ترجمات

هل إيران وأمريكا على وشك اتفاق جديد؟ وما الذي تغيّر هذه الأيام؟

كثُرت في الآونة الأخيرة الأخبار والشائعات المتعلقة بالمفاوضات والاتفاق بين إيران والولايات المتحدة، حيث تنشر الكثير من وسائل الإعلام، ولا سيّما الإيرانية والإسرائيلية، كل يوم خبراً جديداً عن “اتفاق وشيك” بين إيران وأمريكا.

بالتزامن مع ذلك، أكد ناصر كنعاني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، وجود مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، وقال إنّه من المرجّح كثيراً حدوث تبادل للسجناء بين البلدين خلال الأسابيع المقبلة.

من جانب آخر، اعتبر مرشد “الجمهورية الإسلامية” أيضاً، في خطبته الأخيرة أن الاتفاق أمرٌ ممكن.

لكن ما الذي حدث حتى أصبح احتمال التوصل إلى اتفاق جدياً إلى هذه الدرجة، ولماذا لدى أمريكا وإيران مثل هذا الدافع للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، على الرغم من عدم بقاء الكثير من الوقت على نهاية ولاية بايدن؟

مع اقتراب موسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وعودة الهدوء أكثر إلى الشارع الإيراني، تريد إدارة بايدن، التي كانت على الدوام ترجّح خيار الدبلوماسية من بين الخيارات المطروحة على الطاولة، تأجيل “مشكلة إيران” إلى ما بعد الانتخابات، من خلال التوصل إلى اتفاق مؤقت.

لطالما شكّلت “الجمهورية الإسلامية” منذ ظهورها وحتى يومنا هذا، تحدياً سياسياً للرؤساء الأمريكيين؛ بدءاً من حادثة الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران في السنوات الأولى من الثورة، وصولاً إلى اليوم، حيث أصبح التأثير الكبير للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، والناخبين الإنجيليين الأمريكيين أحد العوامل المؤثرة في تحديد مواقف واشنطن تجاه طهران، ويجب على الرئيس الأمريكي على الدوام أن يكون لديه سياسة واضحة تجاه إيران.

في الوقت الراهن، لا يُعتبر عدم امتلاك إيران للسلاح النووي أولوية استراتيجية للولايات المتحدة وحسب، بل أصبح قضيةً مهمةً للنقاش أيضاً، في الانتخابات الأمريكية.

بعد أن أصبحت “الجمهورية الإسلامية” الآن في طريقها للوصول إلى حدود الردع النووي، بسبب انسحاب دونالد ترامب بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران، ما هي الحلول التي يمتلكها جو بايدن لاحتواء هذه المشكلة، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية؟

خيارات على طاولة بايدن

  • العقوبات الاقتصادية

لم يبقَ من الاقتصاد الإيراني شيء لم يخضع للعقوبات، فجميع القطاعات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية الهامة تخضع لعقوبات على مستويات متعددة وتحت مسميات مختلفة.

  • الضغط السياسي

استطاعت الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما أن تدفع معظم الدول – بما فيها الصين وروسيا – للانضمام إليها في ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على إيران. لكن في الوقت الراهن، ليس لدى أمريكا، أو أية دولة أخرى، القدرة على إيجاد مثل هذا الإجماع العالمي ضد دولة أخرى. فحتى في حرب روسيا ضد أوكرانيا لم يتم التوصل إلى مثل هذا الإجماع من الناحية العملية. كما أنّ الضغط السياسي لأوروبا وأمريكا ليس له تأثير كبير على “الجمهورية الإسلامية”، بسبب عدم وجود علاقات سياسية كثيرة بينهما وبين إيران، وبالتالي فإنّ هذه الضغوط تبقى محدودة ومقتصرة على التصريحات والبيانات.

  • الحافز الاقتصادي في حالة التعاون

يمكن أن يتمثل الحافز الاقتصادي في تحرير الأصول الإيرانية المجمّدة، أو تعليق أو رفع العقوبات، في مقابل السلوك الإيجابي من قبل إيران.

إنّ أي تعليق للعقوبات سيدفع الكونغرس الأمريكي مجدداً إلى التدخل في قضية إيران، وعلى الرغم من أنّ جو بايدن قد يكون قادراً على نقض الاحتجاج المحتمل للكونغرس، إلّا أنّ المشاكل السياسية التي ستواجهه خلال موسم الانتخابات، ستكون كبيرة، كما أنّ إلغاء العقوبات هي قضية معقدة أخرى.

وعليه؛ فإن أقلّ وأبسط حافز اقتصادي، مقابل شكل من أشكال التفاهم أو الاتفاق مع إيران، يكمن في تحرير الأصول الإيرانية المجمّدة، والذي لن يحتاج إلى إخطار الكونغرس بذلك.

  • الهجوم السيبراني

إنّ الحرب السيبرانية بين إيران والولايات المتحدة قائمة وراء الكواليس منذ سنوات، وهي تشتدّ أحياناً وتهدأ تارةً أخرى، لكنّ الهجمات السيبرانية أيضاً لم تحقّق شيئاً. فبعد بضعة أشهر من فايروس إستوكس نت، تمكنت إيران من إعادة بناء قدرات التخصيب.

  • هجمات الطائرات المسيّرة

كانت تجربة هذه الهجمات أيضاً مثل تجربة الهجمات السيبرانية. ولم تؤدِّ إلّا إلى تأخير وعرقلة قدرات إيران النووية لعدّة أسابيع أو أشهر.

  • الهجوم العسكري

إنّ الخيار الأخير المطروح دائماً على الطاولة، هو الهجوم العسكري على المنشآت النووية الإيرانية، والذي يرجّح أن يكون هجوماً مصاحباً بالهجمات السيبرانية والطائرات المسيّرة.

على الرغم من أنّ هذا الخيار كان وسيبقى مطروحاً على طاولة جميع الرؤساء الأمريكيين، لكن يبدو أنّ تكلفة مثل هذا الهجوم تفوق فوائده، إذا ما تم أخذ الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة بعين الاعتبار. ففي حالة حدوث صراع عسكري، ولو كان محدوداً، فإنه سيلقي بتأثيره على أولوية الولايات المتحدة الأكثر أهمية، أي دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، إضافةً إلى احتواء الصين.

لذلك، في الظروف الراهنة، فإنّ الحلّ الأقل تكلفة بالنسبة لجو بايدن لمنع تصاعد حدّة التوترات، أو حدوث صراع عسكري- ولو أنّه صراع غير مرغوب في أحد أهم الزوايا الاستراتيجية في العالم- هو التحكم في مستوى التوترات مع إيران، عن طريق الدبلوماسية.

مستوی الاتفاق المحتمل، في ظل تجربة الاتفاق النووي مع إيران

يرتبط التوافق والدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، بالنسبة للكثيرين، بالاتفاق النووي؛ هذا الاتفاق الذي كان من المفترض أن يؤدي إلى رفع سيف العقوبات الحاد عن رقبة إيران، في مقابل التقييد الكبير لبرنامجها النووي. وإذا بقيت إيران وفية لالتزاماتها، في غضون سنوات قليلة، فإنّ هذا السيف سيعود إلى غمده، وتصبح العلاقات السياسية والاقتصادية بين إيران والغرب، علاقاتٍ طبيعية. لكنّ إيران والولايات المتحدة والعالم، بعيدون جدّاً عن مثل هكذا اتفاق.

أدّى فشل الاتفاق النووي وأنصاره في إيران، وصعود اليمين المتطرف فيها، إلى تسارع تغيير النهج الاستراتيجي لـ “الجمهورية الإسلامية”، أي الانعطاف نحو الشرق والانسجام والتوافق مع روسيا والصين. ويعتبر تعاون إيران مع روسيا في الحرب ضد أوكرانيا مثالاً واضحاً على هذا التغيير في النهج.

صحيح أنّ مرشد “الجمهورية الإسلامية” اعتبر الاتفاق أمراً مقبولاً، لكنّ شروطه التي تتمثل في الحفاظ على البنية التحتية النووية الحالية للبلاد، وكذلك الامتثال لقرار البرلمان الحادي عشر (خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات) تتعارض مع أيّ اتفاقٍ ذي هدفٍ ومعنى.

في مثل هذه الأجواء، فإنّ الحلّ الوحيد لضبط التوترات هو شكل من أشكال التوافق المحدود. بمعنى أن يتفق البلدان على قبول تجنّب القيام بأعمال تعتبر خطاً أحمر للطرف الآخر، وذلك لفترة زمنية معيّنة، والتي من المرجّح أن تكون حتى نهاية الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.

من المحتمل أن يكون مثل هذا المستوى من التوافق مقبولاً بالنسبة للنواة الصلبة للسلطة في إيران أيضاً، لأنّه سيوفّر للحكومة الإيرانية، موارد- ولو كانت محدودة- لتأمين الغذاء والدواء وبعض السلع الأساسية، وفي الوقت نفسه لن يكبح تطوراتها النووية، وقوتها الصاروخية، وقدرات طائراتها المسيّرة. وبهذه الطريقة، فإنّ الأوراق التي تعتزم إيران استخدامها في مفاوضات أكثر جدية ومحتملة في المستقبل، لتحصيل الامتيازات، ستبقى قائمة.

اتفاق أم تعليق التوترات القائمة؟

بحسب كل الأخبار والدلائل، فإنّ تعليق التوترات الحالية وتأجيل حلّها إلى وقتٍ في المستقبل- أي الاتفاق المحدود- بعد تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة، يبدو قريباً وبالإمكان التوصل إليه.

لكن يجب أن نرى فيما إذا كان قادة إيران والولايات المتحدة سيقبلون التكاليف السياسية لمثل هذا الاتفاق المحدود؟ وماذا سيكون دور اللاعبين الإقليميين مثل روسيا وإسرائيل والأطراف المستفيدة داخل إيران وأمريكا في ديمومة مثل هذا الاتفاق المحتمل؟

لقد رأينا ما آل إليه الاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من كل الالتزامات والتعهدات والآمال والرؤى، لذلك ليس من المتوقع أن يكون مصير الاتفاق المحدود المحتمل أيضاً بدون تقلبات.

…………………………..

الكاتب: فرشته پزشك (خبيرة في العلاقات الدولية).

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى