ترجمات

هل تريد إيران امتلاك السلاح النووي سرّاً؟

في الدراسات المتعلقة بالأمن الدولي، نجد أنّ هناك أسلوبين مختلفين لهدفين مختلفين، لأجل امتلاك السلاح النووي، وهما الأسلوب الواضح والأسلوب الخفيّ.

حيث يترافق الأسلوب الواضح مع التجارب النووية، وهدفه هو “الردع”. وفي هذا الأسلوب، فإنّ الدولة التي صنعت السلاح النووي، تختبر رؤوسها النووية لمرّة واحدة أو أكثر، لتُظهر من خلال ذلك لـ “الدولة الخصم” (التي لديها بالضرورة قوة عسكرية نووية) أنّها قادرة على ردّ انتقامي نووي في حال تعرّضها للهجوم.

يسمّى هذا الإجراء الاستعراضي، في الاستراتيجية النووية، بـ “القدرة الهجومية الثانية”. فالدولة التي تجري تجارب نووية، ترسل من خلال هذه التجارب رسائل مؤكدة لدولة أخرى تفكّر بشنّ هجوم نووي، فحواها أنه في حال تعرضها لهجوم، فإنها قادرة على الرد بذات القوة أو بدرجة أكبر، وبذلك يتحقق الردع.

إنّ هذه الاستراتيجية، التي تُعرف أيضاً باسم عقيدة (MAD) أو (التدمير ثنائي المضمون) تخلق قناعة لدى البلد المهاجم والبلد الآخر صاحب الردّ، بأنّ كلا البلدين سيتم تدميرهما.  ونتيجةً لذلك يتشكل “توازن القوة” بينهما، لدرجة أنّ المنظّرين الواقعيين في العلاقات الدولية، يعتبرون هذه العقيدة مساعدة في الحفاظ على السلام العالمي.

لكنّ من شروط استخدام سياسة الردع النووي، هو وجود دولة معادية محتملة تمتلك سلاحاً نووياً، إضافةً إلى وجود تهديد فعلي، يكون سببه خلاف إقليمي بين بلدين.

ومثال ذلك، عندما اتجهت الهند نحو إنتاج السلاح النووي، واختبرته بشكلٍ علني، حيث كانت لها نزاعات إقليمية على مناطق في حدودها الشمالية الغربية مع الصين، مما أدى أيضاً إلى اندلاع مواجهة عسكرية بينهما.

كما حصلت باكستان أيضاً على السلاح النووي، واختبرته بشكلٍ علني. فهي التي كان لديها نزاع إقليمي مع الهند على بعض المناطق مثل كشمير، وكان كلا البلدين تحت تهديد حقيقي من قبل أحدهما الآخر.

أنتجت كل من بريطانيا وفرنسا أيضاً السلاح النووي، وأجريتا تجارب نووية بشكل علني، بهدف تعزيز سياسة الردع، وذلك بعد تجربة الحرب العالمية الثانية، والتهديد القائم من قبل القوة العظمى السوفيتية. كما أنّ الاتحاد السوفييتي اختبر، قبلهما، سلاحه النووي، لردع الولايات المتحدة.

لكن الولايات المتحدة وإسرائيل اختارتا الأسلوب الخفيّ لامتلاك السلاح النووي، لأنّ أيّاً منهما لم يكن هدفه سياسة الردع، على الأقل أثناء إنتاج السلاح النووي. لقد استخدمت أمريكا السلاح النووي ضد اليابان، كما أنّ إسرائيل لم تُهدَّد من قِبل دولة نووية حتى يكون بإمكاننا تسمية ذلك بالتدمير ثنائي المضمون. إنّ ما دفع إسرائيل إلى امتلاك السلاح النووي، هو موضوع الدفاع عن نفسها في مواجهة الدول العربية، ولهذا السبب، لم تكن إسرائيل ترى ضرورة لإجراء تجارب نووية.

يمكن الافتراض أنّ إسرائيل لم تكن لتتردّد في استخدام السلاح النووي للدفاع عن نفسها ضد الدول العربية. ويقال أنّه قبل الهجوم المشترك لمصر وسوريا على إسرائيل عام 1973، أمر جولدا مائير رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أن يتم الاستعداد لهجوم نووي استباقي، لكنّه ووجه باعتراض شديد من هنري كيسنجر.

الآن، نأتي إلى الوضع في إيران. لا توجد أية ظروف تستدعي سياسة الردع النووي بالنسبة لإيران. فالدولتان النوويتان في المنطقة، أي إسرائيل وباكستان، ليست لهما مطالبات أو نزاعات جغرافية مع إيران، بل على العكس من ذلك، فإنّ الجمهورية الإسلامية هي التي تتحدث صراحة عن تدمير إسرائيل.

من جانبٍ آخر، يدرك المسؤولون في الجمهورية الإسلامية، أنّ إنتاج بضعة رؤوس نووية لن يستطيع حمايتها من هجوم أمريكي محتمل. إذاً، لا يمكن تحديد هدف السلطات الحاكمة في إيران من صناعة السلاح النووي، ضمن إطار سياسة الردع.

وبالتالي، من أجل فهم أكثر للدوافع المحتملة للحكومة الإيرانية، ينبغي العودة إلى طبيعة النظام السياسي والثوري للجمهورية الإسلامية. فسياستها الخارجية هي في الأساس سياسة عدائية وأيديولوجية ورؤيوية. وبصرف النظر عن خطاب مرشد الجمهورية الإسلامية، الذي أكّد بشكلٍ صريحٍ، مِراراً وتكراراً، على السياسة العدائية في التعامل مع العالم، تشير مقدمة الدستور الإيراني إلى “حكم المظلومين على الأرض”، كما جاء فيه أيضاً عن شرح أهداف الثورة: “إنّ المضمون الإسلامي للثورة الإيرانية، التي كانت حركةً من أجل انتصار جميع المظلومين على المتغطرسين، يهيئ الأرضية أمام استمرار هذه الثورة داخل وخارج البلاد؛ ويسعى بشكل خاص، فيما يتعلق بتوسيع العلاقات الدولية، إلى العمل مع الحركات الإسلامية والشعبية الأخرى، في سبيل تمهيد الطريق أمام تأسيس الأمة الواحدة في العالم.”

منذ بداية الثورة، كان “تصدير الثورة” و”التمهيد لظهور الإمام الغائب” من الأسس الفكرية والأهداف الأيديولوجية لنظام الجمهورية الإسلامية؛ هذه الأهداف التي كان يتم التعبير عنها بشكلٍ صريح دائماً، بما في ذلك التنبؤ بزوال إسرائيل خلال 25 عاماً، وإقامة صلاة الجمعة في القدس، تجعلنا نشكّ أكثر في نية تحقيق الردع من وراء إنتاج السلاح النووي.

لكن المسألة لا تقتصر على كونها شكوكاً وحسب، فتصريحات المسؤولين الإيرانيين- لشدة وضوحها وصراحتها أحياناً- تنسفُ أي تفاؤل. وفي هذا السياق، تعتبر التصريحات الأخيرة للرئيس السابق للطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عبّاسي، مقلقة للغاية، حيث كشف في حوار مع الصحيفة الرسمية الإيرانية، في الذكرى السنوية لاغتيال محسن فخري زاده، عن برنامج أوسع وأشدّ خطورة، لا ينفي فقط فرضية الردع بشكلٍ كاملٍ وحسب، وإنّما يضعنا أمام وضعٍ يُشار إليه في الأبحاث الأمنية على أنه أكبر كابوس نووي.

يقول فريدون عبّاسي: “إنّ تحفّظنا حول السلاح النووي، استناداً إلى الفتوى الصريحة للمرشد الأعلى للثورة، واضحٌ وضوحاً تامّاً. لكنّ فخري زاده أسس هذا النظام، الذي لم يكن يُعنى بالدفاع عن وطننا وحسب، لأنّ بلادنا تدعم محور المقاومة، وعندما تدخل في هذه القضايا، فإنّ الصهاينة يستشعرون الخطر تجاهها.”

وعلى الرغم من أنه لا يشرح بالضبط ما يعنيه بكلمة “النظام”، لكن كلمته السابقة لا تترك مجالاً للشك في أنه يشير إلى إنتاج الأسلحة النووية، بل ويجعل خطر حصول محور المقاومة عليها احتمالاً كبيراً.

منذ أكثر من 70 عاماً، يتصدّر الهجوم النووي لائحة التهديدات العالمية، لكن ما يتم ذكرهُ باعتباره أسوأ كابوس لحياة البشر والسلام العالمي هو “الإرهاب النووي”، فلا شيء أكثر رعباً من وصول السلاح النووي إلى أيدي “فاعلين غير حكوميين”، فهم ليست لديهم أية ضمانات حتى تكون استراتيجية الردع فعّالة وذات تأثير ضدّهم.

بات من المعلوم أيضاً، أنّ استخدام الأسلحة النووية اليوم، لا يتطلّب قدرات عسكرية معقّدة، متاحة فقط للدوّل وجيوشها النظامية. فقد وصلت تكنلوجيا الطائرات المسيّرة، في وقتنا الراهن، إلى الدرجة التي يمكن فيها أن تحمل الأسلحة النووية، ونحن نعلم أنّ الجمهورية الإسلامية تقدّم الطائرات المسيّرة لجماعاتها بالوكالة.

هناك جملة مشهورة متداولة في دراسات السلام والأمن، عن السلاح النووي ووصوله إلى جهات فاعلة غير حكومية: “لا ينبغي علينا أبداً أن نقول أنّه لم يحدث ذلك من قبل؛ بل علينا أن نسأل كيف سنمنع وقوع مثل هذا الأمر؟”

……………………………………………………..

مهدي جلالي طهراني: خبير في الأمن الدولي، وباحث في شؤون الشرق الأوسط، مقيم في الولايات المتحدة.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال

 

زر الذهاب إلى الأعلى