ترجمات

القيادة المركزية الأمريكية ترى أنّ تنظيم “داعش” يعيد تشكيل نفسه في سوريا والعراق، ولكن الواقع أسوأ من ذلك بكثير.

في بيان عام(1) غير معتاد صدر في وقت متأخر من يوم 16 يوليو/تموز، أعلنت القيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية “سنتكوم”، أنّه بعد مرور ستة أشهر من عام 2024، يتّجه تنظيم “داعش” نحو مضاعفة عدد الهجمات التي تبنّاها في سوريا والعراق مقارنة بعام 2023. ووفقًا للقيادة المركزية؛ تبنّى تنظيم “داعش” حتى الآن 153 هجوماً في كلا البلدين منذ يناير/كانون الثاني حتى يونيو/حزيران، مشيرةً إلى أنّ “زيادة الهجمات يدل على أنّ التنظيم يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من تراجع قدراته”. وأكد قائد القيادة المركزية، الجنرال مايكل إي كوريلا، على أن “تحقيق هزيمة شاملة ودائمة لتنظيم “داعش” يعتمد على الجهود المشتركة للتحالف والشركاء”.

تأتي هذه التصريحات قبيل المحادثات بين الولايات المتحدة والعراق المقررة الأسبوع المقبل في واشنطن، والتي ستتناول مستقبل وجود التحالف لمكافحة تنظيم “داعش” في العراق.

تظهر تصريحات القيادة المركزية الأمريكية العلنية حول تصاعد نشاط “داعش” في 2024 جانباً من الحقيقة، لكن الواقع أخطر بكثير مما يوحي به بيانها. وذلك لأن القيادة المركزية تعتمد في قياس هجمات “داعش” على ادّعاءات التنظيم بالمسؤولية، ولكن كما هو معروف منذ سنوات(2)، فإن “داعش” تتبنى فقط جزءًا بسيطاً من هجماتها في سوريا والعراق في محاولة لإخفاء تعافيها المنهجي.

في سوريا، هذا التعافي واضحٌ وملموس، على عكس العراق. فبينما نفذ تنظيم “داعش” 122 هجومًا(3) في العراق في عام 2023، فإنّ هذا العدد تراجع إلى 35 هجومًا في النصف الأول من 2024، مما يشير إلى انخفاض محتمل بنسبة 43% هذا العام. في المقابل، وبينما تشير القيادة المركزية إلى أنّ “داعش” نفّذت 153 هجوماً في سوريا في نفس الفترة، يظهر الرصد اليومي لهجمات “داعش” المُبلّغ عنها أنّ العدد الحقيقي يصل إلى 551 هجومًا في المناطق التي تسيطر عليها كلٌّ من الولايات المتّحدة وشركاؤنا في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، و النظام السوري. تشير البيانات أدناه إلى تصاعد كبير في هجمات “داعش” في سوريا عام 2024.

إذا كانت القيادة المركزية تتوقع مضاعفة وتيرة عمليات “داعش” هذا العام، فإنّ الواقع يشير إلى خطر أكبر بكثير.

المصدر: تم جمع البيانات الشخصية من قبل الكاتب، مع الإشارة إلى كتاب غريغوري ووترز "ISIS Redux"، وزين العابدين Zain al-Abidin، بالإضافة إلى مصادر موثوقة في شمال شرق سوريا.
المصدر: تم جمع البيانات الشخصية من قبل الكاتب، مع الإشارة إلى كتاب غريغوري ووترز “ISIS Redux”، وزين العابدين Zain al-Abidin، بالإضافة إلى مصادر موثوقة في شمال شرق سوريا.

في بيانها بتاريخ 16 يوليو/تموز، سجّلت القيادة المركزية أيضاً الإجراءات المتّخذة لمكافحة “داعش”. في العراق، تم تنفيذ 137 عملية مشتركة بين الولايات المتحدة والعراق من يناير/كانون الثاني إلى يونيو/حزيران 2024، ما أسفر عن مقتل 30 عنصراً من “داعش” واعتقال 74 آخرين. تلعب مثل هذه العمليات دوراً حيويّاً في الحدّ من نشاط “داعش”، وتحقيق الانخفاض البالغ 43% في الهجمات المشار إليه أعلاه. ومع ذلك، فإنّ أرقام القيادة المركزية لمكافحة الإرهاب تظل منخفضة بشكل كبير في سوريا، حيث يستعيد تنظيم “داعش” قوته، فقد تم تنفيذ 59 عملية نتج عنها مقتل 14 عنصرًا من “داعش” واعتقال 92 آخرين. يمثل ذلك انخفاضًا محتملاً بنسبة 16% في العمليات مقارنةً بعام 2023، وانخفاضًا بنسبة 72% في عدد العناصر من “داعش” الذين تم قتلهم أو القبض عليهم.

إنّ الانخفاض في النشاط العسكري ضد “داعش” يُعزى في المقام الأول إلى إيران ووكلائها المسلحين في العراق وسوريا، الذين نفّذوا ما لا يقل عن 185 هجومًا(4) على قوات الولايات المتحدة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مما أدّى إلى تقييد حركة القوات العسكرية الأمريكية بشكل كبير، خاصة في سوريا.

ومع ذلك، كانت العوامل المؤدّية الى ارتفاع نشاط “داعش” في عام 2024 موجودة في سوريا قبل هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد بدأ التنظيم ببطء وبشكل منهجي في بناء قدراته منذ عام 2020، خاصة في منطقة البادية الوسطى التي يسيطر عليها النظام. لقد نجح “داعش” في إعادة بناء نفسه تدريجيا في هذه المنطقة الشاسعة والمنخفضة الكثافة السكانية، مستفيداً من نقص القدرة لدى النظام على التصدي للتمرد المنتشر، ومن سجلّه الضعيف في التعامل مع “داعش”. ويتجلّى اهتمام “داعش” الشديد بمناطق النظام بشكل واضح في مدى دموية هجماته خلال العام الماضي، حيث قُتل 82 شخصاً في مناطق قوات سوريا الديمقراطية و566 في مناطق النظام.

المصدر: تم جمع البيانات الشخصية من قبل الكاتب، مع الإشارة إلى كتاب غريغوري ووترز "ISIS Redux"، وزين العابدين Zain al-Abidin، بالإضافة إلى مصادر موثوقة في شمال شرق سوريا.
المصدر: تم جمع البيانات الشخصية من قبل الكاتب، مع الإشارة إلى كتاب غريغوري ووترز “ISIS Redux”، وزين العابدين Zain al-Abidin، بالإضافة إلى مصادر موثوقة في شمال شرق سوريا.

خلال الأشهر الستة الماضية، قام تنظيم “داعش” بإنتاج واستعمال ما لا يقل عن ثلاث عبوات ناسفة محمولة على مركبات، وهو أمر لم يحدث منذ آخر مرة سيطر فيها التنظيم على الأراضي في عام 2019. وهذا مؤشر واضح على تحسين الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد للتنظيم وقدرته على الوصول إلى منشآت الإنتاج الآمنة. كما زادت الهجمات بالعبوات الناسفة اليدوية الصنع بشكل ملحوظ هذا العام، بالإضافة إلى الاعتداءات والكمائن المُنسّقة، والغارات، والحواجز المفاجئة على الطرق السريعة، والاغتيالات المستهدفة.

كما شملت هجمات “داعش” في سوريا هذا العام أعداداً أكبر من المقاتلين في العمليات في المناطق المكشوفة لفترات زمنية أطول، مما يشير إلى استعداد أكبر لحدوث خسائر بشرية في المعارك، ويدلّ على أنّ عمليات التجنيد لم تعد مشكلة لدى التنظيم. كما تتسلل هجمات “داعش” بشكل متزايد إلى المناطق الحضرية، وتستهدف أهدافاً استراتيجية أكثر، مثل منشآت النفط والغاز والحواجز العسكرية. كما عادت “حوكمة الظل” التي يمارسها التنظيم، حيث عادت شبكة تحصيل الفدية المنسَّقة بشكل جيد إلى الانتشار، كما يقوم مقاتلو “داعش” بإصدار فواتير “ضريبية” مخصصة للشركات المحلية وفرض رسوم جمركية على شاحنات النقل التجاري على الطرق الرئيسية.

تعود جذور تنظيم “داعش” إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تأسست “دولة” التنظيم لأوّل مرة في عام 2006. والفترة التي فيها عاش التنظيم بدون أراضٍ تحت سيطرته أطول بكثير من الفترة التي حكم بها، فهو تنظيم إرهابي صبور، ولديه سجل حافل من التعافي والعودة من جديد بعد تعرضه لهزائم محلية مدمرة. شهد عام 2024 انتعاشًا لـ”داعش” في كل من المناطق التي تسيطر عليها قوّات سوريا الديمقراطية والنظام السّوري على حدّ سواء، ما أدى إلى واقع لم نشهده منذ عام 2017. وعندما يتزامن ذلك مع زيادة وتيرة وشدّة أنشطته، يجب أنّ ترنّ أجراس الإنذار الحمراء الكبيرة ليس فقط في مقرّ القيادة المركزية الأمريكية ولكنْ أيضاً في البيت الأبيض. إذا لم يتم التعامل مع هذا الأمر بسرعة، فإننا نجازف بمشاهدة قصة مألوفة تتكرر مجدداً في الأشهر والسنوات المقبلة.

الكاتب: تشارلز ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط.

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة

الرابط الأصلي:

https://www.mei.edu/publications/centcom-says-isis-reconstituting-syria-and-iraq-reality-even-worse

المصادر:

زر الذهاب إلى الأعلى