ترجمات

أصدقاء الكرد وأصدقاء الهلينيين… دور وتأثير المتطوعين الغربيين إلى جانب الكرد

يجمع بين هانا بوهمان (Hanna Bohman) عارضة الأزياء الكندية السابقة وجوانا بالاني (Joanna Palani) طالبة علم السياسة الدنماركية أمران، حيث ينحدر أصلهما من الغرب وتخدمان إلى جانب الكرد في قوات سوريا الديمقراطية. لكنهما ليستا الشخصيتان الوحيدتان. إنهما اثنتين من بين أكثر من 400 متطوع ومتطوعة ضمن قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الكرد الذين يشاركون في المعركة ضد داعش في شمال سوريا. دعونا ننظر أولاً إلى التشكيلات العسكرية الكردية في سوريا.

تعتبر وحدات حماية الشعب أو (YPG) الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي أو (PYD)، وهي إلى حد بعيد أقوى تنظيم سياسي بين الكرد السوريين. قام حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بإنشاء ثلاث مناطق مستقلة (كانتونات) في شمال سوريا، ويقوم بتطبيق نسخة راديكالية عن ديمقراطية اشتراكية نظراً لخلفيتها الشيوعية. تأسست قوات سوريا الديمقراطية (QSD) المؤلفة من تحالف من وحدات حماية الشعب مع مجموعات مسلحة مختلفة من شمال سوريا كالتركمان والعرب والآشوريين في عام 2015 بناء على اقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية لتكون موجهة ضد الدولة الإسلامية. تعاونت الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب لأول مرة خلال حصار كوباني في عام 2014، ومنذ ذلك الحين، تطوّرت كل من وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية لتكون قوة مرادفة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش على الأرض. لم يُغضب التعاون المكثف للولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش سوى أنقرة. حيث تدعي تركيا بأن قوات سوريا الديمقراطية هي مجرد غطاء لوحدات حماية الشعب التي تعتبرها جماعة إرهابية، وذلك نتيجة العلاقات العضوية للوحدات مع حزب العمال الكردستاني وفقاً لمسؤولين رفيعي المستوى في تركيا. وفي الوقت نفسه، فإن البيشمركة، القوات العسكرية التابعة لكرد العراق، على عكس إخوانهم في وحدات حماية الشعب، لا يرتبطون بحزب العمال الكردستاني. لقد ذاع صيت البيشمركة في الحروب ضد الحكومة المركزية في بغداد، وتشكل الآن قوة عسكرية تقليدية مؤلفة من 200 ألف عنصر. نظراً لحساسيات تركيا تجاه وحدات حماية الشعب، لم يقم الغرب والولايات المتحدة بتسليحها حتى مايو/أيار 2017. بالمقابل، ورغم الاعتراضات المتكررة من قبل العراق، كانت تقوم بتسليح البيشمركة في القتال ضد داعش فقط.  

في أواخر عام 2014، أي بعد بضعة أشهر فقط من سيطرة تنظيم داعش على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، بدأ هؤلاء المتطوعون بالاندفاع إلى ساحة المعركة. لكن لماذا؟ لقد أصيب الرأي العام في جميع أنحاء الغرب بالصدمة جراء الإبادة الجماعية ضد الكرد الإيزيديين وحصار كوباني التي عرفت باسم “ستالينغراد الكرد”، ودفعت بمئات الغربيين والكرد من أوروبا وإيران وتركيا للسفر إلى سوريا والعراق والتطوع لمكافحة داعش. وقد فعلوا ذلك رغم تحذيرات سلطات الدول الأوروبية وتركيا من احتمال فرض عقوبات عليهم عند عودتهم.

إن عدد هؤلاء المتطوعين ضئيل جداً بالمقارنة مع مقاتلي داعش الذي جاؤوا من الغرب وبقية العالم – وحتى اليابان. لقد تدفق أكثر من 4000 جهادي من أوروبا الغربية إلى سوريا والعراق للقتال من أجل “الجهاد”، كانت الغالبية العظمى من المسلمين الذكور الذين تم استدراجهم من قبل نظريات وأفعال داعش، خاصة الأشخاص الذين كانوا يعانون من مشاكل اجتماعية واقتصادية ونفسية، فقد وفرت لهم داعش الإحساس بالهوية والملكية. قام داعش ببناء مجتمع راديكالي قائم على المساواة حيث يمكن للأجانب من رجال ونساء تولي مناصب عليا. لقد دفع عهد المغامرة والمكافآت في هذه الحياة أو تلك (كالحواري) بآلاف المسلمين (حتى الفتيات غير المسلمات) للانضمام إلى صفوف داعش. على النقيض من المتطوعين الغربيين الموالين للكرد، يمكن للجهاديين الاعتماد على دعم الشبكات الجهادية المحلية في أوروبا الغربية وأدوات الدعاية المتفوقة لداعش (وخاصة الإنترنت) للانضمام للجهاد تحت راية داعش السوداء. لكن الطريق إلى الشهادة قد لا ينتهي بالضرورة في الشرق الأوسط. بعد تراجع “الخلافة الإسلامية” منذ عام 2016، عاد بعض هؤلاء الجهاديين إلى أوروبا الغربية وخططوا لهجمات إرهابية.

لكن لماذا انضم هؤلاء الغربيون إلى كرد سوريا والعراق؟ لنفس الأسباب، تدفق الآلاف من المتطوعين من جميع أنحاء أوروبا إلى إسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي وشكلوا “الألوية الدولية” لمحاربة جيش فرانكو الفاشي، كانت تلك الألوية عبارة عن مزيج من أتباع المذاهب الرومانسية والفوضوية والمغامرات. ترتبط قصة الألوية الدولية ارتباطاً وثيقاً بالصراع بين الشيوعية والفاشية في أوروبا، وربما يكون ظاهرة تقارب المتطوعين المؤيدين للكرد من الغرب أقرب إلى حركة أصدقاء الهلينية (Philhellenism). لكن من هم هؤلاء؟ كانوا من الشباب ذوي التوجه الليبرالي ومن الطبقة الوسطى (وأحياناً شبيبة طبقة الأرستقراطيين الرومانسيين) من أوروبا الغربية الذين كانوا مفتونين باليونان القديمة. حتى أن بعضهم شارك في حرب الاستقلال اليونانية (1821-1830) حيث استوحوا من قضية دويلة هيلينية جديدة في أراضي اليونان القديمة المغمورة بحب الآلهة. على الرغم من مرور قرنين من الزمن، إلا أن الدوافع وراء قرار هؤلاء المتطوعين هي نفسها بفوارق كثيرة أو قليلة، حيث الاشمئزاز ضد الجرائم التي كانت ترتكب بحق الإنسانية باسم الجهاد، الإعجاب بنضال أشخاص مظلومين لا وطن لهم (وسط تجاهل الغرب لهم إلى حد كبير) من أجل التحرر الوطني، إيثار وتقوى الدين المسيحي العميق، وأخيراً وليس آخراً، التوق إلى مغامرة غير عادية في أرض أجنبية أو حتى البحث عن الهوية.

إن أوجه التشابه بين أصدقاء الكرد (Phil-Kurds) وأصدقاء الهلينيين (Phil-Hellenes) تتوقف عند ذلك الحد. بتلقيهم التعليم الكلاسيكي، كان أصدقاء الهلينيين ينظرون إلى الإغريق المنتمين للإمبراطورية العثمانية على أنهم الورثة الحقيقيون للحضارة اليونانية القديمة، وكانوا يشعرون بالالتزام الأخلاقي لتحريرهم من الحكم الإسلامي المستبد في الباب العالي. ومع ذلك، فإن المتطوعين الذين جاؤوا من الغرب ليقفوا إلى جانب الكرد في سوريا والعراق ليسوا على دراية بالأفعال المجيدة لصلاح الدين أو الشخصيات الكردية التاريخية الأخرى. فقبل كل شيء، لم تكن كردستان كياناً مستقلاً حتى في العصور الوسطى، وحملت معاهدة سيفر التي ولدت ميتة عام 1920 في طياتها تصوراً عن كردستان مستقلة وفق مثالية ويلسون. إن المجموعة الأكثر التزاماً أيديولوجياً من هؤلاء الفلاسفة الكرد والأناركيين الغربيين هم فقط من قاتلوا ضد “الجهاد” الذي أعلن عنه داعش و”الإمبريالية” التي تبنتها “القوى الاستعمارية الجديدة” في الشرق الأوسط.

كان أصدقاء الهلينيين (Phil-Hellenes) حركة جماهيرية خاصة بالطبقات الليبرالية الوسطى والعليا خلال عصر الأنوار، حيث تأسست منظمات المجتمع المدني في كل عاصمة من عواصم دول غرب أوروبا تقريباً، وتطورت قضية المقاتلين اليونانيين في كل مجال، حيث قام فنانين بحملات توعية للجماهير وحثهم على المقاومة من خلال العديد من النشاطات، ومن هؤلاء الفنانين: الرسام الفرنسي يوجين دي لاكروا (Eugène Delacroix) والشاعر الإنكليزي توماس مور (Thomas Moore) وكان لبعض الساسة تأثيراً أيضاً، تحديداً البريطاني شارل كانينغ (Charles Canning) والفرنسي تشارلز نيكولاس فابفيير (Charles Nicolas Fabvier) الذين سارعوا إلى إقناع حكوماتهم بدعم المقاتلين اليونانيين، وقد انضم لورد بايرون (Lord Bayron) أيضاً إلى الحرب واستشهد في اليونان. لقد نجحت هذه الحركة الشعبية في نهاية المطاف في إقناع حكومات الدول الأوروبية الكبرى بمساعدة المقاتلين اليونانيين عسكرياً.

ولم يظهر حتى الآن أي فرد بحجم دي لاكروا (Delacroix) أو فابفييه (Fabvier) للنهوض بقضية الكرد باستثناء عدد قليل من الأكاديميين – خاصة من بين مراكز الفكر التابع للمحافظين الجدد. لم يظهر لورد بايرون القرن الـ 21 لتثبيت قدمه في شمال سوريا وشمال العراق للمشاركة في الكفاح المسلح مع الكرد. كان موت بايرون والمذبحة التي تلت موته نتيجة حصار موسولويني، السبب في اشتعال غضب شعبي عارم في أوروبا الغربية، ودفع قوى أوروبا العظمى إلى التصدي لحرب الاستقلال اليونانية. كان التدخل المسلح للقوى الأوروبية العظمى إلى جانب المقاتلين اليونانيين مستحقاً نظراً لعدد من الأعمال الخيرية والحسابات الجيوسياسية. في المقابل، تدخلت الولايات المتحدة وقوى أخرى (مثل بريطانيا) لدعم الكرد في سبتمبر/أيلول 2014 قبل وصول أوائل المتطوعين من الغرب إلى شمال سوريا والعراق. وقبل ذلك، كان هؤلاء المتطوعين لم يدركوا بعد وجود الكرد إلا قبيل التطهير العرقي ضد الكرد الإيزيديين من قبل داعش. وعلى النقيض من ذلك، فإن أصدقاء الهلينيين (Phil-Hellenes) يمثلون حركة شعبية أكثر تماسكاً بكثير وهي مدينة بوجودها إلى إعجاب الغرب المتزايد باليونان القديمة. كان أصدقاء الهلينيين (Phil-Hellenes) قد سبقوا حرب الاستقلال اليونانية، بينما تطورت حركة أصدقاء الكرد (Phil-Kurds) بعد الحرب الأهلية السورية ونضال الكرد من أجل التحرر الوطني.  

بالمختصر، لا تزال حركة أصدقاء الكرد (Phil-Kurds) بعيدة عن نظيرتها حركة أصدقاء الهلينيين (Phil-Hellenes)   من حيث الأصول والنفوذ وطريقة النضال. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المتطوعين من الغرب لم ولن يحدثوا أي فرق، يقع على عاتق حكومات الغرب مهمة إحداث فرق حقيقي – تماماً مثلما حدث في عام 1828 عندما قاموا بحرق الأسطول التركي المصري قبالة سواحل اليونان. إن الكرد كشعب في ازدياد وتطور نتيجة التطورات الزلزالية في الشرق الأوسط. فقبل بضعة أشهر، صوت كرد العراق بأغلبية ساحقة لصالح الانفصال عن العراق في استفتاء عارضه بشدة الدول المجاورة للعراق، وفي روجآفا (غرب كردستان أو شمال سوريا) نظم الكرد أولى انتخابات لهم لبسط نظام الحكم الذاتي. لم تكن لهذه التطورات أن تحدث قبل بضع سنوات فقط. ومع ذلك، فإن أحلام الكرد في الاستقلال (في كل من العراق وسوريا في الوقت الحاضر) باتت تتحقق تدريجياً – ويعود ذلك إلى دعم ومساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. هناك معارضة شديدة ضد الكرد من قبل مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية، وفي غضون سنوات قليلة ربما، سيكون إقليم كردستان المستقل حقيقة واقعة.  

موقع (Small wars journals)

ترجمة عن الانكليزية: جوان شكاكي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى