ترجمات

ما يجب على واشنطن القيام به بشأن تركيا وعفرين

بقلم: آسلي آيدن تاشباش – صحيفة الواشنطن بوست   |  ترجمة مركز الفرات

[mks_pullquote align=”right” width=”300″ size=”24″ bg_color=”#082a40″ txt_color=”#ffffff”]في إحدى مقابلاته النادرة حول السياسة الخارجية قبل انتخابه, صرّح دونالد ترامب لصحيفة نيويورك تايمز في تموز 2016 بأنه واحد من “محبي الأكراد”, المرشّح أضافَ بأنّه إذا تمّ انتخابه فإنه سيعمل “في وقت مبكر جداً” على إصلاح العلاقات بين الأتراك والأكراد. [/mks_pullquote]

وسألته الصحيفة: كيف؟ قال: “بالاجتماعات” وأضاف: “حسب رأيي, إنّ ذلك سيكون أمراً ممكناً, إذا استطعنا أن نجمعهم معاً”.

قد لا تكون تلك خطةً ناجعة، إلا أنّها المرّة الأخيرة التي تحدّث فيها سياسيٌّ أمريكيّ عن تأمين السلام التركي الكردي. فبدلاً من “الاجتماعات”, هناك حرب كرديّة تركيّة متراميةُ الأطراف في جميع أنحاء تركيا وسوريا والعراق، وذلك بعد عامين من انهيار محادثات السلام التركية مع الأكراد، مما يضعُ حليفاً للناتو ضد شركاء واشنطن الرئيسيين في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية .

وتعتبر تركيا الأكراد السوريين إرهابيين ينتمون إلى المتمردين ضدها من الأكراد، وشرعت في عملية توغّل عسكريّة في مدينة عفرين الكردية السورية. يحاول صُنّاع السياسة في الولايات المتحدة تجنّب انتشار الصراع أو الأسوأ من ذلك, وهو مواجهة مباشرة بين الجيش التركي والقوات الخاصة الأمريكية التي تواصل العمل مع الأكراد باتجاه الشرق, ويمضون في الأمر كالمعتاد: الحثّ على ضبط النفس, وتقديم الوعود للأكراد بمواصلة التعاون, والتعهّد بمعالجة المخاوف الأمنية لتركيا وما إلى ذلك.

قد كان التوازن غير المُتقن هو السمة المميٍزة لسياسة الولايات المتحدة في شمال سوريا منذ بداية التعاون العسكري مع الأكراد في عام 2015.

ما تفعله واشنطن هو العمل على تسوية سياسية شاملة للقضية الكردية باتخاذ موقع المحور في خطة سلام بين تركيا والأكراد. وذلك يستند إلى الافتراض الخاطئ بوجود جدار صيني بين القضية الكردية في تركيا وتلك التي في سوريا، وأنّه من الممكن ببساطة تهدئة مخاوف تركيا من الطموحات الكردية عن طريق الحوار الناعم بين الجانبين.

في الواقع، كان الصراع الكردي حاضراً منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد وصل الآن إلى نقطة الغليان. الصراع يمتد عبر سوريا وتركيا مع نفس الجهات الفاعلة على كلي الجانبين (نعم، الأكراد السوريين ينتمون أيديولوجياً وسياسياً إلى المتمردين ضدًّ تركيا، أو حزب العمال الكردستاني PKK)،  وذلك سيدمّر أيّ جهود أميركية لتحقيق استقرارِ شمال سوريا.

كذلك يَكمنُ الصراع الكرديّ في صميم نهاية الديمقراطيّة التركيّة حيث أنَّ معظم الضغوط التي تمارسها الحكومة على الأكاديميين والصحفيين والمجتمع المدني في تركيا تتعلّقُ بإعادة تقديم الرئيس التركي طيب أردوغان مؤخراً كقوميّ تركيّ ذي قبضة حديديّة, وذلك بمواصلة سياسات متشددة تجاه الأكراد. وفي ظل إدارتي أوباما وترامب، كانت الحكومات الأمريكيّة تأمل في أنَّ غضّ الطرْف عن التدهور الديمقراطيِّ في تركيا ومعاملتها القاسية لأكرادها من شأنه أن يعطي البنتاجون حرية العمل مع الأكراد السوريين.

كان ذلك خاطئاً. إنّ الثّمن الحقيقيّ لتسليح الأكراد السوريين انتهى إلى تدمير الديمقراطية التركيّة. أيّةُ صفقةٍ فاشلةٍ تلك التي تحاول تحقيق الاستقرار في منطقة مزقتها الحرب على حساب زعزعة استقرار شريك الناتو!

ولكن كثيراً ما يسألني الناس، أليس من الإفراط في التفاؤل أن يُطلب من أردوغان الزئبقي العودة إلى الديمقراطية – وبالتالي عملية السلام مع أكراد تركيا؟ ليس كذلك. أردوغان براغماتي, وهو في الوقت الراهن بحاجة ماسّة لتعزيز قاعدة دعمه المتناقصة قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. بعد ذلك، يمكن أن يكون مستعداً لجولة جديدة من المحادثات – “الاجتماعات” التي تحدّث عنها ترامب. وفي فترة لا بأس بها من العقد الماضي, رأت حكومة أردوغان الأكرادَ المجاورين لها كأداة لتوسيع النفوذ الإقليمي – بدلا من وقوفهم عائقاً أمام سلامتها الإقليمية. وقد شاركت تركيا في محادثات مع حزب العمال الكردستاني واستضافت القادة الأكراد السوريين في أنقرة في مناسبات عديدة. ولم ينته ذلك إلا في منتصف عام 2015.

يشكّل الأكراد خُمس سكان تركيا تقريباً، ويُدرك الجميع تقريباً أنه في نهاية المطاف، ولضمان سلامة أراضي تركيا على المدى الطويل، يجب أن يكون هناك نوع من التطبيع مع الأكراد, بدلاً من قتالهم في جميع أنحاء العراق وسوريا وتركيا إلى الأبد. ويبدو أن الخطة الحالية للعبة أنقرة تكمن في تقليص أراضي الأكراد السوريين قبل التوصل إلى حلٍّ سياسيّ نهائي هناك.

التالي هو ما يجب القيام به. يجب على واشنطن أيضاً أن تحثّ القوات التركية على تجنب وقوع إصابات بين المدنيين وعدم الدخول إلى وسط مدينة عفرين المكتظّة بالسكان، وذلك لمنع حدوث حرب المدن والذي يمكن أن يؤجِّج التوتّرات الطائفية بين الأتراك والأكراد داخل تركيا.

ومن المهم بنفس القدر دفع حزب العمال الكردستاني إلى إعلان وقف إطلاق النار داخل تركيا. من شأن ذلك أن يخفف من المسوِّغ القمعيّ لاستمرار حالة الطوارئ أو للشروع في عمليات عبر الحدود.

وبما أن ترامب له علاقة شخصيّة جيدة مع أردوغان، فإنّه يستطيع حينذاك استخدام قدراته الشهيرة في صنع الصفقات لحثّ نظيره التركي على العودة إلى محادثات السلام مع الأكراد بعد انتخابات عام 2019. ولتحقيق ذلك، يحتاج الأتراك بدون شكّ إلى تأكيدات بأن الأكراد السوريين لن يسعوا إلى الاستقلال أو الاستمرار في إدارة مدن غير كردية مثل الرقة ومنبج. ويمكن معالجة ذلك من خلال توفير تمثيل محلي شامل ومستوىً معين من اللامركزية في الشمال السوري. وإلى جانب ذلك، يجب أن تبدأ أنقرة عملية سلام في الداخل، مع أكرادها وممثليهم.

والبديل عن ذلك كله هو صراعٌ طويل الأمد وعابرٌ للحدود بين الأتراك والأكراد – مما سيدفع تركيا إلى هاوية دولةِ أمنٍ قوميٍّ رجعيةِ الطابع, وسورية إلى مستوى جديد من الدمار.

ومن يريد ذلك؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى