مقالات رأي

أردوغان يعيد سيناريو إقصاء ديمرتاش مع إمام أوغلو.. الأسباب والتداعيات

اتبع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مسيرته السياسية، سلسلة من السياسات المفضوحة، في ملاحقة، وسجن، وإقصاء كل شخصية تبرز كمنافس قوي له في الانتخابات الرئاسية. لذا، لجأ إلى تلفيق التهم لهذه الشخصيات، وتحويلها إلى المحاكم، التي تُصدر أحكامها وفقاً لرغباته.

بعد إقصاء الرئيس المشترك – السابق – لحزب الشعوب الديمقراطية “صلاح الدين ديمرتاش” عن الحياة السياسية، وسجنه؛ بدأ أردوغان بتطبيق نفس السيناريو ضد رئيس بلدية إسطنبول “أكرم إمام أوغلو” (52) عاماً، والذي بات يتردد اسمه كمرشح محتمل – بل وقوي – للانتخابات الرئاسية في 2023.

جاء قرار المحكمة التركية، الأربعاء 14 ديسمبر، بسجن إمام أوغلو، عامين وسبعة أشهر، وفرض حظر سياسي عليه، بتهمة “إهانة مسؤولين عموميين”، جاء ليشكل محطة “مفصلية” في الحياة السياسية لهذه الشخصية الكارزمية، المحسوبة على “حزب الشعب الجمهوري” المعارض، الأمر الذي أثار ضجة في المشهد الداخلي في تركيا؛ ما اعتبره الكثير من المراقبين، بأن قرار المحكمة جاء لأهداف سياسية، لاستبعاد أوغلو عن طريق أردوغان، في السباق الرئاسي القادم.

ما هي أهداف وخلفيات قرار المحكمة بحق إمام أوغلو في هذا الوقت؟

تعود قضية محاكمة إمام أوغلو، إلى تصريح صدر عنه، بعدما هزم مرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات البلدية لعام 2019، وانتزاعه رئاسة بلدية مدينة إسطنبول من حزب العدالة والتنمية، الذي حكم المدينة مدة 25 سنة، ورغم أن الحكومة ألغت نتائج انتخاب إمام أوغلو الأولى، بذريعة حدوث خروقات وتزوير، إلا أنه عاد وفاز بفارق كبير في انتخابات الإعادة، بعد نحو ثلاثة أشهر.

وبعد فوزه، وصف أكرم إمام أوغلو أولئك الذين ألغوا فوزه في الانتخابات بـ “الأغبياء”، مردداً عبارة استخدمها وزير الداخلية “سليمان صويلو” ضده قبل بضع ساعات. وهذا الوصف عرّض رئيس بلدية اسطنبول للملاحقة القضائية بتهمة “إهانة” أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات، وبقيت هذه القضية تدور في المحاكم التركية، دون إصدار حكم في هذه القضية لمدة ثلاثة أعوام، وفي وقت بات يُنظر إلى إمام أوغلو- والذي يحظى بشعبية واسعة- كمرشح محتمل عن حزب المعارضة الرئيسي في البلاد ((CHP، للانتخابات الرئاسية المقبلة، في يونيو 2023، ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. أعادت المحكمة فتح القضية في هذا التوقيت الحساس، وأصدرت قرار سجنه بنحو 3 أعوام، وهذا الحكم يعني وفقاً للمادة 53 من قانون العقوبات التركي، حظر إمام أوغلو من ممارسة العمل السياسي، وبالتالي إقصاءه عن طريق أردوغان، واستبعاده عن الانتخابات، التي لم يبق عليها سوى حوالي 6 أشهر.

إن لعب أردوغان بهذا الشكل المكشوف والمفضوح في إقصاء منافسيه، يشير إلى مدى المخاوف التي تنتابه من خوض الانتخابات المقبلة، وتؤكد بأنه بات يخشى بالفعل على مصيره السياسي، ومصير حزبه، الذي يهيمن على الحكم منذ عام 2002. وخاصة أنه تُعتبر الانتخابات القادمة أصعب اختبار بالنسبة لإسلاميي تركيا، لسببين، “محلي وإقليمي” فأما محلياً، فإن حظوظ أردوغان ضعفت كثيراً بفعل النكسات الاقتصادية والسياسية، وبسبب تبدل المواقف الحزبية في تركيا من المواجهة المنفردة للأحزاب إلى تحالفات لأحزاب المعارضة، التي تكتلت في جبهة واحدة، وتجتمع على هدف موحد، ومعلن وهو عزل الرئيس التركي سياسياً، و التخلص منه ومن حزبه.

أما إقليمياً، فإن المشاريع والمخططات التي رسمها ورعاها أردوغان، لدعم وإسناد حكم “الإخوان” والإسلام السياسي، ودفعهم لاستلام السلطة في العديد من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا، سقطت بسقوط أكثر من حزب إسلامي، بدايةً بإخوان مصر في 2013 ، ثم سقوط حكم الإخوان في السودان، بعزل الجيش للرئيس عمر البشير، وفشل إخوان ليبيا في تثبيت سلطتهم، بعد اصطدامهم برفض شعبي، وجاءت الصفعة التالية لمشروعه، بسقوط حكم إخوان تونس، بعد إجراءات استثنائية اتخذها الرئيس التونسي “قيس سعيد”، عزلت فيها منظومة الحكم السابقة بقيادة حركة النهضة الإسلامية. أما الضربة التي تعتبر قاصمة لمشروع أردوغان والإخوان، فكان بسقوط إخوان المغرب، ممثلين في حزب العدالة والتنمية (وهي التسمية ذاتها لحزب أردوغان)، بعد نحو عشر سنوات من البقاء في السلطة.

لذا، يبدو من هذا السقوط للإخوان، ولمشروع الإسلام السياسي، الذي يقوده أردوغان، بأن هذا المشروع بات منتهي الصلاحية، وينذر ببداية سقوط حكومة أردوغان وحزبه، خاصة أن مواقف غالبية حلفاء أردوغان الدوليين، سواءً أميركا، أو أوروبا، أو اسرائيل، كلها باتت سلبية تجاه أردوغان وسياساته، الأمر الذي بات يثير هواجس أردوغان من أن يتخلى حلفاؤه الدوليين عنه، ودفع المعارضة للإطاحة به، وهذا ما يدفع أردوغان لاتباع كافة الطرق والأساليب في سبيل إزاحة كل من يشكل عائقاً أمام استمرار حكمه، فمثلما تخلص سابقاً من  السياسي الكردي صلاح الدين ديمرتاش، صانع فوز حزب الشعوب الديمقراطي، الذي حلّ كثالث أقوى كتلة برلمانية بعد حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وشكل وجوده تهديداً جدياً لأردوغان وحزبه، عبر تلفيق تهم “الإرهاب” له، وزجّه في السجن منذ عام 2016، وإقصائه عن العملية السياسية من حينها.

ويبدو أن أردوغان يريد تكرار نفس السيناريو، عبر إزاحة أكرم إمام أوغلو، صاحب الكاريزما، وصانع نصر حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية، التي انتزع فيها فوزاً، في معاقل حزب العدالة والتنمية، وسحب فيها البساط من تحت أقدام منافسيه من الإسلاميين.

يدرك أردوغان أن الشارع التركي بات يتطلع لشخصية جديدة، ومن جيل الشباب، لتقود البلاد، وقادرة على تقديم الخدمات للشعب، وبما أن إمام أوغلو “52” عاماً هو رئيس بلدية إسطنبول، ويُشهد له بأنه قدم الكثير من الخدمات لهذه المدينة خلال فترة توليه المنصب، بالإضافة إلى امتلاكه شعبية جيدة، وخاصة في أكبر مدن تركيا، فإن أردوغان يرى فيه المنافس الأصعب، لأن باقي قيادات المعارضة هم من الجيل القديم، وكانوا كلهم تقريباً مسؤولين ضمن الحكومات التركية، ولم يسجل لهم مساهمات وإنجازات فعالة في خدمة الشعب، بقدر ما يشهد لهم سعيهم للوصول إلى المناصب، والصراع على السلطة، كما إن غالبيتهم منشقون بالأساس من حزب العدالة والتنمية، لذا لا يتمتعون بتلك الشعبية التي يحظى بها السياسيون الشباب في تركيا، أمثال إمام أوغلو، وصلاح الدين ديمرتاش.

لذا، فإن إقصاء هذه الشخصيات الشابة والكارزمية عن الترشح للانتخابات، سيربك المعارضة، التي لم تتفق حتى الآن على تقديم اسم لمرشحهم المنافس لأردوغان، وإن إصدار حكم السجن والحظر السياسي على أوغلو في هذا التوقيت، جاء لخشية أردوغان من أن تعلن المعارضة اسم إمام أوغلو مرشحاً رسمياً عن المعارضة، وحينها سيكون موقف الحكومة محرجاً أمام الشارع التركي والخارج، بإصدار حكم السجن والإقصاء على مرشح رسمي للرئاسة، كما يدرك الرئيس التركي أن من تبقى من قادة المعارضة، هم أقل شعبية منه في تركيا، ولا يخشى من ترشحهم.

ومن الغير المستبعد أن يكون أحد أهداف أردوغان من إقصاء أوغلو في هذا التوقيت، هو دفع المعارضة لتقديم أحد تلك الشخصيات من الجيل القديم، بديلاً عن أوغلو، ولا شك أن أردوغان يرغب في أن تعلن المعارضة في وقت مبكر عن اسم مرشحهم للرئاسة، لأن ذلك سيخدمه في ترتيب حملته الانتخابية بشكل مبكر، وتحديد منافسه، للبدء بالتشهير به، عبر شبكات الإعلام التركية، التي تمتلك الحكومة غالبيتها، وفي حال كان المنافس هو أحد الشخصيات من الجيل القديم، فإن ذلك قد يرفع حظوظ أردوغان في كسب المعركة الانتخابية، لأنه يمتلك الكثير من الملفات، ويعرف الكثير عن مسيرتهم السياسية، التي لا تخلو من الفساد، لذا سيتمكن بسهولة من منافستهم، خلال فترة الحملة الانتخابية، عبر الكشف عن بعض أوراق منافسيه، وضرب شعبيتهم، بينما لا يمكنه فعل ذلك في حال كان مرشح الرئاسة هو السياسي الشاب إمام أوغلو، الذي يُعتبر سجله السياسي والشخصي نظيفاً مقارنة بالسياسيين القدماء.

وقد يشتد الصراع والتنافس بين أردوغان وأحزاب المعارضة بعد هذا القرار، ومن المحتمل أن تستعجل الحكومة في تنفيذ الحكم على إمام أوغلو، ومنعه من ممارسة السياسة، وبهذه الحالة فإنه سيتم إبعاده من رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ونظراً لأن الغالبية العظمى في مجلس بلدية المدينة من الحزب الحاكم، فإن الشخص الذي سيترأس البلدية بدلاً من إمام أوغلو سيكون من الحزب الحاكم، وإن حصول مثل هذا السيناريو قد يشعل الشارع التركي، ويؤدي إلى مواجهات بين المحتجين والحكومة، وبالتالي قد يعلن أردوغان حالة الطوارئ، وقد يؤجل الانتخابات بحجة أن الأجواء لم تعد مناسبة لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد.

كما إن الحكم على إمام أوغلو، قد يدفع المعارضة لاستعجال حسم اسم المنافس في انتخابات الرئاسة، وقد تعلن أحزاب المعارضة الستة خلال التجمعات الجماهيرية، والاحتجاجات الجارية، أن يكون إمام أوغلو هو مرشحهم الرئاسي للانتخابات، كنوع من استغلال الظرف الحاصل، في كسب المزيد من التأييد لأوغلو، وإحراج أردوغان، وإثارة الشارع ضده، ولجعل قضية إمام أوغلو قضية دولية، لدفع المجتمع الدولي للتدخل فيه، والضغط لرفع حكم المحكمة عنه.

زر الذهاب إلى الأعلى