ترجمات

إيران وبريكس: بين الضجيج والواقع

كان أهم قرار اتخذته “قمة بريكس” المنعقدة في جوهانسبورغ، هو موافقة هذه الكتلة العالمية على زيادة عدد أعضائها. حيث تمت دعوة كل من إيران والأرجنتين ومصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا للانضمام إلى عضويتها، وهذه الدول جميعها تُعتبر دولاً نامية، مع فارق واحد وهو أنّ السعودية والأرجنتين تُعتبران جزءاً من “مجموعة العشرين”.

ستبدأ عملية العضوية الرسمية في مطلع شهر كانون الثاني/يناير 2024، وعدا عن السعودية والإمارات، تمت دعوة دول أخرى ذات وضع اقتصادي متأزم.

حتى الآن، أعربت إيران فقط عن موافقتها للانضمام، وفي حين شكر المسؤولون السعوديون هذه الدعوة، إلّا أنهم قالوا من خلال تصريحات تتسم بالحذر، إنهم سيدرسون الأمر.

كان الصراع بين القوى العالمية، والحرب الروسية-الأوكرانية، طاغياً أكثر من السابق هذا العام على اجتماع بريكس، كما كان تحجيم الاعتماد على الدولار، وتشكيل قطب مالي واستراتيجي جديد في العالم، في مواجهة الهيمنة الغربية، إضافةً إلى التقارب الجيوسياسي، أكثر بروزاً، خلال هذا الاجتماع، لكنّه لم يسفر عن أيّ قرار أو نتيجة يمكن اعتباره مؤشراً على حدوث تغيير في موازين القوى الدولية القائمة.

لقد صعّب الموقف المحايد للهند وجنوب أفريقيا من الصراع بين الشرق والغرب، بدوره على “مجموعة بريكس”، اتخاذ قرارات حاسمة وفعّالة، أما مناقشة إنشاء عملة أو وحدة مالية مشتركة، التي يبدو أنها فكرة لا تخلو من المبالغة، فقد تُركت للمستقبل.

إنّ بنك التنمية الجديد، الذراع المالي لـ”مجموعة بريكس”، وهو بديل لصندوق النقد الدولي، ليس في حالة جيدة، وعلى الرغم من قطع التعاون مع روسيا، عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، فإنّ الضرر الائتماني الذي لحق به، لم يتم إصلاحه بعد.

تواجه “منظمة بريكس” منذ تأسيسها عام 2009 وحتى الآن، مشكلة عدم تجانس الأعضاء والافتقار إلى هيكل منسجم للعمل واتخاذ القرار، كما أنّ لديها عيوب كبيرة؛ مثل عدم وجود أمانة عامة لها، وشروط ومعايير محددة لعضويتها، كما أنّ معيار اتخاذ القرارات هو الاجماع، وهو ما يجعل النتائج بدون تأثير إلى حدٍّ ما. ويعتبر الصمت تجاه الحرب الأوكرانية مثالاً على عجز هذه الكتلة عن الاصطفاف إلى جانب أحد الأطراف. كما أنّ الصين تُعتبر في وضع متفوق من الناحية العملية، ويرتبط بها مصير بريكس في المجال الاقتصادي، وذلك على عكس رغبة الدول المؤسسة في أن يكون لها وزنٌ متساوٍ مع جميع الأعضاء.

لقد أظهر المسؤولون في حكومة إبراهيم رئيسي قبول عضوية إيران في بريكس على أنها نجاح كبير، وكأنّ معجزة قد حدثت في سياسة إيران الخارجية. كان موقفهم هو ذاته تجاه “معاهدة شنغهاي”، حيث تبيّن، بمرور الوقت، أنّ تلك الحماسيات وهتافات النصر التي تشيد بفتح طريق مختصر، لم تكن سوى حملة دعائية، ولم يحدث أي تغيير يُذكر في وضع السياسة الخارجية والاقتصاد المتأزم للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إنّ ما دفع إيران إلى التحرك في اتجاه تحسين العلاقات مع جيرانها والحدّ من تأثير العقوبات، في الأشهر الأخيرة، في الغالب هو نتائج المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، وتنفيذ الاتفاقيات السرية غير المكتوبة، وليس وجودها ضمن الأقطاب والمنظمات العالمية المنافسة للغرب.

مما لا شكّ فيه، أنّ عضوية إيران في مجموعة بريكس هو حدث إيجابي في العموم، لكن ليس إلى الحدّ الذي تروّج له حكومة رئيسي، وما تعقده من آمال على هذا الانضمام. فصحيح أنّ لـ”بريكس” مزايا، مثل العمالة الرخيصة، والموارد والاحتياطات الكبيرة والمتنوعة، وسهولة الوصول إلى الموارد المالية، وانخفاض تكاليف الإنتاج، لكنها في الوقت نفسه تفتقر بشكل واضح إلى التقنيات الحديثة والمتطورة، مقارنةً بالغرب.

على الرغم من أنّ حلف بريكس الذي يتكون من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، يتفوق على منافسه، مجموعة الدول السبع، من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية، إلّا أنّه متأخر عنه في نسبة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ففي عام 2022 بلغت نسبة مجموعة الدول السبع 41% بينما كانت نسبة مجموعة بريكس 37%، وبطبيعة الحال، إذا تم إضافة أعضاء جدد للمجموعة، فإنّ نسبتها ستزيد عن نسبة مجموعة الدول السبع.

لكن الاختلاف الرئيسي بين “بريكس” و”مجموعة الدول السبع” في نوع نظام الإدارة، حيث تشجّع مجموعة السبع الليبرالية السياسية والاقتصاد الحرّ، أما بريكس -على الرغم من أنّ بعض أعضائها مثل الهند والبرازيل هم في نادي الديمقراطيات العالمية- إلّا أنها في الواقع تعمل على تعزيز الاستبداد ومحاربة الديمقراطية في العالم.

أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في “قمة بريكس” المنعقدة في بكين عام 2022 عن رغبة بلاده في الانضمام إلى هذا التكتل العالمي، ويبدو أنّه تم قبول هذا الطلب بوساطة من الصين.

إنّ إضافة إيران إلى بريكس بإمكانها أن تزيد من وصول هذه المجموعة إلى سوق الطاقة، وتزيد من الوصول إلى طرق عبور(ترانزيت) أقصر، ولكن في الوقت نفسه، وكما هي الحال بالنسبة لــ”معاهدة شنغهاي”، فإنّ الوضع غير العادي للجمهورية الإسلامية في العلاقات مع العالم، لا يسمح لها بالاستفادة الكبيرة من هذه المجموعة.

إنّ لدى المسؤولين الإيرانيين بعض الحسابات الخاطئة الكبيرة فيما يتعلق ببريكس: أولها توقع سهولة الوصول إلى الموارد المالية والالتفاف على العقوبات مع وجود آلية تحويل مالي مستقلة عن سويفت، لكنّ الواقع ليس كذلك. فعلى الرغم من أنّ بريكس تعتبر نفسها منافساً لصندوق النقد الدولي، وتسعى إلى إبطال تأثير ورقة ضغط العقوبات الأمريكية، من خلال المكانة المركزية للدولار في شبكة التجارة العالمية، إلّا أنها في الوقت نفسه، تتصرّف بحذر، وتقوم بتقييم صارم لذلك.

الأسباب نفسها التي دفعت روسيا والصين إلى تقليص تعاونهما المالي والتجاري بشكل كبير مع إيران، أثناء فرض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب عليها، تنطبق بشدّة أكبر على بريكس، نظراً لأنّ بعض أعضائها، مثل الهند وجنوب أفريقيا، لا ترغبان في المشاركة في السوق الإيرانية عالية المخاطر، وذلك بسبب الموقع المحوري لأمريكا في النظام الأمني العالم، وخشيتهما من تعريض نفسهما للخطر في بورصات الدولار.

ثاني الأخطاء في حسابات المسؤولين الإيرانيين، هو تصوّر زوال الدولار في التجارة العالمية. حيث يُعدُّ الدولار في الوقت الراهن العملة الأولى في العالم بفوارق كبيرة، ويحتل موقعاً مركزياً في الاقتصاد والجغرافية الاقتصادية والسياسية في العالم.

وفي الوقت الحالي فإنّ 60% من احتياطي البنوك المركزية في العالم هي بالدولار، في حين أنّ نسبة اليوان الصيني هي أقلّ من 3%، أما الروبل الروسي فلا مكانة له على الاطلاق فيها. وبطبيعة الحال من الممكن أن يتم إنشاء نظام متعدد العملات في المستقبل، ويفقد الدولار مكانته الحصرية مثل الجنيه الإسترليني البريطاني في الماضي، لكن لا يمكننا الجزم في هذه المسألة، وحتى إذا تحقق ذلك، فإنّ ذلك سيحتاج زمناً طويلاً.

الخطأ الحسابي الثالث الشائع في العالم، هو افتراض استمرار النمو الاقتصادي الخطي والمستدام للاقتصادات الناشئة، فباستثناء الصين التي تتمتع باقتصاد مستقر بالفعل، فإنّ اقتصاد بقية الدول الأعضاء في بريكس هي اقتصادات ناشئة ذات مستقبل مجهول.

ويذكّرنا التاريخ أنّ النمو الاقتصادي المرتفع في البلدان النامية له مسار تصاعدي وخطي إلى حدٍّ ما، لكنه ينكسر عند نقطة ما ويتخذ مساراً هبوطياً، ويعتبر صعود وهبوط النمور الآسيوية، مثالاً واضحاً على ذلك. حتى أن بعض الاقتصادات الناشئة التي حققت نمواً سنوياً مرتفعاً خلال عقد واحد، واجهت حروباً وركوداً وأزمات مالية، في العقد التالي.

لكن الآن، باستثناء الهند والصين، لا تتمتع بقية الدول الأعضاء في مجموعة بريكس بوضع اقتصادي جيد ومستقر.

وبما أنّ الدول الغربية المتقدمة تتمتع بوضع اقتصادي مستقر، وبالنظر إلى اتساع المواجهة الجيوسياسية في العالم، واستعداد الديمقراطيات لكبح جماح الأنظمة السياسية الاستبدادية، فإنّ احتمالية سيناريو تعزيز ميزان القوى العالمي لصالح الدول الغربية في العقد القادم يصبح أقوى. وفي الوقت الراهن، أصبحت إمكانية تفوّق الصين على الاقتصاد الأمريكي في عام 2030 أضعف من ذي قبل، كما يمكن أن يصبح الوضع غير المستقر في روسياً أيضاً، خلال وقت قريب، بمثابة كعب آخيل (نقطة ضعف مميتة) لمجموعة بريكس.

وعليه، فإنه على الرغم من أنّ قبول عضوية إيران في منظمة بريكس، يُعدّ حدثاً خاصاً ويعزّز من توجّه الجمهورية الإسلامية نحو الكتلة الشرقية وتعميق مناهضة الغرب، فإنّه من غير المرجّح- في المدى القصير على أقلّ تقدير- أن يكون هناك مكتسب آخر يذكر أبعد “مما هو قائم الآن”.

أضف إلى ذلك، أنّ العقبات التي تواجه التحالف الاستراتيجي بين دولتي روسيا والصين مع إيران، ما تزال قائمة، ولم يطرأ أي تحوّل عليها. كما أنّ الصراع الخطابي والسياسي مع الهند، ولا سيّما خلال فترة التشدد ضد المسلمين والأنظمة السياسية في جنوب أفريقيا والبرازيل، هو أيضاً عقبة حقيقة أمام إيران للعب دور في هذه الحلف العالمي.

وأخيراً، إذا انضمت كلّ من السعودية والإمارات إلى بريكس، فلن تحظى إيران حينها بامتيازٍ استراتيجي وجيوسياسي خاص على صعيد المنطقة، كما ستتعرض الفوائد المحتملة لوجود إيران في شنغهاي وبريكس للانتقاد، عندما لا تتخذ موقفاً تصادمياً مع الغرب، وتتحرك باتجاه إقامة علاقات متوازنة مع القوى العالمية.

الكاتب: علي أفشاري – محلل سياسي وناشط حقوقي إيراني مقيم في الولايات المتحدة

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى