ترجمات

النص “النهائي” لإحياء الاتفاق النووي مع إيران: حلّ العقدة الأخيرة أم زيادة تعقيدها؟

مع الإعلان عن النص "النهائي" و"غير القابل للتفاوض" للاتحاد الأوروبي، المتعلق بإحياء الاتفاق النووي مع إيران، وصلت المفاوضات - على ما يبدو - إلى محطتها الأخيرة. لكن، من وجهة نظر المحلل السياسي، علي أفشاري، فإنّ التوصل إلى اتفاق، بات يواجه تقلبات ومنعطفات جديدة.

انتهت مفاوضات فيينا التي استمرت أربعة أيام، حول الخطة التي اقترحها “جوزيب بوريل”، المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي، يوم الأحد 7 آب/أغسطس.

لم يكن ممثلو دول الترويكا الأوروبية حاضرين في هذه الجولة من المفاوضات، كما أنّ الوفدين الروسي والصيني لم يكن لهما تأثيرٌ فعالٌ فيها، وكان “أنريكي مورا”، منسق المفاوضات من جانب الاتحاد الأوروبي، يحاور ممثلي إيران والولايات المتحدة، كلٌّ على حدة.

لقد كانت أجواء هذه الجولة من المفاوضات تتسم بالجدية، وبحسب شهادات وتصريحات الحضور، كان هناك تقدم فيها، لكن لم يتم سد فجوة التوصل إلى اتفاق كامل، وتجاوز كل النقاط الخلافية.

كانت نتيجة الجولة الأخيرة من مفاوضات فيينا، التي لم تعتبر جولة جديدة، استكمال خطة جوزيب بوريل، بإغلاق أقواسها المفتوحة. في الوقت الحالي، تم وضع مسودة جديدة لنص الاتفاقية على الطاولة، من قبل الاتحاد الأوروبي، وهي مسودة تلبي تطلعات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكلٍ أكبر، مقارنةً بالماضي.

صرّح مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنّ مساحة المناقشة حول صياغة النص قد انتهت، وأنّ على حكومتي إيران والولايات المتحدة اتخاذ قرار سياسي. فالتجارب السابقة فيما يتعلق بالمواعيد النهائية التي تم تجاهلها من قبل الحكومات الغربية، تجعلهم يشككون في عدم مرونة هذه الحكومات تجاه التغييرات المحتملة في هذا النص النهائي الذي تمت صياغته. لكن في الوقت نفسه، أصبحت الجمهورية الإسلامية أيضاً تحت ضغطٍ أكبر، لاتخاذ القرار، وإنهاء استهلاك الوقت.

أعلنت الحكومة الأمريكية، التي أبدت مرونةً وتراجعاً نسبياً، عن موافقتها على هذه الخطة. لكن ما تناهى إلى الأسماع من المصادر المحسوبة على الحكومة الإيرانية لا يظهر صورة واضحة، لجهة الغموض في التصريحات. ومما لا شك فيه، أنّه يجب عرض مضمون النص الجديد والمناقشات الفنية والسياسية المرتبطة به، على مجلس الأمن القومي، ومكتب علي خامنئي، لاتخاذ القرار، وهو أمر يستغرق وقتاً.

أعلنت مصادر مطلعة من وزارة الخارجية الإيرانية عن إحراز تقدم، خلال هذه الجولة، ولا سيما فيما يتعلق بـ “الرفع المستدام للعقوبات، وضمان الفوائد الاقتصادية، وحفظ إمكانية العودة السريعة، والحفاظ على البنى التحتية النووية وإنجازاتها”، لكن ذلك لم يصل – بعد – إلى مرحلة تسمح لنا بالتحدث بشكل قطعي عن التوصل إلى اتفاق.

وقد دعا وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، من خلال تكرار مواقفه السابقة، إلى أن تكون الولايات المتحدة “واقعية” في قبول اتفاق مستدام ومتوازن. ومن جهةٍ أخرى، صدرت ادعاءات بأنّ الاتفاق الحالي، ينطوي على مزايا أفضل من الاتفاق النووي السابق مع إيران.

تظهر متابعة المواقف الحكومية الإيرانية، أنّ الجمهورية الإسلامية، خلال محادثات فيينا، ركزت على إغلاق ملف الانتهاكات في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتسهيل الاستثمارات الأجنبية، بعد إعادة إحياء الاتفاق النووي. وقد تم ترميز هذين المطلبين على الشكل التالي: “إزالة أي ورقة ضغط مستقبلية ضد إيران” و”الرفع المستدام والمستقر للعقوبات، لطمأنة الشركاء التجاريين.”

تستند مسودّة الطلب الإيرانية الجديدة إلى تجاهل مسألة المراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك على غرار أسلوب النظام في الاتفاق النووي السابق، الذي حلّ – على المستوى السياسي – المشاكل المتعلقة بالأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني (PMD). لكنّ من المستبعد أن يوافق الغرب بالكامل على هذا النهج، وأن يتجاهل القرار الأخير لمجلس المحافظين، ويغلق ملف استجواب الحكومة الإيرانية على أسئلة ومطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إنّ مسائل المراقبة والتفتيش هي مسائل فنية. لكن تحقق هذا المطلب بشكل كامل يبدو أمراً غير قابلاً للتحقق، ولا سيما، بعد أن أثيرت قضايا جديدة، عقب توقيع الاتفاق النووي؛ بدأت مع سرقة الوثائق النووية الإيرانية في تورقوز آباد، من قبل إسرائيل، ليليها لاحقاً الادعاء الذي صدر عن الوكالة، حول تنفيذ إيران أنشطة سرية خلال السنوات الأخيرة.

تحاول منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ممارسة الضغط على الوكالة، من خلال تقييد التفتيش وإغلاق عدد من كاميرات المراقبة فائقة الأمان. من جهةٍ أخرى، تمارس الوكالة نوعاً من المناورة على المستوى السياسي واللفظي، بتوجيه من الدول الغربية، إذ أنها تقدم في كل حين مستمسكاً جديداً ضد إيران، لتحافظ من خلاله على أوراق ضغطها على الاقتصاد الإيراني المتأزم. لكنّ المعطيات الحالية تعزز الفرضية القائلة بأنّ الجمهورية الإسلامية ليس لديها أجوبة مقنعة على أسئلة الوكالة، لذلك فهي تريد ربط إعادة إحياء الاتفاق النووي بإنهاء محاسبات الوكالة للأنشطة السرية والانتهاكات.

أما فيما يتعلق بالنقاط الخلافية الأخرى، ومن بينها نطاق رفع العقوبات، وتلقي الضمانات من قبل الولايات المتحدة، والهيكل الفني النووي الجديد لإيران، يبدو أنه تم تقليصها، إلى حدٍّ ما، وبالتالي فإنه من المحتمل التوصل إلى اتفاق في هذه المجالات. تبقى العقد الأصلية، وربما الأخيرة، التي قد تتسبب في إطالة أمد المفاوضات من جديد، هي مسألة المراقبة والتفتيش.

وسط هذه الأجواء، يبقى هناك احتمال ضئيل بأن تقبل النواة الصلبة للسلطة في إيران، النص المقترح الحالي، دون التعرض لاختبار قوة جديد. أمل إيران هنا هو حدوث تغييرات عالمية عقب الحرب الأوكرانية. وبحسب رأيهم، فإنّ اقتراب موسم البرد سيزيد من حاجة الغرب لتأمين الوقود الأحفوري، خارج مدار روسيا. هذا العامل، إضافةً إلى حاجة إدارة بايدن لتحقيق إنجازات، عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي، يدفع الغرب إلى إظهار مزيد من المرونة.

كما أن الإيرانيين يتعقدون- في تقييمٍ متفائل- أنّ مرور الوقت يصبّ في مصلحتهم، وأنّ فعالية العقوبات الأمريكية قد تجاوزت ذروتها. وفي غضون ذلك، فإنّ الجمهورية الإسلامية تسعى إلى ممارسة المزيد من الضغوطات على الغرب، من خلال أوراق ضغطها المتمثلة في توسيع نطاق الأنشطة النووية الحساسة، وزيادة القدرات النووية، والمحافظة على التوسع الإقليمي.

على الرغم من عدم إمكانية رفض هذا التقييم بشكلٍ كامل، إلّا أنّ العيب الكبير الذي يشوبهُ هو تجاهل الخطأ في الحسابات، وما ينطوي ذلك على مخاطر كبيرة. فقد يتجه الغرب نحو مواجهة قوية، ويقرع ناقوس نهاية المفاوضات. حينها، سيكون الاقتصاد الإيراني المتأزم، في مأزقٍ أكبر، ولا سيما بعد تهديد دول الترويكا الأوروبية بتفعيل آلية الزناد.

خلال الأشهر القادمة ستتضح نتائج أعمال إدارة بايدن في منع بيع النفط الإيراني والمنتجات البتروكيماوية، وبالتالي فإنّ عدم قدرة إيران على بيع مليون برميل نفط يومياً، من شأنه أن يضع حكومة “إبراهيم رئيسي” في حالة إفلاسٍ كامل غير قابلة للتعافي.

بالنظر إلى النقاط سابقة الذكر أعلاه، يمكننا توقع أن تتطلب إزالة العقبات الأخيرة أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي، من الحكومة الإيرانية، التخلي عن طلبها في إغلاق ملف مسائل المراقبة والتفتيش. من ناحيةٍ أخرى، يجب ألا يتم اعتبار متابعة الوكالة وتوثيقها للانتهاكات كإجراءات عقابية، بل يجب النظر إليها على أنها ضمانات لعدم تكرار انتهاكات في المستقبل.

خلافاً لذلك، لن يكون للتقدم النسبي الذي تم إحرازه تأثيرٌ مستدام، وستتجه الأوضاع نحو مزيدٍ من التعقيد. وبطبيعة الحال، فإنّ استمرار حالة الجمود والمأزق الحالي، لن يؤدي بالضرورة إلى الموت الكامل للاتفاق النووي، لكنه يعزز ويزيد من احتمالية تفعيل “الخطة ب” من قبل إدارة بايدن.

في الوقت الحالي، ما يمكنه القول بيقينٍ كامل، هو أنّه لن يكون من الممكن، في الأيام المقبلة، إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، استناداً إلى النص المقترح من قبل جوزيب بوريل، وأنّ التوصل إلى اتفاق محتمل في المستقبل، سيمرّ بمنعطفات جديدة، وهو مسألة بحاجة إلى الوقت.

………………………………

الكاتب: علي أفشاري : محلل سياسي إيراني معارض مقيم في الولايات المتحدة.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى