ترجمات

دور تركيا الحرج في الحرب الروسية-الأوكرانية

أعلنت كل من فنلندا والسويد – منذ أسابيعٍ مضت- عن قرارهما بالابتعاد عن الحيادية الشكلية، طوال فترة الحرب الباردة، والانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

كان من المفترض أن يحدث الأمر بشكل سريع، حيث أن كلا البلدين الإسكندنافيين كانا يتمتعان بعلاقات دفاعية متينة مع الحلف، ولكن صدمة الغزو الروسي لأوكرانيا أجبرتهما على اتخاذ قرار الانضمام للناتو في نهاية المطاف.

انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، سيشكل نقطة تحوّل تاريخية، لأن تقديم البَلَدان الطلب بشكل رسمي، سيُضاعف مساحة حدود الناتو مع روسيا بين ليلة وضحاها. وقد يصبح بحر البلطيق، منطقة صراع مع روسيا، وساحة لنفوذ الناتو، بفاعلية كبيرة، وسيؤكد فكرة تحوّل هذا الصراع إلى خطأ جيوسياسي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين؛ فبالإضافة إلى تأكيد توسع الناتو شرقاً، فإن غزوه لأوكرانيا عمّق العزلة الروسية، وأثار الإضرابات على طول جبهتها الغربية، وشكّل ضغطاً هائلاً على النظام المالي المتداعي بالأصل.

ولكن بعد ذلك، دخلت تركيا ساحة الصراع. حيث استخدمت امتيازاتها، بصفتها دولة عضو في الناتو، للوقوف بوجه استهلال فنلندا والسويد محادثات الانضمام، بعد أن قدمتا طلبهما بشكل رسمي. معظم الأسباب التركية متعلقة بغضبها من السويد، على خلفية التعامل الدبلوماسي للأخيرة مع المتمردين الكرد في تركيا وسوريا، ومنح اللجوء السياسي لأعضاء من حزب العمال الكردستاني، المعروف اختصاراً بـ (PKK)، والذي تعتبره كل من تركيا والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

خلال اجتماع وزراء خارجية دول الناتو، في منتصف الشهر الجاري، تصادم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مع نظيرته السويدية “آن ليندا”، والتي زعمت أنه رفع من نبرة صوته عندما كان ينتقد المنظور النسوي (Feminist) في السياسية الخارجية للسويد.

تحدث دبلوماسي من “الناتو” لرويترز، اشترط عدم ذكر اسمه، وقال: “في الحقيقة، كنا نحاول أن نفهم ما كان يريده زميلنا التركي، بالإضافة إلى ذلك، كان موقفاً محرجاً”.

وكعادته، من المحتمل أن يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستخدام امتيازاته في تلك الأزمة، للحصول على تنازلات أكثر من الغرب. وخلال اجتماع له أمام أعضاء حزبه السياسي في أنقرة بتاريخ 18/5/2022، صرّح أردوغان قائلاً: “إننا نولي لتوسع الناتو أهمية بالغة، ولكن بما يتناسب مع إظهار قدرٍ كبيرٍ من الاحترام لحساسياتنا”، وأضاف: “تركيا من الدول التي تقدم الدعم الأكبر لأنشطة الناتو، لكن بلا شك، هذا لا يعني بأننا سنوافق على كل اقتراح يُقدم لنا”.

وبحسب ما يُروّج له، فإن “دبلوماسيي حلف الناتو ما زالوا يعتقدون -بشكل كبير- بأن تركيا ستتنازل في النهاية عن اعتراضاتها وتسمح بالتوسع”، “لكن العملية التي كان من المتوقع بالفعل أن تستغرق شهوراً يمكن أن تكون أبطأ وأكثر تعقيداً مما كان يأمل أعضاء التحالف الآخرون.”

استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الفنلندي “سولي نينيستو” ورئيسة الوزراء السويدية “ماغدالينا أندرسون” في حديقة الورود ضمن البيت الأبيض، وتعهد “بالدعم الكامل والشامل للولايات المتحدة” للدولتين، لطلب انضمامهما لحلف الناتو؛ وصرح بأن كل من فنلندا والسويد “يلبيان كل متطلبات الناتو”. وتطرق نينيستو في تصريحاته لموقف تركيا، وذكر بأنه “منفتح على مناقشة جميع المخاوف التي قد تكون لدى تركيا”.

يشيرُ منتقدي التعنت الأردوغاني الآن، إلى التساؤلات التي يمكن أن تثار حول مكانة تركيا داخل الحلف، حيث كتب المحللان “جو ليبرمان” و”مارك دي والاس” في صحيفة وول ستريت جورنال، أن “أكبر فشل استراتيجي لحلف الناتو خلال العقدين الماضيين كان في الاستهانة بنوايا بوتين الخبيثة، إلى جانب الاستهانة بقدرة أعضائه على التحرك الجماعي”.  بالإضافة إلى أن “التحالف يخاطر بتكرار الخطأ نفسه مع أردوغان”.

كيف يمكن للنخبة الحاكمة الروسية إيجاد ملاذات آمنة بعيداً عن الغرب

لقد لعب الرئيس التركي لعبة معقدة، منذ أن شنت روسيا غزوها على أوكرانيا. حيث استضافت حكومته جولات أولية من المحادثات الدبلوماسية بين موسكو وكييف، لكن يبدو أن تلك المحادثات وصلت إلى طريق مسدود، حتى مع تراجع وتيرة الأعمال القتالية في الصراع. كما تفادت أنقرة الانضمام إلى نظام العقوبات الغربية على روسيا، ومازالت تواصل استيراد النفط الروسي. لقد أبقت أبوابها مفتوحة للمواطنين الروس، وتأمل في تشجيع النخبة الحاكمة الخاضعة للعقوبات على ضخ ثرواتهم في الاقتصاد تركيا، المنهك أصلاً.

في الوقت نفسه، هنالك منافسة تاريخية طويلة الأمد لتركيا مع روسيا على البحر الأسود، وفرضت روسيا عقوبات على تركيا على خلفية بيعها أسطولاً من الطائرات المسيّرة التركية خفيفة الوزن، من طراز (Bayraktar-TB2) لأوكرانيا، والتي ظهرت في الضربات الأوكرانية البارزة على أهداف روسية، مما أثارت غضب روسيا. أصبحت المسيّرات التركية أداة دبلوماسية لأردوغان بوسائل أخرى، حيث قامت حكومته بتزويد (المسيّرات) لمجموعة من الدول المجاورة لها، وأدت فعاليتها في حرب أوكرانيا إلى علاقاتٍ أكثر دفئاً مع الغرب، بعد سنوات من الاحتقان، والذي كان لأسباب كثيرة، منها شراء تركيا لمنظومة الدفاع الروسية إس 400 في الماضي، لكن مع التطورات الأخيرة، بدأت الأجواء تنجلي، حيث أعطت إدارة بايدن في الشهر الماضي موافقتها الضمنية على بيع محتمل للطائرات المقاتلة من طراز F-16 لتركيا.

كتب “سونر كاغابتاي” و”ريتش آوتزن” في مجلة “فورين أفيرز”، أن “استراتيجية أردوغان في أوكرانيا تكمن في تقديم دعم عسكري هادئ لكييف، وفي الوقت نفسه الحفاظ على القنوات الدبلوماسية مع بوتين، وحتى الأرباح الاقتصادية من روسيا”. وأضافا أنه “من غير المرجح أن يدخل الزعيم الروسي في صراع مع تركيا في الوقت الحالي، خاصة إذا قام أردوغان بمده ونخبته الحاكمة بشريان الحياة الاقتصادي”.

من الأمور الأكثر إلحاحاً بالنسبة لأردوغان وأعضاء حزبه، المشاكل الاقتصادية المتصاعدة في البلاد، والضغوط السياسية قبل انتخابات العام المقبل، ومن المتوقع أن تكون الانتخابات محتدمة وتنافسية. بالنسبة لهم، إذا ما انتهت الحرب بأسرع وقت ممكن، وعبر الطرق الدبلوماسية، سيكون ذلك أفضل، وسيستقر الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الصراع .

كتبت “أسلي آيدين تاسباس”، زميلة وخبيرة سياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “يشعر كبار المسؤولين الأتراك بالقلق، من أن يتحول الصراع الآن إلى حرب بين الناتو وروسيا، وأن خطر التصعيد آخذ في الازدياد، وذلك بسبب الدعم المتزايد بالسلاح لأوكرانيا، وغياب أية صيغة تفاوضية”. وأضافت: “كما أنهم يشعرون بخيبة أمل، إزاء إحجام الغرب عن دعم محادثات وقف إطلاق النار، التي توسطت فيها تركيا؛ حيث اتهم مسؤولون أتراك رفيعو المستوى “بعض دول الناتو” بعدم الرغبة في إنهاء الحرب، من أجل الإضرار بروسيا”.

ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإن غالبية الجمهور التركي تلوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) -الكتلة التي تشغل تركيا فيها حيّزاً هاماً- في إثارة الصراع أكثر من لومهم لروسيا. يرجع جزء من ذلك إلى سنوات من الخطاب المعادي للغرب في وسائل الإعلام في البلاد، والذي روّج له أردوغان في كثير من الأحيان. ولكن، كما لاحظت “ميرف طاهر أوغلو”، منسقة برنامج تركيا في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن العديد من معارضي أردوغان مستاؤون أيضاً من حقيقة نوايا الدول الغربية، التي تعمل بعضها على إصلاح العلاقات مع أردوغان، لأنهم ينظرون إلى تركيا باعتبارها قوة حاسمة في قلب موازين النصر لصالح أوكرانيا.

وكتبت طاهر أوغلو: ” الازدواجية التي يتبعها الغرب في التعامل مع القضايا العالمية، تثير الشكوك لدى الشعب التركي، ففي الوقت الذي ينادي فيه الغرب بالدفاع عن الديمقراطية في أوكرانيا، يعزز العلاقات مع مستبد تركيٍّ مكروه، وهذا ما يؤكد على عدم ثقة الشعب التركي بنوايا الغرب تجاه أوكرانيا أولاً، ثم تركيا ثانياً.

………………………………………..

 

إيشان ثارور: كاتب عمود في الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست، ومحاضر بجامعة جورج واشنطن، اختصاص الشؤون الرقمية وعصر العولمة.

صحيفة: واشنطن بوست.

ترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات-قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى