ترجمات

هل ستصبح إيران أكثر عزلةً مع افتتاح معبر زنكزور في كاراباخ؟

بعد أسبوع من هجوم الجيش الأذربيجاني والسيطرة الكاملة على إقليم ناغورني كاراباخ، أثير الجدل، من جديد، حول التخطيط لإنشاء ممر برّي بين الجزء الرئيسي من أراضي جمهورية أذربيجان ومنطقة نخجفان، والذي يُعرف بممرّ زنكزور، ويمرّ على امتداد الحدود الإيرانية-الأرمينية.

ومن خلال استبعاد إيران من ممر زنكزور، بالإضافة إلى قطع اتصالها البرّي مع أرمينينا، التي تعتبر بوّابة إيران التجارية مع أوراسيا، فإنّ إيران ستحرم من سوق البضائع والطاقة، التي ستمرّ عبر هذا الطريق؛ وهو وضع يصفه الخبراء بأنه مزيد من العزلة بالنسبة للجمهورية الإسلامية.

قبل حوالي شهر أيضاً، تم الانتهاء من خطة ممرّ الهند-الشرق الأوسط-أوروبا في قمة مجموعة العشرين، حيث تمّ استبعاد إيران من هذه الخطة، والآن تواجه إيران عزلة أخرى على حدودها الشمالية، مع تطوّر الأوضاع في منطقة القوقاز.

لا يصبّ فتح ممرّ زنكزور في مصلحة تركيا وجمهورية أذربيجان وحسب، بل إنّ العديد من الدول ستستفيد من هذا الارتباط. فمن جهة، سيتم إكمال المسير الشمالي لمشروع “الحزام والطريق” الصيني، ومن جهة أخرى سيصل النفط والغاز من تركمانستان وأذربيجان إلى أوروبا، ليصبح بديلاً عن النفط والغاز الروسي، اللذان توقفا بسبب الحرب مع أكرانيا.

ممر زنكزور البرّي؛ هو طريق يقع على حدود ثلاث دول، وهي: جمهورية أذربيجان، وأرمينيا، وإيران. وفي حال إعادة فتحه، فإنّه سيربط جمهورية أذربيجان بـ”كاراباخ”. ونظراً لوقوع هذا الممرّ على طول الحدود بين إيران وأرمينيا، يقول المسؤولون الإيرانيون إنّ سيطرة باكو عليه ستؤدي إلى قطع الاتصال الحدودي بين إيران وأرمينيا؛ وهو حدث تعتبره السلطات الإيرانية غير مقبول بالنسبة لها.

بالإضافة إلى الأهمية الجيوسياسية لممر زنكزور، فإنه يشمل أيضاً المصالح الاقتصادية للدول المحيطة، وهو امتداد لطريق العبور (الترانزيت) الذي من المقرّر أن يربط بين الصين وأوروبا. وفي المقابل، فإنّ هذا الممر سيلحق الضّرر بإيران وأرمينيا وحتى جورجيا، الذين سيبقون بعيدين عن هذا الطريق؛ ويعود السبب إلى أنّه سيغلق الطريق أمام إيران ويمنع وصولها للحضور أو المشاركة في مشروع تصدير النفط والغاز الطبيعي لتركمانستان وكازاخستان، عبر خط أنابيب بحر قزوين إلى أذربيجان وتركيا، وصولاً إلى أوروبا.

النفط والغاز والتجارة في أوراسيا

يمكن لإيران، باعتبارها صاحبة ثاني أكبر احتياطي من الغاز ورابع أكبر احتياطي من النفط في العالم، أن تحظى بمكانة خاصة على مسار مشروع مبادرة “الحزام والطريق” الصيني، لسببين: الأول هو أنّ المرور عبر إيران أقصر وأكثر اقتصادية، والسبب الثاني هو غنى موارد الطاقة الإيرانية. لكن مع ذلك، ونتيجة لسياسات الجمهورية الإسلامية، خلال العقود الأربعة الأخيرة، بقيت إيران بعيدةً عن المزايا التي يمكن أن تجعلها قوة اقتصادية في منطقة الشرق الأوسط.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كان أداء الجمهورية الإسلامية ضعيفاً في الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى، مقارنةً بدول الجوار، مثل تركيا، فعلى الرغم من موارد الطاقة الغنية، وتنوّع سلع التصدير، بالكاد يبلغ حجم التبادل التجاري لإيران مع آسيا الوسطى 4 مليار دولار سنوياً.

تتم معظم تجارة إيران مع منطقة أوراسيا، عبر حدود نوردوز المتاخمة لأرمينيا، وجلفا المحاذية لنخجفان. وبحسب التقارير الرسمية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران ودول آسيا الوسطى، والقوقاز، وروسيا، 1 مليار و200 مليون دولار.

وكما أعلن مسؤولو منظمة تنمية التجارة الإيرانية، فإنّ ما بين 450 إلى 500 شاحنة تمرّ عبر حدود نوردوز يومياً، وهذا الحجم من المرور، جعل أرمينيا بوابةً لتجارة إيران مع أوراسيا. ولذلك، فإنّ فتح ممر زنكزور سيؤدي إلى قطع اتصال إيران بأرمينيا، وبالتالي خسارة أسواق الصادرات الإيرانية إلى آسيا الوسطى والقوقاز.

ووفقاً لتقرير منظمة تنمية التجارة الإيرانية، فإنّ غالبية الصادرات الإيرانية، من معبر نوردوز إلى روسيا، كانت تتضمّن المحروقات والمواد الغذائية، بقيمة بلغت 745 مليون دولار، عام 2022، فيما بلغ التبادل التجاري لإيران مع جمهورية أذربيجان 650 مليون دولار، ومع أرمينيا 465 مليون دولار، ومع تركمانستان 460 مليون دولار، ومع أوزبكستان 290 مليون دولار.

وإضافةً إلى أهمية طريق العبور المباشر هذا بالنسبة لإيران، فإنّ تجارة الطاقة تُعتبر قضيةً أخرى في غاية الأهمية، بين دول الجوار على حدود إيران الشمالية.

حيث تُعتبر جمهورية أذربيجان وتركمانستان، اللتين تمتلكان موارد من النفط والغاز، من أهم منافسي إيران في تصدير النفط والغاز إلى أوروبا، ونظراً للعلاقات الوثيقة بين هذين البلدين مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وبريطانيا، فقد نفّذت شركات عالمية كبيرة، تعمل في مجال النفط والغاز، استثمارات ضخمة في البلدين، خلال السنوات السابقة.

وتعتبر تركمانستان أحد المصدّرين الرئيسييّن للغاز في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى، ولديها ثلاثة خطوط أنابيب غاز مهمة، على طريق مشروع مبادرة “الحزام والطريق” الصيني، وهي:

1- خط أنابيب الغاز، الصيني-التركمانستاني، بطول 1833 كم، والذي يبدأ من الحقول الشرقية لتركمانستان، ويتصل بغرب الصين عبر أوزبكستان.

2- خط أنابيب الغاز على طريق بخارى-أورال، الذي يبدأ من حقل غاز دولت آباد في تركمانستان، ويتصل بمدينة أورسك الروسية، عبر أوزبكستان وكازاخستان.

3- خط أنابيب الغاز الثالث، الذي اكتسب أهمية أكبر، بعد حرب روسيا ضد أوكرانيا، ويسمّى خط أنابيب ترانس قزوين. وهذا الخط الذي تم إنشاؤه بهدف تجاوز روسيا وإيران، لنقل غاز تركمانستان، عبر بحر قزوين، إلى أذربيجان، وربطه بخطوط الأنابيب الممتدة إلى أوروبا، سيوصل غاز تركمانستان إلى تركيا من خلال الاتصال بأنابيب جنوب القوقاز، ومنها إلى جنوب شرق أوروبا، عبر خط أنابيب ناباكو، الذي يجري العمل على إنشائه.

المنافس الآخر لإيران في مجال النفط والغاز هو جمهورية أذربيجان، حيث تمتلك هذه الدولة أحد أكبر حقول الغاز في العالم، وهو حقل “شاه دينيز”، الذي تمّ تطويره من قبل اتحاد شركتي Statoil  وBP  وهو یوصل الغاز، عبر ثلاثة خطوط أنابيب، وهي: ترانس أناضول، وخط الغاز عبر البحر الأدرياتيكي والقوقاز، إلى أوروبا.

تفيد التقارير أنّ قدرة نقل الغاز الطبيعي لخط أنابيب ترانس أناضول، البالغ طوله 1841 كم، والذي يبدأ من جمهورية أذربيجان، ويعبر من جورجيا، وصولاً إلى الجزء الأوروبي من تركيا، تساوي 45 مليون متراً مكعّباً، ومن المقرّر أن يزيد في المراحل القادمة.

كما أنّ خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي، البالغ طوله 878 كم، والذي يبدأ من حقل شاه دينيز في جمهورية أذربيجان، ويصل إلى إيطاليا، بعد مروره باليونان وألبانيا، من المقرّر أن يضاعف صادرات الغاز الأذربيجاني إلى أوروبا، بحلول عام 2027م. وذلك وفقاً للاتفاقية المُبرمة بين السلطات الإيطالية والأذربيجانية.

وأخيراً، يبلغ طول خط أنابيب القوقاز 692 كم، وهو يمتدّ من حقل غاز شاه دينيز، مروراً بتبليسي في جورجيا، وصولاً إلى مدينة أرضروم التركية.

وفي نهاية المطاف، من الملاحظ أنّه لا يوجد أيّ دور لإيران في أيّ طريق من هذه الطرق التي تنقل الغاز إلى تركيا، ومن ثمّ إلى أوروبا؛ وهذا يعني أنّ إيران بقيت خاسرةً، من الناحية العملية، في تجارة الطاقة مع أوروبا، وعلى الجانب الآخر أيضاً لا يوجد لها دور في مسار مشروع مبادرة “الحزام والطريق” الصيني.

زنكزور، المسمار الأخير لعزلة إيران

يعمل المسؤولون الإيرانيون، منذ سنوات، على مشروع نقل الغاز الإيراني إلى أوروبا، ولكن بسبب السياسة الخارجية المغامرة للجمهورية الإسلامية، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، لا يرغب الأوروبيون في إجراء مباحثات جادّة لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز من إيران. ونتيجةً لهذه الظروف، اغتنمت كلّ من تركمانستان وأذربيجان فرصة هذه التجارة التي ستدرُّ عليهما أرباحاً طائلة، بوساطة تركيا.

لقد وفّرت عقود النفط والغاز طويلة الأجل، بين تركمانستان، وجمهورية أذربيجان، وتركيا، طريقاً آمناً، لحركة مرور الطاقة إلى القارة الأوروبية. من جهةٍ أخرى، أدّى الحضور القوي للشركات الأوروبية والأمريكية المرموقة، في مجال استخراج وتکریر النفط والغاز، إلى إبقاء إيران محرومةً من تجارة الطاقة في منطقة أوراسيا.

من المحتمل أن يتم دق المسمار الأخير لعزلة الجمهورية الإسلامية، مع فتح ممر زنكزور. وإذا تمّ فتح هذا الممر، الذي تدعمه تركيا وإسرائيل، فإنّ إيران ستكون خاسرةً من جهتين؛ سواءً في التبادل التجاري مع أوراسيا، أو بقائها بعيدةً عن التعاون الدولي في مجال الطاقة.

وعلى الرّغم من أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال مؤخراً، إنّ إيران قدّمت مقترحاً بنّاءً من أجل حلّ الصراع حول ممرّ زنكزور، إلّا أنّه من غير المرجّح أنّ تلعب إيران دوراً فعّالاً في قضية هذا الممرّ، وذلك بسبب توتّر العلاقات بين إيران وأذربيجان، التي حدثت منذ شباط/فبراير من العام الفائت، وما تزال مستمرّة حتى الآن، وفقاً لمحلّلي الشؤون الدولية.

في مقابلةٍ مع وكالة أنباء “إيلنا” الإيرانية، قال خبير الطاقة مير قاسم مؤمني: “إنّ أي خطّ طاقة يتم إنشاؤه دون وجود إيران، لن يكون في مصلحة بلدنا، وسيلحق بنا الضرر، لأنّ عقود تصدير الغاز هي عقود طويلة الأجل، وإذا تمّ استبعادنا من خط أنابيب تصدير الغاز، لن يكون بإمكاننا المشاركة فيها مرّةً أخرى، لأنّ المشروع سيكون قد أُنجز، ولن يقبل العملاء شريكاً جديداً، حينها.”

الكاتب: صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية، لم يرغب في الكشف عن اسمه.

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال

زر الذهاب إلى الأعلى