ترجمات

الانتخابات التركيّة والتّوجُّهات المختلفة في إيران

تابع الشرق الأوسط والعالم الانتخابات الرئاسية التركية بحساسيةٍ كبيرةٍ، ولعلّ أكثر ردود الفعل خارج تركيا، تعود إلى وسائل الإعلام، والناشطين، والتيارات السياسية الإيرانية، والشعب الإيراني، حيث أن الحجم الكبير للأخبار والمنشورات عن المنافسة القائمة في الانتخابات الرئاسية خير دليل على ذلك. 

إنّ المنافسة الشديدة والجدية في سياق انتخابات حرّة ونزيهة، هي ما جعلت هذه الانتخابات جذابة بالنسبة للشعب الإيراني، إضافةً إلى وجود حقيقة مفادها أنّ هذا التنافس القائم ونتيجة الانتخابات هي التي ستحدد مصير تركيا ومستقبلها.

كان اختلاف هذه الانتخابات عن الانتخابات الشكلية والفارغة من معناها ومن تأثيرها المستدام في إيران، من الموضوعات التي حظيت باهتمام كبير من جانب الرأي العام. فعلى الرغم من أنّ الديمقراطية في تركيا كانت وما تزال منقوصة، وازدادت التحديات التي تواجهها، خلال السنوات الأخيرة، إلّا أنه من الواضح أنها في وضع أفضل بكثير مما هي عليه في إيران، من حيث مؤشرات الديمقراطية والتطور السياسي.

 من الأسباب الأخرى لإيلاء الإيرانيين اهتماماً خاصاً بالانتخابات الساخنة في تركيا، في الذكرى المئوية للنظام الجمهوري في البلاد، هو وجود جالية إيرانية تعيش في تركيا، ومكانة هذا البلد كأول وجهة سفر خارجية لعدد كبير من الشعب الإيراني.

كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية مفاجِئة، ليس لأنّ كمال كليجدار أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري التركي، خسر فرصة الفوز في المرحلة الأولى، بل لأنّ مجيئه في المركز الثاني بنسبة أقلّ من 4%، لم يكن متوقعاً. تم الإعلان، في هذه المرحلة، عن نسبة مشاركة قاربت 89%، وهي نسبة تزيد بما يقارب 3% عن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية لعام 2018.

كانت لردود الفعل في إيران جذور أيضاً في الانقسامات بين الشعب والحكومة، وأصبحت انعكاساً لذلك. في الوقت نفسه، بدا الانقسام الأيديولوجي والعقائدي واضحاً للعيان أيضاً. فالإسلاميون والمتدينون في إيران، بشكل عام، كانوا أكثر ميلاً إلى فوز أردوغان، بالمقارنة مع الملحدين والعلمانيين، لكنّ الانقسام الرئيسي تجلّى في اختلاف وجهة النظر بين الحكومة والشعب المعارض.

على الرغم من أنّ العلاقات بين الحكومات الإيرانية المتعاقبة وتركيا كانت جيدة ومستقرة، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، إلا أنّ مستوى العلاقات بين البلدين شهد خلال السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً.

إنّ أردوغان وحزب العدالة والتنمية غير محبوبين من قبل مؤسسة ولاية الفقيه، ولدى هذه المؤسسة شكوك حولهما، لكن على خلفية التطورات الحاصلة، ولا سيّما عقب عملية الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، زاد الجانبان من مستوى التعاون بينهما.

تفضّل سلطات الجمهورية الإسلامية أردوغان على كمال كليجدار أوغلو لأسباب مختلفة؛ أولها الانتماءات الإسلامية لأردوغان، التي تبعده عن الموروث والبناء العلماني لتركيا، ورغم وجود توترات واحتكاكات في مناطق أخرى بسبب نزعات أردوغان الأخوانية والسنّية، إلا أنه يبقى مفضلاً، ويتم تقييم بقائه في السلطة- بالمقارنة مع منافسيه- بشكل إيجابي من وجهة نظر مسؤولي الجمهورية الإسلامية. فسعي أردوغان لإدخال القناعات الدينية في الحكومة هو أحد القواسم المشتركة الأخرى مع سلطات طهران. لكن في الوقت نفسه، توجد اختلافات تحول دون الاصطفاف الكامل بين البلدين.

يُعتبر ابتعاد أردوغان عن الغرب، ووجوده في فلك التعاون مع روسيا والجمهورية الإسلامية في العلاقات الدولية والإقليمية، ولا سيما معارضته للعقوبات الأمريكية أحادية الجانب، محاور أخرى للعلاقة بين الجمهورية الإسلامية وأردوغان. لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ تعاون تركيا مع إسرائيل، والمواجهات في سوريا وليبيا، والهجمات التركية على كردستان العراق، وصراع أذربيجان وأرمينيا، تشكّل مجالات للاختلاف بينهما.

كانت علاقات الحكومات الإيرانية خلال العقد الأخير مع تركيا، مزيجاً من التعاون والمواجهة. فقد وقف الجانبان على طرفي المواجهة في سوريا، عقب اندلاع الحراك الشعبي فيها، ومع تثبيت بقاء الأسد في السلطة، تغيّرت السياسة التركية حيال سوريا، لكن ما يزال دعم أردوغان لـ “الجيش الحر” وإصراره على إنشاء المنطقة الآمنة، تحدياً للحكومة السورية وخطط الجمهورية الإسلامية.

على الجانب الآخر، فإنّ معظم القوى المنتقدة والمعارضة للجمهورية الإسلامية، ولا سيما القوى المختلفة المؤيدة للديمقراطية، تنتظر انتصار كمال كليجدار أوغلو، وتعتبره خياراً جيداً. ومن الأسباب الرئيسية لرغبتهم في سقوط أردوغان، هو إيمانهم بضرورة تداول السلطة، سيما وأنّ أردوغان موجود في السلطة منذ 20 عاماً، وسجله حافل بإضعاف الديمقراطية ونقض حقوق الإنسان.

عقب حدوث الانقلاب الفاشل، استغلّ أردوغان الأوضاع، وفي سبيل ترسيخ وتوسيع السلطة بين يديه، عمد إلى القيام بإجراءات واسعة النطاق؛ فسيطر على المجال العام، وغيّر الدستور عبر توجيهه نحو الاستبداد، وأخضع القضاة، وعمل على تطهير الجيش، وزج المعارضين وقوى المجتمع المدني التركي في السجون، ولا سيما الصحافيين. وبالتالي، فإنّ بقاءه في السلطة، له مخاطر عالية على بقاء الحدود الدنيا من الديمقراطية في تركيا.

من جانبٍ آخر، تعكس الانتخابات التركية أزمة المركز والأطراف في إيران. فغالبية النشطاء الهوياتيين الأذريين، ما يزالون من أنصار أردوغان. أما القوى الميّالة إلى الحكم المركزي، ولا سيما القوميون المعروفون بـ “إيران شهري” فهي ترغب في فوز كليجدار أوغلو.

لكن بعيداً عن التوجهات المختلفة لشرائح متعددة من المجتمع الإيراني، فإنه من الصعوبة بمكان الحصول على ملخص دقيق ومتكامل عن تأثير عواقب الانتخابات الرئاسية التركية على إيران.

إنّ عودة تركيا إلى الشرق الأوسط، ومخطط العثمانية الجديدة الذي يسير عليه أردوغان، يشكّل تحدياً دائماً طويل الأمد، وذلك بصرف النظر عن التيارات السياسية والجمهورية الإسلامية، وهذا من شأنه أن يحوّل المنافسة بين الطرفين إلى العداء، كما كان عليه الحال في الماضي. فهذا العامل، إلى جانب النزعة القومية التركية، يمهّد الطريق أمام تدخل تركيا في السياسة الداخلية لإيران، ولا سيما في مناطق شمال وغرب البلاد.

كان تأسيس تركيا الجديدة، على يد كمال أتاتورك، الذي انفصل عن نظام الخلافة وعن الإسلاموية، واتجه نحو تعزيز وتوسيع العلاقات مع الغرب، هو القاعدة الرئيسية وراء خفض التوتر في العلاقات بين إيران وتركيا واستقرارها خلال المائة عام الماضية.

على الرغم من أنّ أردوغان قد حسّن العلاقات مع إيران بشكلٍ كبير، وعلى وجه الخصوص في المجال الاقتصادي، لكن بقاءه في السلطة، وإصراره على إعادة بناء التوسّع التركي، خلق مشاكل لإيران في جنوب القوقاز والشرق الأوسط بأكمله، وبالتالي فهو يشكل تهديداً جيوسياسياً لها.

يعدّ تعزيز الاستبداد وإضعاف الديمقراطية، الجانب السلبي الآخر لبقاء أردوغان في السلطة. لقد قلّل كليجدار أوغلو –نسبياً- من التحديات المحتملة والقائمة، وهو سيعيد العلاقات إلى الظروف السابقة، وذلك من خلال ابتعاده عن لعب دور في العالم الإسلامي.

إنّ العلاقة الوثيقة بين أردوغان وبوتين، وتعزيز محور الاستبداد في العالم، هي نتيجة سلبية أخرى لاستمرار حكم أردوغان، بالنسبة لإيران. من جهةٍ أخرى، تلعب عودة تركيا، التي هي عضو في الناتو، إلى علاقاتها الجيدة مع الغرب، دوراً مهماً في كبح جماح التوسع الإقليمي والسياسي لروسيا الاستبدادية.

فيما يتعلق بالاهتمام بوضع الأتراك الإيرانيين (الأذريين) أو اللعب على وتر العاطفة القومية التركية، وتقوية روابط الأتراك في وسط آسيا وإيران أو تركيا، لا يوجد فرق بين المرشحين الأساسيين في الانتخابات الرئاسية التركية، لكن يبقى أردوغان الآن أكثر نشاطًا في هذا المجال، لا سيما في جمهورية أذربيجان.

لدى حزب الشعب الجمهوري أيضاً قدرة مماثلة، بسبب الطابع البارز للقومية التركية، الذي يميّزه. فهو أيضاً يريد الحفاظ على نفوذ تركيا وتوسيعه في آسيا الوسطى، والاهتمام بمطالب الأتراك الإيرانيين. وهكذا، نجد اختلافاً في درجة توجهات الطرفين، لكنهما يشتركان في هذه السياسة من حيث المبدأ، وهي في الواقع سياسة تقتضيها المصالح الجيوسياسية والعرقية التركية. وبالتالي، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأنّ كليجدار أوغلو، سيوقف دعم تركيا للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إذا ما فاز بالانتخابات.

من وجهة نظر طويلة المدى، فإنّ الطابع القومي لحزب الشعب الجمهوري، مقارنةً بالتوجه الإسلامي لأردوغان، لديه قدرة أكبر على مواجهة القومية الإيرانية في النقاط الخلافية، ويمكن أن يصبح ذلك مصدراً لنزاعات حادة، ولا سيما إذا اشتدت أزمة المركز والأطراف في المناطق التي يقطنها الأتراك في إيران.

لكن في العموم، يجب أن يوضع في الاعتبار أنّ العديد من خطابات أردوغان وكليجدار أوغلو، في مجال السياسة الخارجية، كانت مرتبطة بالمنافسات والسجالات الانتخابية، كما أنّ هناك قيوداً على التعبير عن آرائهما أيضاً. في المحصلة، فإنّ كلّ منهما ملزم بالحفاظ على علاقات جيدة وطبيعية مع إيران، إذا فاز في الانتخابات. وفي حقيقة الأمر، فإنّ طبيعة ونطاق هذا الوضع سيكون مختلفاً، فالتحديات والتهديدات المدرجة في المجالات الأمنية والجيوسياسية والسياسة الخارجية غير مطروحة على المدى القصير والمتوسط، وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، نجد أنّ إيران وتركيا تمكنتا من حلّ خلافاتهما أو إدارتها بشكلٍ جيدٍ خلال العقود الأخيرة.

…………………………

الكاتب: علي أفشاري.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى