهرت هذه الانتخابات أن المستفيدين من الجمهورية الإسلامية هم أكثر من القوى والوكلاء السياسيين السابقين واللاحقين. وبغض النظر عن دوافع هؤلاء الأشخاص، فإنهم أصحاب المصالح الخاصة في دوران عجلة النظام، وعلى الرغم من اختلافاتهم السياسية واختلاف أسلوب حياتهم مع الحكومة، إلا أنهم أصبحوا متعلقين ببقاء بنية نظام الجمهورية الإسلامية.

إنّ سلوك الشعب، في المقاطعة الواسعة للانتخابات، يحمل قيماً هامةً في الدفاع عن المعايير الأخلاقية، والحياة بنزاهة، ومقاومة الخداع، ومكافحة الفساد الاقتصادي أيضاً.

في المجمل، يمكننا القول إنّ روحاً جماعية لأشخاص مختلفين، وهم أغلبية المجتمع الإيراني، ورغم تنوعهم واختلافهم، قد توحدت في رفض بنية السلطة الحاكمة. إنّ هذه الوحدة لم تكتمل بعد في جوانبها الإيجابية، وتوجد الكثير من الثغرات فيها، لكن يبدو أنّ المجتمع الإيراني يتجه نحو توافقات كبرى، من أجل إخراج البلاد من التحديات الكبرى والمشكلات التي تواجهها.

الكاتب: علي أفشاري- محلل سياسي

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى