ترجمات

تنامي طموح السياسة الخارجية لتركيا

نظراً لموقعها الجغرافي وعضويتها في حلف الشمال الأطلسي (الناتو) كسبت تركيا صوتاً مؤثراً في السياسة الخارجية، لكن السياسات الصارمة للرئيس أردوغان أدت إلى تعقيد دورها.

مقدمة

أقامت تركيا – بعد تأسيسها كجمهورية عام 1923- علاقات اقتصادية وعسكرية وثيقة مع الغرب، كجزء من رؤيتها في أن تصبح دولة علمانية حديثة.

لكن في العقدين الماضيين، منذ صعود الرئيس رجب طيب أردوغان، سعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى إنشاء تركيا جديدة، ككيان حر، وكقوة عالمية في حد ذاتها.

في السنوات الأخيرة، أثارت تركيا غضب جيرانها وحلفائها، بسبب رغبة أردوغان في التدخل العسكري في ليبيا، وسوريا، ومطالباته الإقليمية في البحر المتوسط، والتقارب من روسيا والصين.

مثل هذه الإجراءات أدت إلى عزل تركيا، وأثارت التساؤلات حول مستقبلها في حلف (الناتو)، وآفاق انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الحالي تصارع تركيا للتخلص من أزمتها المالية، حيث يحاول أردوغان إصلاح العلاقات المتضررة، بما فيها السعي للتقارب مع القوى الإقليمية الكبرى.

لماذا تركيا مهمة؟

تأسست تركيا على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، التي دامت لستة قرون، وامتدت لثلاث قارات، وحكمت العالم الإسلامي وأجزاء من أوروبا. لقد شهدت أراضيها الآلاف من الصراعات بين القوى العالمية (الشرق والغرب، المسيحية والإسلام، الحداثوية والتقليدية).

تركيا اليوم تعكس هذه المؤثرات، ولكنها تسعى أيضاً إلى تقديم نفسها على أنها قوة مستقلة ذات هوية وطنية فريدة.  أقامت تركيا شراكة وثيقة مع الغرب عبر عضويتها في حلف الناتو، وعمقت العلاقات التجارية مع بلدان الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ذلك، فتركيا في صدام متزايد معهم بسبب تراجع ديمقراطيتها، والعلاقات مع روسيا، وغيرها من المشاكل.

نظراً لموقعها بين آسيا وأوروبا، يمكن أن يكون لتركيا تأثير قوي على القوقاز، وآسيا الوسطى، والاتحاد الأوروبي، والبحر الأبيض المتوسط، ​​والشرق الأوسط. بموجب “اتفاقية مونترو” لعام 1936، تتحكم أنقرة بحركة المرور في المضائق التركية (البوسفور، ومرمرة، والدردنيل) والممرات المائية الحيوية التي تربط بين البحر الأسود وبحر إيجة، والتي تمر عبرها مئات الملايين من الأطنان من البضائع سنوياً. وتستضيف القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في العديد من قواعدها، بالإضافة إلى تأويتها الأسلحة النووية الأمريكية في قاعدة إنجرليك الجوية، وشاركت في العديد من صراعات ما بعد الحرب الباردة في الشرق الأوسط. كما كانت طريقاً رئيسياً – أيضاً – للعبور خلال أزمات الهجرة التي عصفت بالمنطقة. في الوقت الراهن، يهدف أردوغان إلى إبراز قوة تركيا بشكل أكبر، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تراجع الوجود الأمريكي ترك فراغاً تأمل أنقرة في ملئه.

كيف تطورت السياسة الخارجية لتركيا؟

تم تشكيل حدود تركيا الحديثة بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى. حيث احتل الحلفاء المنتصرون – وخاصة بريطانيا وفرنسا – المنطقة، وسعوا إلى تقسيم معظم أراضي الإمبراطورية بين الأرمن واليونانيين والكرد. ولكن القوميون الأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، رفضوا الاقتراح المذكور، وقاموا بشن حرب استقلال، والتي نتجت عنها تأسيس تركيا كجمهورية مستقلة في عام 1923. وبصفته الرئيس المؤسس، وضع أتاتورك إصلاحات شاملة لعلمنة الحياة العامة وتطوير رؤيته؛ للتحديث على أساس النموذج الغربي. ركزت سياسته الخارجية القائمة على مبدأ «سلام في الداخل، سلام في العالم» على الدفاع عن سيادة تركيا في الوقت الذي كان يقوم ببناء العلاقات مع محتليها السابقين.

 خلال معظم فترات الحرب العالمية الثانية، ظلت تركيا محايدة ولكنها كانت متعاطفة مع الحلفاء. بعد الحرب، عززت تركيا العلاقات مع الغرب؛ وانضمت إلى حلف الناتو عام 1952 وبدأت في تلقي المساعدات الأمريكية بما يتماشى مع “عقيدة ترومان” المناهضة للشيوعية في واشنطن، آنذاك. حيث ساعد هذا في إحداث جيش قوي؛ الذي رأى أن من واجبه حماية العقيدة الكمالية، وهي أيديولوجية حاكمة قائمة على العلمانية والقومية ودور حكومي قوي في توجيه الاقتصاد.

ومع ذلك، بعد سنوات من العنف بين الجماعات اليسارية واليمينية المتطرفة، تدخل الجيش التركي لإصلاح الانقسام السياسي في البلاد. بحلول عام 1980، أطلق الجيش الانقلاب الثالث في تركيا منذ استقلالها، وجاءت معه جهود لإعادة أسلمة المجتمع واستعادة القيم التقليدية، بما في ذلك إنشاء تعليم ديني إلزامي وفتح مساجد تحت سيطرة الدولة.

ما هو الدور الذي لعبه أردوغان؟

وصل أردوغان وحزب العدالة والتنمية (AKP)، وهو حزب محافظ ذو جذور إسلامية، إلى السلطة عام 2002، بعد عقد من عدم الاستقرار السياسي والأزمة المالية. قدم حزب العدالة والتنمية إصلاحات اقتصادية وسياسية للصعود بتركيا إلى مستوى معايير الاتحاد الأوروبي، ونما اقتصاد البلاد بنسبة 7.5% بمعدل وسطي سنوي بين عامي 2001- 2011. أما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، كان شعار حزب العدالة والتنمية «صفر مشاكل مع الجيران»، وكانت أنقرة تهدف إلى توسيع نفوذ تركيا من خلال بناء العلاقات التجارية، والتشجيع على الديمقراطية، والتأكيد على هويتها الإسلامية.

ولكن بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحالي، أصبح حزب العدالة والتنمية أكثر استبدادية؛ وعزز سيطرته على المؤسسات الإعلامية، وقام بقمع المعارضين المزعومين داخل الجيش، وحاكم وسجن منتقديه، بالإضافة إلى قمع الاحتجاجات. استغل أردوغان محاولة الانقلاب العسكري عام 2016، لقمع خصومه المزعومين، الذين يزعم أن فتح الله غولن كان يقودهم، وهو رجل دين يعيش في المنفى في الولايات المتحدة، وكان في يومٍ من الأيام حليفاً لأردوغان.

من خلال استفتاء في العام التالي، استبدل أردوغان النظام البرلماني في البلاد بنظام رئاسي؛ حيث قام بإلغاء منصب رئيس الوزراء من ضمن تغييرات رئيسية أخرى؛ وجعل نفسه صاحب السلطة الوحيد في تركيا.

اتخذت تركيا توجهاً صارماً في السياسة الخارجية، حيث التركيز على توسيع وتعميق وجودها الدبلوماسي والعسكري. وتحقيقاً لهذه الغاية، تدخلت تركيا عسكرياً في أذربيجان والعراق وليبيا وسوريا، وزودت شركاء مثل إثيوبيا وأوكرانيا بالمسيرات؛ وقامت ببناء المدارس الإسلامية في الخارج.

كيف تطور الصراع مع الجماعات الكردية؟

ذكر هنري باركي، العضو في مجلس العلاقات الخارجية[1]، بـأن الكرد مجموعة عرقية مسلمة بشكل أساسي، منتشرة ليس فقط في تركيا ولكن في إيران، والعراق، وسوريا أيضاً، ويشكلون «مصدر قلق أمني» لأنقرة.  حيث يشكل الكرد خمس سكان تركيا، وقد أثاروا منذ فترة طويلة مخاوف أنقرة بشأن مطالبهم بمزيد من الحكم الذاتي أو في بعض الحالات، الاستقلال.

تشن تركيا حرباً ضد حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعاً مسلحاً بهدف إقامة دولة كردية، منذ ثمانينات القرن الماضي، وأودى هذا الصراع بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص. ومع ذلك، فر مئات الآلاف من أكراد العراق إلى تركيا خلال حرب الخليج الأولى، وحافظت أنقرة على علاقات ودية مع حكومة إقليم كردستان -شبه المستقل- في العراق، بالرغم من معارضة سعيه للاستقلال.

في البداية، دفعت حكومة أردوغان نحو حقوقٍ اجتماعية وسياسية أكبر للكرد، لكنها واجهت رد فعل عنيف، لا سيما من القوميين المتطرفين داخل ائتلاف حزب العدالة والتنمية. حيث انهارت محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني التي بدأت منذ عام 2012، ويسعى أردوغان الآن إلى حظر الحزب الكردي (حزب الشعوب الديمقراطي) المعارض الرئيسي قبل انتخابات 2023. ويحذّر بعض المراقبين من أن هذه التوجهات ستقنع المزيد من الكرد بالتخلي عن الحلول السياسية والتحول نحو العنف.

كما ساهمت المخاوف من القومية الكردية في تشكيل سياسة أردوغان، والتي تمثلت في التدخل في الحرب الأهلية السورية. منذ عام 2016، احتل الجيش التركي أجزاءً من شمال سوريا، لإبعاد القوات الكردية عن الحدود المشتركة بين البلدين، ومنعها من بسط سيطرتها على مناطق نفوذها، وملاحقة حزب العمال الكردستاني. على الرغم من أن حزب العدالة والتنمية سعى ذات مرة إلى الإطاحة بالنظام السوري، إلا أنه يقال إنه يفكر في إعادة العلاقات معه، لتعزيز جبهتها ضد القوات الكردية، واستثمار المشاعر المعادية للاجئين قبل الانتخابات.

ما هي نقاط التوتر الإقليمية الأخرى؟

كما كتب ستيفن إيه كوك من مجلس العلاقات الخارجية، “لقد تم تقويض سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” التي يتبعها حزب العدالة والتنمية بسبب التوترات في العديد من المجالات. لكن مع تعثر الاقتصاد التركي، تسعى أنقرة الآن إلى إصلاح العلاقات مع الحكومات التي تصادمت معها في الماضي، على أمل تحسين مكانتها في واشنطن وتأمين الاستثمار الأجنبي، الذي هي بأمس الحاجة إليه”.

المجموعة الرباعية

تدهورت علاقات تركيا مع البحرين ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (المجموعة الرباعية)، منذ دعم أنقرة للإخوان المسلمين، خلال الانتفاضات العربية في 2011، كما أدى موقف أردوغان من عملية اغتيال جمال خاشقجي إلى زيادة توتر العلاقات، وعمقت تركيا علاقاتها التجارية والطاقية مع خصم رياض الإقليمي (طهران). ومع ذلك، قلب أردوغان سياسته، محاولًا تحسين العلاقات مع تلك الدول لأغراض اقتصادية، وبهدف كسر عزلة تركيا وجذب المستثمرين الإماراتيين والسعوديين.

إسرائيل 

كانت تركيا أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بالدولة اليهودية، وعمل البلدان معاً بشكل وثيق في قضايا الاستخباراتية، في أواخر التسعينات من القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي. ومع ذلك، تسبب أردوغان في توتر العلاقات مؤخراً من خلال اتخاذ موقف مناصر للقضية الفلسطينية، بما في ذلك استضافة أعضاء حماس، والترويج للأفكار المعادية للسامية.

أرمينيا

خلال الحرب العالمية الأولى، ارتكبت الإمبراطورية العثمانية مجزرة بحق أكثر من 1.5 مليون أرمني، وهم أقلية مسيحية، اعتبرها الكثير تهديداً للدولة، وطردوا المزيد منهم. وتنفي تركيا بشكل قاطع أن تلك السياسات كان ضمن عمليات إبادة جماعية، ولطالما ضغطت على الولايات المتحدة وغيرها ضد استخدام هذا التصنيف. ولا تزال هذه التوترات قائمة، فقد دعمت تركيا حليفتها أذربيجان في صراعها مع أرمينيا بشأن منطقة ناغورني- قره باغ المتنازع عليها، وهو موقف لا يزال يعيق التطبيع مع أرمينيا.

البحر الأبيض المتوسط

هنالك مشاكل تاريخية في العلاقات مع اليونان وقبرص، وهذه الدول لم تكن ضمن حملة تركيا الأخيرة لإصلاح العلاقات. فاليونان حاربت الإمبراطورية العثمانية من أجل استقلالها، وقُرعت طبول الحرب بين أثينا وأنقرة في مناسبات عديدة خلال العقود الأخيرة. في عام 1974، قامت تركيا بعملية غزو واحتلت نصف قبرص، المقسمة بين السكان اليونانيين والأتراك، وخوفاً من تأهب اليونان لضم الجزيرة؛ لا تزال قوات حفظ سلام التابعة للأمم المتحدة متمركزة هناك.

أثارت مطالبات تركيا الإقليمية المتزايدة في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط -حيث تسعى لاستغلال موارد النفط والغاز لتقليل اعتمادها على الطاقة المستوردة- غضب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في الناتو، مثل فرنسا. كما أدى سعي أنقرة للحصول على موارد الطاقة إلى التدخل في الحرب الأهلية الليبية، بعد أن أيدت الحكومة الليبية المعترف بها دولياً مزاعمها.

كيف تطورت علاقات تركيا مع أوروبا؟

من خلال الانضمام إلى المؤسسات الأوروبية، مثل مجلس أوروبا والجماعة الاقتصادية الأوروبية، أضفت تركيا الطابع الرسمي على تحالفها مع الغرب خلال الحرب الباردة. فقد أدت عضويتها في المجموعة الاقتصادية الأوروبية إلى إنشاء الاتحاد الجمركي التركي-الأوروبي، والذي سمح بحرية حركة البضائع. كما هاجر ملايين الأتراك إلى أوروبا، وخاصة ألمانيا، كعمال ضيوف.

كان الأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (أكبر شريك تجاري ومستثمر لتركيا) محركاً رئيسياً لسياسة البلاد، مما دفع حزب العدالة والتنمية للإصلاحات المبكرة. بدأت المحادثات الرسمية في عام 2005 لكنها توقفت لعدة أسباب، بما في ذلك معارضة العديد من أعضاء الاتحاد الأوروبي، وتراجع الديمقراطية في تركيا، وحملات القمع المتزايدة ضد الصحافة، والمعارضة، والأقليات العرقية والمثليين. وتواجه أنقرة عقوبات من مجلس أوروبا أيضاً، بسبب اعتقال عثمان كافالا، الناشط الحقوقي الكردي المناصر للديمقراطية.

كما أن أزمات اللاجئين أدت إلى زيادة توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، حيث استخدمت أنقرة اللاجئين -الأكبر في العالم حتى عام 2021- كورقة ضغط على بروكسل، بعد ارتفاع عدد طالبي اللجوء الذين كانوا يدخلون أوروبا عبر تركيا.

في عام 2016، وافقت أنقرة على منع المهاجرين من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي مقابل زيادة المساعدات من قِبل دول الاتحاد. لكن تركيا هددت «بفتح البوابات» ردا على الانتقادات الأوروبية في عدة مناسبات.

كيف تطورت العلاقات الأمريكية – التركية؟

خلال الحرب الباردة، طغى الحفاظ على جبهة موحدة ضد الاتحاد السوفيتي على التوترات بين حلفاء الناتو، والتي تضمنت غزو تركيا لقبرص وإنكار الإبادة الجماعية للأرمن، لكن بدون عدو مشترك، فقد تباعدا عن بعضهما البعض.

كتب “ستيفن إي كوك” من مجلس العلاقات الخارجية: “في الوقت الحاضر، تشارك واشنطن مصالح ضئيلة مع أنقرة، ويجادل بالعمل على تقليل اعتماد الولايات المتحدة على تركيا، بما في ذلك البحث عن قواعد عسكرية بديلة في مكان آخر.

يشير “ستيفن كوك” وآخرون إلى تقارب أنقرة من خصوم الولايات المتحدة، بما في ذلك إيران: تقول واشنطن إن بنك “خلق” التركي المملوك للدولة حاول الالتفاف على العقوبات الأمريكية على طهران من 2012 إلى 2016.

اختبرت الحرب السورية هذه العلاقات بشكل أكبر، فقد تعاونت القوات الأمريكية في سوريا مع القوى الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مما أثار غضب أردوغان. ربما يكون من أهم شكاوي تركيا، اتهامها بأن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ساعدا في التشجيع على محاولة الانقلاب عام 2016. وتستشهد أنقرة برفض واشنطن تسليم غولن، العقل المدبر المزعوم، كدليل على ذلك؛ ولكن معظم الخبراء المستقلين يشكون بحقيقة هذا الأمر.

تحدّت تركيا التحذيرات الأمريكية بعدم شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 عام 2019، والذي لا يتوافق مع أنظمة الناتو، حيث جادلت أنقرة بأنها بحاجة إلى تحديث دفاعاتها الجوية، لكنها مُنعت من الوصول إلى نظام باتريوت الأمريكي الصنع. ودفعت هذه الخطوة إلى فرض عقوبات على تركيا، وكذلك طردها من برنامج الطائرات المقاتلة الأمريكية من طراز F-35.

في المقابل، أصرت واشنطن على أن الفنيين الروس الذين يحافظون على S-400 يمكنهم الوصول إلى قدرات الطائرات المقاتلات النفاثة. يقول خبراء مثل “ماكس بوت” من مجلس العلاقات الخارجية: “إن هذه القضية أظهرت عدم موثوقية تركيا كشريك للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي”.

على الرغم من هذه التوترات، تمتع أردوغان بعلاقة ودّية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي أهمل قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون.

على العكس من ترامب، فقد حافظ الرئيس جو بايدن في معظم الأحيان على مسافة مع أنقرة؛ حيث استبعد أردوغان من “قمة من أجل الديمقراطية” الافتراضية، والتي نظمها، وأشار رسمياً إلى الإبادة الجماعية للأرمن. لكن دعم تركيا لأوكرانيا ضد روسيا غير الحسابات، حيث أشارت إدارة بايدن إلى استعدادها لبيع طائرات F-16 وأجهزة أخرى لأنقرة، والتي تقول إنها ستخدم المصالح الأمريكية ووحدة الناتو. جاء هذا التحول في واشنطن بعد أن تراجعت أنقرة عن معارضتها لمحاولات فنلندا والسويد للانضمام إلى الناتو، الأمر الذي هدد بزيادة توتر علاقات تركيا مع بقية الأعضاء في الحلف.

كيف تتوسع تركيا إلى ما هو أبعد من تحالفاتها التقليدية؟

مع استمرار التوترات مع الغرب، تبحث تركيا عن علاقات أخرى، لا سيما مع الصين وروسيا؛ حيث عززت العلاقات مع بكين، التي أصبحت أكبر شريك استيراد لأنقرة عام 2021.

انضمت تركيا إلى “مبادرة الحزام والطريق” عام 2015، مما أتاح لها الوصول إلى التمويل غير الغربي لمشاريع البنية التحتية، بما في ذلك محطات الطاقة التي تعمل بالطاقة النووية والفحم، وحفز الاستثمار الأجنبي من الصين. فقد قدمت الصين لتركيا قروضاً ومقايضات نقدية بمليارات الدولارات منذ عام 2016، وقدمت عشرات الملايين من جرعات لقاح COVID-19.

في غضون ذلك، تتجاهل تركيا في الغالب قمع الإيغور الصينيين، وهم أقلية مسلمة ذات أصول تركية. حيث وصف أردوغان انتهاكات الصين بحق الإيغور بأنها «إبادة جماعية» عام 2009، لكن منذ ذلك الحين، لم تضغط أنقرة بشكل علني بخصوص هذه القضية.

على نفس النمط، فإن العلاقات مع روسيا معقدة، بالإضافة إلى أنظمة الصواريخ S-400، حيث تتعاون أنقرة وموسكو في مشاريع البنية التحتية، مثل خط أنابيب الغاز الطبيعي Turk Stream وأول محطة للطاقة النووية في تركيا.

إضافة إلى ذلك، تعتمد تركيا بشكل كبير على واردات الطاقة الروسية. ومع ذلك فإن البلدان على طرفي نقيض في النزاعات الأخيرة، بما في ذلك الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا، وصراع 2020 بين أرمينيا وأذربيجان.

أما بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية، فقد سعت تركيا إلى تحقيق توازن بين البلدين، حيث زودت أوكرانيا بطائرات مسيّرة، وأيدت تصويت الأمم المتحدة الذي يدين الغزو الروسي، وحظرت جميع السفن الحربية من عبور المضائق التركية، ومنعت المقاتلات الحربية الروسية المتجهة إلى سوريا من دخول المجال الجوي التركي. من ناحية أخرى، عارضت العقوبات الغربية على روسيا بسبب احتياجاتها من الطاقة. يقول محللون إن تركيا تهدف إلى وضع نفسها كوسيط في الصراع، وقد ساعدت في التوسط في صفقة للسماح للإمدادات الغذائية الأوكرانية بالوصول إلى الأسواق العالمية، وتأمل تركيا أن تكون هذه هي الخطوة الأولى لاتفاق سلام أوسع.

يقول بعض الخبراء: إن تركيا لا تنأى بنفسها عن الغرب، بتطوير علاقاتها مع روسيا والصين. علاوة على ذلك، فلا يخفى على أحد بأن السياسة الخارجية الجديدة لتركيا ليس الانجراف نحو روسيا والصين، وإنما تعبر عن رغبتها في الحفاظ على موطئ قدم في كلا المعسكرين، وإدارة التنافس القائم بين القوى العظمى. وفي المقابل، يرى أردوغان أن علاقات تركيا بحلفائها الغربيين هي محور تطلعاتها لتصبح قوة عالمية.

كيف يتصور أردوغان مستقبل تركيا؟

مع التعثر الذي يعانيه الاقتصاد التركي في ظل الانتخابات المزمع عقدها عام 2023، يتوقع العديد من المراقبين أن يركز حزب العدالة والتنمية بشكل أكبر على الأيديولوجية القومية، لتعبئة قاعدته الشعبية. ويسعى أردوغان أيضاً إلى رفع مكانة تركيا الدولية من خلال تقديمها كممثل للعالم الإسلامي، والدفع باتجاه تنفيذ أجنداته «الأكبر من خمسة»، والتي ستشهد توسع الزعامة الدولية إلى أطراف أكثر من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي. كجزء من هذه الرؤية، روّجت تركيا لنهجها المفضل في الشريعة الإسلامية، خاصة في إفريقيا، في منافسة مع المملكة العربية السعودية.

سلطة أردوغان غير الخاضعة للرقابة قد تشكل خطراً كبيراً على تركيا، فأردوغان يستمع إلى صدى نفسه فقط. على المدى القريب، سيترجم هذا إلى خطوات سياسية متسارعة، ولكنها عرضة لأخطاء خطيرة محتملة في قراراتها، ومن الصعب تمييز عواقبها الطويلة الأمد في هذه المرحلة.

………………………………………. 

مقال تحليلي

كالي روبنسون: باحثة في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، ومختصة في شؤون منطقة الشرق الأوسط، وشغلت منصب مدير مكتب صحيفة أسوشيتد برس في واشنطن في السابق، وحاصلة على إجازة في الصحافة من جامعة نورث ويست الأمريكية.

ترجمة: مركز الفرات للدراسات-قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

[1] مجلس العلاقات الخارجية: مركز فكري أمريكي يختص في شؤون السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى