ترجمات

ما ينبغي على الغرب تعلّمه من الاحتجاجات في إيران

أثار مقتل الفتاة الكردية “مهسا أميني”، ذات الـ 22 ربيعاً، من قبل النظام الإيراني، احتجاجات واسعة النطاق في البلاد، بقيادة الفتيات الحفيدات، ضد الأجداد الذين حكموا بلادهنّ لأكثر من أربعة عقود. حيث أفادت التقارير بأنَّها تعرضت للضرب المبرح، بعد احتجازها من قِبل “شرطة الأخلاق”، بحجة لبسها الحجاب بشكل غير ملائم.

من السابق لأوانه تقييم ما إذا كانت هذه الاحتجاجات ستغير سياسة إيران بشكل ملموس، أو أنها مجرد صدعٍ آخر في صرح هذا النظام المتعفن، الذي مصدره الوحيد للتنوع؛ هو ما إذا كانت لحى وعمائم رجاله الحاكمين من اللون الأسود أو الأبيض.

بالإمكان استخلاص استنتاج واحد: مقتل “أميني” ورد فعل المجتمع الإيراني حياله، يجب أن يغيّر – وبشكل دائم – كيفية تفاعل دول العالم مع المسؤولين الإيرانيين. ويجب أن يشمل هذا التحول في الوعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضاً، في عملية إعادة تقييم جذرية لسياساتها تجاه إيران.

لم تكن حالة “أميني” هي الوحيدة؛ فوفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، يتم إيقاف ملايين النساء كل عام، ومضايقتهن في إيران، بسبب “الحجاب غير اللائق”، وتقضي العديد من النساء الإيرانيات أحكاماً مضاعفة بالسجن لرفضهن ارتداء الحجاب.

لا علاقة للنظام الإيراني – القائم على العنف المؤسسي – بالتقاليد الدينية الإيرانية، حيث لا تحتاج المعايير الثقافية الأصيلة إلى أن يتم فرضها بتهديدات الدولة البوليسية، إنما الحجاب الإجباري هو أحد الركائز الأيديولوجية الثلاثة المتبقية للثيوقراطية الإيرانية، إلى جانب “الموت لأمريكا”، و”الموت لإسرائيل”.

هذا يساعد على تفسير سبب امتناع النظام عن اتخاذ موقف ليّن بشأن مسألة قواعد اللباس، ومن الواضح أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يعتقد أن المساومة على الركائز الأيديولوجية للنظام – بما في ذلك الحجاب – لن تؤدي إلّا إلى تسريع انهياره. حيث يقول خامنئي:” إذا أردنا منع مجتمعنا من الوقوع في الفساد والفوضى، فعلينا الحفاظ على ارتداء النساء للحجاب”. إن آراءً كهذه هي نتاج نفس العقلية التي تلقي باللوم على ضحايا الاعتداء الجنسي من الإناث، لارتدائهن ملابس غير محتشمة. مثل هذه الآراء القديمة، لا تستحق أي احترام، سواءً كان معتنقها من تكساس أو طوكيو أو طهران.

في الأسبوع الذي قُتلت فيه “أميني”، أجرت مراسلة شبكة سي بي إس نيوز (CBS News) “ليزلي ستاهل”، مقابلة مع الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، الذي أثار شكوكاً حول الهولوكوست، ونفى دوره كقاضي عمليات الإعدام، حيث حكم على آلاف المعارضين بالإعدام في صيف عام 1988. وقد ارتدت المراسلة الحجاب طوال المقابلة، واعترفت: “قيل لي كيف أرتدي ملابسي، وألا أجلس قبل أن يجلس الرئيس، وألا أقاطعه”. لا ينبغي لقواعد العمل، التي عفا عليها الزمن، أن تكون مقبولة.

كما أن “كريستيان آمانبور”، مذيعة من قناة سي إن إن (CNN) الأمريكية حصلت على مقابلة مع رئيسي، الخميس الماضي، في نيويورك، لكنه لم يحضر لإجراء المقابلة، لأنها رفضت ارتداء الحجاب. وهذا هو رد الفعل الصحيح؛ والآن ينبغي للآخرين أيضاً أن يحذوا حذوها. لقد أثبت التاريخ أن إيران لا تتنازل إلا عندما تواجه جبهة دولية موحدة. يجب على الحكومات الأجنبية، ووكالات الأنباء الدولية، والمنظمات غير الحكومية، التوقف عن إضفاء الشرعية على التمييز الجندري (التمييز ضد المرأة) في الجمهورية الإسلامية.

في الوقت الذي رضخت فيه طهران – في بعض الأحيان – للضغوط الخارجية، كان رد فعل الجمهورية الإسلامية على الأزمات الداخلية – طوال تاريخها الممتد لـ 43 عاماً – هو مضاعفة القمع. هذه الوحشية هي التي أبقت الحكومة في السلطة. لكن هناك انقسامات متزايدة في المؤسسة، في وقت تستعد فيه البلاد لإجراء تغييرات ضمن قياداتها بسبب صحة خامنئي المتدهورة، البالغ من العمر 83 عاماً. في حين أن قوات الأمن في الجمهورية الإسلامية قد تبدو مسيطرة في الوقت الحالي، إلا أن هناك علامات على ضعف النظام في إيران، اليوم، أكثر بكثير مما كانت عليه في مصر وتونس في كانون الأول/ديسمبر 2010، قبل أسابيع من الإطاحة بحكومتيهما.

الاحتجاجات المستمرة بسبب مقتل “أميني” يجب أن تدفع إدارة بايدن إلى إعادة تقييم استراتيجيتها تجاه إيران. حتى الآن، كان التركيز الرئيسي للسياسة الأمريكية تجاه إيران هو المحاولة غير المثمرة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والتي انسحب منها الرئيس دونالد ترامب عام 2018. وتعتبر هكذا سياسة قصر النظر بالنسبة لإدارة بايدن، طالما أن قادة الجمهورية الإسلامية – الذين يصرون على معاداة الولايات المتحدة – يحكمون إيران، فلن تتمكن واشنطن أبداً من التوصل إلى حل مع طهران. بدلاً من التعامل مع أعراض أيديولوجية إيران، يجب على واشنطن – والغرب – التركيز على سببها الجذري، والذي يتمثل في النظام نفسه.

إن صعود حكومة إيرانية جديدة إلى سدة الحكم في إيران، والتي قد تضع المصالح الوطنية للبلاد فوق أيديولوجيتها الثورية؛ يمكن أن يغيّر قواعد اللعبة الجيوسياسية بالنسبة لأمريكا. حيث تتمتع طهران بنفوذ هائل في أربع عواصم عربية (دمشق، وبيروت، وبغداد، وصنعاء)، وقدمت مساعدات مالية وعسكرية للديكتاتوريات المعادية لأمريكا في كاراكاس وبيونغ يانغ. وقد بدأت الحكومة الروسية في استخدام مسيّرات “كاميكازي” الإيرانية ضد أوكرانيا. ناهيك عن الأسلحة الإيرانية التي تغذّي حروب إفريقيا. ففي كلا الحربين؛ الباردة والساخنة في العالم، في الوقت الحالي، تتحالف طهران – عملياً – مع مختلف القوى ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

خلال الحرب الباردة، تفاوضت الولايات المتحدة على صفقات الحد من التسلح مع الاتحاد السوفيتي، حتى أنها أدانت “إمبراطورية الشر”، وناشدت الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف من أجل “هدم هذا الجدار”. حان الوقت لإدارة بايدن لتوسيع نطاق استراتيجيتها تجاه إيران، ليس فقط التركيز على مواجهة الطموحات المدمرة للنظام الإيراني فحسب، ولكن دعم تطلعات الشعب الإيراني للعيش في مجتمع حر وبسلام مع العالم أيضاً.

يُعتقد بأن انتقال إيران من النظام الثيوقراطي إلى نظام ديمقراطي قد لا يكون أمراً سهلاً أو يحدث بسلام على المدى القريب. لكنه المفتاح الوحيد الأبرز لإحداث تحوّل حقيقي في الشرق الأوسط.

………………………………….

الكاتب: كريم سجادبور- محلل سياسي أمريكي من أصول إيرانية وخبير في الشأن الإيراني، وباحث أول في برنامج الشرق الأوسط لدى “مؤسسة كارينغي للسلام الدولي”.

الترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى