ترجمات

ما الذي يميّز أنشطة الجيل الجديد للحركة الطلابية الإيرانية؟

شكّل حراك 2022، الثَّوري، للشّعب الإيراني، أرضية لنضوج الحركة الطلابية وإعادة إحيائها. كما أصبحت الجامعة، مركزاً لتعريف وعرض الانتفاضة الشاملة المتمركزة حول الشعار الرئيسي لهذا الحراك، وهو “المرأة، الحياة، الحرية”.

إنّ الحراك القوي والمستمر للحركة الطلابية خلال الأشهر الفائتة، والذي احتجت فيه معظم الجامعات الكبرى في البلاد بشكلٍ متزامن وشامل، لم يسبق له مثيل خلال العقود السبعة من تاريخ الحركة الطلابية في إيران.

لقد أظهر طلاب مختلف الجامعات في كامل الجغرافيا الإيرانية -سواءً الحكومية أو الخاصة- تضامنهم مع الحراك الثوري، كما أزالوا الفصل بين الجنسين في الوسط الطلابي، من خلال العصيان المدني. فقد شهدت معظم الجامعات -النشطة في الاحتجاجات- إقدام الطلاب على إزالة الحواجز التي تم إنشاؤها في المقاصف على أساس الفصل بين الجنسين، وبات الطلاب والطالبات –رغم ممانعة مسؤولي الجامعات- يتناولون الطعام جنباً إلى جنب. كما خلعت العديد من الطالبات الحجاب الإجباري، وخرقن هذا القانون المُجحف والرَّجعي.

إنّ استمرار وتوسع المقاومة والاحتجاج في الجامعات، رغم الأجواء الأمنية المشددة، وترديد الشعارات الثورية المطالبة بالتغيير في حرم الجامعات، واستهداف شخص “علي خامنئي” بأشدّ الشعارات، يدلّ على بلوغ الحركة الطلابية ذروتها، في تاريخ نشاط هذا الاتجاه النقابي-السياسي. وما يميّز هذا الصعود المفاجئ واللافت لهذا الحدث؛ هو أنه جاء بعد الركود الطويل للحركة الطلابية في العقد الثاني من الألفية الجديدة.

أظهر الجيل الحالي من الطلاب الناشطين نموذجاً جديداً وفعّالاً للقيادة في إطارٍ جماعي، ما أربك الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية. فبدون أن يدعو أي تكتّل، أو مجموعة، أو فرد، إلى التجمع، وبدون وجود مركز توجيهي؛ يحتجّ طلاب مختلف الجامعات، بطريقة منسّقة وموثوقة، ضمن إطار الحراك الجماعي.

تتقاطع الشعارات والمطالب التي تستهدف بنية النظام، وتدعو إلى تغييرات ثورية في مختلف الجامعات، بدرجة كبيرة. وفضلاً عن الشعارات والعصيان المدني، فإنّ المبادرات والإجراءات الرمزية، لها أيضاً دورٌ بارزٌ في النشاط الطلابي الحالي.

الميزة الأخرى لهذه المرحلة من الحركات الطلابية، هي الدور الرئيسي للطالبات اللاتي يلعبن دوراً قيادياً في الكثير من التجمعات. لقد وضعهم التمرّد في وجه الإذلال، والتمييز، والتسلط وفَرْضُ التخلف عليهنّ، في الصفوف الأمامية للمواجهات، ذلك أنّ مطالبهنّ هي مطالب ورغبات موضوعيّة، تتعلق بالحياة اليومية، وليست مجرّد تصوّرات ذهنية.

لم تتمكن الحكومة بأساليبها وحيلها المختلفة، من إيقاف الموجة المتزايدة للنشاط الثوري للحركة الطلابية. وشملت هذه الأساليب؛ حملات الاعتقالات بين صفوف الناشطين من الطلاب، وخلق حالة من الردع والاعتداء على جموع الطلاب، إلى جانب الحملات العنيفة للقوات الأمنية والعسكرية على الوحدات السكنية للطلاب، والبيئة الطلابية، والتهديدات والاستدعاء إلى الجهات الأمنية، واللجان التأديبية، والحرمان الدائم والمؤقت من خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية.

يختلف نمط نشاط الحركة الطلابية في المرحلة الراهنة عن فترات ما بعد ثورة 1979، وهو مشابه -إلى حدّ ما- للسنوات الأخيرة من الحكومة البهلوية الثانية، لكن في الوقت نفسه، يتمتع هذا النمط بخصائص جديدة. فلا يوجد في هذا النمط هيكل هرمي وعمودي، وهو يعمل بشكل شبكي من العناصر المتحركة، ضمن إطار وحدات ديناميكية ذاتية التنظيم.

إنّ سرّ استمرار وديمومة الأنشطة، وعدم ارتباطها بأشخاص أو قادة محددين، يتجلّى في هذا النوع من الأنشطة، التي تعمل كنظام اجتماعي معقّد، ذي ترتيب ونسق هشّ في التكيف والتفاعل النشط مع البيئة المحيطة على المدى القصير. وعلى المدى الطويل، ينظم نشاطه ضمن إطار التشويش والفوضى.

القيادة في هذا النظام تعاونية وجماعية، لكنّ بعض الأشخاص يكتسبون مكانة خاصة، نتيجة عمليات التواصل والتفاعل المتبادل، مما يجعلهم ذوي فاعلية أكثر.

في الوقت نفسه، فإنّ شكل نقاط التواصل هذا، لا يؤدي بالضرورة إلى تفكك الشبكة، في حال فصل واحدة منها. من زاوية أخرى، فإنّ أسلوب تنظيمهم يشبه برنامج الـ(بلوك تشين)[1]، الذي يحافظ على وحدة المجموعة دون وحدة تحكم مركزية أو بنية مركزية، ويضع المعلومات والتعليمات في متناول جميع أعضاء الشبكة على حدٍّ سواء.

إنّ الجيل الجديد من الطلاب الناشطين، الذين يدرسون مرحلة الليسانس (المرحلة الجامعية)، هم من مواليد السنوات الأخيرة من التسعينات والسنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة، وهو جيل يتميز بخصائص معيّنة، لكنّه ليس على قطيعة كاملة مع الأجيال السابقة. وتعتبر السمة الرئيسية لهذا الجيل، الذي يُعرف بجيل (Z)، هي الاهتمام بالحياة ذاتها، وتقديرها كقيمة جوهرية.

كانت الأجيال السابقة تؤثر الحياة في ضوء القيم المثالية، والآمال، والتصورات الأيديولوجية، وكانت الحياة ذاتها أصبحت مسألة ثانوية. حدث هذا في اتجاه واحد بطبيعة الحال، أما بالنسبة للجيل الحالي، فإنّ نمط الحياة والحريات الفردية والثقافية، تنطوي على أهمية أكبر؛ فالاهتمامات الرئيسية لهذا الجيل تتمحور حول السعادة، والمتعة، والحرية في اختيار أسلوب الحياة والسلوك الاجتماعي، ورفض أنماط التجانس.

نشأ هذا الجيل في بيئة التواصل العالمي، وهو يميل أكثر نحو قيم الحداثة ونمط الحياة الغربي، وقد جعلهم الاتصال بالإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الحديثة في وضع يسمح لهم بأن يكونوا مواطنين عالميين.

إلى جانب المطالب الاجتماعية والثقافية، تعتبر الحريات السياسية والديمقراطية -أيضاً- في صلب اهتمام هذا الجيل، وهذا يعود لارتباطه بتقاليد وتاريخ الحركة الطلابية في إيران. فشعار “الموت للاستبداد” و”الموت للديكتاتور”، ورفض كل أشكال الاستبداد في تاريخ إيران المعاصر، هو حلقة الوصل مع الأجيال السابقة من الحركة الطلابية.

نشأ هذا الجيل في عائلات بعيدة كلّ البعد عن الخصائص الأبوية والذكورية، مقارنةً بالماضي، وبالتالي فإنه في مثل هذه البيئة، وعلى خلفية التغييرات التي حدثت بمرور الزمن، تكون مناهضة الاستبداد أكثر وضوحاً لديهم، كما أنّ لديهم مقاومة أكبر نسبياً لقبول الهيمنة، ونصائح الأجيال السابقة ومراجع السلطة وأوامرهم. المسألة الأخرى التي تتجلى لدى هذا الجيل، هو تهميشه أكثر للاعتبارات الأيديولوجية التي تسعى إلى خلق هيمنة عقائدية خطابية. وعلى العكس من ذلك، فإنّ مسألة التعددية وتقبّل الآخر، تبدو أكثر جلاءً في هذا الجيل، كما أنّ روح المقاومة أقوى لديهم، وقد منحَهم تصميم ألعاب الكمبيوتر المهارة، وزادت من محفزّات الجرأة لديهم ومواجهة الخصم.

مما لا ريب فيه، أنّ كل هذه الخصائص تشكّلت في سياق تغييرات كبيرة وعميقة في الطبقات الدنيا من المجتمع الإيراني. ونظراً للقيم الثقافية ونمط حياة هذا الجيل، فإنّ المسافة والفجوة هي أكبر بكثير بينه وبين النماذج المرغوبة من قِبل منظومة ولاية الفقيه. ومن هذه الزاوية، فإنّ الحركة الطلابية، تُعتبر حركة ثقافية مضادة أيضاً، ويمكننا ملاحظة أوجه الشبه بين الحركة الطلابية الحالية والحركة الطلابية (الفرنسية) في أيار/مايو عام 1968.

علينا أن نشاهد نواة الظهور العاصف للحراك الطلابي في الاحتجاجات الطلابية في ربيع 2022، بشأن تدخلات الأمن الجامعي في شكل ملابس الطالبات. في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنّ تطور الخطاب السياسي للحركة الطلابية مرّ بمرحلة كامنة لعدة سنوات، خلال نهايات العقد الأخير من الألفية الجديدة، وظهرت ثمارها في العام الحالي.

 تسببت أزمة جائحة كورونا -أيضاً- في إغفال الأجهزة الأمنية -إلى حدٍّ كبير- عن تطورات الطلاب وتفاعلاتهم. منذ ربيع هذا العام، أصبح من الواضح أنّ قضيّة المرأة والحياة والحرية، تنطوي على أهمية كبيرة لهذا الجيل. لذلك، عندما أدّى مقتل مهسا أميني الصادم إلى حدوث انتفاضة شاملة في إيران، شعر طلاب الجامعات بإحساس قوي بالانتماء لهذه الانتفاضة، وسرعان ما انضموا إليها.

بالإضافة إلى أنه يبدو من الخطأ حصر دوافع وأسباب النشاط الثوري للحركة الطلابية ضمن مجال الثقافة والمجتمع وحسب. فالمشاكل الاقتصادية، وأزمة التوظيف لخريجي الجامعات، والأفق القاتم للبلاد -لا سيّما من حيث ازدهار بيئة العمل- خلقت لديهم القلق تجاه المستقبل، وبالتالي، فإنّ جزءاً من دافعهم هو تغيير أوضاع البلاد من أجل التخلّص من الانحدار الذي تشهده.

إنّ هذا الجيل ذو نزعة ثورية، لكن هذا الخيار لم يتحقق دفعةً واحدة وفي حالة من الانزواء، وإنّما هو نتاج تقييم فشل التجارب الإصلاحية، والانسداد البنيوي السياسي، والإرادة المتزمّتة لمنظومة ولاية الفقيه في الحفاظ على الوضع السياسي القائم، ورفض أي شكل من أشكال التغيير، وقد اختار هذا الجيل استراتيجية ثورية قائمة على السيرورة التكاملية لنضالات الشعب الإيراني، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية.

بالنسبة لهذه الجيل، فإنّ الثورة والتغييرات البنيوية في هيكل السلطة، وإنهاء الخطاب الثقافي الرجعي، والبنية السياسية شبه الشمولية، هي بمثابة خلق الأمل لديهم في التخلص من اليأس الناجم عن عدم وجود مستقبل لحياة تسودها الرفاهية، والأمان، وفرص العمل.

على أية حال، فإنّ الحركة الطلابية تعيش في أكثر مراحل حياتها نشاطاً، وهي الآن تصنع التاريخ، وبمثابة محرّك ومركز ثورة 2022، التي توفّر الطاقة اللازمة لاستمرار النشاط الاحتجاجي. ستكشف الأيام ماذا ستكون النتائج الراسخة لهذه المرحلة، التي تعتبر ذروة نشاط الحركة الطلابية. ولكن، مهما كانت النتائج، فإنّ الجيل الحالي من الحركة الطلابية يستحق تمجيداً وتقديراً خاصاً.

……………………………………………………………………..

[1] تتيح تقنية البلوك تشين تحويل العملات المشفرة من نظير إلى نظير، دون استخدام وسيط مثل البنك أو أي سلطة مركزية. يتم إنشاء جميع العملات الرقمية على البلوك تشين. وتُعتبر شبكة بلوك تشين عبارة عن قاعدة بيانات موزعة، يتم مشاركتها بين عقد شبكة الكمبيوتر ويتم تخزين المعلومات عبرها بشكل آمن وبتنسيق رقمي(م).

……………………………………………………………………..

الكاتب: علي أفشاري– محلل سياسي، وناشط في مجال حقوق الإنسان، مقيم في الولايات المتحدة.

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات

الرابط الأصلي للمقال

زر الذهاب إلى الأعلى