ترجمات

كيف يفكر الشرق الأوسط في التنافس العالمي للقوى العظمى؟

اتَّسمت العلاقات بين روسيا والصين بتاريخ طويل من التعقيدات، إلّا أنَّهما أقامتا علاقات ثنائية قوية في القرن الحادي والعشرين.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، حدث تقارب بين البلدين، ويُعزى ذلك إلى إعجابهما وولائهما للإيديولوجية الماركسية، و تم دعم هذا التقارب بمعاهدة تحالف تمتد لثلاثين عاماً تم توقيعها عام 1950، فمكنتهما من التعاون على الأصعدة الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية.

أدت الحدود المشتركة وخلافات الرأي في العقيدة الشيوعية إلى عداوات مفتوحة بين روسيا والصين عام 1969، الأمر الذي أدى إلى تكثيف جهود “ماو تسي تونغ” لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، في مطلع سبعينيات القرن الماضي. استؤنفت العلاقات بعد القمة الصينية السوفييتية عام 1989، وما تبعها من تسارع في وتيرة تعزيز العلاقات حتى يومنا هذا.

من أهم اللحظات الفارقة في سبيل تعزيز هذه العلاقة؛ كان انضمام روسيا إلى “منظمة شنغهاي للتعاون” بقيادة الصين عام 2001، إلى جانب توصل البلدان إلى حل للنزاع الحدودي بينهما عام 2004. فضلاً عن رفض الصين إدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. وفي حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، قبل أيام فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، أجرى رئيسا البلدين محادثات ثنائية، وأصدرا بياناً مشتركاً، يؤكد على الاستمرار في تطوير العلاقات الودية.

لا شك أن السبب الرئيسي لتحالف روسيا والصين، هو منافستهما المشتركة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن الرغبة المشتركة في إنشاء نظام دولي لا تقوده الولايات المتحدة. في الوقت الحاضر، يمثل كلا البلدين لاعباً كبيراً في معالجة القضايا العالمية الكبرى، وقد أقاما معسكراً قوياً. هذا الأمر واضح للعيان، وخاصةً في عالم يبتعد عن النموذج أحادي القطب.

لكل من روسيا والصين سياسات تجاه الشرق الأوسط، حيث تتركز مقاربة الصين تجاه المنطقة – بشكل أكبر – على التعاون التجاري والاقتصادي، حيث تمر “مبادرة الحزام والطريق” عبر أجزاء من الشرق الأوسط. إن مكانة الصين كمارد اقتصادي يكسبها نفوذاً فيما يتعلق بالقضايا السياسية، وعلى الأخص في إفريقيا.

من ناحية أخرى – باستثناء سوق الطاقة – فإن القوة الاقتصادية لروسيا لا تضاهي قوة الصين. لذا، يعتمد نهج روسيا على التركيز أكثر على القوة الصلبة للتأثير في السياسة الخارجية. وبالرغم من ذلك، لا يوجد مثيل للوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تتخلف كل من روسيا والصين عن واشنطن في القضايا الأمنية.

معضلة الشرق الأوسط

على الرغم من أن الحرب في أوكرانيا، تُعتبر بعيداً – جغرافياً – عن الشرق الأوسط، إلّا أنَّها كانت بمثابة اختبار جديد لكيفية رد فعل قادة الشرق الأوسط على التنافس العالمي بين القوى العظمى. حيث ازداد التحرّك والثقل الروسي في الشرق الأوسط في النصف الأول من العام الجاري، كما يتضح من المشاركة الثنائية والمتعددة الأطراف لوزير الخارجية سيرغي لافروف في المنطقة. وقد أثار هذا رد فعل البيت الأبيض، حيث زار الرئيس جو بايدن إسرائيل والخليج بعد أشهر. كان هذا الرد المتأخر مفهوماً من منظور السياسة الأمريكية (تتمتع كل من إسرائيل ودول الخليج بعلاقات راسخة مع الولايات المتحدة؛ لذلك فهذه العلاقات ليست عرضة لخطر مباشر).

دول الخليج من أقرب وأقدم حلفاء أمريكا في المنطقة أيضاً، حيث تم تصنيف بعض الدول، بما في ذلك البحرين والإمارات العربية المتحدة، على أنهم “الشركاء الأساسيين في التعاون الأمني” للولايات المتحدة. بالنظر إلى هذه العلاقات، والمصلحة الأمريكية والإسرائيلية والخليجية المشتركة في ضمان استقرار سوق الطاقة العالمية، توقّع البيت الأبيض أن تحافظ هذه الدول بشكل طبيعي على علاقات قوية مع الولايات المتحدة.

صرَّح أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات العربية المتحدة العام الماضي، بخصوص الصراع على السلطة في المنطقة بين واشنطن وبكين، قائلاً: “نحن جميعاَ قلقون للغاية من الحرب الباردة التي تلوح في الأفق. هذه أخبار سيئة بالنسبة لنا جميعاً، لأن فكرة الاختيار تمثل مشكلة في النظام الدولي، وأعتقد أنها لن تكون رحلة سهلة “. في الوقت الحالي، على عكس التصور الأمريكي، كل الأوراق مطروحة على الطاولة، ولا يزال يتعين على دول الخليج اختيار طرف ما في الصراع. بالنسبة للبعض – وخاصة في دول الخليج – كانوا يفضّلون السعي وراء مصالحهم الخاصة؛ من خلال التقارب من الصين وروسيا، بدلاً من إعطاء الأولوية – فقط – للقضايا الأمنية في المنطقة.

بينما تدرك دول الخليج أهمّية المظلة الأمنية الأمريكية لأمن المنطقة، فإنها لا تزال تفضّل الاستمرار في تنويع شراكاتها. حيث أبقت إدارة بايدن التواصل بين الولايات المتحدة وشبه الجزيرة العربية في حدها الأدنى، مع عدد قليل من الزيارات رفيعة المستوى بعد دخول بايدن النصف الثاني من ولايته.

من المؤشرات الواضحة على هذا الاستياء الخليجي من سياسة البيت الأبيض، هو التزام المنطقة الضئيل بتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، والذي كان نقطة محورية في جدول أعمال بايدن خلال زيارته الأولى والوحيدة للمنطقة. تعد المفاوضات النووية لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) مع إيران مصدر قلق رئيسي آخر لكل من إسرائيل ودول الخليج.

مع رفض الغرب إشراك الدول المجاورة لإيران في المفاوضات، قررت دول الخليج تولي المسؤولية، والشروع في مفاوضات مباشرة مع إيران، والتي تضمنت عدة جولات من المحادثات السعودية – الإيرانية عُقدت في بغداد. وأدت هذه المحادثات إلى وقف إطلاق النار في اليمن وعودة سفيري الإمارات والكويت إلى طهران.

كانت دول الخليج أكثر نجاحاً من إسرائيل في تنويع انفتاحها على القوى العظمى الثلاث، وعلى الرغم من تطبيع العلاقات من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية، فإن إسرائيل ليست مندمجة بالكامل مع دول الخليج بعد، ولديها علاقة فريدة مع الولايات المتحدة. نتيجة لذلك، تنظر إسرائيل إلى مثل هذه المعضلات بشكل مختلف. حيث يعتقد السياسيون الإسرائيليون أن الحفاظ على تفاهم جيد مع روسيا – التي تدعم بشدة نظام الأسد- أمر حيوي لحماية الحدود الشمالية لإسرائيل من هجمات وكلاء إيران في المنطقة، خاصةً بعد الانخفاض الكبير في الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.

غالباً ما يُنظر إلى إسرائيل على أنّها أقرب حليف لأمريكا، مما يجعل من الصعب إبقاء خياراتها مفتوحة والتعامل بحرية مع روسيا والصين. حيث أدت إدانة إسرائيل الأخيرة للغزو الروسي، بالإضافة إلى مساعدتها لأوكرانيا، إلى تعرض العلاقات الإسرائيلية الروسية للخطر.

على الرغم من دعم هذه القوى العظمى الثلاث للاعبين إقليميين مختلفين، ومتعارضين في كثير من الأحيان، يمكن تحقيق التعاون السياسي في مسائل مثل حرية الملاحة لطرق التجارة، واستقرار سوق الطاقة العالمية. ويمكن أن يشجع هذا التعاون على إحداث تقارب أعمق في القضايا – أكثر إثارة للجدل – التي يجب حلّها؛ لتحقيق الاستقرار في المنطقة. فالطموح المشترك المتمثل في تحقيق الاستقرار، هو القاسم المشترك لجميع الدول في الشرق الأوسط.

…………………………………..

مقال تحليلي.

أحمد بوحجي: حاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كوين ماري في لندن، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة دي باول. ويشغل منصب سكرتير ثانِ في وزارة الخارجية بمملكة البحرين.

الترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى