ترجمات

داخل سوريا: مع انحراف وجهة أعدائها ومحاربة بعضهم البعض داعش تقوم بعودة سريعة وقاتلة

باتريك كوكبُرن | independent

ترجمة مركز الفرات للدراسات – هوزان هادي

في الجزء الثاني من سلسلته الجديدة “الحروب في سوريا”  يرى باتريك كوكبُرن خطاً متنامياً من المقابر التي حُفِرت بعد معارك حديثة بين المقاتلين الأكراد وجنودُ ما يسمى بالدولة الإسلامية، إلّا أنّ هذا الأمر لا ينبغي أن يحدث بعد أن أُعلِن عن هزيمة داعش في العام الماضي.
سليمان خلف، المعروف أيضاً باسم أبو فادي، فقد حياته قبل عشرة أيام في معركة مع داعش في شرق سوريا، عندما تعرضت المركبة التي كان فيها لصاروخ حراريّ، وقال باران العمري، قائد وحدة في وحدات حماية الشعب الكردية (YPG): “كان يقود جرّافة تقوم ببناء ساتر ترابيّ عندما ضربتها داعش بصاروخ نسمّيه فوزيا”.

وأوضح قائلاً: “داعش هاجمتنا في قرية هجين في محافظة دير الزور (شرق سوريا)”، مضيفاً أنّ رجاله تمكّنوا من قتل الذين أطلقوا الصاروخ، واصفاً “خلف” البالغ من العمر خمسين عاماً حين وفاته بأنّه رجل شجاع جداً، لأنّه كان يمارسُ عملاً استثنائياً محفوفاً بالمخاطر في بناء تحصينات الأرض التكتيكيّة في قلب المعارك.

“العمري”, وهو اسمهُ الحركي, كان يقف بجانب قبر “خلف” المحفور حديثاً في المقبرة العسكرية في مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا. كان هناك ملصقٌ يحمل صورة للرجل الذي فقد حياته في مؤخرة القبر، الذي زيِّن بزهور اصطناعية حمراء وصفراء، وأشار إلى ستٍّ من القبور الحديثة المجاورة, وقال إنّها تعود إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب الذين قضوا مؤخراً في قتال داعش.
لم يكن ينبغي أن يحدث ذلك, لأنّه من المفترض أنّ داعش قد هُزمت بشكل حاسم العام الماضي، عندما فقدت على التوالي الرقة والموصل، عاصمتيها المفترضتين بحكم الأمر الواقع في سوريا والعراق، وقد تقلّصت الخلافة التي أعلنتها داعش، والتي كانت قبل ثلاث سنوات فقط بحجم بريطانيا العظمى, إلى عدد قليل من الجيوب في صحارى شرق سوريا وغرب العراق.
لكنّه من الجليّ أنّ أعداء داعش قد شطبوها من القائمة في وقت مبكر جداً. هناك عدد متزايد من المعارك مثل تلك التي لقي فيها خلف حتفه، ويقول مسؤول كردي كبير في سوريا إنّ 170 من قواتهم فقدوا حياتهم في القتال مع داعش في الأسابيع الستة الماضية، وفي 19 شباط / فبراير في العراق، نصبت داعش كميناً لوحدة استخباراتية تابعة لميليشيا الحشد الشعبي الموالية للحكومة في منطقة الحويجة غرب كركوك، وقتلت 27 منهم، ويقول دبلوماسيون غربيون إنّهم قلقون من تزايد عدد الهجمات، وهذا يعني أنّ داعش بدأت بالعودة إلى العمل، ففي القامشلي, قتلت أول سيارة مفخخة لداعش منذ ستة أشهر, خمسةَ أشخاص وأصابت سبعةً آخرين في الشهر الماضي.

هناك علامات أخرى على عودة داعش إلى معاقلها القديمة، وحذّر زائر حديث لمحافظة دير الزور بأنّ “السكان المحليين يتحدّثون عن عودةٍ لداعش، وأنّه لا يجب أن تتواجد على الطرقات بعد الساعة الثالثة بعد الظهر، فعندها تتخلّى قسد (قوات سوريا الديمقراطية المؤلّفة من خليط كرديّ – عربيّ) عن نقاط التفتيش في الليل”، وبالمثل في الحويجة، يُبلّغُ المسؤولون الحكوميون بأن يقضوا اللّيل في كركوك، حيث يبقون آمنين من فرق الاغتيال التابعة لداعش.
والسبب الرئيسي لعودة داعش إلى الحياة، وإن كانت هذه العودة لا تزال محدودة النطاق، ليس من الصعب الكشف عنه، فأولئك الذين زعموا أنّهم دمروا التنظيم في العام الماضي كانوا يتقاسمون جلد الأسد، حين أُصيب بجروح خطيرة، ولكن لم يكن ميتاً تماماً كما كانوا يعتقدون، وبعد إعلان النصر السابق لأوانه، تحوّلت وجهتهم نحو أزمات أخرى. في العراق كان الاستفتاء الكردي على الاستقلال الذي استفزّ حكومة بغداد لإرسال قواتها التي كانت تقاتل داعش بغية استعادة كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها مع الأكراد في 16 أكتوبر.
يقول نجم الدين كريم، محافظ كركوك السابق، إنّ أجهزة الأمن العراقية لم تحمِ الحويجة في الواقع، وهي منطقة متشدّدي داعش التقليديّة، لأنّها كانت مشغولةً جداً بمواجهة الأكراد.
في سوريا، كان الغزو التركي لعفرين, الجيب الكردي في شمال حلب في 20 كانون الثاني / يناير، والذي جعل الوضع العسكري أكثر ملائمة لداعش، وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت داعش تزداد قوة، يقولُ آلدار خليل، الرئيس المشترك للجنة التنفيذية لحركة المجتمع الديمقراطي – التي تدير 30 بالمئة من سوريا والتي يسيطر عليها الأكراد بدعم أمريكي: “انظر إلى مقابرنا. كل يوم نفقد خمسة أو سبعة أو 18 شهيداً. داعش هم الآن الذين يقومون بالهجوم، في حين كنّا قد اعتدنا على أن نكون المهاجمين”.

يقول الأمريكيون أنّ قوات سوريا الديمقراطية العربية-الكردية تمتلك قوّة قوامها سبعة وخمسون ألف مقاتل، ولكن هذا ليس بالعدد الكبير، بالنظر إلى الحجم الهائل للأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. نواة قوات سوريا الديمقراطية هي وحدات حماية الشعب الكردية، والكثير منهم يتمّ نقلهم من مواجهة داعش في دير الزور لمحاربة الغزو التركي لعفرين في الشمال الغربي. إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، الذي يساعد في إدارة المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، تنحدر من عفرين، حيث لا تزال أسرتها تعيش هناك، وتقول إنّ “الجبهة ضد داعش متشتتة. أقاربي الذين يقاتلون داعش في دير الزور يعرفون أنّه يجب عليهم أن يعودوا إلى عفرين لمحاربة الأتراك هناك”.

ولا تزال عودة ظهور داعش في مراحلها الأولى، ففي الرقة، التي صمدت فيها داعش لمدة أربعة أشهر حتى 20 أكتوبر / تشرين الأول من العام الماضي، هناك شائعات عن “خلايا نائمة” لداعش، ولكن لم تقع أيّ هجمات على حدّ قول مظلوم، وهو قائد ميداني لقوات سوريا الديمقراطية في المدينة، ومع ذلك، فإنّه لا يجازف، فهناك حظر للتجوال يبدأ في الخامسة مساءً. هذا لا يعني بالضرورة أنّ هناك أيّ تهديد كبير من داعش، بل هو دليل على أنّ الإرهابيين في المدينة يستشعرون إعادة الحكم الساديّ عديم الرحمة للتنظيم بعد استيلائهم على المدينة في أوائل عام 2014. ” كان رجال أمنهم يغطون وجوههم حتى لا نعرف من يكونون، وربما لا يزالون يعيشون هنا”، قالها أحد المراقبين المحليين بعصبيّة.

ومن غير المرجح أن تعود داعش بكامل قوّتها بسبب خسائرها الفادحة, وسمعتها في الوحشية الرعناء, وانعدام الدّعم الخارجي. إلا أنّه لا يزال بإمكانها القيام بالكثير، خاصة بإثارة الكراهية العرقية والطائفية, حيث إنّ العديد من السوريين المشتبه بكونهم من الرقة, هم من أنصار داعش السرّيين, والأمر سيّان في العراق فيما يتعلّق بالموصل، وقد يثير العقاب الجماعي للعرب السنّة في الحويجة بعد مقتل 27 من الحشد الشعبي، ومعظمهم من شيعة البصرة، ردّ فعلٍ عنيف لصالح استقدام داعش.

إنّ انتعاش داعش قد يكون بفضل تجربته وخبرته العسكرية التي لا شكّ فيها، والتي كانت دائماً إحدى سمات التنظيم، على الرغم من وحشيته في كلّ الوسائل التّي اتّبعها، وكان قادة داعش قد عرفوا مسبقاً أنّهم يفقدون الموصل والرقة لأمدٍ طويل لأنّهم قد خسروا الكثير من العدد والعدّة. ويبدو أنّهم نجحوا في الحفاظ على حياة زعيمهم، أبو بكر البغدادي, الذي نصب نفسه خليفةً، وأخرجوه من الموصل وأبقوه مخفيّا.

ومن المرجّح أنّ تكون داعش قد اتّخذت تدابيراً للحفاظ على أمن البعض من قادتها من ذوي الخبرة, وإعداد المخابئ ومخابئ الأسلحة في الصحراء، وهذا ما مكّن نُخب داعش من النجاة من الهزيمة بين عامي 2007 و 2011، ثم عاود الظهور عندما أصبحت الظروف أكثر مواءمة. إنّ داعش اليوم تبدو كما لو كانت تأمل في الصعود مجدّداً بنفس الطريقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى