ترجمات

القاعدة وإيران.. توترات مرحلية وتعاون استراتيجي

بعد تصفية أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، تتبادر إلى الأذهان أسئلة من قبيل: من الذي سيحلّ محله؟ ماهي الجماعات أو الحكومات الأكثر قرباً إلى هذا الشخص؟ كيف ستكون علاقات القاعدة مع أفغانستان، وإيران، وباكستان، التي كانت على مدى العقود الثلاثة الماضية، ملاذاتٍ آمنة لعناصر هذه الجماعة، وكذلك العلاقة مع طالبان وداعش؛ منافسي القاعدة في ميدان الإسلاموية السنية؟ ما هو مدى تأثير إيران على القاعدة، وهل سيكون لها تأثيراً لاحقاً؟ وما هي مسارات هذا التأثير؟

 لماذا التعاون؟

تعيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع المثل القديم القائل: إنّ “عدوّ عدوّي، هو صديقي”. لذلك، فإنّ إنكار التعاون الاستراتيجي بين القاعدة وإيران في وسائل الإعلام الغربية، استناداً إلى التبرير القائم على انتماء أحدهما للمذهب السني والآخر للمذهب الشيعي، هو مؤشر على جهلهم بكراهية الإسلامويين العميقة للولايات المتحدة، وتعاونهم في هذا الاتجاه. كما أنّ بعض هذه الوسائل الإعلامية -التي تعمل من منطلق سياسي لا صحافي- لا تنقل الحقائق عن التعاون بين القاعدة وإيران، للحيلولة دون نشوب الحرب بين أمريكا وإيران.

تعاونت الجمهورية الإسلامية والقاعدة، خلال العقدين الماضيين، في ثلاثة مجالات وهي: التعاون المعلوماتي، وإيواء الفارين من الحرب في أفغانستان، وتأمين المواد اللازمة للهجمات الإرهابية. وتعزّز هذا التعاون بشكل خاص، عقب موت بن لادن، والتعاون الأمني للحكومة الباكستانية مع الولايات المتحدة (مع وجود بعض التقلّبات).

عندما تعلن إيران عن أنّ استراتيجيتها تتمثل في طرد الولايات المتحدة من المنطقة، فإنه يبدو من الواضح أنها ستتجه لدعم جماعات مثل القاعدة وطالبان في هذا المنحى. فالعبوات الناسفة، التي كانت تُستخدم ضد القوات الأمريكية، على الطرقات في أفغانستان والعراق، كانت إيران هي من تقوم بتأمينها، وقد قدّمت الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات المستقلة، خلال العقدين الماضيين، وثائق وأدلة كافية لجميع هذه الحالات المذكورة.

كان أبو محمد المصري، الرجل الثاني في القاعدة، يعيش في إيران لسنوات على أنه مواطن لبناني، حتى تمت تصفيته -على الأرجح من قِبل إسرائيل- في نهاية 2020.

كما أنّ سيف العدل، الذي يشار إليه كخليفة لأيمن الظواهري، ذهب إلى إيران، في أعقاب الهجوم الأمريكي على أفغانستان، وأمضى معظم سنوات العقدين الماضيين-باستثناء تنقلاته الدورية إلى وزيرستان- تحت مراقبة قوى الأمن والحرس الثوري الإيرانيين، ويعتقد الكثيرون أنه ما يزال في إيران حتى الآن. علاوةً على ذلك، فقد عاشت في إيران لسنوات عديدة، عائلة بن لادن، وبينهم حمزة (نجل أسامة بن لادن) الذي كان يسير على خطى والده.

مجالات التعاون الاستراتيجي

صحيح أنّه كانت توجد توترات، خلال بعض الفترات، بين القاعدة وإيران، مثل (احتجاز دبلوماسي إيراني كرهينة في اليمن، بغية الضغط على النظام الشيعي، من أجل خروج بعض عناصر القاعدة من إيران)، لكن كلا الطرفين لهما مصالح استراتيجية من هذا التعاون طويل الأمد؛ فقد حافظت القاعدة على الكثير من كوادرها، من خلال لجوئهم إلى إيران، واستخدمت طريق إيران للتنقل في المنطقة (قبل وبعد جريمة 11 سبتمبر)، كما أنّ إيران كانت توجه ضربات للقوات الأمريكية في أفغانستان، من خلال دعمها للقاعدة.

لعبت إيران دور “التأمين على الحياة” للقاعدة، كما لعبت القاعدة دور “قوة العمليات الخاصة” بالنسبة لها، وكان كلا الدورين استراتيجياً للطرفين على المدى الطويل، ولهذا السبب، ليس من المرجّح أن ينقطع هذا التعاون في المستقبل.

في ظروف اليوم، للقاعدة وظيفتان خاصتان أخريان تؤديهما لإيران، وهما:

  • استخدام هذه الجماعة كمنافس لداعش، الذي يشن هجمات ضد وكلاء الجمهورية الإسلامية وفيلق القدس في سوريا والعراق.
  • حضورها القوي في المنطقة، من شأنه أن يشتت تركيز القوات الأمريكية ضد الأنشطة العسكرية والأمنية لإيران. ونظراً إلى أنّ إيران تسعى إلى تعزيز وتمكين أهدافها التوسعية في المنطقة؛ فإنّ وجود جماعات مثل داعش والقاعدة يسهّل هذا الأمر.

زيادة نفوذ الجمهورية الإسلامية على زعماء القاعدة

إذا تولى سيف العدل قيادة القاعدة، بسبب تاريخه الحافل بالعمليات الإرهابية، فسيتم تعزيز التعاون بين الجمهورية الإسلامية والقاعدة؛ لأن سيف العدل كان قريباً جداً من مسؤولي فيلق القدس، في حين أنّ علاقته كانت تتسمُ بالهشاشة مع طالبان، وهيئة الاستخبارات العسكرية الباكستانية (ISI)، كما أنّ طالبان وافقت في اتفاق الدوحة على قطع العلاقات مع القاعدة.

وفقاً لقول “مايك بومبيو”، الرئيس الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ووزير الخارجية في حكومة ترامب، فإنّ عبد الرحمن المغربي، صهر الظواهري، أيضاً موجود في إيران. والمغربي هو مسؤول تنسيق قوات القاعدة في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو مرشح لخلافة أيمن الظواهري، لأنّ في سجلّه إجراءات كافيه تؤهله لتولي مثل هذا المنصب، بدءاً من إدارته للموقع الإعلامي الرئيسي للقاعدة المعروف بـ (السحاب)، وصولاً إلى تخطيطه لمهاجمة طائرات الركاب فوق المحيط الأطلسي عام 2006.

كل الطرق تؤدي إلى الإرهاب

بعد سيطرة طالبان على السلطة في كابول عام 2021، لم تتهيأ لها ظروف إيواء الجماعات الإرهابية المناهضة للولايات المتحدة، لتدريب عناصرها والتحضير للهجمات الإرهابية. كما أظهرت باكستان أيضاً أنها ليست مكاناً آمناً لقادة القاعدة.

لذلك، كانت إيران هي الحامي الرئيسي للقاعدة، بعد هجمات 11 سبتمبر، وهي ستواصل القيام بذلك لهذه الجماعة، من الآن فصاعداً أيضاً.

إنّ تأمين المأوى للقاعدة، يضع هذه الجماعة في محور القرارات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية، ولهذا السبب كان قاسم سليمان يلتقي بشكلٍ شخصي بزعماء القاعدة.

مع مقتل أيمن الظواهري في كابول التي تسيطر عليها طالبان، من المستبعد أن تستطيع كل من هذه الجماعة والقاعدة تعزيز علاقتهما. في نهاية المطاف، ستتصرف القاعدة مثل حماس، التي على الرغم من قربها من نظام صدام حسين، ومعارضتها لتدخل إيران في سوريا، لكن عندما يتعلق الأمر بقضاياها الأمنية والعسكرية، فإنها تعمل عمل الوكلاء الشيعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والقاعدة ستتبع نفس المسار، فكلما اندفعت جماعة إسلاموية في المنطقة نحو النزعة العسكرية والعمليات الإرهابية، كلما اقتربت أكثر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهنا لا نغفل عن أنّ دولاً مثل تركيا وأردوغان وقطر تدعم في بعض الأحيان هذه الجماعات، لكنها تتحرك بحذر في مجال الإرهاب.

جنة الإرهابيين

ستبقى إيران ملاذاً لانطلاق الأنشطة الإرهابية في المنطقة، لأربعة أسباب:

1- عدم التعاون مع أنشطة مكافحة الإرهاب في العالم.

2- عدم الانضمام إلى مؤسسات مكافحة غسل الأموال (مثل اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب) التي تسّهل التداول المالي للجماعات الإرهابية.

3- الحدود الطويلة المشتركة مع أفغانستان وباكستان والعراق، والتي تُعتبر ساحة نشطة لاستقرار الجماعات الإسلامية، وتنفيذ عمليات إرهابية.

4 – إظهارها استمرار دعم وكلائها في المنطقة ضد مصالح الدول الغربية، وإسرائيل، والحلفاء العرب للولايات المتحدة.

لاريب أنّ دعم القاعدة أو التعاون مع طالبان، لن يصل في أي وقت إلى مستوى دعم حزب الله اللبناني أو الحشد الشعبي، لكن هذا الدعم كافٍ ليجعل من إيران بؤرة جذب لهذه الجماعات، وقد حدث ذلك في الماضي أيضاً.

……………………………………………..

الكاتب: مجيد محمدي

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى