ترجمات

ما يُمكن توقعه قُبيل الانتخابات التركية

انزلاق أنقرة نحو الحكم الاستبدادي يعكس نفس الاتجاه في دول أخرى، مثل روسيا وفنزويلا، لكن الناخبون الأتراك وافقوا على هذا الحكم.

حدد حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، موعد الانتخابات الرئاسية في منتصف مايو/ أيار القادم، حيث كانت آخر انتخابات رئاسية في البلاد في عام 2018، وقبل ذلك في عام 2014، وتم إجراء الانتخابات البرلمانية مرتين في عام 2015.

أصبحت تركيا أكثر استبداداً في العقدين الماضيين، حيث سجن حزب العدالة والتنمية العديد من الشخصيات المعارضة، وأغلق كافة وسائل الإعلام المعارضة تقريباً.

يعتقد بعض المحللين أن هذه ستكون آخر انتخابات ديمقراطية في تركيا، حيث يوجد شكل من أشكال الديمقراطية.

يمكن أن يكون اختلاق الأزمات مع اليونان، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل، وأرمينيا، وسوريا على جدول أعمال الحزب الحاكم قبل البدء بعملية الاقتراع.

إن انزلاق أنقرة نحو الحكم الاستبدادي، يعكس نفس الاتجاه في دول أخرى، مثل روسيا وفنزويلا. ومع ذلك، وافق الناخبون الأتراك على الاستفتاءات المختلفة، التي حوّلت البلاد إلى دولة ذات حكم الحزب الواحد، مما يجعل القضية أكثر تعقيداً. فقد وافق الناخبون على بعض الإصلاحات، في استفتاء دستوري عام 2007، واستفتاء عام 2017، الذي ألغي فيه دور رئيس الوزراء.

هل انزلقت تركيا نحو الحكم الاستبدادي؟

أمضى الكثير من المواطنين الأتراك سنوات في السجن لمجرد توجيه انتقادات للرئيس التركي، وتكاد تخلو البلاد من حركات الاحتجاج.

بالإضافة إلى عمليات القمع تلك، توجد وسائل إعلام مدعومة من الحزب الحاكم، مثل تلفزيون TRT، ووكالة الأناضول، وهي قنوات دعائية بحتة، حيث لا توجه أي انتقادٍ صريح لحزب العدالة والتنمية، لأن الانتقاد في تركيا غير مسموح به في ظل حكومة العدالة والتنمية.

بالرغم من كل ذلك، حين إجراء الانتخابات، لا يتوقع أحدٌ فوز الحزب الحاكم، أو حتى توقع حصوله على أكثر من نصف الأصوات، مما يدلُّ على أنه حتى لو تخلص الحزب الحاكم من جميع وسائل الإعلام المستقلة، وسيطر على القضاء والجيش، وقام بسجن المعارضين السياسيين، فسيظل الشعب معارضاً له.

يُعتبر الحزب الحاكم في تركيا، ناجحاً – نوعاً ما – في إطلاق المبادرات، من أجل كسب بعض الأصوات الإضافية قبل الانتخابات، حيث يقوم بافتعال النزاعات القومية مع الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال، في عامي 2018 و2019، شبّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بألمانيا النازية، وظلت فكرة التهجم على إسرائيل نهجاً في تركيا لسنوات، وعند التوقف عن هذا التهجم، كان ينتقل لفكرة أخرى، وهي تبني الخطاب المناهض للأرمن.

حثّت تركيا أذربيجان على خوض حرب ضد أرمينيا في عام 2020. وهددت تركيا اليونان خلال السنوات العديدة الماضية بشن حرب عليها، وحلقت مقاتلات حربية تركية داخل المجال الجوي اليوناني، وهددت “بالقدوم في ليلة ما” لغزو الجزر اليونانية. كما ألمحت أنقرة إلى ضم شمال قبرص، وهي منطقة غزتها في السبعينيات من القرن الماضي، واحتلتها بشكل غير قانوني منذ ذلك الحين. بالإضافة إلى سوريا، فقد شنت تركيا العديد من العمليات العسكرية فيها.

يعتمد الحزب الحاكم في تركيا على اختلاق التهديدات “الإرهابية”، لبث الخوف في نفوس ناخبيه، والترويج لمؤامرات مختلفة، كذريعة لاعتقال الخصوم السياسيين، من أجل إفشال المؤامرات التي تُحاك ضد الدولة.

استطاع حزب العدالة والتنمية من خلال محاكمات “أرغنكون” الممتدة في فترة 2008-2016، وبعد ذلك محاولة الانقلاب عام 2016، من التخلص من 150 ألف شخصٍ ضمن مؤسسات الدولة. وزعمت أنقرة منذ ذلك الحين أنها تحارب ضد مؤامرة “غولن” و “إرهابيو حزب العمال الكردستاني”.

أقنعت أنقرة نفسها بتمتعها بالشرعية – بنظرها – بذريعة “محاربة الإرهابيين”، لغزو أجزاء من سوريا في عامي 2018 و2019، وشنت حملات مختلفة في العراق، حيث غالباً ما تتباهى وسائل الإعلام التركية بـ “تحييد الإرهابيين”.

ليس من الواضح – أبداً – ما إذا كان أي من “الإرهابيين” قد قُتلوا بالفعل، أو ما إذا كانت أنقرة ببساطة تقصف قرى عشوائية، وتدّعي أنها استهدفت “إرهابيين”. تبدو حروبها التي لا نهاية لها مع أعداء مختلقون في سوريا أشبه بوقائع من كتاب جورج أورويل “1984” أكثر من كونها صراعاً حقيقياً.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على سبيل المثال، بعد ساعات قليلة من تفجير اسطنبول، زعمت أنقرة أنها ألقت القبض على إرهابية، لها صلات بقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، مما أعطى تركيا ذريعة لتنفيذ مئات الضربات الجوية داخل سوريا، دون تقديم أدلة حقيقية.

 إثارة القضايا الإسلامية دائماً قبيل الانتخابات التركية

عندما لا يحارب الحزب الحاكم “الإرهابيين”، أو يهدد أرمينيا وإسرائيل واليونان، فإنه يخلق أزمات مع أوروبا. في عام 2020، استخدمت تركيا جريمة قتل وذبح إرهابي إسلامي للمعلم الفرنسي “صموئيل باتي” لإثارة الجدل.

تواصل تركيا إثارة الخلاف مع السويد بشأن محاولاتها الانضمام إلى الناتو. واتهمت تركيا السويد بإيواء “إرهابيين”، وطالبت بتسليم مختلف المعارضين. خلال الأسبوع الجاري، استنكرت أنقرة عملية إحراق القرآن الكريم من قبل متطرفٍ سويدي خلال مظاهرة.

الغريب أن تركيا تكتشف دائماً هذه القضايا “الإسلامية” – مثل معارضة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، أو الاعتداء على القرآن – قبيل الانتخابات مباشرة. وقد استغلت سابقاً هجمات على مساجد في نيوزيلندا، أيضاً خلال حملة انتخابية. هذا هو حزب العدالة والتنمية، ذو الجذور المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، الذي يتبنى العديد من القضايا “الإسلامية” للحصول على أصوات الناخبين.

حاول حزب العدالة والتنمية تغيير اسم تركيا “Turkey” إلى تركيا “Turkiye”، وقام بتحويل متحف آيا صوفيا، الذي كان سابقاً كنيسة ومسجدًا، إلى مسجد. كما توعّد السياسيون الأتراك – من اليمين المتطرف – في أنقرة بـ “تحرير” المسجد الأقصى.

يعمل الحزب الحاكم مع روسيا وإيران بشكلٍ يهدد الناتو، على الرغم من أن تركيا عضو في الناتو، كما يهدد بشن عملية جديدة في سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا.

يجب أن لا ننسى، أن تركيا منخرطة – أيضاً – في صفقة الحبوب الأوكرانية مع روسيا، وتحدثت عن بيع مسيّراتها المسلحة في جميع أنحاء المنطقة. من الصعب دائماً تمييز الحقيقة من الأوهام عندما يتعلق الأمر بمزاعم أنقرة. نصف مبيعات المسيرات التركية، على سبيل المثال، تبدو صفقات لا صحة لها على أرض الواقع كلياً، ويبدو أن أنقرة توقفت عن تزويد أوكرانيا بذخيرة المسيرات التي قدّمتها إلى كييف قبل الحرب الروسية – الأوكرانية الدائرة.

من الصعب فهم حالة الاقتصاد التركي أيضاً، حيث التضخم وفقدان العملة التركية لقيمتها من المشاكل القائمة، على الرغم من تفاخر أردوغان في كثير من الأحيان بأن الأوضاع الاقتصادية هي سبب مناصرة الشعب للحزب الحاكم.

بالنسبة للمعارضة.. ستكون الانتخابات القادمة تحدياً.

لا يبدو أن حزب الشعب الجمهوري القومي (CHP)، الذي حكم تركيا حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سيقدم مرشحين ملهمين بالنسبة للناخب التركي. كما يواجه حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) ضغوطات جمّة، لأن معظم أعضائه يقبعون داخل السجون.

المعارضة منقسمة بين القوميين العلمانيين واليسار، بدافع الخطاب المناهض للاجئين السوريين. في حين نجح حزب العدالة والتنمية في السيطرة على اليمين الديني، تاركاً خصومه في اليسار والوسط منقسمين للغاية، ولا يمكنهم التوحيد للحصول على أكثر من 50٪ من الأصوات.

يمكن أن تشن أنقرة غزواً جديداً في سوريا قبل الانتخابات، ومن المرجح أن تدعي أن هنالك تهديدات “إرهابية” جديدة، وتخلق خلافات جديدة مع الولايات المتحدة وأوروبا.

سعت تركيا أيضاً إلى شراء مقاتلات F-16 من الولايات المتحدة، وهو أمر يعارضه أعضاء بارزون في الكونغرس الأمريكي. إذا لم تحصل أنقرة على الطائرات المقاتلة – والتي ستكون بمثابة هدية للحزب الحاكم قبيل الانتخابات – فقد تدعي بأن هنالك مؤامرة تحاك ضدها، وتبرم نوعاً من صفقةٍ ما مع روسيا أو إيران أو حتى النظام السوري.

وهذا يعني أن على المنطقة أن تتساءل عن نوع الفوضى التي قد تشعلها أنقرة قبيل الانتخابات. حيث لا ينبغي استبعاد نزاع جديد مع إسرائيل. فإذا اعتقد النظام التركي أنه بدفعه نحو خطاب مؤيد لحماس، أو معاداة السامية، سيحصل على بعض الأصوات، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة مع إسرائيل.

……………………………………..

 مقال تحليلي – صحيفة جيروزالم بوست

 سيث فرانتزمان: باحث ومحلل أمريكي، مختص بشؤون الشرق الأوسط، ويشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط لتقديم التقارير والتحليلات، ويتناول في أبحاثه مسألة الأمن الإقليمي وقضايا الكرد واللاجئين.

ترجمة: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة

رابط المقال الأصلي

 

زر الذهاب إلى الأعلى