ترجمات

الحرب الإسرائيلية الشاملة ضد إيران.. الخلفية والاعتبارات

إنّ لجوء إسرائيل إلى العمل العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، تنفيذاً لاستراتيجية يُطلق عليها اسم رئيس وزرائها “عقيدة مناحيم بغين”، هو الخيار الأخير والأكثر كلفةً، لوقف الأنشطة النووية الإيرانية “المشتبه في أن لها بعداً عسكرياً”، ومن الممكن أن تركّز إسرائيل على هذا الخيار.

تطرّق قادة عسكريون إسرائيليون كبار، خلال الآونة الأخيرة، إلى تخصيص ميزانية إضافية بقيمة 1.5 مليار دولار، من أجل الاستعداد لتنفيذ عمليات عسكرية ضد إيران.

بدوره، اعتبر “أفيغادور ليبرمان”، وزير الخارجية السابق، ووزير المالية الحالي للبلاد، في مقابلة مع موقع “والا نيوز” أنّ المواجهة العسكرية بين البلدين هي مسألة وقت وحسب، وأنّ حدوثها هي مسألة حتمية لا مناص منها.

من وجهةِ نظر أخرى، حول كيفية التعامل بفاعلية مع برنامج إيران النووي، طرح “نفتالي بينيت”،  رئيس الوزراء الإسرائيلي، على هامش قمة المناخ في مدينة غلاسكو، نهج “حرب النجوم”، وهي كانت الخطة الاستراتيجية لرونالد ريغان، رئيس الولايات المتحدة في ثمانينيّات القرن الماضي، لمواجهة التهديدات النووية والصاروخية للاتحاد السوفييتي السابق، وهو لا يبدو نهجاً مناسباً، نظراً لطبيعة إيران المختلفة.

إنّ برنامجي العراق وسوريا النوويين، اللذين استهدفتهما إسرائيل على التوالي عامي 1981 و2007، يختلف تماماً عن البرنامج النووي الإيراني المتطور، والذي تنتشر المنشآت المتعلقة به على مساحة جغرافية واسعة، بما في ذلك المناطق السكنية القريبة، والمرافق العامة. أضف إلى ذلك، أنّ المفاعل النووي الإيراني البالغ قدرته 900 ميغا واط في “بوشهر” ساخنٌ، وهو يعمل منذ سنوات، ولذلك فإنّ تعرّضه لأية ضربة عسكرية، قد تتحوّل إلى كارثة بيئية تشمل المنطقة برمّتها.

على الرغم من أنّ إيران تفتقد القدرة الدفاعية الفعّالة للردع، وصدّ الضربات الجوية الأجنبية ضد منشآتها العسكرية والنووية الحساسة، لكنها في الوقت نفسه تمتلك قدرات هجومية انتقامية كبيرة، بإمكانها أن ترفع تكاليف العملية العسكرية للدولة المهاجمة إلى حدود لا يمكن تصورها.

قدّر “علي شمخاني”، رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، تكاليف الدولة (الدول) المهاجمة لإيران بــ”آلاف المليارات من الدولارات”، وهو أمر مبالغ فيه بطبيعة الحال، لكن بالنسبة لدولة صغيرة بحجم إسرائيل، التي يقارب عدد سكانها 10 بالمائة من عدد سكان إيران، فإنّ أيّ ضرر يلحق بالبنى التحتية العامة للبلاد وللمواطنين قد يكون جسيماً؛ وسيأخذ القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون حسابات “الربح والخسارة” في الاعتبار، قبل التخطيط للعمليات العسكرية واللجوء إليها.

“خيار شمشون” و “عقيدة بيغن”

على الرغم من التحوّل الملحوظ في لهجة إدارة واشنطن – في الأيام الأخيرة – إلى حدّ قرع طبول الحرب، فإنّ السياسة الأمريكية الحالية بشأن انتهاكات إيران النووية، ما تزال قائمة على وضع كل البيض في سلة مباحثات فيينا النووية. إنّ الاستراتيجية التي لم تصل بعدُ إلى نتيجة ملموسة وموضوعية، ساهمت في تسريع مسار الانتهاكات النووية من قِبل حكومة طهران.

في حال فشل مساعي واشنطن السياسية واستمرار الوضع الحالي، الذي يسميه نفتالي بينيت

“”الحرب الباردة بين إيران وإسرائيل”، فإنّ التدخّل الإسرائيلي المباشر قد يكون أحد الخيارات المحتملة، لوقف تحرك إيران نحو امتلاك السلاح النووي.

إسرائيل دولة صغيرة، هي ذات عدد سكان قليل نسبياً (أقل من 10 ملايين نسمة)، وبالتالي فهي معرضة للخطر. لذلك فإنّ بناء ترسانة نووية، والتي ينكرها القادة الإسرائيليون، ولم يعترفوا بوجودها بشكلٍ صريحٍ ورسمي قط، من شأنه أن يشكّل قدرة مخفية للدفاع عن وجود إسرائيل، ويُستخدم كتهديد رادع.

رغم كل الضغوط العالمية، فقد امتنعت إسرائيل (مثل الهند، وباكستان، وكوريا الشمالية) الانضمام إلى معاهدة “حظر انتشار الأسلحة النووية” (NPT). ووفقاً لتقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في عام 1976، كانت إسرائيل تمتلك ما بين 10 و20 قنبلة نووية في ذلك الوقت. وفي عام 2002 قُدّر عدد القنابل الذرية الإسرائيلية بما يتراوح بين 75 و200 قنبلة.

يدّعي “كينيث برافير”، وهو أحد المراقبين للشؤون العسكرية الإسرائيلية، أنّ عدد القنابل النووية التي تمتلكها إسرائيل، قد يصل إلى 400 قنبلة، وبالإمكان إطلاقها من الأرض بواسطة الصواريخ، أو الطائرات أو الغواصات، ويمكن استخدام هذه القدرة الرهيبة كـ “هجوم ثانوي” حتى بعد تدمير قسم كبير من إسرائيل.

يُحتمل أن تشمل القدرة النووية الإسرائيلية، وفقاً لتقييم متحفّظ، أكثر من 100 قنبلة نووية، إضافةً إلى أسلحة مدفعية، تُستخدم فيها قذائف مصنوعة من معدن اليورانيوم المنضب[1]. تعتبر هذه القدرة قوةً رادعة بالنسبة لإسرائيل، لكن قوة الردع الدفاعي الإسرائيلية لا تقتصر على امتلاك أسلحة نووية هجومية وحسب.

على الرغم من أنّ إسرائيل أعلنت أنها لن تستخدم الأسلحة النووية ضد أي دولة، ما لم تتعرض للهجوم (وهذا بحدّ ذاته يُعتبر تلميحاً إلى امتلاك القدرات النووية)، إلا أنه يوجد ضمن أجندتها خطّة دفاعية شاملة أخرى تسمى “خيار شمشون”؛ حيث يُسمح فيها باستخدام جميع القدرات العسكرية المتاحة (بما فيها الأسلحة النووية)، وذلك للمبادرة بهجوم انتقامي واسع النطاق، ضد الدولة المهاجمة.

في كتاب “خيار شمشون” للكاتب سيمور هرش، الحائز على جائزة “بوليستر” الأدبية المرموقة، والذي نُشِرَ عام 1991، يتطرق الكاتب بالتفصيل لشرح استراتيجية الردع النووي الإسرائيلية، والسياسة الخارجية الأمريكية حيالها.

من أحد الأمثلة على عزم إسرائيل على تنفيذ استراتيجية “خيار شمشون”، حرب “يوم الغفران” (حرب تشرين التحريرية) عام 1973، حيث دحرت الجيوش العربية (الجيش المصري على وجه الخصوص) الجيش الإسرائيلي. ومع استشعار “جولدا مائير”، رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، الخطر، أصدرت الأوامر بتجهيز 13 قنبلة نووية، ليتم حملها بالصواريخ والطائرات، وأجبرت إدارة الرئيس الأمريكي “نيكسون” على إنشاء جسر جوّي، لإرسال الأسلحة والمعدات العسكرية، للحيلولة دون وقوع كارثة نووية.

بحسب مراقبين، كان هذا الحادث وما أقدمت عليه السيدة مائير، أول تهديد خطير باستخدام استراتيجية “خيار شمشون” العسكرية، والسلاح النووي كخيار نهائي.

بعد أربعة أعوام من حرب “يوم الغفران”، وفي عام 1977، فاز حزب الليكود اليميني بقيادة مناحيم بيغين، ومن أجل ضمان وجود إسرائيل، ألّف بيغين نظريةً سمحت باستخدام أوسع وأكثر قوة لـ “القدرات الوقائية” و “الرادعة”.

وفقاً لعقيدة بيغين، ستبذل إسرائيل كل ما في وسعها لضمان عدم تسلّح أي لاعب إقليمي آخر بالأسلحة النووية، وهي نظرية تنعكس بوضوح في السياسة الخارجية الأمريكية، ويُعبّر عن ذلك في تصريحات المسؤولين في واشنطن، كقولهم: “لن يُسمح لإيران أبداً بامتلاك القنبلة النووية”.

وبحسب هذه العقيدة، فإنّ إسرائيل لا تستخدم كل القدرات التي تمتلكها لمنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، بل إنها تنظر أيضاً -ضمن هذا الإطار- في شنّ هجمات وقائية لحرمان دول المنطقة من امتلاك السلاح للنووي.

بعد عمليات “الأوبرا” في العراق، وعمليات “البستان” في دير الزور السورية، يمكن تأويل تنصيب الفيروس الإلكتروني “ستاكس نت” في المعدات النووية الإيرانية عام 2010، ضمن إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية.

هل احتمال اندلاع حرب إسرائيلية ضد إيران مسألة جدية؟

 إنّ حساسية وجود إسرائيل ووقوعها في مكمن الخطر (كما أكّد ذلك نتنياهو رئيس الوزراء السابق، مراراً وتكراراً) من جهة، والتجربتين العسكريتين ضد العراق وسوريا، من جهة أخرى، لا تترك مجالاً للشك في عزم إسرائيل على التدمير الوقائي، لمنع تحرك أي دولة إقليمية نحو صناعة القنبلة النووية.

أقرّ “حسين موسويان”، العضو السابق في فريق التفاوض النووي الإيراني ونائب الأمين العام لمجلس الأمن القومي لحكومة طهران – في مقابلة مع كاتب هذا المقال عام 2011 – أنّ الجمهورية الإسلامية تعي أنّه في حال فشل المفاوضات مع أوروبا، فإنّ إسرائيل ستوجه ضربة عسكرية لمفاعل “آراك” للماء الثقيل قبل استكماله.

قبل ذلك بعام، تأزم الوضع الأمني في المنطقة، مع استخدام الفيروس الإلكتروني “ستاكس نت” والهجوم السايبيري الذي استهدف منشأة “نطنز”، لدرجة أنّ ممثل روسيا آنذاك في منظمة حلف شمال الأطلسي، حذّر – ضمن مجريات هذه الأحداث – من خطر حدوث كارثة نووية جديدة في العالم.

وعليه، يمكن الافتراض بقوة أنّ إسرائيل ستتخذ قرارها في الوقت الحاسم لوقف إيران، وقبل خطو حكومة طهران الخطوة الأخيرة باتجاه القنبلة النووية.

إذا فشلت المفاوضات والمساعي السياسية، فإنّ طبيعة الإجراء الإسرائيلي المحتمل، سيكون مختلفاً عن الحرب الشاملة، والحملة العسكرية واسعة النطاق ضد إيران.

ففي حال قرّرت إسرائيل استخدام قدراتها العسكرية ضد إيران، فإنّ المخططون العسكريون سيركزون على التحييد الوقائي لقدرات الهجوم الصاروخي الإيرانية، بلا أدنى شك.

في مثل هذا السيناريو، قد يتجاوز عدد الأهداف العسكرية داخل إيران العشرات إلى مئات الأهداف، من بينها المنشآت الصاروخية، والبنى التحتية الحضرية، ومراكز القيادة العسكرية، والمنشآت النووية النشطة، لكن غير المشعّة؛ وسيحتاج إعداد مثل هذه الضربة إلى ترتيبات لوجستية معقدة وباهظة التكاليف، لتنفيذ عمليات عسكرية مستمرة لعدة أيام، إلى جانب هجمات سايبيرية متزامنة، والتي قد لا تمتلك إسرائيل وحدها في الوقت الحالي القدرات اللازمة لتحقيق نتائج فعّالة.

أكد الجنرال “بيني غانتس”، وزير الدفاع الإسرائيلي في مجمع رافائيل الصناعي العسكري (ربما لإزالة الشكوك الحقيقية القائمة حتى في داخل البلاد، حول إمكانية دخول إسرائيل في حرب شاملة ضد إيران) أكّد بالقول: “في حال نشوب حرب، فإننا مستعدون لتنفيذ عمليات لم يسبق لها مثيلٌ”.

بصرف النظر عن ضرورة تهيئة المعدات، والإمدادات، وتوقع التكاليف المالية والعسكرية والإنسانية، لحرب شاملة ضد إيران، فإنّ التكاليف السياسية والدعاية السلبية للحرب، هي أيضاً عوامل تأخذها الحكومة الإسرائيلية وقادتها العسكريون بعين الاعتبار.

ردود الفعل العالمية تجاه استخدام إسرائيل للقدرات العسكرية ضد إيران، يمكن أن تكون فورية ومكلفة، ولا سيما بعد خطو خطوات كبيرة، وتوقيع اتفاقية “إبراهيم للسلام” في مسار تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وتحسين صورتها العالمية؛ حيث أنها تعرّضت لانتقادات واسعة في هجماتها السابقة ضد العراق وسوريا، واستخدام الفيروس الإلكتروني “ستاكس نت” ضد إيران.

إنّ الغموض حول أفضل الطرق لمواجهة الجمهورية الإسلامية، وخطط تطويرها النووية، بلغ حدّ طرح أبعاد واحتمالات وضرورة المبادرة أو تجنب الحرب الشاملة مع إيران، للنقاش المفتوح في الصحف الرئيسية الإسرائيلية، مثل “هآرتس” و”جيروزاليم بوست”؛ رغم أنّ هذه السياسة في وسائل الإعلام من الممكن أن تندرج ضمن نطاق الحرب الباردة بين الدولتين.

في مثل هذه الأجواء الغامضة والمعقدة، قد تنتهج إسرائيل سياسة تطوير “حرب الظل” ضد إيران، والعمل على إضعاف السلطة الدينية في طهران، وذلك من خلال الضغوطات الداخلية والخارجية، ودعم وتغذية الاحتجاجات الداخلية، وتوظيف الأدوات المستخدمة إبّان الحرب الباردة، والضغط على حزب الله في جنوب لبنان، وحكومة حماس في قطاع غزة، وبالطبع إطلاق هجمات سايبيرية متطورة ضد الشخصيات والمنشآت العسكرية والنووية الإيرانية الحساسة، على الأقل خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة، وقد تجد إسرائيل هذه السياسة ضد إيران، بالتزامن مع مواصلة قرع طبول الحرب في وسائل الإعلام، أكثر واقعية من هجوم عسكري شامل وباهظ التكاليف.

النقطة الهامة واللافتة، والتي يمكن أن تلقي بظلالها على البحث والتحليل أعلاه بشكل كامل، هو استخدام عنصر المفاجأة الذي تستخدمه كل دول العالم على الدوام في التحضير لأي عملية عسكرية شاملة.

……………………………………………..

الكاتب: رضا تقي زاده- محلل سياسي إيراني وخبير في الشؤون الإيرانية، مقيم في بريطانيا.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

[1] يُعتبر اليورانيوم المنضب نتيجة ثانوية أو عادماً لعمليات إنتاج اليورانيوم المخصّب، له خواص اليورانيوم الطبيعي نفسها، إلا أنه يحتوي على 60٪ من إشعاع اليورانيوم الطبيعي، له قدرة تدميرية هائلة على البيئة بكل ما فيها من إنسان ونبات وحيوان، وقد استخدمته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وكانت له نتائج كارثية. (المترجم).

زر الذهاب إلى الأعلى