إيران وتركيا تشتركان في استهداف الكرد
إيران وتركيا تهددان بغزو المناطق الكردية في العراق وسوريا
تهدّد كلّ من إيران وتركيا بغزو المناطق الكردية في سوريا والعراق، ولا يُعتبر هذا الأمر جديداً، فقد دخلت القوات التركية بالفعل إلى أجزاء من الشمال العراقي سابقاً.
في الوقت الحاضر، تحتل تركيا العديد من المناطق الكردية في سوريا، في الوقت الذي تشن فيه إيران هجمات بالمسيرات والصواريخ على مقرات المجموعات المعارضة الكردية بالعراق.
زادت – مؤخراً – تهديدات كلا النظامين الاستبداديين بشن عمليات اجتياح برية جديدة، والتي قد تتسبب في تهجير الآلاف من السكان الكرد.
هل تُنسّق إيران وتركيا جهودهما لزعزعة الاستقرار في سوريا والعراق؟
في الوقت الذي يبدو فيه بأن إيران وتركيا على طرفي النقيض في الصراعات الدائرة في المنطقة، إلا أنهما يتشاركان بعض المصالح المشتركة. فكلا الدولتين يحكمهما أحزاب يمينية متطرفة، ودينية.
ففي إيران، النظام الحاكم هو نظام ثيوقراطي يعود للعام 1979، وفي تركيا، الحكم هو لحزب العدالة والتنمية، الذي جاء إلى سدة الحكم في تركيا منذ بداية القرن الحالي.
هؤلاء القادة الدينيين يتشاركان نفس السياسات: فكلاهما يدعمان حركة حماس، ويعارضان إسرائيل، بالرغم من المصالحة التركية – الإسرائيلية مؤخراً، ويعتبران أنفسهما معارضين للسياسة الأمريكية، والوجود الأمريكي في العراق وسوريا، بالإضافة الى العمل معاً – إلى جانب روسيا – ضمن “مسار آستانة” في سوريا، الذي تم إنشاؤه بهدف إنهاء الحرب الأهلية فيها، ولكنها تمنح إيران وتركيا النفوذ في المنطقة أيضاً.
تتلخص السياسة الرسمية لكل من إيران وتركيا في الادعاء بأنهم ليسوا ضد الكرد كمجموعة إثنية، بل الهدف هو محاربة ” المجموعات المعارضة” كما تدّعي إيران.
الكرد في سوريا يهربون من الهجوم التركي والمسلحين السوريين ضد مدنهم الآمنة . رويترز
توجد أقليات كردية كبيرة، يبلغ عددها الملايين في تركيا، وإيران، وسوريا، والعراق. في سوريا، تشكل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية (SDF)، المدعومة من الولايات المتحدة، ولعب الكرد في سوريا دوراً رئيسياً في هزيمة داعش. ومع ذلك، اتهمت أنقرة وحدات حماية الشعب، بأنها جزء من حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره أنقرة منظمة “إرهابية”.
زعمت أنقرة مراراً وتكراراً بأن حزب العمال الكردستاني يقف وراء الهجمات ضدها، لتبرير غزوها لسوريا. بالنسبة لأنقرة آنذاك، فإن مجرد وجود قوة كردية تلعب دوراً رئيسياً في شرقي سوريا، يعتبر سبب كاف للقيام بغزو. حيث نفذت تركيا بالفعل هذه السياسة، من خلال غزو عفرين عام 2018، واستخدام المجموعات المسلحة السورية، لارتكاب عملية تطهير عرقي بحق الكرد. ثم أعادت توطين اللاجئين السوريين في مناطقهم، وغيرت التركيبة السكانية، على غرار ما تم فعله في البلقان في التسعينيات.
هدف أنقرة هو إعادة توطين العرب على طول حدودها بدلاً من الكرد. وهذا يشمل مدن مثل كوباني والقامشلي. ووصفت تركيا هذه المنطقة بأنها “المنطقة الآمنة”، حيث تهدف لإزالة الأقليات العرقية من أماكن تواجدها، وإنشاء حزام من المستعمرات الموالية والمؤيدة لأنقرة على طول حدودها. وهذا يذكرنا بسياسات القرن التاسع عشر أو العشرين للقوى الاستعمارية والمتطرفة، وهذا ما يتم العمل عليه بالضبط.
سياسة إيران تختلف بعض الشيء
من ناحية أخرى، لم تسعَ إيران إلى ارتكاب عمليات التطهير العرقي ضد الكرد في العراق أو إيران. وليس لدى إيران القوة العسكرية أو الجماعات المتطرفة، التي يمكن حشدها للقيام بعمليات التطهير العرقي، كما أنها ليست عضواً في حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، على غرار تركيا.
تمنح عضوية تركيا في الناتو، سيطرتها على الدول الأعضاء الأخرى، حيال سياساتها في سوريا. على سبيل المثال، هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، ما لم يدعم الاثنان احتلالها لسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران، على العكس من تركيا، دولة ذو إمكانيات مادية محدودة، ولا يمكنها سوى اللجوء إلى استغلال النفوذ واستخدام الصواريخ والمسيرات لتحقيق أهدافها.
مع ذلك، فإن السياسات الإيرانية – بشكل عام – تستهدف أيضاً الجماعات الكردية في شمال شرقي إيران والعراق. فعدو تركيا هو حزب العمال الكردستاني، لكن أعداء إيران هم مجموعات مثل الحزب الديمقراطي لكردستان في إيران (PDKI)، وحزب كوملا في كردستان إيران، وحزب الحرية الكردستاني (PAK). هذا يعني، أن إيران وتركيا، في الظاهر، لا تعارضان نفس الجماعات الكردية، ولكن هذا لا يغير من سياستهما.
تتطلع إيران إلى إضعاف حكومة إقليم كردستان، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في العراق. حكومة إقليم كردستان منطقة اقتصادية ناجحة، ولديها قواتها الأمنية الخاصة. لكن، مثل شرقي سوريا، لا يملك أكراد أربيل في شمال العراق الدفاعات الجوية لوقف الصواريخ الإيرانية.
لم توقف القوات الأمريكية في شرقي سوريا قصف أنقرة للقوات الكردية، حتى في الوقت الذي تشن فيه تركيا غارات جوية على المناطق التي تتواجد فيها القوات الأمريكية. حدث هذا الأسبوع الماضي.
نُشر مقال على موقع قناة “فرانس24” (France24)، يُحلل سياسات تركيا وإيران في استهداف الكرد، وخلُص إلى أنهم “كبش الفداء”. وليس من الواضح بعد بأن هكذا طرح يعكس الحقيقة.
السياسة التركية في سوريا، تهدف لإنهاء الوجود الأمريكي فيها، وكذلك إيران مهتمة بمغادرة الولايات المتحدة لسوريا والعراق. وفي الأساس، فإن كلا من تركيا وإيران تهاجمان الكرد – كل من طرفه – لأنهم يريدون مهاجمة أمريكا، ولكنهم لا يريدون مواجهة مباشرة مع واشنطن. وبالتالي، يدفع المدنيون الثمن.
من ناحية أخرى، تهدف إيران أيضاً إلى القضاء على الجماعات المعارضة الكردية، لأن طهران تواجه احتجاجات في الداخل.
قد يكون قرار تركيا – على وجه التحديد – مرتبطاً بالانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل، وبهدف طويل الأمد، يتمثل في السيطرة على المزيد من المناطق الحدودية في سوريا، لإعادة توطين اللاجئين السوريين من تركيا إلى هذه المنطقة، وإخراج الكرد منها.
تم إعادة إحياء سياسة التطهير العرقي القديمة، على غرار سياسات القرن العشرين للاتحاد السوفيتي، لإنشاء منطقة عازلة “موالية” من المجموعات البشرية على طول الحدود، حيث يمكن لأنقرة استخدامهم كوكلاء لها.
هنا، تختلف فيه سياسات الطرفان. فطهران تريد فقط إرسال رسالة إلى حكومة إقليم كردستان والعراق بقمعها للجماعات المعارضة الكردية، والقضاء على الأحزاب الكردية، باستخدام الصواريخ، لمنعهم من دعم الاحتجاجات.
بينما هدف تركيا يشمل نطاقاً أوسع، حيث تريد تشريد مئات الآلاف من الأشخاص، لإعادة تكوين التركيبة السكانية بأكملها في شمال سوريا، ومحو تاريخ المنطقة، والذي يمتد لألف عام أو أكثر، من عفرين إلى القامشلي. وتستهدف طمس تاريخ ليس فقط الكرد، بل الأيزيديين، والمسيحيين، والأقليات الأخرى أيضاً. وهذا هو نفس السبب الذي يجعل تركيا تواصل قصف منطقة سنجار الإيزيدية، وهي المنطقة التي تعرضت للإبادة الجماعية من قبل داعش.
سياسة تركيا الحالية في إبادة الكرد، تنبع جذورها من تأسيس تركيا الحديثة، حيث عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية، ظهرت تركيا الحديثة وسط اضطهاد الأرمن، واليونانيين، والكرد، وجماعات أخرى مثل الآشوريين والمسيحيين الآخرين. ثم غزت أنقرة قبرص – في وقت لاحق – وشردت اليونانيين في الشمال.
وبالتالي، فإن غزو عفرين والتهديد بغزو كوباني جزء من سلسة طويلة تهدف إلى الحد من وجود الأقليات. أما سياسة إيران فهي أكثر تعقيداً. تعرف طهران بأن الأقليات تشكل الغالبية من الشعب الإيراني. إنها بحاجة إليهم كجزء من إيران، لذا فإن هدفها هو منع جماعات المعارضة من اكتساب القوة، وليس تشريد مكونات كاملة من الشعب الإيراني.
إيران وتركيا لديهما مصالح مشتركة، ويريدان تقليص دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فكلاهما يدعم حماس، والجماعات المتطرفة الأخرى. وكلا النظامان يعتبران الكرد كبش فداء، كلما أرادت هذه الأنظمة استخدام جيشها لمهاجمة طرف ما، فإنها تميل إلى مهاجمة الأكراد، لأنهم يعرفون بأن الأقلية الكردية لا تتمتع بدعم قوي.
كانت أنقرة وطهران مستاءتين من ازدهار المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في إقليم كردستان في العراق، وشرق سوريا. ومع ذلك، فإن كلا البلدين لهما مصالح في هذه المناطق. بشكل عام، لم يكن لدى إيران والنظام السوري مشكلة مع وحدات حماية الشعب، بينما دعمت أنقرة حكومة إقليم كردستان، مما يعني وجود مصالح تساهم في توحيد مواقف كل من إيران وتركيا، إلى جانب السياسة المعادية للكرد.
فالسياسة الحقيقية مبنيّة على أساس التخلص من الولايات المتحدة. السياسة الأخرى هي رغبة تركيا في تغيير التركيبة السكانية للحدود، وهدف إيران المتمثل في إضعاف الجماعات المعارضة. يتم تفعيل التنسيق في هذا الصدد من خلال عملية آستانة في سوريا، والعمل مع روسيا، حيث تعمل كل من إيران وتركيا بشكل وثيق مع روسيا.
الاقتصاد هو من يربط تركيا وإيران بموسكو، فمن جهة تريد تركيا أن تصبح مركزاً للطاقة بالشراكة مع موسكو، ومن جهة ثانية تقوم إيران ببيع المسيّرات لموسكو، وفي هذا الصدد، يمكن أن نقول إن لديهم سياسة مشتركة، ولكن ليس بالضرورة سياسة معادية للكرد فقط، لكن في النهاية تكون النتيجة النهائية هي أن الكرد هم ضحايا، ويدفعون ثمن شراكة أنقرة وطهران.
…………………………………
مقال تحليلي.
صحيفة جيروزالم بوست.
سيث فرانتزمان: باحث ومحلل أمريكي، مختص بشؤون الشرق الأوسط، ويشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط لتقديم التقارير والتحليلات، ويتناول في أبحاثه مسألة الأمن الإقليمي وقضايا الكرد واللاجئين.
الترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.