ترجمات

“العلاقات الاستراتيجية” لإيران وروسيا.. بين إصرار طهران وإنكار موسكو

 كتب مدير أحد المراكز الفكرية الهامة التابعة لوزارة الخارجية الروسية مقالاً، بطلبٍ من شبكة ((Press.tv التابعة للقناة الإيرانية الرسمية (صدا وسيما)، يتساءل فيه: لماذا لا تتسم العلاقات الإيرانية-الروسية بالطابع الاستراتيجي؟، وذلك خلافاً لما يتخيّله المرشد الإيراني ومستشاروه البارزين.

خلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية – على مدى اثنين وأربعين عاماً- جموداً في سياستها الخارجية، وهي لا تسعى إلى اتخاذ أي نهجٍ جادّ، لإيجاد حلّ حاسم للتوتر في علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا.

هذه العلاقة الدولية غير المتوازنة في الغالب، دفعت إيران تحت مسمّى “التطلع إلى الشرق”، إلى إيلاء اهتمام خاص بالعلاقات مع الصين وروسيا، واعتبار علاقاتها مع هذه الدول علاقات استراتيجية وفقاً لتصوراتها. لكن النقطة المهمة تكمن في أنّ الطرف الآخر للقضية لا يفكّر على هذا النحو.

فيما يتعلق بالعلاقات الاستراتيجية مع الصين، فإنّ النقاشات التي دارت مؤخراً حول الاتفاقية التي مدتها 25 عاماً مع هذه الدولة، أظهرت عملياً أنّ بكّين ليست لديها رؤية استراتيجية تجاه علاقاتها مع طهران. فبسبب التوترات في علاقات إيران الدولية، ما تزال بكّين غير مستعدة لتسخير ثقلها الدوليّ في دعم هذه العلاقات المتوترة، وبالتالي تُحدث خللاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأجزاء أخرى من العالم.

توجد مسألة أخرى أيضاً، وهي أنّ للصين علاقات واسعة مع دول أخرى في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بالإضافة إلى تقاربها الاستراتيجي مع إيران، التي لديها نهج متوتر مع هذه الدول. لذلك، فإنّ علاقة بكين هذه مع إيران لن تكون خالية من التداعيات السلبية في علاقاتها مع هذه الدول.

تعتبر الصين معارضاً أساسياً لانضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، بسبب علاقات الأخيرة المتوترة مع أجزاء من العالم، وهذا بدوره يوضّح رؤية بكين تجاه علاقاتها مع طهران.

هذه المخاوف التي رأتها الصين، تراها روسيا أيضاً، فهي كانت من بين الأسباب التي حالت دون دخولها في علاقات استراتيجية مع إيران. على الرغم من ذلك، نجد أنّ مستشاري السيد خامنئي والمقربين منه، يصفون العلاقات بين البلدين بـ “الاستراتيجية”.

من بين هؤلاء الأشخاص، علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري خامنئي للشؤون الدولية، الذي قال بعد عودته من موسكو ولقائه بفلاديمير بوتين في تموز 2018: ” ينظر المرشد الأعلى منذ زمن بعيد إلى العلاقة بين إيران وروسيا على أنها علاقة استراتيجية، والسياسة الإيرانية يتم رسمها تحت إشرافه، والسيد بوتين لديه القناعة ذاتها”.

لقاء بوتين وخامنئي في عام 2017

في الآونة الأخيرة، عندما تسرّب حديث محمد جواد ظريف- الذي كان لأجل الأرشفة في مركز الدراسات الاستراتيجية لرئاسة الجمهورية- اتضحت نظرة ظريف السلبية جداً تجاه العلاقات مع روسيا. حينها انبرى ولايتي للدفاع عن “العلاقات الاستراتيجية” مع روسيا، واصفاً خصومها بـ “الميّالين والموالين للغرب، الفاقدين لشعار الموالاة للغرب، والشغوفين به في الوقت ذاته”. والذين “يهاجمون استقرار التحالف الاستراتيجي مع روسيا، من خلال ديماغوجيتهم، والاتكاء على عقلية الماضي، القائمة على أساس مفهوم هيمنة الشيوعية العالمية التي تعتبر موسكو مركزها، وترويجهم لذلك في السرّ والعلن”.

مع ذلك، لم يُشر المسؤولون الروس قطّ، إلى أنّ العلاقات مع إيران هي علاقات استراتيجية، بل على العكس من ذلك، كانوا يسعون دائماً إلى وصف العلاقات الثنائية بينهما بالطبيعية. على سبيل المثال، أثارت مقابلة معاون وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في كانون الأول /2018/ الجدل في الأوساط الإيرانية نفسها، وذلك بعد بضعة أشهر من عودة “ولايتي” من موسكو، وتسميته للعلاقات مع روسيا بالعلاقات الاستراتيجية.

لقد نبّهت تصريحات “ریابکوف” في هذه المقابلة، مرّة أخرى، المسؤولين في طهران، بأنّ موسكو ليست على استعداد لتأييد أوهامهم والتصديق عليها. وقال ريابكوف في مقابلة مع شبكة CNN: “روسيا لم تكن قط حليفاً لإيران في سوريا، كما أنّ أمن إسرائيل يعتبر أولوية قصوى بالنسبة لموسكو”.

العلاقات الاستراتيجية لها تعريف محدد

يمكن وصف العلاقات بين الدول بأنها علاقات استراتيجية، عندما يكون لطرفين، أعلى مستوى من العلاقات، في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والثقافية. بعبارةٍ أخرى: إنّ مجرّد التعاون على نطاق واسع، ونشوء علاقة بين دولتين حول محورٍ ما (تعاون إيران وروسيا في سوريا، على سبيل المثال)، لا يمكنه جعل علاقات البلدين ذات جوانب استراتيجية.

كان آخر مسمار دُقّ في نعش أوهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حول “علاقاتها الاستراتيجية” مع روسيا، هو المقال التحليلي لآندريه كورتونوف (مدير المجلس الروسي للسياسة الخارجية[1])، الذي ينفي مثل هذا الفهم للعلاقات بين موسكو وطهران.

 

آندريه كورتونوف

يشير كورتونوف، في شرح العلاقات الاستراتيجية، إلى أنّ مثل هذه العلاقات تتطلب بالدرجة الأولى، أن يكون الجانبان ضمن نطاق مشترك ودائم من القضايا الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية. وعليه، فإنّ القضايا الآنية، أو مواجهة مشكلة مشتركة مع طرف ثالث، لا تُعتبر أرضية حقيقية لإقامة علاقات استراتيجية.

فهو يقول: “وجود عدو أو تحدٍّ مشترك في العلاقات الدولية، غيرُ كافٍ لإقامة علاقة استراتيجية. فالمشاكل تأتي وتمضي في السياسة الخارجية، والدولة التي تكون عدوتك اليوم، قد تكون صديقتك وحليفتك في الغد”.

يعتقد كورتونوف أنّ وجود استراتيجية مشتركة بحاجة إلى وجود أهداف مشتركة، ويتطلب تحقيقها جهوداً مشتركة ومستمرة وطويلة الأمد، وهنا يكمن الفرق بين العلاقات الاستراتيجية والتحالف التكتيكي.

ويؤكد أنّ وجود إطار قانوني متطور للعلاقات المتبادلة، إضافةً إلى آليات فعّالة للتعاون، هو من الشروط الأساسية للعلاقات الاستراتيجية بين بلدين، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ما إذا كان قد تم تحقيق مثل هذه الشروط بين روسيا وإيران؟ ويجيب على هذا السؤال كالتالي: “للأسف لا. في أفضل الأحوال، يمكننا القول إنّ الطرفين قد وضعا الأسس الأولية لشراكة استراتيجية، قد تأخذ بعداً عملياً في المستقبل”.

يمضي كورتونوف في القول إنّ طهران وموسكو في نظر القائمين على السياسة الخارجية الروسية “لديهما مصالح مشتركة لمواجهة السياسات المهيمنة أحادية الجانب للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وفي كل العالم”. هذا بالإضافة إلى أنّ “البلدان يواجهان في دول الجوار – بدءاً من أفغانستان وصولاً إلى سوريا – تحدياتٍ مشتركة فيما يخص التطرف الإسلامي”، مما يعني أنّ “روسيا تولي في سياستها الخارجية (بما في ذلك علاقاتها مع إيران) الأهمية للقضايا الجيوسياسية والأمنية”.

من المنافسة في سوق الطاقة إلى الفهم المختلف للإسلام

يَعتبرُ ” كورتونوف”، الأمين العام لمجلس العلاقات الدولية الروسية، أن بلاده وإيران في حالة تنافس ضمن سوق الطاقة العالمي، بالإضافة إلى الكثير من قضايا المنطقة. حتى في سوريا أيضاً، فإنهما يفتقدان إلى فهم وتصور مماثل حيالها.

من النقاط الأخرى التي يؤكد عليها كورتونوف، والتي يعتبرها من نقاط الاختلاف بين البلدين، هو حقيقة أنّ إيران دولة شيعية ذات نظام قائم على أساس فهم معيّن للمذهب الشيعي، وهذا لا يتوافق مع فهم وعقيدة المسلمين الروس السنّة.

وهو يصف النجاحات الكثيرة، التي كانت من ثمار التعاون بين روسيا وإيران، بأنها نجاحات مشروطة ومحدودة؛ فعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، اقتصر هذا التعاون على ردود الفعل المتوازية للبلدين تجاه التحديات الجيوسياسية القائمة؛ بدءاً من الأزمة السياسية والحرب الأهلية في طاجيكستان، مروراً بالحرب الأمريكية على العراق، وصولاً إلى ظهور الربيع العربي واندلاع الأزمات في سوريا واليمن، وغيرها…

لقد تمكّن الدبلوماسيون والقادة السياسيون والعسكريون للبلدين- بحسب كورتونوف- أن يتوصلوا من خلال تعاونهم، إلى تكتيكات ونهج مشترك، لمواجهة الأزمات التي تم ذكرها؛ لكنّ التعاون في الوقت المناسب لحلّ أزمة ما، لا يمكن تفسيره على أنه “علاقة استراتيجية”، لأنّه في ظل عدم وجود أهداف استراتيجية، يكون الحديث عن العلاقات الاستراتيجية بلا معنى. مثل هذا الإطار يهيئ الظروف للبلدين للدخول في تعاون واسع النطاق لمنع حدوث الأزمات، لا أن يبديا ردود فعلٍ مشتركة تجاهها، وبطبيعة الحال، تفتقد العلاقات بين موسكو وطهران لهذا الجانب المتقدم.

من وجهة نظر مدير المجلس الروسي للعلاقات الخارجية، فإنّ العمل على مقترحات مشتركة للبلدين، حول إنشاء نظام أمن جماعي إقليمي في الخليج الفارسي-العربي، بإمكانه أن يكون خطوة فعّالة تدعو للتفاؤل في هذا الاتجاه، ويمكن للمبادرات المشتركة المستدامة، التي من المحتمل أن يطلقها البلدان في آسيا الوسطى، أن تفعل ذلك بالضبط.

في المجال الاقتصادي أيضاً، تقلصت العلاقات بين البلدين إلى الحدود الدنيا، وتنشط كلا الحكومتين بشكل أساسي في مجالات معينة، مثل التعاون في استكمال مشروع الطاقة النووية، أو في مجال التسليح والصفقات العسكرية. كان ثمة حديث حول توسيع التبادلات الاقتصادية إلى حدود 200 مليار دولار خلال عشر سنوات، فقد كان ذلك مطروحاً منذ عام 2007، وكان من المقرر أن يشمل هذا التوسيع مجالات مثل الطاقة، والشحن، والطب، والتكنلوجيا الحيوية، والتعدين، والفضاء، ولكن، وفقاً لكورتونوف، فإنّ “أكثر هذه المشاريع بقيت حبراً على ورق، ولم تدخل حيّز التنفيذ”.

الخلفية والعقلية التاريخية

يصف مدير مجلس العلاقات الدولية الروسية في تصريحاته، العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا، بأنها ذات أبعاد وتحديات مختلفة؛ من بينها قوله: أنه “من الخطأ أن نعتقد بأنّ إخفاقات الماضي، والخلفيات الذهنية السابقة، والأحكام المسبقة، التي تشكلت على مرّ القرون، ليس لها أي تأثير على الرأي العام للبلدين، وأنّ العلاقات بينهما لا تتأثر بها”.

من بين الأحداث التي أثّرت في نظرة الرأي العام الإيراني تجاه روسيا بشكلٍ ما؛ معاهدتا “تركمنشاي” و”غوليستان” اللتين تم بموجبهما التنازل عن أجزاء من إيران لروسيا، عدا عن دور روسيا في قضية أذربيجان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ونهجها في تحديد النظام القانوني لبحر قزوين، إضافةً إلى تلكؤها في استكمال مفاعل “بوشهر” النووي.

إنّ وجود أقسام من النخب السياسية الإيرانية الموالية والمعارضة؛ سواءً كانت متأثرة بفكرة الصراع بين الغرب والشرق أو لا، كانت وما تزال تمثل نوعاً من الهيستيريا المعادية لروسيا، وكأنّ كل ما تعاني منه إيران سببه روسيا، هذا أيضاً بدوره يشكل جانباً آخر من العقلية الإيرانية التي لها تأثير على العلاقات بين روسيا وإيران.

لكنّ كورتونوف يذكّر بمناسبة أخرى، ويشير إلى تأجيل تسليم روسيا منظومة صواريخ S300 الدفاعية لإيران عام 2010، والذي كان نتيجة توافق حكومة موسكو آنذاك مع السياسات الأمريكية والأوروبية في ممارسة الضغوطات على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بخصوص ملفها النووي، والعقوبات المتعلقة بذلك؛ حيث يقول: “دفع هذا الأمر المحافظين في إيران إلى استنتاج أنّ موسكو تستخدم علاقتها مع طهران كورقة قوية في اللعب مع الغرب، كما أنّ الإصلاحيين ينظرون إلى روسيا على أنها قوة متخلفة، وليس لديها شيء تقدمه لإيران”.

على الرغم من أنّ العلاقات الإيرانية-الروسية تحتوي العديد من المكونات الإيجابية، إلّا أنّ كورتونوف يَخلُص إلى أنّ هذه العلاقات ليست في ذلك المستوى الذي يمكن تسميتها بـ “العلاقات الاستراتيجية”. وفي ظل غياب الظروف المواتية، والجهود الحثيثة من كلا الجانبين، فإنّ الوصول إلى مثل هذه العلاقة سيكون بعيد المنال.

ولعلّ الطريف في الأمر هو أنّ كورتونوف كتب هذا المقال التحليلي بطلبٍ من قناة “صدا وسيما” الإيرانية الحكومية باللغة الإنكليزية (Press tv).

نشر المعهد الذي يديره كورتونوف في وقتٍ سابق، تحليلاً استراتيجياً، كأرضيةٍ للنقاش، وتبادلٍ لوجهات النظر، تطرّق فيه إلى تعقيد العلاقات الروسية-الإيرانية، وبُعد أو قرب المصالح بينهما، في مختلف المجالات، وسيناريوهات الموقف الروسي حيال التوتر الذي ينشأ بين الولايات المتحدة وإيران، ويتخذ طابعاً مسلحاً في بعض الأحيان.

لا تقدم هذه الوثيقة أيضاً-على عكس الاعتقاد السائد في طهران- تعريفاً استراتيجياً للعلاقات الإيرانية- الروسية، كما لم يتم سابقاً ذكر مثل هذا المصطلح في العلاقات بين روسيا وإيران في وثائق الأمن القومي الروسي.

مع ذلك، ما يزال مستبعداً أن تتحرّر السلطات الإيرانية من أوهامها، وتدرك أنّه في ظل وجود علاقات متوترة مع أجزاء أخرى من العالم، يكون عقد الآمال على نجاح سياسة “التطلع نحو الشرق” أمراً غير مجدياً، والعلاقات “الاستراتيجية مع روسيا والصين” هو يقينٌ وأملٌ زائفان، فقادة هاتين الدولتين، ليس لديهم مثل هذه النظرة تجاه علاقاتهم مع إيران، وهم يتعاملون معها وفقاً لمصالحهم.

…………………………………………………

الكاتب: حبيب حسيني فرد: محلل سياسي إيراني متخصص في الشؤون الدولية.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال

[1] تأسس المجلس الروسي للسياسة الخارجية أو (المجلس الروسي للشؤون الدولية) في عام 2010، بمرسوم من الرئيس الروسي، وبمشاركة وزارة الخارجية، وأكاديمية العلوم، ووزارة التعليم والعلوم الروسية، وهو يقدّم – منذ ذلك الحين – الاستشارة للحكومة، وللدوائر الدبلوماسية والاقتصادية في البلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى