المنظمات غير الحكومية .. الوجه الآخر للنظام العالمي
تُعتبر الديمقراطية، والمساواة، والتحرّر، والكفاءة، وتمكين المرأة، والتنمية المستدامة.. شعارات ليبرالية برّاقة وجذابة، ترفعها المنظمات غير الحكومية في كل دول العالم، وخاصة في دول العالم الثالث. وفي ظل ما يحصل على كوكبنا من مآسي وحروب، قد تشكّل هذه الشعارات بريق أملٍ للشعوب التي تعيش هذه الحروب.
تمتلك المنظمات غير الحكومية مكانة واضحة، وأهمية كبيرة في عالمنا المعاصر، وتعتبر مناطق النزاعات بيئة خصبة لدخولها وولادتها؛ وقد ازداد عددها وتنوعت في جميع المجالات، كونها تمتلك أساليب فعّالة للوصول إلى هذه البيئات، وذلك لمرونة عملها في المجتمعات.
كما إن التغييرات الدولية، والاتجاه الجديد الذي يسلكه النظام العالمي، زاد من أهميتها، وكذلك التحوّل في مفهوم أمن الدول إلى أمن الأفراد، لعبَ دوراً كبيراً في تواجدها، وخاصة في أعقاب الحرب الباردة، فكان لها دوراً فعالاً في الأزمات الدولية والنزاعات.
من هذا المنطلق، باتت – هذه المنظمات – باباً للتدخل الخارجي؛ فحروب اليوم تعتمد في غالبيتها على الغزو الفكري، هذا إذا عَرَفنا أن هذه المنظمات باتت قوة مهمة في الأنظمة الدولية.
أيضاً، كان للعولمة دوراً كبيراً في تنامي دور المنظمات، من حيث حركة الرأسمال، وأمن الأفراد، فالتطورات العالمية تتطلب الوصول لما هو أبعد من الحكومات، لذلك اقتضت الأوضاع الدولية المتطورة بتشكيل نظام جديد، يلعب فيه الآخرون أدوارهم، ما عدا الحكومات، ومنها المنظمات غير الحكومية، كما انبثقت في الوقت الذي فقدت فيها الدول القومية سطوتها السابقة، أي مهدت الطريق لنموذج جديد من الإدارة، تكون فيه للمنظمات ثقلاً كبيراً في جميع المجالات. فقد أعلن الرئيس بوش (الأب) “أن الولايات المتحدة ستقود نظاماً عالمياً جديداً، تتوحد فيه مختلف الأمم على مبدأ مشترك، بهدف تحقيق طموح عالمي لمصلحة البشرية، عماده السلام، وأركانه الحرية وسيادة القانون ([1])”، فالسياسة الدولية تُرسم من خلال تكتلات جديدة، ودولة مستقلة خارج السرب لا تستطيع أن تفعل شيئاً بمفردها.
ولكن، على الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه المنظمات، إلا أن هناك الكثير من الجدل حولها، وحول تواجدها في أماكن الصراع، بالإضافة إلى التمويل، الذي يزيد من الشكوك حولها.
تقوم هذه الدراسة بالبحث في علاقة المنظمات بالعولمة والدول، من خلال التعرّف عليها، والبحث في تاريخها، كما تقوم بتسليط الضوء على أهم النقاط التي تثير الجدل، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه هذه المنظمات.
أهمية الدراسة
تكتسب هذه الدراسة أهميتها من تزايد أعداد المنظمات غير الحكومية، وانتشارها الواسع، بحيث أصبحت تحتل مكانة كبيرة في هذا النظام، خاصة في القرن الحالي، إضافة إلى الاهتمام العالمي المتزايد بهذه المنظمات في السياسة الدولية، على الرغم من وجودها منذ فترة طويلة.
إذ أن التفاعل مع الحكومات أصبح غير كافٍ في عصر المعلومات، حيث يكتسب الرأي العام أهمية متزايدة، حتى أصبحت الجهات غير الحكومية هي الأقدر على التأثير في مجريات الأحداث، فهي تعتبر من أحد العوامل الفاعلة.