
العلاقات بين طهران وبكين: هل أدارت الصين ظهرها لإيران؟
أثارت الانتقادات الموجهة ضد السياسات الإقليمية والنووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، في البيانات المشتركة الأخيرة للصين مع السعودية من جهة، والصين مع دول الخليج العربي-الفارسي من جهة أخرى، الجدل حول أنّ “الصين أدارت ظهرها لإيران” أو أنّ “الصين استدارت في علاقتها الاستراتيجية مع إيران”.
لكن، هل العلاقات بين الصين وإيران هي استراتيجية حقاً؟ وهل كان “التطلّع إلى الشرق” مجرّد وهم للجمهورية الإسلامية، أم أنّ الصين تعتبر علاقاتها مع طهران ذات مكانة خاصة؟
يحاول هذا المقال إظهار أنّ الصين- على عكس تصوّر الجمهورية الإسلامية- لم تكن لديها أبداً نظرة استراتيجية عملية في علاقتها مع إيران، ذات الأزمات الداخلية والخارجية المتعددة، وكان – وما يزال – لديها أولويات أخرى فيما يتعلق بعلاقاتها في المنطقة.
لقد جذبت زيارة “شي جين بينغ”، في 7 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، إلى المملكة العربية السعودية الكثير من الاهتمام، نظراً لدور الصين المتنامي على مستوى العالم، في المجالات الاقتصادية والتكنلوجية والجيوسياسية، والمنافسة القائمة بينها وبين الولايات المتحدة.
لم تكن الحفاوة التي استُقبل بها “شي” في المملكة العربية السعودية، وإبرام العقود الاستراتيجية، والاتفاقيات التجارية والاقتصادية الكبرى بين البلدين، فقط هي الجوانب الجديرة بالملاحظة في زيارة الزعيم الصيني، ولكن أيضاً عمل قيادة رياض على ترتيب لقاء بين “شي” وقادة الدول الستّ في مجلس التعاون الخليجي، ولقاء آخر أكبر يضم الزعيم الصيني وقادة عدد من الدول العربية، اعتبر بمثابة رسالة مفادها: أنّ السعودية جادة ويقظة للاستفادة من جميع الفرص، سواءً في مجال تطوير خططها الاقتصادية الكبرى في الداخل والخارج، أو في مجال توسيع وتنويع علاقاتها وحلفائها العرب، في الساحة العالمية، وعدم الاعتماد الصِّرف على الولايات المتحدة.
إنّ رغبة السعودية في المزيد من المشاركات المتنوعة والتعاون على الصعيد الدولي، على الرغم من علاقة ذلك بالتحدّيات القائمة بين حكومة الرياض وإدارة بايدن (والديمقراطيين الأمريكيين بشكل عام) بشأن قضايا مثل وضع حقوق الإنسان في السعودية، وحرب اليمن، والفشل في تلبية التوقعات الأمنية من الولايات المتحدة، وتوجه واشنطن نحو الاتفاق النووي مع إيران وإحيائه، إلّا أنّ للمسألة جانب آخر أكثر شمولية، يتعلق بتغيير موازين القوة في العالم، وتقليص نفوذ الولايات المتحدة، على الرغم من قوتها، ونقل تركيزها من الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ والمنافسة مع الصين، وتشكيل مراكز قوة مختلفة في العالم، وازدياد أهمية المصالح (وليس العقائد الدينية والسياسية) في العلاقات الدولية.
لذلك، على الرغم من أنّ الحكومة السعودية تعتبر وجود حكومة جمهورية، ولا سيما من نوع حكومة ترامب، وسيلةً لعلاقات أكثر سلاسةً وأقلّ تحديات مع واشنطن – وهي لم تدخّر الجهود في هذا الاتجاه- إلّا أنّ تحقيق مثل هذا الوضع غير مرجّح أيضاً، في ظلّ المعادلات الدولية الجديدة، حيث عادت العلاقات بين البلدين إلى الضيق الذي كانت تشهده في العقود الماضية، وإلى الإحياء الكامل لمعادلة “النفط مقابل الأمن”، لكن رغم ذلك أيضاً، فإنّ تشابك العلاقات الأمنية وعلاقات التسليح والطاقة والتجارة، التي تشكلت على مدى عقود، والمصالح المشتركة في هذه المجالات، تحول دون انخفاض العلاقة بين الجانبين إلى ما دون مستوى معيّن، أيضاً.
أما التوسع غير المسبوق في العلاقات بين السعودية والصين، للأسباب آنفة الذكر، والاهتمام الذي أثارته زيارة “شي” الأخيرة إلى الرياض، فهو غير متعلق فقط بقضية الولايات المتحدة في العلاقات مع السعودية، وإنما كان أيضاً مقياساً ومعياراً للمكان الذي يتمحور فيه تركيز الصين، في علاقاتها مع دول المنطقة، ولتجد ما إذا كانت زيادة التقارب وتعزيز العلاقات مع السعودية لها تأثير سلبي على علاقات بكين مع طهران أم لا.
“المتظاهرون هم السبب” أم أسباب أكثر واقعية؟
على الرغم من أنّ المسؤولين في طهران كانوا يتابعون بحساسية زيارة “شي” للخصم الإقليمي للجمهورية الإسلامية، إلّا أنّ توقيع الزعيم الصيني على بيانات مشتركة مع السعودية ودول الخليج العربي-الفارسي، تطالب إيران بعدم التدخل في شؤون المنطقة، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واحترام “سيادة الإمارات على الجزر الثلاث”، أشعل نوعاً من الحيرة والدهشة في طهران.
في المحصّلة، فإنّ العلاقات غير المتوازنة للجمهورية الإسلامية مع العالم الخارجي، والاستمرار في خداع نفسها من خلال سياسة “التطلع إلى الشرق” والخشية من الأضرار والخسائر التي قد تطالها على الصعيد الدولي، والغضب الصيني المحتمل من طهران، كل ذلك كان السبب وراء إظهار الجمهورية الإسلامية رد فعلٍ فاتر، تجاه هذه البيانات، وتجنّب الخوض في توجيه الانتقادات إلى الصين.
لقد ألقى بعض أعضاء النواة الصلبة للحكم في إيران بالمسؤولية على عاتق المتظاهرين، الذين أوصلوا الأمور إلى أن تصل “الصين حليف الجمهورية الإسلامية” إلى “تقييم خاطئ” عن الاستقرار السياسي، والحكومة في إيران، وألا تتردد في إصدار مثل هذه البيانات. من جانبٍ آخر، تحدث عدد من المحللين السياسيين ووسائل إعلامية في داخل إيران وخارجها بكثير من الدهشة حول “استدارة الصين” باتجاه خصوم إيران، بل حتى وصفوا ذلك بـ “طعنة صينية من الظهر”.
لكن في الحقيقة، فإنّ ما قامت به الصين لا تعني تغييراً في سياستها تجاه الجمهورية الإسلامية. فالصين لم تؤكد قطّ من الناحية العملية وجهة النظر القائمة على “العلاقات الاستراتيجية” التي كانت تتوهمها طهران. إنّ التوترات في علاقات إيران الإقليمية والدولية، وإلى حدّ ما أيضاً عدم الاستقرار أو قلة الاستقرار الداخلي على الصعيدين الاجتماعي والسياسي لهذا البلد، دفعت بكين باستمرار إلى توخي الحذر في علاقاتها مع طهران، وعدم الامتناع عن اتخاذ سياسات مزعجة لها، هنا وهناك.
خلال الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وافقت الصين على قرارات العقوبات الستة للأمم المتحدة ضد إيران، كما أنها عارضت لأكثر من عقد، انضمام إيران إلى “منظمة شنغهاي” للتعاون، وذلك بسبب التوتر في علاقات إيران الدولية.
كما أنّ الصين أوقفت أغلب أنشطتها في إيران، عقب انسحاب الولايات المتحدة، في عهد ترامب، من الاتفاق النووي، ولولا التساهل المتعمّد وغير الرسمي من قِبل إدارة بايدن في فرض العقوبات النفطية على إيران، واليقين النسبي للصين من عدم تعرضها للعقوبات بسبب الصفقة غير المعلنة مع إيران، لما رغبت كثيراً في شراء النفط الرخيص من إيران.
مع التصعيد الجديد للتوترات بين إيران والغرب، التي امتدت الآن من وصول مفاوضات الاتفاق النووي إلى احتجاجات الدول الغربية على قمع المتظاهرين في إيران، وغضبهم من قيام الجمهورية الإسلامية بإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، لن يكون من المستبعد أن تشتد العقوبات النفطية على إيران، وأن يتم إغلاق طرق الالتفاف على هذه العقوبات أكثر من ذي قبل، وذلك رغم الحرب في أوكرانيا، وبعض الاضطرابات في سوق النفط.
“مذكرة التفاهم الاستراتيجية” التي بقيت حبراً على ورق
في أوائل العام الماضي أثارت الجمهورية الإسلامية الكثير من الجلبة والدعاية حول توقيع “مذكرة تفاهم استراتيجية لمدة 25 عام” بين إيران والصين، وبعد فترة وجيزة تم الحديث عن دخولها حيّز التنفيذ، لكن حتى يومنا هذا لا يُشاهد أي تحرّك من الناحية العملية في العلاقات بين الصين وإيران.
بالنسبة لبكين، فإنّ استمرار ظروف إيران الغامضة، في ظل العقوبات والتوترات التي تعيشها مع المنطقة والعالم، هو السبب الذي يمنع الصين من الدخول في تعاون بأذرع مفتوحة مع إيران.
وقال مجيد رضا حريري، رئيس غرفة التجارة الإيرانية-الصينية، في 4 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، لوكالة إيسنا (وكالة أنباء الطلبة الإيرانية): “إنّ جذب الاستثمار يتطلب توفير البنية التحتية والمرافق اللازمة، واليوم يعمل الاقتصاد الصيني والشركات الكبيرة العاملة فيه، مع أجزاء مختلفة من العالم، وقد هيّأت مستوىً كبيراً للتعاون. إنّ الاستثمار بحاجة إلى الأمن وضمان شروطه، ونظراً للعقوبات التي يتعرض لها الاقتصاد الإيراني منذ سنوات، فإنّ بعض الشركات الصينية أيضاً تخشى من أنها ستواجه قيوداً في حال دخولها إلى إيران.”
وبحسب الحريري، فإنّ إيران كانت الشريك التجاري الأول للصين في المنطقة عام 2014، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 51 مليار دولار، وهي الآن في المرتبة الخامسة، بينما تتصدر السعودية رأس القائمة في الوقت الراهن.
تنص مذكرة التفاهم التي تبلغ مدتها 25 عاماً على وجوب استثمار الصين ما معدله 16 مليار دولار في إيران سنوياً، إلاّ أنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ حجم استثمار الصين في إيران بلغ خلال ستة أشهر من العام الفائت 75 مليون دولار فقط.
جاء في أحدث تقرير شهري لـ”غرفة التجارة الإيرانية” حول مسارات تحولات التجارة العالمية، في إشارة إلى عقد الصين الجديد البالغ مدته 27 عاماً مع قطر، والذي يبلغ قيمته 60 مليار دولار، لشراء الغاز المسال من الأخيرة: “في الوقت الذي وقعت فيه الصين مع قطر، أكبر عقد لتصدير الغاز الطبيعي المسال، وذلك عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، انسحبت شركة (CNPC) من العقد الذي كانت وقعته مع إيران بقيمة 6 مليار دولار، لتطوير المرحلة 11 من حقل غاز “بارس” الجنوبي.”
يضيف التقرير ذاته، بشكلٍ لا لبس فيه أنّ: “على الورق تظهر الصين، رغبة كبيرة في توسيع العلاقات الاقتصادية مع إيران، لكن في المجال العملي فإنّ إيران ليست على رادار الاستثمار الصيني.”
يأتي ذلك في الوقت الذي تتزايد فيه العلاقات الاقتصادية والتعاون بين الصين والسعودية بشكلٍ متسارع. حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري للصين مع الدول العربية 332 مليار دولار خلال العام الفائت، حيث استحوذت السعودية على أكثر من الربع.
وفي هذا الإطار، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية ما يقارب 83.3 مليار دولار عام 2021، تلتها الإمارات بقيمة 72.4 مليار دولار، وجاء العراق في المرتبة الثالثة بتبادل تجاري بقيمة 37.3 مليار دولار.
ومن بين دول الشرق الأوسط، تحتل تركيا المرتبة الرابعة بـ 34.2 مليار دولار، وسلطنة عُمان في المرتبة الخامسة في حجم التبادل التجاري مع الصين بقيمة 32.1 مليار دولار، في حين أنّ حجم التبادل التجاري بين إيران والصين كان أكثر بقليل من 14 مليار في العام الفائت.
يذهب ثلث صادرات المملكة العربية السعودية من النفط، التي تبلغ 7 ملايين برميل يومياً، أي ما يعادل إجمالي صادرات إيران في حال عدم خضوعها للعقوبات، يذهب إلى الصين.
تولي الصين أهمية كبيرة لكل من السعودية والإمارات العربية المتحدة في المشاريع الكبرى لطريق الحرير و”الحزام والطريق”، وتحاول الرياض أيضاً جذب التعاون والاستثمارات الصينية واسعة النطاق في مشروع “السعودية 2030” الكبير، والذي يهدف إلى تحديث وتنويع الاقتصاد السعودي، والاستعداد للانتقال من عصر الطاقة الأحفورية، والاستغناء عن الواردات النفطية أو تقليل الحاجة إليها.
تُعتبر المملكة العربية السعودية من بين أكبر 20 قوة اقتصادية في العالم، ويتراوح معدّل نموها الاقتصادي بين 8 و10 بالمائة، كما أنّ مشاريعها الفنية والاقتصادية لها جاذبية كبيرة وفريدة للاستثمار. فهذا البلد الذي تُعتبر شركته “أرامكو” من أفضل الشركات في العالم، من حيث القيمة المالية، أصبح الآن مستثمراً يُعتدُّ به على مستوى العالم.
بالإضافة إلى كل ذلك، تُعتبر السعودية- نظراً لدورها الرئيسي في المنطقة والعالم العربي- صلة وصل بين الصين وهذا العالم. خلال الزيارة الأخيرة لـ “شي جين بينغ” إلى السعودية، عقدت الأخيرة اجتماعين لمجلس التعاون الخليجي مع الزعيم الصيني، واجتماعاً آخر ضمه مع العديد من القادة العرب؛ بدءاً من تونس والجزائر، وصولاً إلى مصر والعراق والأردن وغيرهم.. وهو ما أظهر اهتمام السعودية الكبير بعلاقاتها وعلاقات المنطقة مع الصين، كما أنها كانت بمثابة رسالة إلى واشنطن مفادها: أنّ الرياض لديها أوراق وخيارات في المعادلات العالمية.
الصين تأخذ إسرائيل أيضاً في عين الاعتبار
كلّ هذه العوامل الاقتصادية المواتية، إلى جانب الاستقرار والتحولات في السياسات الداخلية والخارجية، والإصلاحات التي بدأت تحدث في المملكة العربية السعودية، تجعل هذا البلد أكثر أهمية للصين في اختيار وتحديد أولوياتها بينه وبين إيران، في ظل العقوبات والنزاعات والأزمات الداخلية والخارجية المتعددة، والتي تثير الشكوك والغموض حول نفسها.
إضافةً إلى السعودية، تتمتع الصين أيضاً بعلاقات اقتصادية واسعة مع إسرائيل التي تعتبرها الجمهورية الإسلامية عدوّاً من الدرجة الأولى، وتدعو إلى تدميرها. على الرغم من أنّ إسرائيل لا تستطيع غضّ الطرف عن علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، إلّا أنها أقامت علاقات واسعة مع الصين وروسيا، لتنويع علاقاتها وإمكانياتها الاقتصادية من جهة، وللحيلولة دون اقتراب هذين البلدين أكثر من اللازم من إيران، ويشير بعض الإسرائيليين إلى علاقتهم مع الصين أحياناً، على أنهما “ثنائيان سماويان”.
زادت التجارة السنوية بين إسرائيل والصين من 250 مليون دولار في التسعينات إلى 23 مليار دولار في عام 2021. وفي السنوات الأخيرة، قامت الشركات الصينية، سواءً ضمن إطار ما يسمى بمشروع “مبادرة الحزام والطريق” (BRI) أو بشكلٍ منفصل عنها، ببناء وتنفيذ العديد من المنشآت والمشاريع في الموانئ البحرية، والسكك الحديدية، وفي مجال النقل، وغيرها من المشاريع الكبيرة في البنية التحتية في إسرائيل، وقد فازت هذه الشركات بمعظم المناقصات الإسرائيلية، وقامت باستثمارات كبيرة، ولا سيما في التقنيات الإسرائيلية الحديثة.
وفقاً لصحيفة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية، فإنّ إسرائيل هي أحد محاور الابتكار في العالم، ولديها حوالي 6000 شركة ناشطة ناشئة، وتنفق خمسة بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي على البحث والتطوير، وهو أعلى رقم في العالم. لذلك، كان 97% من استثمارات الصين في إسرائيل تركزت في قطاع التكنولوجيا، خلال العقدين الماضيين.
بالطبع، مع تزايد التحديات بين الولايات المتحدة والصين، وضغط واشنطن للحد من تعاون حلفائها مع بكين في مجالات التقنيات الحديثة والمتقدمة، ولا سيما في مجالات الاتصالات (5G) والأسلحة، فإنّ حصة الصين من الاستثمارات تراجعت بشكلٍ حاد في الوقت الراهن، حيث انخفضت من إجمالي 9% من الاستثمارات الأجنبية في مجالات التكنولوجيا الحديثة في إسرائيل في عام 2018 إلى 2.5% في عام 2021. ومع ذلك، فإنّ العلاقات التجارية بين البلدين، التي ستخضع لاتفاقية التجارة الحرة، باتت تحطم الأرقام القياسية، وأصبحت الصين ثاني أكثر الشركاء التجاريين ديناميكيةً لاقتصاد إسرائيل.
في المحصّلة، فإنّ المحافظة على العلاقات وتوسيعها مع الصين ما تزال ضمن الأولويات بالنسبة لإسرائيل، سواءً من أجل الوصول إلى المزيد من الأسواق لمنتجاتها، أو للاستفادة من القدرات التكنولوجية والتقنية لثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، أو من أجل التضييق على الجمهورية الإسلامية ومنع الصين من الاقتراب الشديد منها. الأمر ذاته ينطبق على العلاقة مع روسيا أيضاً، للأسباب المذكورة آنفاً، سيّما وأنّ حرب أوكرانيا لم تؤثر كثيراً على العلاقات بين تل أبيب وموسكو.
تتمتع إسرائيل بأهمية كبيرة لدى للصين، التي لن تخاطر بعلاقاتها معها من خلال المغامرة بتوسيع العلاقات مع إيران، وذلك نظراً لتقدم إسرائيل في مختلف مجالات التكنولوجيا من جهة، والدور والوزن منقطع النظير الذي تتمتع به لجهة تأثيرها وعلاقاتها الوثيقة مع مختلف أركان القوة في الولايات المتحدة من جهة أخرى.
إجمالاً، فإنّ العوامل العديدة التي تم ذكرها، تظهر مدى الوهم الذي تعيشه الجمهورية الإسلامية حيال علاقتها مع الصين.
مسألة أخرى تأخذها الصين بعين الاعتبار، وهي أنّه رغم ظهور بعض التحديات غير المسبوقة في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، إلّا أنّ الصين تفكر في الحفاظ على توسيع علاقاتها مع الأخيرة، أكثر من مواجهتها، كما أنّ الصين وصلت إلى مقاربة في الشرق الأوسط، وذلك بتأثير من مصالحها الاقتصادية واعتباراتها الجيوسياسية، وهي أنّ إيران لديها العديد من الأزمات والمشاكل الدولية والداخلية، وهي ليست أولوية في توجهها.
أشار عباس آخوندي، وزير الطرق السابق في حكومة حسن روحاني، في مقال، إلى رفض الصين المشاركة في مشروعين إيرانيين كبيرين، وذلك على الرغم من مزاياهما، مقارنةً بالمشاريع التي انضمت إليها الصين في الآونة الأخيرة؛ يقول آخوندي في مقاله: “إنّ موقف الصين (في بيانات السعودية) لم يكن جديداً بالنسبة لي، فالصين تبنت هذا النهج منذ سنوات، إلّا أنّ جماعةً في طهران لم تكن تريد رؤية مؤشراته بأي شكلٍ من الأشكال.”
على الرغم من أنّ توقيع “شي” البيانات الأخيرة المثيرة للجدل، خلال زيارته للسعودية، هي ذات أهمية عابرة وغير رئيسية، لكن الأهم منها والأكثر حساسية يكمن في عدم حساسية الصين في مقارباتها وشراكاتها في المنطقة.
بعبارة أخرى، لم تكن العلاقات مع إيران المتأزمة تتصدر قائمة الأولويات الصينية في المنطقة، خلال السنوات الأخيرة، ومن الطبيعي أن تتوسع علاقاتها مع القوى الكبرى مثل السعودية وإسرائيل، وألا تجعل من اعتباراتهم وحساسياتهم ضحية لـ “العلاقات الواسعة والاستراتيجية” الإشكالية والميؤوس منها مع إيران. وعليه، فإنّ الحديث عن “التحوّل” في السياسة الإقليمية للصين، و”إدارة الظهر لإيران” يتنافى مع الواقع، لأنّ العلاقات الوثيقة لم تنشأ أصلاً بين البلدين.
…………………………………………
الكاتب: حبيب حسين فرد.
الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات.