ترجمات

وسط التوترات مع تركيا.. الصين تثير القضية الكردية

رداً على إثارة تركيا لملف الأيغور، تُحرّك الصين قضية عرقية حساسة بالنسبة لتركيا.

شهدت العلاقات الصينية-التركية موجات من المدّ والجزر منذ العام 1971. لكن أكثر قضية أحدثت شرخاً في علاقات البلدين هي قضية الأيغور، التي كانت سبباً رئيساً لإثارة التوترات السياسية بينهما، في مناسبات عديدة.

يقطن تركيا نسبة كبيرة من الجالية الأيغورية، تستهوي المشاعر القومية التركية، في وقت تراقب فيه الصين بحذر هاجس النزعات الانفصالية للأيغور، بما في ذلك، أية مطالبات بالهوية الوطنية العرقية.

انقطعت العلاقات الصينية التركية في الفترة الممتدة بين عامي 1990 و2000، بعد النشاطات التي قام بها الأيغور ضد الصين في الثمانينيات من القرن الماضي. وبعد تقلّد حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، اكتسبت العلاقات الثنائية بين البلدين زخماً جديداً، ولكن تراجعت سوية العلاقات بشكل خطير مع موجة الاضطرابات التي اجتاحت مدينة يورومكي -عاصمة إقليم شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة-عام 2009. وجاء رد فعل تركيا قاسياً إزاء حملة القمع التي أعقبتها، حيث وصف رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي وقتها تلك الأحداث بـ”الإبادة الجماعية”، وعلى إثرها قطعت السلطات الصينية علاقاتها مع تركيا، بسبب استيائها من خطاب أردوغان.

رغم ذلك، بدأت العلاقات الصينية -التركية في الازدهار مجدداً بعد ذلك بوقت قصير. وعلى الرغم من بعض النكسات، يمكن تسمية فترة ما بين عامي 2010-2018 بـ”الحقبة الذهبية” للعلاقات بين البلدين. إلا أن محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا عام 2016، وما زامنها من الدعم الأمريكي للقوات الكردية في سوريا، دفعت تركيا للارتماء باتجاه القطب الروسي-الصيني.

وبالتزامن مع التقارب التركي من الجبهة الصينية-الروسية خلال هذه الفترة، شهدت علاقات أنقرة مع الصين فترة تاريخية. وتبادلَ البَلَدان زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى، ووقعا اتفاقيات اقتصادية وثقافية وتعليمية.

بحلول عام 2018، تجاوز عدد الشركات الصينية العاملة في تركيا (ألف شركة)، علاوة على ذلك، فإن تركيا شريك استراتيجي للصين في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق (Belt and Road Initiative)، وأثنت أنقرة على هذا المشروع في كل مناسبة؛ كما حضر الرئيس التركي أردوغان منتدى مبادرة الحزام والطريق، الذي عقد في بكين مع كبار المسؤولين الحكوميين في أبريل/نيسان من العام 2017، وأكد حينها استعداد بلاده تقديم كل أنواع الدعم لهذا المشروع.

إلا أن فترة الصداقة بين الدولتين لم تدم طويلاً. حيث توترت العلاقات بين الصين وتركيا مرة أخرى عام 2019، حينما أفادت التقارير بأن الشاعر الأيغوري الشهير، “عبد الرحيم هيبت”، قد توفي في معسكر للاعتقال في الصين وقتها. وأدانت وزارة الخارجية التركية هذا الحدث في بيان شديد اللهجة، مما أدى إلى تخفيف الغضب في أوساط الجمهور التركي. ولكن عندما أصدرت الصين شريط مصوّر يظهر فيه أن الشاعر المسلم لايزال على قيد الحياة في اليوم التالي، وجدت وزارة الخارجية التركية نفسها وقتها في موقف صعب.

وعلى غرار القضايا السابقة، طويت صفحة هذه الحادثة، وسرعان ما تعافت العلاقات بين البلدين مرة أخرى. وبالرغم من كل هذه الخلافات، امتنعت السلطات الصينية عن الإدلاء بتصريحات لاذعة، وحاولت عدم التدخل في القضايا الحساسة بالنسبة لتركيا. ولكن ما حدث في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، دفع بالصين إلى اتخاذ موقف مختلف. وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تتطرق الصين – الآن – إلى قضايا لا تحبذ تركيا إثارتها، وخاصة القضية الكردية.

وتزامن نهج الصين الجديد مع اتخاذ تركيا خطوات لانتقاد الصين. حيث حثَّ 43 بلداً، من بينهم تركيا، الصين على “ضمان الاحترام الكامل لسيادة القانون” فيما يتعلق بالمجتمع الأيغوري المسلم في إقليم شينجيانغ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تؤيد فيها تركيا هكذا نداء، مما أثار ذلك حفيظة الصين.

وقد اجتمع مجلس الدول الناطقة بالتركية في اسطنبول في 12 من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وغير اسمه إلى “منظمة الدول التركية”. وأثارت هذه الاتفاقية توترات سياسية في الصين، التي تحتضن نحو 10 ملايين نسمة من الأيغور. وكان تاريخ إنشاء منظمة الدول التركية حاسماً، وربما كانت هذه هي المسألة الرئيسية التي أزعجت الصين.

تأسست جمهورية تركستان الشرقية للمرة الأولى – التي تضمنت إقليم شينجيانغ الذي يسكنه مسلمون إيغور، والتي تتمتع الآن بحكم ذاتي – في 12 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1933؛ وتم الإعلان عن تأسيس جمهورية تركستان الشرقية للمرة الثانية أيضاً في 12من نوفمبر/تشرين الثاني 1944. ونتيجة لذلك، أثار إعلان منظمة الدول التركية في نفس التاريخ تساؤلات كثيرة عن دوافع السلطات التركية. هل كانت مصادفة أم أن هذا التاريخ تم اختياره عمداً؟

وبناءً على الإجراءات التي اتخذها كبار المسؤولين في أنقرة في وقت لاحق، تبين بأن اختيار التاريخ كان – في الواقع – يحمل دوافعاً سياسية. وأمام العلن ظهر أردوغان مع “دولت باهجلي”، رئيس حزب الحركة القومية التركية، وهما يلوّحان أمام عدسات الكاميرات بـ “خارطة العالم التركي”، أثناء اجتماعهما في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وشملت الخارطة منطقة إقليم شينجيانغ (وطن الأيغور).

وأجبرت هذه المواقف الصين على التحرك ضد تركيا. واتهم نائب المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، “جينغ شوانغ” تركيا بانتهاك حقوق الإنسان في سوريا. ووصف جينغ أعمال تركيا في شمال شرقي سوريا بأنها “غير قانونية”. وقال: “منذ قيام تركيا بغزو شمال شرق سوريا بصورة غير مشروعة، قطعت خدمة إمدادات المياه بانتظام عن محطة مياه علوك”. واندلع جدال حادّ بين جينغ وممثل تركيا “فريدون سينيرلي أوغلو” بهذا الخصوص.

ورداً على هذه الادعاءات، قال “سينيرلي أوغلو”: إن تركيا لن تتعلم ممن ينتهكون القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي. وأضاف: “إن كل من حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب والنظام السوري يسيئان استخدام ملف مياه محطة علوك مراراً وتكراراً في خدمة أجنداتهم النفعية”.

واستمرت عملية الأخذ والرد بين البلدين، حيث أدلى أردوغان بتصريح جريء في منظمة التعاون الإسلامي، قال فيه: “إننا نتابع أوضاع الأيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة بحساسية بالغة في الصين. ونتوقع أن تبدي منظمة التعاون الإسلامي حساسية تجاه الأيغور، تماشياً مع أهدافها التي بنيت على أساسها”.

ردّت السلطات الصينية على ذلك. حيث شهد اجتماع منظمة الأمم المتحدة انتقاد جينغ شوانغ العمليات العسكرية التركية في العراق، وأشار بأن الضربات الجوية التركية تسببت بقتل المدنيين، ودعا جينغ أيضاً إلى ضرورة احترام سيادة العراق.

وبعد تصريحات تركيا بخصوص أوضاع الأيغور، ردّت الصين بالتركيز على المناطق الكردية، واتهامها لتركيا بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان في هذه المناطق. وبعثت هذه التحركات الصينية رسالة واضحة إلى أنقرة مفادها، أن الصين سوف تنتقم إذا استمرت تركيا في انتقاد الصين بشأن قضية الأيغور، وستثير الأعمال العدائية التي تقوم بها تركيا في العراق وسوريا في الأجندة الدولية.

تظهر هذه التطورات السياسية المتلاحقة، بأن العلاقات الصينية -التركية ستعيش فترة من الاضطرابات على الأرجح. وما يزيد هذا الاحتمال، هو تزايد الوجود الصيني في الشرق الأوسط، وقد تصبح بكين لاعباً مهماً في القضية الكردية.

………………………………………………….

صحيفة الدبلوماسي (The Diplomat)

نور الدين أكجاي: حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات العالمية من جامعة شنغهاي. بالإضافة إلى مسيرته الأكاديمية، فهو كاتب عمود في وسائل الإعلام التركية المستقلة.

 ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى