دراسات

واقع التنمية الريفية في إقليم الجزيرة .. الفرص والإمكانات

مقدمة

ما يزال الريف السوري عامة وريف إقليم الجزيرة خاصة، يعاني من الكثير من المشكلات والمعوقات، التي تقف حجر عثرة في طريق تنميته وتطويره. لذلك، فهو بحاجة إلى دراسات وأبحاث مختلفة، تتناول كافة الجوانب والفرص التنموية فيه. فالكثير من القضايا ما يزال النقاش حولها، قد يفضي إلى حلول تضع الريف على سكة التنمية بمختلف جوانبها. ذلك أن التنمية قضية ليست تلقائية، بقدر ما هي عبارة عن خطط وطرق وآليات تنفيذية مدروسة، يتدخل من خلالها الأفراد في سيرورة النمو الاقتصادي والاجتماعي، وحتى الثقافي والقيمي داخل المجتمع.

وحيث يشكل ريف إقليم الجزيرة مجتمعاً زراعياً بامتياز، نتيجة لكثرة المساحات الصالحة للزراعة في المنطقة، وسيطرة ثقافة العمل الزراعي بنسب عالية، داخل أوساط سكانه. فقد توجب دراسة الاستراتيجيات والقضايا المتعلقة بالواقع الزراعي بالدرجة الأولى، والتي تشترك مع العديد من القضايا الاجتماعية الأخرى. كالهجرة من الريف إلى المدينة، وقضايا التحضّر في الريف، ومسائل إيجاد مفردات للتنمية فيه، والتي تفتح المجال واسعاً نحو خلق بيئة اجتماعية واقتصادية متطورة، تدفع باتجاه إيقاف هجرة أبناء الريف بالدرجة الأولى، وترفع من إنتاجية العمل الزراعي فيه، ومن مستوى الدخل والمعيشة لأبنائه.

خلال الفترات التي سبقت الأزمة السورية استمرت الهجرات من الريف إلى المدينة، واستمر انتقال أبنائه بحثاً عن حياة معيشية واقتصادية أفضل. بسبب ما كان يلقاه الريف من إهمال متعمد من جانب الحكومات السابقة إضافة إلى العديد من القرارات الإدارية التي كانت تضيق الحياة على سكان الأرياف وخاصة في المناطق الحدودية كإقليم الجزيرة الذي ازداد فيه أعداد الفقراء بشكل كبير أواخر تسعينيات القرن الماضي نتيجة تلك الممارسات وسنوات الجفاف التي ألمت بالمنطقة فاضطرت عشرات العائلات إلى مغادرة القرى والاتجاه نحو المدن وخاصة مدن الداخل السوري الأمر الذي تسبب بمعاناة أخرى أكثر شدة مما كانت تعانيه تلك العوائل في قراهم وبلداتهم.

من جانب آخر تركت تلك الهجرات ضغطاً هائلاً على مسألة الخدمات، والازدحام والسكن في المدن، وخاصة الكبيرة منها. بموازاة ذلك، تراجعت إنتاجية العمل الزراعي، بسبب انخفاض أعداد العاملين، وترك الفلاحين لأراضيهم وقراهم، بحثاً عن حياة أفضل، في ظل تدني الخدمات العامة في الريف، وتراجع الدعم المقدم للإنتاج الزراعي.

إذاً، إن الإهمال المتعمد لريف المنطقة إضافة إلى سوء الإدارة والتخطيط، دفع الأمور والمشكلات في الريف نحو التفاقم، وباتجاهات سلبية، لتأتي الحرب السورية وتوجه ضربة قاصمة للريف السوري. فاشتداد المعارك واستمرارية القصف، دفع بعشرات الآلاف من الفلاحين والمزارعين إلى ترك أراضيهم، التي إما قد دُمّرت نتيجة الحرب أو أحرقت نتيجة القصف، أو اضطر الفلاحون لتركها حفاظاً على حياتهم وحياة أسرهم. حتى باتت الكثير من القرى خاوية ودياراً مهجورة، وأصبحت آلاف الهكتارات من الأراضي بوراً، الأمر الذي ترك آثاراً سلبية باتجاهين، أولاً انخفاض كمية وانتاجية المحاصيل الزراعية، وثانياً الضغط على الخدمات في المدن وتزايد أعداد الفقراء فيها.

لم تكن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، بأحسن حال من باقي المناطق السورية، بالرغم من حالة شبه الاستقرار الأمني فيها. إلا أن السنوات الأولى من الحرب، دفعت بالكثير من الفلاحين والمزارعين إلى ترك العمل الزراعي، أو التقليل منه والبقاء ضمن إطار المزروعات البعلية فقط، وهجرة الشباب من الريف إلى الدول الأوربية وتركيا أو إلى إقليم كردستان، خاصة بعد الهجمات المتعددة للجماعات المسلحة على المنطقة عامي 2013 و2014، والتي أدت إلى توقف العمل الزراعي بشكل عام. حيث تعرضت المعدات والآلات الزراعية، التي كانت منتشرة في الأراضي الزراعية للسرقة أو السطو أو التخريب. وبات الناس يخافون على حياتهم، فتركوا القرى والأراضي، وخاصة قرى الجنوب واتجهوا نحو المدن، التي كانت محمية نوعاً ما. هذا بجانب فقدان مستلزمات الإنتاج الزراعي، من بذار وأسمدة ومحروقات وغيرها من الأسواق. الأمر الذي تسبب بتراجع مستويات الإنتاج وفقدان مقومات الحياة في الريف.

أهمية البحث

تأتي أهمية هذا البحث، من كونه سيركز على الجوانب الاقتصادية والتنموية في الريف، ويبحث في السياسات والاستراتيجيات، التي يمكن تطبيقها فيه، بغية تطويره وتنميته. وذلك من خلال تحليل واقعه الجغرافي والديمغرافي، وبناه الاقتصادية القائمة، وإمكانيات تطوير تلك البنى. بالشكل الذي يدفع نحو إحداث تنمية شاملة ومتكاملة، في ريف إقليم الجزيرة، ويرفع من سوية العمل الإنتاجي فيه، ومن مساهمته في الناتج المحلي والاقتصاد الوطني ككل.

أهداف البحث

لعل من أهم أهداف هذا البحث، هو تسليط الضوء على الاستراتيجيات التنموية في الريف، على المديين البعيد والمتوسط، كاستراتيجيات التعليم والتخطيط، وتطوير القطاع الزراعي والصناعي المرتبط به، وتحسين البنية التحتية، وإمكانيات تطوير قطاع الخدمات العامة للسكان الريفيين. لكن ذلك يتطلب بالدرجة الأولى، البحث في بنية المشكلات والمعوقات، التي تقف في وجه وضع الريف على سكة التنمية، وتحليلها، وإمكانيات تجاوزها، وتهيئة البيئة الملائمة لتطبيق تلك الاستراتيجيات والسياسات التنموية.

وبناء على اختبار وتحليل نتائج عدد من الافتراضات الرئيسية، يهدف هذا البحث إلى التوصل إلى نتائج تحليل الواقع القائم؛ وإمكانيات استغلال الموارد المتوافرة لتجاوزه، وبالتالي تبيان واقتراح أهم الآليات المناسبة لتطوير الريف وتنميته.

لتحميل الدراسة كاملة

زر الذهاب إلى الأعلى