الأسد في الإمارات.. والمبادئ التي تقيد السياسة الخارجية لطهران
على الرغم من أنّ الإمارات العربية المتحدة هي دولة صغيرة، إلّا أنّها- استناداً إلى مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية- باتت تتبع في سياستها الخارجية في المنطقة نهجاً هجومياً ومرناً في الوقت نفسه، ويتجلى ذلك في إقامتها للعلاقات مع إسرائيل، وعدم الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، وتنويع الشركاء الأقوياء.
لقد تحوّلت الإمارات في الوقت الراهن إلى لاعب مهم في المعادلات الإقليمية، وإلى أحد المراكز الرئيسية للتبادلات الدبلوماسية، والسياسية، والاقتصادية في الشرق الأوسط، والعالم.
ينطبق الأمرُ نفسه على تركيا أيضاً، فقد أصبحت الآن، من خلال تقليص تحدّياتها الإقليمية والدولية، والمرونة الجديدة في سياستها الخارجية، إحدى ركائز الاتصالات الدبلوماسية والوساطة في أزمات المنطقة، وقد اكتسبت دوراً مهماً في ذلك.
إنّ إلقاء نظرة على قائمة الأسماء التي زارت الإمارات وتركيا بشكلٍ غير مسبوق، خلال الأشهر القليلة الماضية، تؤكد هذه الحقيقة:
- 18 كانون الأول/ديسمبر 2021، زيارة نفتالي بنت، رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الإمارات العربية المتحدة.
- 30 كانون الثاني/يناير 2022، زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، إلى الإمارات العربية المتحدة.
- 9 آذار/مارس 2022، زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، إلى تركيا واليونان، ونهاية مرحلة باردة وجمود سياسي في العلاقات بين الدولتين.
- 19 آذار/مارس 2022: زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، وهي أول زيارة إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، وإخراج سوريا من الجامعة العربية.
بعبارة أخرى، تلعب تركيا والإمارات بأوراقٍ مختلفة في المنطقة، وعلى المستوى الدولي، وفقاً لما تقتضيه مصالحهما، وتسعيان إلى خلق توازنات واسعة النطاق.
فتركيا التي كانت – حتى وقتٍ قريب – هدفاً لهجمات الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وحلف الناتو، أصبحت الآن، بسبب دورها في التوسط لحل الأزمة الأوكرانية، محل اهتمام واحترام واشنطن وبرلين وبروكسل، وقد أخرجت هذه الدول كل انتقاداتها لأنقرة، فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان، ونهجها في التقرّب إلى موسكو، أو خلافاتها مع اليونان، من قائمة أولوياتها.
مما لا شك فيه أنّ تركيا تسلك توجهاً مختلفاً فيما يتعلق باليونان الآن، وبات تخفيف حدّة التوتر مع الأخيرة على جدول أعمالها، فبعد سنوات عديدة، كان رئيس الوزراء اليوناني، في تركيا، يوم السبت (19 آذار/مارس الجاري).
مقاربات لا تتبعها إيران
في ردٍّ لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، خلال مقابلة أجريت معه عام 2017، على سؤال “الناس يسألون أنّ كل الدول في العالم لها علاقات جيدة مع الدول الأخرى ولا يوجد ضغط عليها، فلماذا يوجد ضغط على إيران؟” قال: “هناك سبب واحد لذلك، وهو أننا اخترنا أن نعيش بطريقة مختلفة”.
دفعت الاحتجاجات – واسعة النطاقات – التي اندلعت من كل صوب في إيران، بظريف إلى التراجع قليلاً عن كلامه، لكنه بقي مأمور السياسة الخارجية، التي كانت “الساحة العسكرية” راسمة خطوطها المحورية، وفقاً لقول خامنئي.
قبل ما يقارب العشرة أيام، ردد سلف “ظريف” في وزارة الخارجية، علي أكبر صالحي، كلامه بأسلوب آخر، حيث قال: “نحن نتمسك بمبدأ ثابت في السياسة، والمجتمع الدولي يدرك ذلك. بعض الدول لديها سياسات متغيرة باستمرار، فعلى سبيل المثال قبل ما يقارب ستة أشهر، أي قبل أن تتراجع قيمة الليرة التركية، كانت لدى تركيا علاقة باردة مع إسرائيل، لكن مع بروز المشاكل الاقتصادية، فكرت بالاقتراب من الإسرائيليين، آمِلةً في الاستفادة من نفوذ إسرائيل في الغرب، والتمكن من إدارة الأزمة الاقتصادية. لا تتبع هذه الدول سياسة محددة، ومبدؤها الوحيد هو إدراكها بالفعل لما يصبّ في مصلحتها. نحن أيضاً، بطبيعة الحال، نسعى لتعظيم مصالحنا الوطنية، لكننا نتبع مبدأً محدداً”.
لقد أظهر بشار الأسد أيضاً الآن، وهو الحليف الأقرب للجمهورية الإسلامية، أنّ “المبادئ” (أو المعتقدات الأيديولوجية الكارثية) التي يشير إليها صالحي، لا تجدي نفعاً.
لا تزال دمشق معادية لإسرائيل، كما أنّ الجولان ما زال محتلاً من قبل إسرائيل. والإمارات العربية المتحدة أخذت زمام المبادرة في تحطيم تابو العلاقات مع إسرائيل، على مدى السنوات العشرين الماضية، من خلال التفكير خارج الصندوق، وإعادة تعريف السلام والأمن، وإعمال الحقوق الفلسطينية و”الاعتبارات العربية”، وإقامة علاقات وثيقة مع تل أبيب. دون أن يشكّل نهج الإمارات الجديد، مشكلةً بالنسبة للأسد المعزول، الذي بات رمزاً لحرب أهلية كارثية، بل ربما يكون هذا النهج مساعداً له.
من المهم للأسد أن يستفيد من أصغر نافذة للعودة إلى العالم العربي، والخروج من العزلة. ومبدؤه هنا هو تأمين مصالحه التي لا يقترن تحققها – بالضرورة – بالاعتماد على طهران وموسكو، بل قد يتم تأمينها أكثر في إقامة العلاقات مع الإمارات والسعودية والكويت وغيرهم، وربما يعتمد على هذه العلاقات في مواجهة تركيا، وحتى في الانفتاح على الولايات المتحدة وإسرائيل.
لا يمكن في الوقت الراهن تحديد مدى اطلاع الولايات المتحدة على زيارة الأسد هذه إلى الإمارات، أو تقييم درجة انتقاد واعتراض إدارة بايدن على هذه الزيارة. لكن كما أصبح من الممكن في الولايات المتحدة، مناقشة تطبيع العلاقات مع فنزويلا، أو تخفيف حدة التوتر معها، في ظل أزمة الحرب الأوكرانية، وفي سبيل فرض المزيد من الضغوطات على روسيا، ربما يتمكن نظام الأسد أيضاً الخروج بشكلٍ ما من نير ضغوطات الولايات المتحدة، مقابل أن ينأى بنفسه عن روسيا وإيران، وأن يبدي مرونة- حتى لو كانت طفيفة- في مباحثات اللجنة الدستورية السورية.
إنّ اللعب المرن، والمقترن بالحكمة، في مثل هذه المعادلات المعقدة، وتأمين مصالح إيران المشروعة، هو أمرٌ غريب على الجمهورية الإسلامية. فمن الصعب على طهران أن تتعلم من نظام الأسد- الذي علمته دروس القمع- درساً من براغماتيته أيضاً، فالإصرار على المحافظة على “المبادئ والقيم” يتجاوز أي شيء بالنسبة للجمهورية الإسلامية؛ هذه “المبادئ والقيم” التي عرّضت إيران للتهديدات والهجمات، وأثقلت كاهلها بالعقوبات والتوترات، وتسببت في جمود المسار التنموي فيها.
بدلاً من النظر إلى المعادلات والإجراءات، وردود الفعل القائمة في المنطقة، والتعلم منها في سبيل تغيير السياسات، يعود نظام الجمهورية الإسلامية بإيران إلى الوراء أكثر، من خلال الإصرار على التشبث بـ “المبادئ”، ومن المستبعد أن يُحدث التوصل إلى توافق في إعادة إحياء الاتفاق النووي، تغييراً جوهرياً في هذا النهج.
…………………………….
الكاتب: حبيب حسيني فرد.
الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.