ترجمات

انهيار إمبراطورية الولاية

في فجر الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020 قُتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني على يد القوات الأمريكية بالقرب من مطار بغداد. وبإمكاننا اعتبار مقتل سليماني بالنسبة للجيش الأمريكي نقطة انعطافٍ في المعادلات الإقليمية، كما يمكننا اعتباره بدايةً لتخفيض التوتر في المنطقة.

قبل البدء بدراسة الأبعاد السياسية لمقتل سليماني علينا أن نقرّ بأنّ الجمهورية الإسلامية جعلت من قاسم سليماني -من خلال الپروپاغندا- رمزاً قومياً- دينياً يمزج  بين القومية الإيرانية والتطرّف الشيعي داخل إيران والمنطقة.

كان سليماني رمزاً لتحقيق اتصال طهران بشرق المتوسط من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى كان رمزاً لسياسة “الدفاع عن المراقد المقدسة”، وبالتالي كان محبوباً من قبل القوات الشيعية المتشدّدة في الجغرافية الشيعية، كما كان يعرّف إيران بأنّها “أم القرى” بالنسبة للشيعة.

في الوقت نفسه، سعت پروپاغندا النظام، على مدى السنوات القليلة الماضية، من الناحية الدينية أن تمارس تأثيراً من خلال القول أنّ قاسم سليماني محميٌّ من قوى غيبيّة، ومن الناحية الأمنية كانت تطلق عليه جنرال الظلال، وكانت تقصد من هذا اللقب، الإحاطة الاستخباراتية بمواقع الخصم أو العدو على مستوى المنطقة.

إذن، فقد كان سليماني شخصاً هامّاً كفرد، كما أنّه كان شخصيةً رئيسيةً بوصفه يمتلك استراتيجية ضمن إطار سياسة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية. هو شخصٌ تحوّل إلى رمز للإمداد الغيبي والقوة الأمنية للجمهورية الإسلامية، ومن الواضح أنّ مقتله يضع هاتين المسألتين بالنسبة للجمهورية الإسلامية أمام تحدٍّ كبير.

ربّما سمعتم كثيراً أنّهم يسمّون سليماني رجل السلطة الثاني في إيران، ويعود هذا الأمر إلى أهمية سياسة تصدير الثورة الإسلامية في النظام الإيراني، وهذا التوجه يربط بين الأمن الداخلي لإيران وبين تواجدها العسكري في المنطقة.

طبعاً ينبغي أن نذكّر هنا أنّ السبب الأصلي للربط بين الأمن الداخلي للجمهورية الإسلامية وتواجدها العسكري في المنطقة ليس فقط وجود داعش أو أمريكا في الدول المجاورة لإيران، بل إنّ أحد الأسباب الرئيسية والهامة لهذا التواجد هو قضية وجود حكم كردي في كردستان العراق وإدارة ذاتية (روجآفا) في سوريا.

على مدى المائة عام من النظام الأمني في إيران كانت القضية الكردية تحارَب وما تزال، بوصفها خطراً أمنياً داخلياً كبيراً.

نظراً لتأثر أجزاء كردستان ببعضها، فإنّه من الواضح أنّ إحقاق الحقوق الكردية في الجغرافية العراقية والسورية، بصرف النظر عن النظام السياسي والإداري الذي يؤطرها، يُعتبر  بمثابة أزمة داخلية إيرانية، وفي هكذا نظام أمني، إذ يخرج التواجد العسكري الإيراني عن إطار تصدير الثورة الصرف، ويتحوّل إلى تواجد استراتيجي، يكون المؤيدون للتواجد الإيراني في دول الجوار متحمسين  لقمع القضية الكردية داخل إيران أيضاً.

كان سليماني  أبرز الأشخاص في هذا النظام الأمني الذي حددته إيران لنفسها، واستناداً إلى هذه النظرة الأمنية وحدها يمكننا تسمية  قاسم سليماني بالرجل الثاني على مستوى معادلات القوة الداخلية لإيران.

وإذا ما نظرنا إلى العشرين سنة لسليماني على رأس هذه السياسة، يتضح لنا أنّ إزالته، باعتباره شخصاً ذا نفوذٍ كاملٍ في هذه السياسة،  تنطوي على أهمية خاصة للكرد.

ينبغي هنا الإشارة إلى أنّ ما يتمّ ذكره في بعض وسائل الإعلام عن دور سليماني في القمع داخل إيران، إنّما يدلّ على عدم معرفة النظام القمعي للجمهورية الإسلامية؛ فسليماني كقائد لفيلق القدس وعسكري بارز، لم يكن له دور كبير ورئيسي في سياسة القمع داخل الجمهورية الإسلامية، ويرى بعض المحللين أنّ سليماني هو صاحب فكرة اللجوء إلى “البلطجية” و”الزعران” لقمع الاحتجاجات في إيران، وهذا الأمر بعيدٌ عن الحقيقة وهو  أقرب إلى المبالغة أو عدم المعرفة.

لأنّ مسألة اللجوء إلى هؤلاء الأشخاص ليست فكرةً جديدة في النظام القمعي للجمهورية الإسلامية؛ ففي إيران، وقبل تأسيس الجمهورية الإسلامية، أي في فترة الحكم الپهلوية، كان يتمّ اللجوء إلى هؤلاء الأشخاص لأجل الحفاظ على الحكومة والشاه من جهة، ومن جهة أخرى للقيام بالمظاهرات ضدّ الشاه وحكومته، ومن الأمثلة على ذلك حضورهم في انقلاب 19 أغسطس (1953) للدفاع عن محمّد رضا پهلوي وفي مظاهرات 5 تموز/يوليو 1963 ضدّ محمّد رضا پهلوي.

في حقيقة الأمر كانت أهمية سليماني في نظام الأمن الداخلي تكمن في وجوده التخريبي في كردستان العراق و روجآفا، وليس في قوّته في منظومة القمع الداخلية.

بالتزامن مع ما تمّ ذكره أعلاه، اتبعت الجمهورية الإسلامية خلال العام الفائت سياسة خلق الرعب في المنطقة، فعقِب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، اعتبرت الجمهورية الإسلامية الإخلال بأمن المنطقة، ولا سيما الإخلال بأمن الطاقة في الشرق الأوسط، بمثابة ورقة ضغط دولية ضدّ الولايات المتحدة. وكان في هذا السياق أيضاً، حدوث الهجمات المتكررة على  ناقلات النفط في الخليج، واستهداف منشآت آرامكو في المملكة العربية السعودية في سبتمبر 2019.

إنّ المجموعات بالوكالة لها دورٌ رئيسيّ وهام في سياسة خلق الرعب، وكانت حلقة الوصل ودليل هذه الجماعات في النظام الأمني-العسكري للجمهورية الإسلامية هي فيلق القدس وشخص قاسم سليماني، وكانت الكفة تميل لصالح المجموعات بالوكالة وإيران حتى قبل مقتل سليماني، نظراً لأنّهم كانوا قد أخلّوا بأمن الطاقة بشكلٍ كبير من جهة، ومن جهة أخرى لم تتعرّض هذه الجماعات لأيّ ضربة كبيرة من خصومها أو أعدائها، وفي الوقت نفسه ما تزال مسألة تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة بُغية تخفيض حدّة التوتّر في الخليج تدور في حلقةٍ مفرغة.

مع مقتل قاسم سليماني تحوّلت سياسة رعب النظام إلى سياسة توازن الرعب. ففي سياسة الرعب، كانت الكفة تميل لصالح الجمهورية الإسلامية كونها تمكّنت من خلق حالة الرعب وانعدام الأمن  دون أن تصبح هي في حالة انعدام للأمن، ولكن في سياسة توازن الرعب، فضلاً عن أنّها دفعت التكلفة الكبيرة لمقتل سليماني، فإنّها أصبحت تعيش حالة انعدام الأمن، ومن شأن هذه الحالة أن تقطع يد الجمهورية الإسلامية في خلق الرّعب في المنطقة.

المسألة الأخيرة الهامة هي مسألة الإحاطة الاستخباراتية للولايات المتحدة وإسرائيل بسلوك وسياسات الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.

إذا جمعنا القضايا المذكورة أعلاه معاً، سيكون بإمكاننا القول إنّ مقتل قاسم سليماني هو نقطة تحوّل في انهيار الامبراطورية الشيعية للجمهورية الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى هو بداية لتخفيض التوترات في المنطقة؛ ومن الممكن أن يكون مقتل سليماني أمراً مهمّاً لكردستان العراق و روجآفا أيضاً؛ لأنّ سياسة الوجود العسكري للجمهورية الإسلامية قادت المنطقة نحو طريقٍ مسدودٍ، وهذا الأمر (أي غياب سليماني) سيمنحهم القوة ويتيح لهم خوض مفاوضاتٍ أكثر مع بغداد ودمشق.

الکاتب: آگري اسماعيل نژاد

ترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

العنوان الأصلي للمقال:  فروپاشی امپراتوری ولایت

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى