بايدن يتوجه نحو مصادرة الممتلكات الروسية
طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 28 أبريل 2022، من الكونجرس تمرير تشريع جديد، لمصادرة الممتلكات الروسية، وقد تمت صياغة المقترحات الرئاسية هذه سابقاً على مستوى الوكالات الرئيسية المسؤولة عن العقوبات، وهي: الخزانة (تشرف على العقوبات المالية)، ووزارة الخارجية (المسؤولة عن عقوبات التأشيرات، والجوانب السياسية، لتطبيق التدابير التقييدية)، ووزارة التجارة (تدير ضوابط التصدير)، ووزارة العدل (تنفذ الملاحقة الجنائية لمنتهكي أنظمة العقوبات الأمريكية).
تتضمن مقترحات “بايدن” ما يلي:
أولاً: إنشاء آلية فعّالة لمصادرة الممتلكات الموجودة في الولايات المتحدة، والمملوكة من قبل “القلة الحاكمة” من الروس، والخاضعين للعقوبات، أو الأشخاص المتورّطين في أنشطة غير قانونية.
في السابق، كانت هذه الممتلكات مجمّدة فقط، أي يُمنع الوصول إليها، لكنها بقيت رسمياً تابعة لأصحابها، أما الآن فالقضية اختلفت حسب التشريع الجديد، فقد وصلت إلى حدّ مصادرة هذه الممتلكات.
يُمكن الطعن في هذه المصادرة أمام المحكمة الفيدرالية الأمريكية، لكن التجربة أظهرت أن المحاولات السابقة من قبل رجال الأعمال الروس، لتحقيق رفع العقوبات لم تحقق نجاحاً كبيراً. تضمنت المقترحات – أيضاً – تجريم الاستلام المتعمّد للأموال المكتسبة مباشرة من صفقات فاسدة مع الحكومة الروسية، ولم يتم بعدُ فك رموز مفهوم هذه المعاملات، ومعاييرها.
ثانياً: تضغط الإدارة لإيجاد آلية من شأنها أن تسمح بنقل الممتلكات المصادرة من “الكليبتوقراطيين”[1]، لتعويض أوكرانيا عن الضرر الناجم عن العمل العسكري.
ثالثاً: مصادرة الممتلكات المستخدمة للمساعدة في التحايل على العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى إدراج التحايل على العقوبات في تعريف “الابتزاز” للمنظمات التي تمارس الفساد والابتزاز. كما ترى الإدارة أنه من الضروري تمديد قانون التقادم الخاص بجرائم غسل الأموال إلى عشر سنوات.
رابعاً: تعميق التفاعل مع الحلفاء والشركاء الأجانب.
في الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، تم بالفعل الاستيلاء على أكثر من 30 مليار دولار من الممتلكات.
وفي الكونجرس، ظهرت مثل هذه المقترحات منذ فترة طويلة، في شكل سلسلة من مشاريع القوانين. فخلال الفترة الممتدة بين آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل 2022، تم تقديم مشروعي قانون من هذا القبيل في مجلس الشيوخ، وهما (S.3936 وS.3838)، وخمسة مشاريع في مجلس النواب، وهي (HR 7457، HR 7187 ، HR 7083 ، HR 6930 وHR 7086).
يتم تقديم معظم مشاريع القوانين هذه من قبل كل من الجمهوريين والديمقراطيين، مما يعني أنه من المحتمل جداً أن يصبح في هذا الموضوع توافق بين الأحزاب.
على الأرجح، ستكون النسخة النهائية للمشروع أكثر تفصيلاً، مقارنة بالفواتير المقدمة بالفعل، وستأخذ في الاعتبار مقترحات الإدارة.
للآلية القانونية الجديدة مجموعة من المزايا والعيوب، أولها ظهور أدوات أكثر فاعلية لتحقيق الهزيمة النهائية للشركات الروسية الكبرى، في كل من الولايات المتحدة، وخارجها.
ستتمتع سلطات الولايات المتحدة بمزيد من الصلاحيات للعقوبات الثانوية، وإجراءات (الإنفاذ)، من أجل منع الالتفاف على أنظمة العقوبات.
من الممكن – أيضاً – تطبيق مثل هذه الإجراءات على شركاء الروس من دول أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه المصادرات ستجعل من الممكن تقديم المساعدة العسكرية والمالية لأوكرانيا، اعتماداً على الأموال الروسية.
ترسل واشنطن بالفعل مليارات الدولارات إلى كييف، ومن المرجح أن يتم توسيع نطاق هذه المساعدات بشكل جذري. إذا اتبع الاتحاد الأوروبي نموذج الولايات المتحدة (وهذا ما يحصل عادةً)، فيمكن لأوكرانيا في المستقبل الاعتماد على عشرات بل مئات المليارات من الدولارات من المساعدات من الأموال الروسية، وسوف يرحّب دافعو الضرائب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمثل هذه الخطوة. فرغم كل التعاطف مع أوكرانيا، إلا أنهم يفضلون مساعدتها على حساب أصول الروس، وليس ممتلكاتهم.
بالرغم من المزايا التي ستؤتي ثمارها في المستقبل القريب جداً، نتيجة هذه الاقتراحات، إلا أن هناك عيوباً أيضاً ستظهر لاحقاً.
بادئ ذي بدء، يمكن لروسيا نفسها أن تمضي في مصادرة الأصول الغربية على أراضيها، مع أن مثل هذه الخطوات ستتخذها موسكو بحذر شديد، فلا يزال من مصلحة روسيا الحفاظ على بقايا الاستثمارات، والعلاقات الراسخة. ومع ذلك، فإن التدابير الانتقائية والموجهة من قبل روسيا ممكنة تماماً، كأن يحصل ذلك على الأراضي الأوكرانية مثلاً، حيث من الممكن أن تصادر موسكو بعض الأصول ضمن الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا، وذلك رداً على نقل ملكية الأصول الروسية إلى كييف، وبذلك تصبح الأرض مسرحاً لمصادرة الممتلكات، وبالتالي قد يزيد ذلك من تصعيد الصراع.
من العيوب الأخرى، التي يمكن أن لا تكون لصالح الولايات المتحدة، هي الخسارة الكبيرة في النفوذ على قطاعات معينة من النخبة (رجال أعمال وغيرهم) الروسية. كانت الممتلكات والأصول “مراسي” لعدد كبير من رجال الأعمال الروس. واعتبروا الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على أنها “ملاذ آمن”، ومكان يسود فيه حكم القانون. أصبحت روسيا الآن المرفأ الوحيد لهم. قد يتحول هذا العيب إلى ميزة للسلطات الروسية، التي سيكون لديها المزيد من الفرص لكسب النخبة. كما أن شكوك الوكالات الحكومية، والمؤسسات المالية الغربية تجاه الروس بشكل عام (بما في ذلك الشركات المتوسطة، والصغيرة، والأفراد) تقلل أيضاً من الدافع وراء هجرة قطاعات أوسع من المواطنين الروس.
أخيراً.. تثير المقترحات الجديدة، ومسيرة النصر للإدارة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى، على الممتلكات الروسية، الموزعة هنا وهناك، تثير مخاوف مشروعة بين المستثمرين من البلدان الأخرى. حيث تُشكّل لديهم إشارة سيئة، وهي أن هذه الدوافع للاستيلاء على الممتلكات ذات الصلة بالفساد، وما شابه ذلك، لماذا لم تصبح فعلية إلا بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا؟
السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان هناك ملف جنائي عن الروس الخاضعين للعقوبات، فلماذا لم يتم الإفصاح عنه في وقت سابق؟ الجواب بسيط، وهو أنه من الواضح أن معظم الروس الذين طالتهم العقوبات لم يكن لديهم مثل هذا الملف. أو أنه لم يكن كافياً للشبهة والتهم الجنائية (غسيل الأموال، إلخ). إن التعرض للعقوبات هو نتيجة للسياسة، وهذا يعني أن مصادرة الأملاك لها أسباب سياسية، ولا ترتبط بانتهاك القانون.
وفقاً لذلك، قد يكون لدى المستثمرين من البلدان الأخرى شكوكاً صريحة أو ضمنية بأنهم قد يكونوا التاليين في الصف، أي ستطالهم العقوبات أيضاً.
الولايات المتحدة لديها علاقات متضاربة مع الصين، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وعدد من الدول الأخرى، ويتم تقديم العشرات من مشاريع القوانين الخاصة بالعقوبات إلى الكونجرس الأمريكي بشأنهم. من الواضح أنه لا بد من وقوع أحداث غير عادية حتى يبدأ الأمريكيون بفرض عقوبات تشبه النموذج الروسي، ضد الدول المحددة. والاحتمال الأكثر ترجيحاً، هو حدوث مصادرة جماعية لممتلكاتهم.
لا يفهم المستثمرون دائماً تعقيدات السياسة. هذا يعني أنه قد يكون لديهم رغبة طبيعية في تنويع أصولهم. أما بالنسبة للبنوك الأمريكية وصناديق الاستثمار، من غير المرجح أن تكون هذه أخباراً جيدة بالنسبة لهم.
…………………………….
الكاتب: إيفان تيموفييف ..باحث في المجلس الروسي للعلاقات الدولية.
ترجمة عن الروسية: د. سليمان إلياس – مركز الفرات للدراسات.
[1] الكلِبتوقراطية أو حُكم اللصوص: هي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما “كلبتو” (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما “قراط” (κρατ) بمعنى حُكم.(المترجم).