ترجمات

من أين يستمد التوتر بين إيران وأذربيجان جذوره؟

تصاعدت التوترات – في الآونة الأخيرة – بين طهران وباكو، حول ثلاث قضايا وهي: المناورات العسكرية التي أجراها الجيش الأذربيجاني مع القوات التركية والباكستانية على بعد 500 كيلو متر من الحدود الإيرانية، والقيود التي فرضتها أذربيجان على وصول سائقي الشاحنات الإيرانية إلى أرمينيا، والتي أدت إلى اعتقال سائقَين إيرانيَين، إضافةً إلى علاقات أذربيجان مع إسرائيل، التي هي عدوة لإيران بطبيعة الحال.

وما زاد من حدة التوتر في المنطقة، هو إجراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية مناورات “فاتحو خيبر”، على الحدود الشمالية الغربية لإيران، يوم الجمعة 1 تشرين الأول/أكتوبر، وذلك بعد أيام من التموضع العسكري في المنطقة.

أثارت المناورات الإيرانية- حتى قبل إجرائها- قلق الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف”، الذي قال  في مقابلة له مع وكالة الأناضول التركية، في 29 أيلول/ سبتمبر، إنه “فوجئ” من تخطيط إيران لإجراء هذه المناورات.

وقال السيد “علييف” خلال المقابلة: “لا شكّ أنه من حق أي حكومة في أي دولة، أن تجري مناورات عسكرية على أراضيها. لكن لماذا في هذا التوقيت، وعلى حدودنا؟” كما ذكر أنّ هذه هي المرّة الأولى التي تستعرض فيها إيران القوة في هذا الجزء من الحدود، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، واستقلال أذربيجان قبل ثلاثين عاماً.

ربط المناورات بإسرائيل

 ردّاً على تصريحات “إلهام علييف”، شدّد المسؤولون الإيرانيون على أنّ إجراء المناورات العسكرية هو حق سيادي لإيران، على الرغم من أنّ بعضهم ربطوا علانيةً المناورات بالوجود الإسرائيلي في جمهورية أذربيجان.

وفي الوقت الذي أكّد فيه وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبد اللهيان، على أهمية التعاون بين إيران وأذربيجان، ووجود حدود مشتركة بين البلدين الجارين بطول 700 كيلومتر، قال أيضاً إنّ إجراء المناورات هو حق مشروع لإيران.

جانب من العتاد المجهّز للمشاركة في مناورات “فاتحو خيبر”

وقال “عبد اللهيان” خلال لقائه سفير جمهورية أذربيجان الجديد لدى إيران، إنّ بلاده “لن تتسامح مع وجود وتحركات النظام الصهيوني (إسرائيل) ضد أمننا القومي بجوار حدودنا، وسنتخذ كل الإجراءات اللازمة حيال ذلك”.

في الوقت نفسه، قال عباس موسوي، سفير إيران لدى أذربيجان، والمتحدث السابق باسم السلك الدبلوماسي الإيراني- رداً على الحساسية التي أظهرتها أذربيجان تجاه المناورات العسكرية الإيرانية- قال إنّ هذه المناورات هي “تدريبات تم التخطيط لها من قبل” وهي لا تشكل “أي تهديدٍ لأذربيجان” على أية حال.

لكن، مع بدء المناورات في 1 تشرين الأول/ أكتوبر، ربط قائد القوات البرية في الجيش الإيراني، العميد” كيومرث حيدري”، المناورات بالعلاقات التي ترى إيران أنها موجودة بين أذربيجان وإسرائيل.

تُحمّل إيران إسرائيل مسؤولية العمليات التخريبية المتتالية التي طالت برنامجها النووي واغتيال أعضائه، وأهمهم “محسن فخري زاده”، نائب وزير الدفاع الإيراني، والعالم البارز في برنامج إيران النووي.

وترى إسرائيل، وبعض الأطراف الدولية، أنّ محسن فخري زادة كان المسؤول الأبرز عن برنامج إيران النووي السرّي، والذي تُظهر التقارير الأمريكية وتقارير الأمم المتحدة، أنّ إيران تسعى منذ 18 عاماً إلى إنتاج القنبلة النووية، من وراء هذا البرنامج. وقُتل محسن فخري زاده في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في عملية كمين متطورة، نُسبت إلى إسرائيل، بضواحي طهران.

جاء على لسان العميد “كيومرث حيدري” : “منذ أن وطأت أقدام النظام الصهيوني أذربيجان، زادت حساسية إيران تجاه هذا الجزء من الحدود، كما أنّ تحركاته هي تحت مراقبة إيران بشكل كامل”.

وأضاف قائد القوات البرية الإيرانية: “طهران قلقة أيضاً من وجود “قوى إرهابية” جاءت إلى هذه المنطقة من سوريا”.

يشير العميد “حيدري” بوضوح إلى التقارير التي تفيد بأنّ تركيا جنّدت في العام الفائت، مقاتلين إسلاميين مشاركين في الحرب السورية، للذهاب إلى جمهورية أذربيجان، للقتال إلى جانب جيشها في حربها ضد جمهورية أرمينيا في النزاع على منطقة “ناغورنو قره باغ”.

وبحسب قائد القوات البرية في الجيش الإيراني، فإنّ طهران: “ليست على ثقة بأنّ مقاتلي داعش قد غادروا المنطقة”.

مناورات الأخوة الثلاث التي جرت مؤخراً بين أذربيجان وتركيا وباكستان

عبّرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لها باعٌ طويل في الحروب بالوكالة، عن قلقها، العام الفائت بشأن المساعي المزعومة حول انتقال عناصر داعش من سوريا إلى جوار الحدود الإيرانية في جمهورية أذربيجان.

جرت المناورات الإيرانية، باستخدام المدفعية، ووحدات الطائرات المسيّرة، والمروحيات، إضافةً إلى وحدة الحرب الإلكترونية المسمّاة “جنگال”، وذلك بعد ثمانية عشر يوماً من المناورة العسكرية المشتركة بين أذربيجان وتركيا وباكستان، في باكو.

كان الهدف المعلن من مناورة “الأخوة الثلاثة-2021” هو “تعزيز التعاون القائم” بين جيوش الدول الثلاث؛ الأمر الذي أعقبه تحذير ممثل الولي الفقيه في محافظة أردبيل لجمهورية أذربيجان، حيث قال: “لا تلعبوا بذيل الأسد”.

قلق إيران من التهميش

قال تورج أتابكي، أستاذ التاريخ الاجتماعي في غرب ووسط آسيا بجامعة “ليدن” في هولندا، لإذاعة “أوروبا الحرة” إنّ طهران “قلقة من تهميشها”.

كما أشار إلى أنّ مشاركة تركيا التي تعتبر ثاني أكبر جيش في الناتو، وباكستان ذات القدرة النووية، في المناورة العسكرية إلى جانب الجيش الأذربيجاني، يثير قلق روسيا وإيران، وأنّ المناورة العسكرية الإيرانية هي تعبير عن هذا القلق.

ومن جانبٍ آخر، قال آية الله حسن عاملي، ممثل المرشد الإيراني في أردبيل، وإمام صلاة الجمعة في المحافظة، يوم 17 أيلول/ سبتمبر إنّ من حق الدول إجراء المناورات العسكرية، لكن مع إجراء الدول الثلاث لهذه المناورة، برز حدثٌ “لا يمكننا تجاهله بسهولة”.

وأشار إلى مقابلةٍ أجرتها صحيفة “يني شفق” التركية – التي تنشر آراء الرئيس التركي رجب طيب أروغان- مع أحد أعضاء البرلمان الأذربيجاني، والتي نُشرت تحت عنوان “إيران تختفي من الخارطة”.

المسؤولون الإيرانيون يربطون المناورات الأخيرة في شمال غرب البلاد بنفوذ إسرائيل في أذربيجان

وأضاف ممثل آية الله خامنئي في محافظة أردبيل: “بما أنّ جمهورية أذربيجان وتركيا لم تحترما حقوق إيران كدولة جارة لهما، فإننا ندعو المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى إطلاق يد الحرس الثوري، حتى يستعرض، على الأقل، بعضاً من قوة إيران على الجانب الآخر من الحدود، ويرسل لهما رسالة تقول: إياكم واللعب بذيل الأسد”.

تأتي هذه التصريحات، عقِب فرض أذربيجان “ضريبة الطريق” على سائقي الشاحنات الإيرانية التي كانت تنقل البضائع والوقود الإيراني من الأراضي الأذربيجانية إلى أرمينيا.

خلال حربها التي دامت أربعةً وأربعين يوماً، مع أرمينيا، تمكنت باكو من السيطرة على أجزاء مهمة من الأراضي التي كانت تحت سيطرة أرمينيا لعقود.

وفيما يتعلق بالسائقين الإيرانيين، فقد بذلت إيران جهوداً كبيرة للإفراج عن سائقيها المحتجزين في أذربيجان، لأنّ هذا الحادث يُعتبر نموذجاً رمزياً للمستقبل أيضاً.

لقد كانت إيران وأذربيجان تتمتعان بعلاقات جيدة بينهما منذ عقود، إلا أنّ قلق إيران بات يتزايد حيال تنامي نفوذ إسرائيل في أذربيجان، حيث قال حسن عاملي أيضاً، في مقابلة مع وكالة فارس للأنباء، المقربة من الحرس الثوري، في 21 أيلول/سبتمبر، إنّ المناورات الإيرانية على طول الحدود مع إيران تحمل رسالة لإسرائيل، ووفقاً لقوله فإنّ “إسرائيل جاءت إلى أذربيجان للتآمر على إيران”.

الكاتبة: كلناز إسفندياري

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال

زر الذهاب إلى الأعلى