قضايا راهنة

تحالف أردوغان – بهجلي يدفع نحو حظر “الشعوب الديمقراطي”.. الأهداف والتداعيات؟

في تطور جديد في قضية الدعوة المقدمة من قبل حزب “العدالة والتنمية” الحاكم، وحليفه حزب الحركة القومية بزعامة “دولت بهجلي”، لإغلاق حزب “الشعوب الديمقراطي”، رفضت المحكمة العليا في تركيا، بتاريخ 26 يناير 2023، طلب حزب الشعوب الديمقراطي، تأجيل إصدار الحكم النهائي بحقه إلى ما بعد انتخابات مايو / أيار القادم، في قضية قد تؤدي إلى إغلاق مقرات الحزب، بتهم تتعلق بصلات مزعومة مع “حزب العمال الكردستاني”، وسط توقعات بإصدار قرار بحظر الحزب، امتثالاً لرغبة الرئيس رجب طيب اردوغان، الذي يسعى لإقصاء حزب الشعوب عن الحياة السياسية بدعم من حليفه القومي.

وتُثار هذه القضية ضد حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في البلاد، قبل الانتخابات، التي تشكل أكبر اختبار للرئيس أردوغان بعد 20 عاماً، أمضاها في السلطة. وتظهر استطلاعات الرأي أنه وحزبه الحاكم، يمكن أن يخسروا، خاصة إذا تعاون حزب الشعوب الديمقراطي مع تحالف المعارضة.

استمرار الحكومة التركية في ملاحقة هذا الحزب، والإصرار على إغلاقه، يثير عدة تساؤلات حول مدى قوة هذا الحزب وتأثيره على الداخل التركي، ولماذا يثير الحزب مخاوف أردوغان وحليفه بهجلي، وما هي انعكاسات إغلاقه على تركيا عامة وعلى الكرد بشكل خاص، وهل يمكن للحزب – الذي لا تزال قضيته معروضة أمام المحكمة العليا – الحصول على محاكمة عادلة، في ظل هيمنة تحالفي العدالة والتنمية والحركة القومية على البرلمان، وهيمنة أردوغان على القضاء؟

في هذا البحث سنحاول الإجابة على الأسئلة السابقة، والنظر في أهداف أردوغان وحليفه من إغلاق هذا الحزب، وماهي السيناريوهات التي تنتظر الشعوب الديمقراطي، وماهي خياراته في حال تقرر إغلاقه؟.

ما هي نقاط القوة لدى “الشعوب الديمقراطي” التي تخيف أردغان؟

  • نجاحه في تخطي عتبة الـ10%.

حين فاز حزب الشعوب الديمقراطي – وهو حزب اشتراكي ديمقراطي – بنسبة 13 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية التي أجريت في تركيا، في يونيو 2015، متخطّياً بذلك عتبة العشرة في المئة الضرورية من أجل أن يتمكّن أي حزب من الحصول على تمثيل في البرلمان. حرمت النتائج حزب العدالة والتنمية الحاكم من الفوز بأكثرية برلمانية. وبذلك اكتسب الحزب مصداقية جديدة، كفاعل سياسي في البرلمان.

وعند الحديث عن “حزب الشعوب” لا يمكن تجاهل دوره الفاعل في الواجهة السياسية الداخلية للبلاد، وخاصة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2018. حيث يعتبر حزب “الشعوب الديمقراطي” الحزب الكردي الوحيد في البرلمان، وحقق في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في عام 2018، نسبة 11.7٪ من الأصوات، بمجموع 67 نائباً برلمانياً، ولكن مع الاستقالات، وطرد الحزب بعض الأعضاء، وطرد البرلمان لآخرين، انخفض عدد النواب إلى 55 نائباً من إجمالي 600 نائب يشكلون البرلمان التركي. وإلى الآن يتمتع “حزب الشعوب” بثالث أكبر كتلة برلمانية بعد “حزب العدالة والتنمية” الحاكم و”حزب الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة.

  • استقطاب الإسلاميين الكرد.

كما عمل حزب الشعوب الديمقراطي على استقطاب الناخبين من الاسلاميين الكرد في المحافظات الواقعة في الشرق والجنوب الشرقي للبلاد، كما في مراكز المدن الأساسية كإسطنبول، التي كان الناخبون يميلون فيها إلى حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة. حيث تمكّن الحزب من استعادة التمثيل خارج المناطق الكردية، مثل أنقرة وإزمير، واسطنبول التي ارتفعت فيها نسبة الأصوات التي نالها حزب الشعوب الديمقراطي من 4.8 في المئة في الانتخابات العامة، في العام 2011 (عندما كان يُعرَف بحزب السلام والديمقراطية) إلى 12.6 في المئة، ليحقق قفزة نوعية في نسبة الأصوات، وفي مواجهة ذلك ذهب أردوغان إلى حد استخدام نسخة من القرآن مترجمة على عجل إلى اللغة الكردية قبيل الانتخابات حينها، في محاولة منه للحفاظ على دعم الكرد المتديّنين.

بيد أن مشاعر الولاء لحزب العدالة والتنمية تراجعت في أوساط الكرد، جراء سلسلة من خيبات الأمل، وخاصة بعد انهيار عملية السلام التي كانت تقودها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني؛ ومأساة روبوسكي/أولوديري، التي وقعت في أواخر ديسمبر 2011، ولم يجرِ التحقيق في ملابساتها، بعدما شنّت الحكومة هجمات جوية، وقتلت 34 مدنياً كردياً؛ بالإضافة إلى الدعم الواضح من قبل حزب العدالة والتنمية لتنظيم داعش، حين هاجم مدينة كوباني عام 2014، واحتلال تركيا لمدينة عفرين الكردية، وارتكابها – مع الفصائل السورية – الانتهاكات بحق الكرد في سوريا، فيما لعب حزب الشعوب الديمقراطية دوراً بارزاً في دعم الكرد في كوباني، ما ضاعف دعم الكرد في تركيا له على حساب العدالة والتنمية.

  • استقطاب العلمانيين والليبراليين والديمقراطيين.

عمل حزب الشعوب الديمقراطي على استقطاب مجموعة من الناخبين العلمانيين والليبراليين- الديمقراطيين المقيمين في المدن، والذين يتداخلون في شكل أساسي مع أنصار الحزب المعارض الأساسي في تركيا، حزب الشعب الجمهوري، والذين دعموا الشعوب الديمقراطية في انتخابات عام 2015، ومنحوهم جزءاً من أصواتهم.

دوافع أردوغان وحليفه للتضييق على الحزب وإغلاقه

مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا، التي أعلن أردوغان أنها ستجري في 14 أيار/ مايو المقبل، نظم حزب العدالة والتنمية حملة بدعم من حليفه القومي “حزب الحركة القومية”، وذلك لتصفية الحزب الكردي سياسياً، لأنه يمثل خزاناً انتخابياً هاماً، خاصة في المحافظات ذات الغالبية الكردية، وفي المدن الرئيسية كإسطنبول، وهو ما يثير مخاوف أردوغان، الباحث عن ولاية جديدة على رأس الجمهورية التركية.

حيث قرّرت المحكمة الدستورية في تركيا، بتاريخ 5 يناير الماضي، حرمان الحزب من المخصصات المالية، وذكرت محطة ‘إن تي في’ التركية الخاصة، أنه كان من المقرر منح 539 مليون ليرة تركية (28.7 مليون دولار) كمساعدة عامة لحزب الشعوب الديمقراطي هذا العام، ثلثها بحلول 10 يناير الماضي، ولكن قبل ذلك تم حرمان الحزب من مخصصاته، بهدف شلّ حركته، ومنعه من الدخول في السباق الانتخابي.

إذ تتضاعف مخاوف أردوغان من قرب إعلان أحزاب المعارضة الستة – خلال الشهر الجاري – عن مرشح موحد لمنافسته على منصب الرئاسة، ويخشى أردوغان أن يدعم حزب الشعوب الديمقراطي هذا المرشح، وبالتالي لعب الحزب لدور محوري في ترجيح كفة المعارضة في الانتخابات.

لذا سارعت حكومة العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، إلى وضع هذا الحزب نصب أعينهم، للتضييق عليه، وإضعاف دوره السياسي في البرلمان وتركيا عامة، وعليه يتعرض الحزب إلى حملة قمع منذ عام 2016، حيث أوقفت حكومة أردوغان الرئيس المشترك للحزب صلاح الدين دميرتاش، والذي لا يزال منذ أكثر من 6 أعوام في السجن، رغم دعوات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المتكررة للإفراج عنه. كما يتعرض الحزب لضغوط مكثفة في الأشهر الأخيرة.

وكان صلاح الدين دميرتاش قال في تصريح لموقع «بيانت» لحقوق الإنسان، في مارس 2022، حول قضية إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي: «قضية إغلاق حزبنا هي لأغراض سياسية، مثلها مثل القضايا المرفوعة ضدنا واحدة تلو الأخرى. وهدفها هو فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات». متابعاً: «ومع ذلك، أنا متأكد من أننا سنبطل كل هذه الهجمات الظالمة أمام القانون وفي صناديق الاقتراع».

لذا فإن حكومة الرئيس أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية يريدان تشتيت أصوات ناخبي حزب “الشعوب الديمقراطي، ويحاولون جعل ناخبي الشعوب الديمقراطي بلا عنوان، وعند إغلاق الحزب سيبقى الناخبون بالوسط، وقد يقاطعون الانتخابات، ويبدو أن هذا ما يريده أردوغان، أي إقصاء أصوات الكرد والداعمين لحزب الشعوب الديمقراطية عن الانتخابات المقبلة، بعد تيقنه بأنهم بكل الأحوال لن يصوتوا له. إذ يعتقد أردوغان أن من شأن إغلاق حزب الشعوب الديموقراطي، ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد، أن يسهم في رفع فرص نجاحه في الانتخابات المقبلة عبر إقصاء الصوت الكردي.

ما التحديات التي تواجه أردوغان في محاولة إغلاق “الشعوب الديمقراطي”؟

سبق أن حظرت محاكم تركية أحزاباً كردية، لاتهامها بالتعامل مع “العمال الكردستاني”، لكن أحزاباً كردية أخرى سرعان ما عادت إلى المشهد السياسي، من خلال إعلانات جديدة عن تشكيلها، ولو بأسماء مختلفة.

فيما لا توجد حتى الآن أية مؤشرات واضحة لما سيكون عليه مستقبل حزب الشعوب الديمقراطي في المرحلة المقبلة، وعما إذا سيتم حلّه بالكامل بالفعل، أو أن تُتخذ بحقه إجراءات عزل قد تضعف شعبيته، وتسود تكهنات عما سيكون عليه المشهد الداخلي لتركيا في المرحلة المقبلة، لا سيما مع تتابع مراحل حلّ “حزب الشعوب”، وما يرافقها من توتر، كالهجمات التي تعرّضت له مكاتب “حزب الشعوب” في البلاد، ومنها في مدينة إزمير، والتي أسفرت عن مقتل موظفة بتاريخ 17 يونيو 2021. وهذه الهجمات والانتهاكات بحق الحزب باتت تلفت أنظار المجتمع الدولي والمنظمات المهتمة بقضايا حقوق الإنسان المتعلقة بتركيا، والتي تواجه انتقادات كبيرة وواسعة من قبل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث حذّرت الولايات المتحدة نظام الرئيس التركي في عدة مناسبات من محاولات حل حزب الشعوب الديمقراطي، معتبرةً أن ذلك سيشكل تقويضاً للديمقراطية وحرية التعبير. إذ قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس “نراقب بدء الجهود لحل حزب الشعوب الديمقراطي، وهو قرار سوف يطيح – دون مبرر – بإرادة الناخبين الأتراك، ويؤدي إلى المزيد من تقويض الديمقراطية في تركيا، وحرمان الملايين من الأتراك من تمثيلهم الذي اختاروه”.

وهذه التطورات ستكون لها تداعيات على صعيد العلاقة بين الحكومة والمعارضة بشكل عام، والحكومة وحزب الشعوب بشكل خاص، في ظل الحديث عن مغبة أن تؤدي الخطوة لردة فعل غاضبة من قواعد الحزب، أو حتى بعض التيارات التي ترى في الإغلاق منع للحريات. لذا هناك مخاوف ضمن أوساط الحزب الحاكم، تفيد بأنه في حال إغلاق الحزب الكردي، قد يزيد ذلك من شعبيته داخل الأوساط الكردية وخارجها، إذ سيشعر الشارع الكردي بمظلومية حزب الشعوب الديمقراطي، وبالتالي من الممكن أن “تنعكس خطوة الإغلاق سلبياً على نتائج الانتخابات المقبلة بالنسبة لأردوغان”.

كما إن هذه السياسة التي تنتهجها الحكومة ضد الكرد، أجبرت “الطاولة السداسية” لتحالف المعارضة على الابتعاد هي الأخرى عن حزب الشعوب الديمقراطي، لضمان أصوات القوميين والفاشيين الأتراك، لكنّ ذلك كان له تأثيراً معاكساً، ساهم في زيادة التفاف الكرد حول حزب الشعوب الديمقراطي، وهذا الالتفاف سيزيد مخاوف أردوغان، وقد يدفع بالمعارضة لمحاولة الاتفاق السري مع حزب الشعوب الديمقراطي، لدعمهم في الانتخابات للإطاحة بأردوغان.

وهناك أيضاً تحديات قانونية- دستورية تواجه عملية حظر الأحزاب السياسية في تركيا، خصوصاً بعد التعديلات الدستورية التي أدخلها حزب العدالة والتنمية في الدستور التركي عام 2010، وتحديداً في مدى صلاحية السلطة القضائية في حظر الأحزاب، وذلك من أجل منع تكرار حادثة محاولة حظره عام 2007، عبر ما عُرف آنذاك بالمذكرة الإلكترونية التي وجهتها رئاسة أركان الجيش إلى المحكمة الدستورية، مطالبةً بحظر حزب العدالة والتنمية بتهمة تهديد علمانية الدولة، إلا أن الحزب تجاوز هذه الحادثة بفارق صوت واحد في المحكمة الدستورية.

وبموجب الدستور التركي، فإن قرار إغلاق حزب سياسي يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء المحكمة الدستورية، المكونة من 15 عضواً، وبالتالي فإنه وفي حال حضور كافة أعضاء المحكمة يتوجب تصويت 10 من أعضائها على القرار، أو ثلثي عدد الحاضرين، وهي أغلبية كبيرة. وتتألف المحكمة حالياً من 15 قاضياً، تم انتخاب ثلاثة منهم من قبل البرلمان، أما القضاة الـ 12 الآخرون فقد تم اختيارهم أو تعيينهم من قبل الرئيس أردوغان.

ما يعني أن قرار حظر الحزب هي بيد أردوغان حالياً، ورغم أن حزب الحركة القومي يصرّ على إغلاق الحزب بشكل كامل، إلا أن لدى أردوغان مخاوف من تداعيات الإغلاق الكامل للحزب، وخشيته من ردة فعل الكرد، الذين قد يختارون دعم المعارضة، حتى وإن كانت المعارضة هي الأخرى لا تظهر تقارباً مع الشعوب الديمقراطية، ولكن بهدف الانتقام من الحزب الحاكم وشريكه الحركة القومية، قد يصوّتون لصالح المعارضة، لذا قد يكتفي أردوغان بتقييد الحزب مالياً، وفرض الحظر على بعض أعضائه ونوابه دون إغلاق كامل للحزب قبل الانتخابات، وذلك ليُبقي طريق التفاوض والمساومة مع الكرد مفتوحاً، في حال شعر أردوغان أنه قد يخسر الانتخابات، وقد يلجأ إلى استرضاء الكرد في اللحظات الأخيرة قبل الانتخابات.

ماهي خيارات “الشعوب الديمقراطي”؟

من الطبيعي أن يؤدي الإغلاق المحتمل لحزب الشعوب الديمقراطي إلى تداعيات سياسية خطيرة في الداخل التركي، قد تؤدي إلى فوضى ومشاكل كثيرة، وهناك خيارات أخرى مختلفة أمام الحزب، كاختيار الحزب حل نفسه، لإسقاط الدعوى ضده بشكل فعال، وتشكيل مجموعة سياسية جديدة، أو عقد مؤتمر استثنائي لحل نفسه والانضمام إلى حزب “المناطق الديمقراطية”، والذي يحتفظ بمقعد واحد في البرلمان، كما قد يختار حزب الشعوب الديمقراطي الحل، ودفع مشرعيه للانضمام إلى حزب آخر، في محاولة لإسقاط قضية الإغلاق، لكن قيادة حزب الشعوب الديمقراطي أوضحت أنها لن تتخلى عن الدفاع عن الحزب مهما تعرضوا للمضايقات.

وإن استمرت المحاكمة حتى دخول موعد الانتخابات، سيتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من المشاركة، ومع ذلك قد يضع المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا سلسلة عقبات أمام حزب الشعوب الديمقراطي، وهذا ما هو متوقع بما في ذلك رفض مرشحي الحزب لترشيح أنفسهم.

وبكل الأحوال، فإن حزب الشعوب الديمقراطي يملك شعبية واسعة في تركيا، وأنصاره لن يتخلوا عنه بهذه السهولة، ما قد يثير الشارع التركي ويعقد الأمور داخلياً، وقد يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم والحزبان المنشقان عنه (حزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم)، بالإضافة إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي إلى كسب أصوات أنصار حزب الشعوب الديمقراطي، وهذه الخطوة قد لا تكتب لها النجاح، لأن أنصار حزب الشعوب الديمقراطي لن يفرطوا بممثليهم وسيدافعون عن حقوقهم بشتى الطرق المتاحة.

وما سيزيد من تشرذم المعارضة، إعلان «جبهة الحرية والعمل» التي تضمّ «حزب الشعوب الديموقراطي» وأحزاب يسارية في تركيا أنهم سيقدمون مرشحهم الخاص للرئاسة قريباً، وبما أن الشعوب الديمقراطية يمتلك لوحده (على الأقلّ 10% من الأصوات) ماعدا أصوات باقي الأحزاب اليسارية، وهذا يعني، بلغة الحسابات، أن الصوت الكردي سيذهب، في الدورة الأولى، إلى مرشّحه الخاص به، ولن يذهب إلى مرشّح المعارضة في حال قدّمت «الطاولة» مرشّحاً موحّداً ومشتركاً. كما يعني -أيضاً بلغة الأرقام- أن مرشّح المعارضة لن يفوز من الدورة الأولى، تماماً مثلما لن يفوز أردوغان في هذه الدورة، حيث يُتوقَّع أن ينال كلُّ منهما حدود 42% – 44% من مجموع الأصوات. وهنا سيكون أصوات حزب الشعوب الديمقراطي هو الفيصل في ترجيح كفة أي طرف في الدورة الثانية.

وبما أن حزب الشعوب الديمقراطي يدرك أن مرشحه لا يملك فرصة وافرة للفوز في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فدافعه الرئيسي للإعلان عن الترشيح، أو التلويح بفكرة الترشيح، ليس الفوز في صندوق الانتخابات، وإنما مكاسب أخرى على هامشه، ورسائل سياسية لعدة أطراف.

أول هذه الدوافع هو تعزيز فرصه كحزب في الانتخابات البرلمانية المتزامنة مع الرئاسية، ذلك بأن وجود مرشح رئاسي للحزب يقوّي حملته الانتخابية، ويفيده بأشكال عدة، كما أن الحزب حريص على إثبات معنى حضوره وقوته في الساحة السياسية والانتخابية تحديداً مع القضية المرفوعة لحظره، وكذلك لإثبات “دستوريته” كحزب سياسي قائم وحاضر تحت قبة البرلمان.

هذه دوافع ودلالات عامة خاصة بالحزب، بيد أن الأهم هي الأسباب السياقية وخصوصاً الرسائل السياسية التي يتوخاها الإعلان، لا سيما وأنه بقي خارج التحالفين الرئيسين، وخصوصاً “الطاولة السداسية” المعارضة، وتشير الكواليس إلى أن هناك حراكاً من زعيم حزب “ديفا” علي باباجان، للتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية، وسط دعوات وجهها الزعيم الكردي المعتقل صلاح الدين دميرتاش إلى ضرورة التوحد بمرشح رئاسي مشترك، ينافس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ما يعني أن الحزب قد يشارك بمرشحه الخاص في الدورة الأولى، وقد يدعم مرشح المعارضة في الدورة الثانية.

التقييم

  • قد تشكل محاولة حظر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الوسيلة الأخيرة لأردوغان لضرب المعارضة، وضمان الفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن لن يكون ذلك سهلاً إذ تُواجه البيئة السياسية التركية تعقيداً كبيراً، وذلك بفعل انسداد أفق الحل السياسي للكثير من القضايا الداخلية والخارجية، والتي انعكست بدورها على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تركيا اليوم، وهذا ما سيدفع كل من الحزب الحاكم وتحالف المعارضة إلى عدم قطع الطريق بشكل كامل أمام التفاوض مع الشعوب الديمقراطي، وسيحاول كل منهم – بشكل سري على الأغلب – إرضاء الشعوب الديمقراطي، وتقديم وعود بشأن حل القضية الكردية، مقابل دعم الحزب لهم.
  • في هذا الإطار يواجه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وضعاً سياسياً صعباً، في ظل إصرار التحالف الحاكم على إقصائه من الساحة السياسية، أو حتى احتوائه جزئياً، من أجل أهداف عدة أهمها تفكيك قوى المعارضة، وبعثرة الكتلة التصويتية الكردية في جنوب شرقي تركيا، وخلق مجال مشروع لإدامة العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، وهو ما يؤشر إلى أن حالة التصعيد السياسي ضد حزب الشعوب وقوى المعارضة، ستكون العنوان الأبرز لتحركات التحالف الحاكم في الفترة المقبلة.
  • ترجح المعطيات أن يختار حزب الشعوب الديمقراطي دعم مرشح المعارضة للرئاسة، في محاولة للإطاحة بأردوغان، بهدف تغيير الوضع القائم في تركيا منذ عقدين، ورغم أن تحالف المعارضة لم يقبل بضم الشعوب الديمقراطي إليه، ولم يذكر في برنامجه الانتخابي بشكل رسمي أي نقطة حول حل القضية الكردية، إلا أن البنود التي وضعوها بخصوص إنهاء نظام الرئاسة والعودة إلى النظام البرلماني سيفتح الباب أمام الحزب لدخول مفاوضات مع المعارضة في حال استلمت السلطة لإعادة النظر في القضية الكردية.
  • وعليه يمكن القول إن عملية حظر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أصبحت اليوم قضية مركزية للتحالف الحاكم؛ فالشيء المهم بالنسبة للحزب الحاكم هو أن يكون قادراً على البقاء في السلطة لمدة أربع سنوات أخرى، أو حتى أكثر، باعتبار أن هذه الانتخابات ستكون انتخابات تاريخية، والتي ستحدد مصير الشعوب، من ناحية النتائج، إيجاباً أو سلباً لفترة العشرة سنوات القادمة.
زر الذهاب إلى الأعلى