قضايا راهنة

التخبط في السياسة التركية في سوريا.. من الاستعداء إلى المصالحة مع النظام

لم تمضِ سوى عدة أيام على عقد قمة طهران التي جمعت كلاً من رئيسي، وبوتين، وأردوغان، في التاسع عشر من تموز الماضي، حتى أعلن الرئيس التركي عن نيّته في الذهاب إلى عقد قمة جديدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي عقدت في الخامس من شهر آب الجاري. ويبدو أن الهدف كان يكمن في العمل على استكمال ما تم الاتفاق عليه في قمة طهران، في مسألة إمكانية التطبيع مع النظام السوري، والبحث عن البدائل والأدوات لمجابهة الإدارة الذاتية، بعد أن رفضت أيران وروسيا المطلب التركي بشن عملية عسكرية في مناطق شمال وشرق سوريا، وكان على أردوغان تقديم المزيد من التنازلات للحصول على موافقةٍ ما، لشن هذه العملية، أو إيجاد البدائل الكفيلة في حفظ “أمن تركيا القومي”، وقد تكفّلت الأحداث المتسارعة في كشف حجم هذه التنازلات.

لم ترتق النتيجة إلى حجم التنازلات التي قدمتها أنقرة بعد قمة سوتشي، فقد تم التوصل لبعض التفاهمات، التي من شأنها أن تسهم في تبديد مخاوف تركيا حيال “أمنها القومي”، من قبيل الحديث عن اتفاقية أضنة /2/، والتنسيق بين البلدين في محاربة كافة التنظيمات الإرهابية، ودفع العملية السياسية، من أجل الوصول لحل دائم في سوريا. في حين أن التنازلات تمثلت في النزول إلى مستوى قبول التصالح (التطبيع) مع النظام في دمشق، بعد كل مظاهر الاستعداء التي أظهرتها حكومة العدالة والتنمية على مدى أحد عشر عاماً، ومن ثم البحث عن طريقة للمصالحة بينه وبين المعارضة السورية.

يبدو أن سوريا وأزمتها، باستثناء المناطق الكردية، تتحول إلى تفصيل صغير، بعد توسع المصالح الاستراتيجية ما بين أنقرة وموسكو، فالتشاطئ المشترك حول البحر الأسود، ومشروع المفاعل النووي التركي، وصفقات السلاح، وخطوط الغاز الروسي إلى أوروبا، وحجم التبادل التجاري، والمواصلات، والمقاولات، والوجهة السياحية للكثيرين من الروس وغيرهم، تدفع تركيا إلى المقامرة بعلاقاتها بأصدقائها الجدد (المعارضة السورية)، والقدامى (الغرب)، وحلفائها (الناتو) للاحتفاظ بعلاقاتها الجديدة مع روسيا. في حين أن المناطق الكردية هي الأساس في رسم ملامح الاستراتيجيات الكبرى، والتوجهات الفعلية لحكومة العدالة والتنمية، وباتت المحرك، والدافع الرئيس في كافة تصرفات تركيا، إقليمياً ودولياً.

لم تلتفت المفاوضات التركية- الروسية إلى وجود قوى أخرى فاعلة في سوريا وأزمتها، واعتبرتها غير موجودة، ومضت على خطى “الأستانات” والبحث عن الحلول بمعزل عن القوى الدولية والأمم المتحدة وقراراتها في حل المعضلة السورية، فقد تجاهلت وجود التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، التي حددت أهدافها في سوريا في قتال “داعش”، والبحث عن الحلول السياسية للأزمة السورية، ومواجهة إيران. بل أن أردوغان، وبطلب من طهران وموسكو على الأغلب، طالب الولايات المتحدة بالانسحاب من المناطق شرق الفرات في سوريا، بعد ختام قمة طهران.

لم تكن لتركيا أي حاجة إلى زج نفسها في أزمة سوريا، بل وفي أزمات “الربيع العربي” كافة، والقضية ببساطة أن حكومة العدالة والتنمية انتعشت آمالها في إحياء الخيال التركي حول استعادة “الأمجاد العثمانية” أو الحصول على مناطق الميثاق الملّي على أقل تقدير، ولكنها لم تحصد، حتى الآن، سوى الانهيار في وضعها الاقتصادي، والخسائر الدبلوماسية الفادحة إقليمياً، والابتعاد أكثر عن حلفائها في المعسكر الغربي. في حين أن موضوع بقائها في حلف الناتو، بات موضوع نقاش على المستوى الداخلي في تركيا، وعلى مستوى بعض الدول الأعضاء الفاعلين في الناتو، على إثر موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، وجلوس أردوغان مع بوتين، كأول رئيس من حلف الناتو يقوم بهذه الخطوة، في خضم التوتر القائم ما بين موسكو والحلف، وعلاقتها مع روسيا بشكل عام منذ صفقات شراء الـ S400.

الاستدارة التركية الجديدة والانعطاف الخطير

إن السياسة التركية الجديدة مرتبطة بتطور ملفات خارجية وداخلية، والملفات الخارجية هي التحول الواضح في العلاقات ما بين أنقرة وموسكو، وأنقرة وطهران، وهو يعد مغامرة جديدة لحكومة العدالة والتنمية، على حساب علاقات أنقرة الاستراتيجية مع الغرب (الاتحاد الأوروبي والناتو).

أما الملفات الداخلية فهي المرتبطة مباشرة بالانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا، والتي ستحدد مصير حزب العدالة والتنمية، ورئيسه رجب طيب أردوغان؛ بالإضافة إلى ملف آخر مهم داخلياً، وهو ملف اللاجئين السوريين.

لا تقتصر الاستدارات التركية على المسألة السورية فقط، فتاريخ الاستدارات الأردوغانية على المستوى الدولي معروف، وأقرب وأحدث الاستدارات هي الاستدارات الإقليمية التي تمت خلال الفترة القريبة الماضية، وهي:

  • التحول باتجاه تل أبيب، بعد أن بادر أردوغان بتهنئة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في تموز/ يوليو 2021 في اتصال هاتفي لفوزه في الانتخابات الرئاسية ثم دعاه لزيارة أنقرة (تمت الزيارة في شهر آذار/ مارس الماضي)، بعد عقد من التوتر بين البلدين، بعد مقتل عدد من الأتراك في حادثة السفينة “مافي مرمرة” عام 2014.
  • أغلق أردوغان ملف جمال القاشقجي في ليلة وضحاها، بعد أن استخدمه كقميص عثمان ضد المملكة السعودية، لفترة ليست بقصيرة، وقام بزيارتها في أواخر نيسان الماضي.
  • التخلي عن الإخوان المسلمين المصريين، وتضييق الخناق عليهم في تركيا في سبيل تحسين العلاقات مع القاهرة؛ فضلاً عن تصريحات أردوغان في شهر تموز/ يوليو المنصرم، بأنه لا يوجد ما يمنع من ارتقاء العلاقات مع مصر إلى المستوى الرفيع.
  • العودة إلى أحضان أبو ظبي، بعد كل تصريحات القرقاش، وإهاناته لتركيا، إثر الخلاف معها في أزمة ليبيا، ثم أزمة قطر.

أما الاستدارة الأخيرة، غير المفاجئة للكثيرين، والتي أثارت فقط استغراب واندهاش جمهور المعارضة، وفصائلها المسلحة، تمثلت في نيّتها في فتح صفحة جديدة مع النظام السوري، على مبدأ “عفا الله عما مضى”، والتي ستترك ندبة لا يمكن ترميمها بسهولة في علاقات هذا الجمهور مع الحكومة التركية، إلا بإرضاء بعض النفوس المريضة منهم، بقصف مناطق الإدارة الذاتية، كالتي نفذتها القوات التركية على الشريط الحدودي في الأيام القليلة الماضية، أو أنه قد يكتفي هؤلاء فقط بالعودة إلى طرح موضوع العملية العسكرية في شمال شرق سوريا على المستوى الإعلامي.

هل انقطعت العلاقات التركية السورية فعلاً؟

الكل يعلم، والأمر ليس سراً، بأن العلاقات الاستخباراتية بين دمشق وأنقرة لم تنقطع يوماً طيلة الأزمة السورية، ولكن المعارضة السورية تعتقد بأن هذه العلاقات موجهة ضد الكرد والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية فقط، وأسكرهم حنان حكومة العدالة والتنمية ودولاراتها، وربما أعماهم بأنهم مستهدفون بذات الحجم وأكثر، وما مصير المسكين حسين هرموش المأساوي وغيره، إلا نتيجة تلك العلاقات. ولا ننسى بأن العلاقات القنصلية بين البلدين لم يتم قطعها تماماً، وهذا أيضاً مؤشرٌ خطير، ولكنه لم يعن للمعارضة السورية بأنه أحد معطيات الاعتراف التركي بالنظام السوري، على عكس خطابات أردوغان وأوغلو.

الكشف عن لقاء قديم في هذا التوقيت

قد تأتي دلالات الكشف عن اللقاء الذي جمع بين مولود جاويش أوغلو وفيصل المقداد، وزير خارجية سوريا، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، في سياق تمهيد سياسي لجس نبض الشارع التركي، وجمهور المعارضة السورية، لاستشراف ما ستسفر عنه الخطوات التالية، في الطريق إلى التطبيع مع النظام السوري، حسب التوجيهات الروسية، إلا أن تسارع الأحداث أظهرت النتائج مباشرة، ويبدو أن سياسة أنقرة في “الترقيع” ومحاولة إيجاد تفسيرات جديدة ومقبولة للمصطلح الذي استخدمه جاويش أوغلو لن تجد نفعاً، فقد أدرك العديد من مثقفي المعارضة وسياسيوها حجم الخداع الذي تعرضوا له، بعد أن أقنع أردوغان العرب و”بعض الكرد” في المعارضة السورية بأنه الأب الروحي للثورة السورية، وبأنه “أسد السنة”، وتبين أن القضية بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية هي مجرد قضية أحلام “عثمنة جديدة”، ومسألة قتال الكرد وآمالهم في الانعتاق والتحرر.

لماذا المصالحة مع النظام، وعلى حساب من؟

إن الدعوة إلى التصالح أو التقارب أو التوافق أو أي ما كان يقصده أوغلو، مع النظام السوري، هو تنازل كبير بحد ذاته، وعدم الرد السوري الرسمي، والاقتصار على بعض التلميحات اللاإيجابية حيال الأمر، تعد إهانة شخصية لأردوغان، فالحل السياسي في نظر النظام السوري هو “المصالحة” التي لا تتعدى كونها مسألة “مراسيم عفو”، ولن يكون هناك فرق كبير بين “التصالح التركي” والمصالحة السورية” التي اعتمدها النظام للعفو عن كل من خرج عن قوانين الدولة السورية ونظام حكمها. مع العلم أن انسداد الحل السياسي يكمن في هذه النقطة بالذات، أي التنازلات التي لم يقْدم النظام عليها، ولم يقترب منها قيد أنملة طيلة الأزمة السورية، ولا نعتقد أنه سيفعلها أساساً، ولا ندري فعلاً كيف ستعمل أنقرة على إيجاد تقارب ما بين المعارضة والنظام السوري، فكل المعارضين، سياسيين وعسكريين، هم جماعات إرهابية بالنسبة لدمشق، ولا فرق لديها بين الفصائل المسلحة، من أكثرها “اعتدالاً” إلى أكثرها تطرفاً، ومن ثم فهي، أي المعارضة، مجرد جماعة خارجة عن القانون، وليست نداً حقيقياً يمكن لدمشق التفاوض معه.

أردوغان ما بين المعارضة السورية والمعارضة التركية

إن معضلة العدالة والتنمية معضلة مزدوجة في الدعوة إلى التصالح مع النظام، فكيف ستقنع مناصريها الترك بسياستها الجديدة؟ وهي التي أوصلت تركيا إلى ما هي عليه من أزمة اقتصادية، وأزمة سياسية مستعصية بين أردوغان ومعارضيه، على خلفية تبنيه السياسة التركية حيال الأزمة السورية. فالمناصرون بحاجة إلى توضيح كافٍ لما يجري، أما المعارضة فهي تستخدم هذه المخرجات أساساً للإطاحة بأردوغان وحزبه الحاكم في الانتخابات التركية القادمة.

ومن جهة أخرى، أظهر رد فعل جمهور المعارضة السورية، المدنية والعسكرية، خلال الأيام الماضية، حجم المشاكل التي ستقبل أنقرة عليها، فيما لو استلمت المعارضة التركية الحكم، والتي تجهر بشعارها في تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وبـأنها ستعيد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

الانتخابات الرئاسية التركية

إن الوضع الانتخابي يرتبط بالقضية السابقة برمتها، فالدولة التركية مقبلة على أيام عصيبة جداً، ولا نستبعد تحول أزمتها إلى حرب أهلية طاحنة، لأن تأزم الحالة الاقتصادية والاجتماعية فيها؛ فضلاً عن السياسة الخارجية وعلاقات أنقرة بأصدقائها وحلفائها وخصومها، على خلفية سياسات العدالة والتنمية في الأزمة السورية، تنذر بانفجار داخلي في فترة الانتخابات؛ لا سيما فيما لو استخدم أردوغان أساليب ملتوية للفوز فيها، وهو أمر ليس ببعيد، لو علمنا حجم المسائلات التي تنتظره وعائلته ومريديه في ملفات عديدة عندما يهوى عرشه، وهو الأمر نفسه الذي سيدفعه للاستماتة في الحصول على الفوز، ولو بأي ثمن، وهذا الثمن سيكون التضحية، أو التخلص من المعارضة السورية، وجمهور “الثورة السورية”، ومجمل اللاجئين السوريين. هذا من جهة، والقيام بعملية عسكرية في شمال شرق سوريا من جهة ثانية، حيث سيحاول النظام التركي تحسين الواجهة المهترئة لنظام حكمه في الداخل التركي، من خلال كيفية التعامل مع ملف شمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، وسيتشبّث بها كحبل نجاة، لتجنّب حتمية السقوط في الانتخابات القادمة. ولكن هناك ما يعيق هذه الأخيرة، وهي الرفض الصارم من كافة الجهات الفاعلة في سوريا، الأمر الذي سيكلفه ثمناً باهظاً على المستوى الاقتصادي، لو تصرف أحادياً من جانب واحد، كما فعلت روسيا في أوكرانيا، وهو الذي يدرك أكثر من غيره مدى سوء حالة بلاده الاقتصادية، التي لن تحتمل المزيد من الانهيار، هذا إن لم يُجابه برد عسكري يدخل تركيا في حرب إقليمية قد لا تنتهي بسهولة.

أما في الحالة التي سيفوز بها المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة، فهناك اعتقاد كبير بأن مناصري العدالة والتنمية، الذين أُشبعوا بالآيديولوجيا العقائدية الأردوغانية، ومن خلفهم جمهور المعارضة السورية الإخوانية، لن يقبلوا، أو سيتم تحريضهم على عدم القبول بالنتائج، مما سيدفع الأمر نحو التوتر، وربما نحو حرب أهلية. ويبقى أمر آخر، فيما لو تم القبول بالأمر الواقع، وهو حال المعارضة السورية وجمهورها، وجميع اللاجئين السوريين، في ظل الحكومة التركية الجديدة، التي يدعو قادتها ومناصريها جهاراً إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم، وإذا ما نظرنا إلى رد المدنيين والمسلحين في الشمال السوري، بعد الدعوات الأخيرة إلى المصالحة، يمكننا تخمين ما ستؤول إليه الأمور.

السلام الدائم!!

إن مصطلح السلام الدائم الذي استخدمه جاويش أوغلو، وفي سياق ما سبق، لا يحمل المعنى الحقيقي لهذه الكلمة، فالكم الهائل من الدم المراق، وعذابات الثكالى واليتامى، والمفجوعين والمصابين والمخفيين قسراً من كافة الأطراف، لن يمحوه الاستخدام الاعتباطي لكلمة “السلام” في سياق وجهة نظر قاصرة لحل هذه الأزمة.

ومن جهة أخرى، إن السلام في الأزمة السورية لن يعني سوى استسلام المعارضة وجمهورها وفصائلها، وفي أفضل الأحوال التسليم، لأن تركيا، وبحكم الرغبة في التخلص من السوريين في تركيا، لحاجة انتخابية ملحة، وضمن التوجه الجديد لسياسة حكومة العدالة والتنمية، ستعمل على حمل المعارضة، المرتهنة لهذه الحكومة كلياً، للبحث عن الصيغ المقبولة لتمرير مشروع التطبيع مع النظام السوري، والذي هو من ضمن ما اُتُفِق عليه بين موسكو وطهران وأنقرة، وجزءاً من مسألة التنازلات الأردوغانية، ومن ثم إيهام هذه المعارضة وفصائلها بأن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا هي أساس الأزمة السورية.

وفي شمال وشرق سوريا، فإن الطائرات المسيرة، والمدافع الموجهة نحو هذه المناطق، لا يمكن جمعها في جملة مفيدة حول “السلام”، وهي مغيّبة أصلاً في مفردات التعامل التركي مع المسألة الكردية منذ تأسيس الجمهورية التركية.

في الختام

هذا هو المعلن، وما خفي قد يكون أعظم، فاللقاء الذي تحدث عنه جاويش أغلو كان في أكتوبر من العام الماضي، ولم يبد عليه أية لهجة خصام بين الطرفين، وهو ما يثير المخاوف أكثر، فالتوجه قديم، وما يحدث الآن قد يكون فقط تحصيل حاصل.

كان من المفترض أن يدرك سياسيو المعارضة السورية وقادة الفصائل المسلحة أن الطريق إلى حلب، وحماه، وحمص، ودمشق، وداريا والمعضمية والغوطة لا يمر من عفرين وكوباني وقامشلو، في الوقت الذي كان الكثيرون يدركون فيه أن تسليمهم للمناطق التي كانوا يسيطرون عليها، ونقلهم “بالباصات الخضر”، بعد مفاوضات حكومة العدالة والتنمية مع روسيا وإيران، كان للزج بهم في مواجهات مع الكرد مستقبلاً، والهدف بالنسبة للنظام وحلفائه، وقبلهم تركيا، ضرب المعارضة السورية بالكرد السوريين، وتصفية الأزمة- الثورة بهذه الطريقة. أما النتيجة، فقد فقدت الثورة السورية كل أصدقائها الدوليين وداعميها من الدول العربية، وكل ذلك بسبب سياسات أنقرة، التي أزالت الملامح والحدود الفاصلة ما بين الثورة السورية والثوار السوريين الحقيقيين، والإرهاب المتمثل في النصرة، وداعش، والكثير من الفصائل المسلحة الأخرى، واستخدمت طاقات الثورة السورية لقتال التجربة الديمقراطية في شمال وشمال سرق سوريا، وزحزحتها عن هدفها الرئيسي، الذي خرج معظم الشعب السوري من أجله.

الأيام القادمة هامة ومفصلية، وستحظى الانتخابات الرئاسية في تركيا بالاهتمام الكامل لحكومة العدالة والتنمية، وستدخل في صلب سياساتها الداخلية والخارجية، ومحاولاتها في معالجة مشكلة الأزمة الاقتصادية، ومشكلة اللاجئين السوريين، ومخاوف القومويون الترك من قيام كيان كردي بأي صيغة كانت، والتي يعبرون عنها بمصطلح “الأمن القومي”. وهذه المسارات ترتبط بشكل كبير بالأزمة السورية، الأمر الذي يفرض على أردوغان سياسة جديدة متخبطة حيالها، والتحول من الاستعداء إلى المصالحة والتطبيع مع النظام السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى