ترجمات

طائرات “شاهد” المسيّرة في أوكرانيا.. الدخان الذي يؤذي عين إيران

مع الهجمات الروسية العنيفة الأخيرة على العاصمة الأوكرانية، وعدد من المناطق الأخرى في أوكرانيا، وإثارة الجدل حول استخدام “الطائرات المسيّرة الانتحارية”، إيرانية الصنع، في هذه الهجمات، اتجهت الأنظار نحو هذه المسيّرات من حيث كمّها ونوعيتها، من جهة، ونحو مخالفة وجودها ضمن الترسانة الروسية، وادعاء الجمهورية الإسلامية أنها لم تُبع ولن تبيع السلاح لأي طرف من طرفي الصراع، من جهة ثانية، وأيضاً نحو علاقة التسلّح بين طهران وموسكو، وقرار الأمم المتحدة /2031/، الذي تمت المصادقة عليه بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والذي يراقب القيود –وإن كانت مؤقتة- على مبادلات الأسلحة الإيرانية.

إنّ نفي الجمهورية الإسلامية، وإنكارها تزويد روسيا بأية أسلحة، لا يتماشى مع مجريات الواقع في الجبهة، ووجود مسيّرات “شاهد” التي يسقطها الأوكرانيون، ولا مع المواقف السياسية والاستراتيجية للجمهورية الإسلامية، التي يصرّح بها المسؤولون الكبار في الدولة، بين الحين والآخر منذ بدء الحرب الأوكرانية، ولا سيما تصريحات على خامنئي.

في لقائه مع فلاديمير بوتين، في تموز/يوليو من العام الجاري في طهران، أشاد خامنئي، بأخذ الرئيس الروسي زمام المبادرة، وقال: “الحرب هي كلمة قاسية وصعبة، والجمهورية الإسلامية لا تسرّها معاناة الناس العاديين منها بأي شكلٍ من الأشكال، لكنك لو لم تأخذ زمام المبادرة، فإنّ الطرف المقابل كان سيبادر ويتسبب بإشعال الحرب.”

منذ بدء الحرب الأوكرانية في 24 شباط/فبراير الفائت، وصف خامنئي بارتياح، مراراً وتكراراً، بأنها تسرّع انهيار “النظام الاستكباري”، وتعمل على تشكيل نظام جديد نحو إنشاء “الحضارة الإسلامية”. مع مثل هذا الفهم والمنظور، فإنّه من المنطقي أن تبذل الجمهورية الإسلامية ما في وسعها لمساعدة روسيا، حتى تخرج “منتصرة” في حربها مع أوكرانيا و”يُمرّغ أنف الاستكبار بالتراب.”

يضاف إلى ذلك، أنّ روسيا لم تتبنَّ حتى الآن أي موقفٍ تكذّب فيه تلقيها أسلحة من إيران.

على هذا الأساس، واستناداً إلى الملاحظات العينية في الجبهات، فإنّه من الصعب حتى على أنصار الجمهورية الإسلامية، تصديق نفي وإنكار طهران تدخلها التسليحي في الحرب الأوكرانية.

خلال هجمات السنوات الأخيرة على المنشآت النفطية السعودية، أو بعض السفن على ساحل الإمارات، أو الأحواض المائية جنوب إيران، أنكرت “الجمهورية الإسلامية” في البداية – أيضاً – أي دور لها في هذه الهجمات، لكنها سرعان ما أشارت، بشكلٍ ضمني أو علني أحياناً، إلى هذه الهجمات كدليل على قوتها التسليحية والعسكرية، والتي ستقدمها بسخاء إلى حلفائها الإقليميين أيضاً.

الجدل القانوني حول العقوبات

يوجد نقاش قانوني وتفسيري مستمر، حول مناقضة إرسال إيران أسلحة إلى روسيا، لاستخدامها في حرب أوكرانيا، للقرار/2231/، الذي تم تصويبه في مجلس الأمن الدولي، عقب التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وجعل قرارات العقوبات السابقة الأخرى، على درجةٍ ثانوية من الأهمية.

على الرغم من خفض العقوبات، لم يُسمح لإيران، استناداً لهذا القرار، أن تُصدّر الأسلحة التقليدية، حتى عام 2020، أو على الأقل، إلى أن تقدّم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقريراً مفصّلاً عن شفافية وسلمية البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من أنّ ملفّ إيران ما يزال مفتوحاً لدى الوكالة، فقد انقضى التاريخ المحدد وهو 2020، وبالتالي فإنّ إيران تعتقد أنّ البند المذكور بات مفتقداً للموضوعية.

توضيحاً لادعائها حول انتهاك القرار /2231/ من قبل إيران، تلفت الدول الغربية الأنظار إلى جوهر خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهذا القرار الذي ينبغي أساساً أن يكون لدفع إيران إلى “سلوك قائم على خفض التصعيد، وتحقيق المزيد من السلام والأمن في المنطقة”، وفي الوقت نفسه، تشير هذه الدول إلى بند في القرار يُحظر بموجبه تبادل الصواريخ المتطورة مع إيران، حتى تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023. حيث ترى أنّ هذا البند يمكن تعميمه على التبادلات القائمة على التقنيات المتطورة، مثل تكنلوجيا الطائرات المسيّرة أيضاً.

توجد مشكلة أساسية في هذا النقاش، وهي أنّ إيران تنكر إرسال السلاح والطائرات المسيّرة إلى روسيا من جهة، وفي الوقت نفسه إذا جرى نقاش في مجلس الأمن، فإنّه من المستحيل أن تتخذ روسيا، التي هي طرف فيما يجري، أو الصين، موقفاً ضد إيران، والعودة الرسمية للعقوبات عليها. لكنّ هذا لا ينفي حقيقة أنّ الدول الغربية –وإن كان ذلك مترافقاً بشروط- تحاول إعادة إحياء جميع العقوبات المفروضة على إيران قبل 2015، وذلك استناداً إلى تفسيرها للقرار /2231/ وآلية الزناد المذكورة ضمن القرار، الذي جاء في نصّه أنّ كلّ دولة مشاركة في اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة، بإمكانها تفعيل هذه الآلية، في حال وجدت أنّ الدولة الأخرى أخلّت بالتزاماتها.

إنّ كلّ هذه الوقائع، إلى جانب التحدّي القائم بين المجتمعات المدنية للدول الغربية وحكوماتها و”الجمهورية الإسلامية” الإيرانية بشأن الاحتجاجات الحالية في إيران، ونوع الدعم الذي يمكن تقديمه لها، وتأثير هذه الاحتجاجات على تعميق أزمة مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، فقد أصبحت مسألة التدخل التسليحي لـ “الجمهورية الإسلامية” الإيرانية في الحرب الأوكرانية، تضاف إلى الجدل حول السياسات الخطيرة والأيديولوجية والغريبة عن المصالح الوطنية لإيران، والتي تحول دون تقدم هذا البلد.

المرحلة الحالية للحرب من وجهة نظر الكرملين

بقدر ما يتعلق الأمر بـ “فائدة” روسيا من اللجوء إلى استخدام الطائرات المسيّرة الإيرانية، فإنّ الحقيقة هي أنّ استراتيجية الكرملين تركز بشكل أساسي في الوقت الراهن، على ترسيخ المناطق المحتلة و”خلق الأمن” فيها، ومن ناحية أخرى تركز على الهجمات واسعة النطاق على المدن والبُنى التحتية لمختلف المناطق الأوكرانية، وضرب قدراتها العسكرية، وذلك في سبيل خلق جوّ من الرعب واليأس في المجتمع الأوكراني بأسره، وتدمير القوة الهجومية والدفاعية لهذا البلد قدر المستطاع.

ليست حماية المناطق المحتلة من هجمات القوات الأوكرانية وحسب هي ما يأمله الكرملين في اتباع هذه الطريقة، بل إنه يرى أيضاً أنّ القيادة الأوكرانية لن يكون أمامها طريق آخر سوى قبول المفاوضات والاستسلام لشروط روسيا.

قوات الشرطة الأوكرانية تطلق النار على مسيّرة انتحارية يُعتقد أنها من نوع شاهد 136، كانت تحلق في سماء كييف يوم 17 تشرين1/أكتوبر

 لا ريب أنّ الكرملين يحدوه الأمل أيضاً في أن يدفع توتر سوق الطاقة في العالم، وزيادة التضخم غير المسبوقة في الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا، في نهاية المطاف، مجتمعات هذه الدول إلى التشكيك في هذا الدعم ورفض استمراره.

مع ذلك، فإنّ الوضع غير المساعد للجيش في مجال تأمين العناصر والعتاد، والدافع القتالي للجنود، الذي لا يسمح باستمرار الحرب إلى أجل غير مسمى، والتأثير المدمر للعقوبات الغربية، والواقع السلبي والسيء الذي يُتوقع أن يواجه الاقتصاد الروسي بدرجة أكبر، كل ذلك يخلق مخاوف جدية للكرملين، بحيث يجعل من “إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن” أولويةً أساسية بالنسبة له.

وبالتالي، فقد اكتسب استخدام الطائرات المسيّرة الإيرانية، في مثل هذا السياق لمجريات الأحداث، أهمية رئيسية واستراتيجية بالنسبة لروسيا.

“فائدة” روسيا من استخدام مسيرات “شاهد”

إنّ تسمية مسيرات شاهد – التي تسمى في روسيا (GRAN-2) – بمسيّرات كاميكازي، أو المسيّرات الانتحارية، هي تسمية مغلوطة. تعني كلمة كاميكازي في اللغة اليابانية “الرياح الإلهية”، وهي تطلق على الهجمات الانتحارية التي كانت تشنّها القوات الجوية للجيش الإمبراطوري الياباني ضد السفن الحربية للحلفاء، خلال الحرب العالمية الثانية. حيث كان طيّارو كاميكازي يصدمون طائراتهم المحمّلة بالمواد المتفجرة وأنواع القنابل أو مخازن الوقود، عمداً بالسفن الحربية.

أما طائرات “شاهد” فهي بدون طيّار، وقد يكون من غير الموضوعي استخدام كلمة “انتحارية” لها، وربّما تنطبق عليها أكثر تسمية “طائرات مسيّرة تستخدم لمرّة واحدة فقط.”

بقايا طائرة مسيّرة انتحارية روسية، بعد تحديد نوعها، قالت السلطات الأوكرانية أنها من نوع شاهد 136

منذ أن أعلنت الأجهزة الأمنية للجيش البريطاني، قبل حوالي شهر، عن استخدام القوات الروسية طائرات شاهد 136، بدأ ظهور هذه الطائرات يزداد تدريجياً، وأصبح لها دورٌ رئيسي في الهجمات القاسية والمدمّرة على مختلف المواقع الأوكرانية، في الآونة الأخيرة.

تُعدّ طائرات شاهد 136، من الناحية العملية، نوعاً بدائياً ورخيصاً من المسيّرات، لكنها خطيرة، ومدمّرة في الوقت نفسه، وهي أكثر فعالية من الطائرات المسيّرة الأخرى الموجودة على الساحة الدولية. هذه الطائرات تمتلك مدىً كبيراً يصل إلى 2500 كم، ويُمكن إطلاقها من الشاحنات أيضاً. وتبلغ قيمة المسيّرة الواحدة ما يقارب 20 ألف دولار، وهي تمتلك القدرة على تفجير دبّابة، بواسطة رؤوسها المتفجّرة، وكانت هذه الطائرات، قبل الهجمات الأخيرة على المدن، تستخدم بشكلٍ أساسي لمهاجمة مواقع الدبّابات والمدفعية الأوكرانية.

يبلغ سعر الصواريخ التقليدية، التي باتت الترسانة الروسية تواجه نقصاً نسبياً فيها، مائة مليون دولار للصاروخ الواحد، على أقل تقدير. وبالتالي فإنّ للطائرات المسيّرة مزايا عديدة تجعلها “اقتصادية” وأكثر فعالية بالمقارنة مع الصواريخ. ففضلاً عن كونها أرخص بكثير من الصواريخ، تسطيع المسيّرات الطيران على علو منخفض، ما يصعّب رصدها من قبل رادارات المراقبة الجوية، أضف إلى ذلك مرونتها في التوجيه والإرسال باتجاه هدف آخر، أو تأخير المهمة أو حتى إلغائها. كما أنّ طول الصاروخ عادةً ما يكون ضعف طول الطائرة المسيّرة البالغ طولها ثلاثة أمتار ونصف، ما يُعتبر ميزة إضافية للأخيرة.

يكمن ضعف ومشكلة الطائرات المسيّرة، مقارنةً بالصواريخ، في سرعتها المنخفضة والتي لا تزيد عن 180 كم في الساعة، وهذا ما يجعل من الممكن استهدافها حتى بالبنادق التقليدية. كما أنّ هديرها المرتفع يتسبب بتحديد موقعها، واستهدافها بسرعة.

وفقاً للجيش الأوكراني، فقد تم استهداف 85% من الطائرات التي أرسلتها روسيا وفشلت في تنفيذ مهمتها، وذلك خلال الهجوم المكثف الذي وقع ليلة السبت 15 تشرين1/ أكتوبر، الفائت.

وكانت هذه النسبة تعادل 37 طائرة مسيّرة، وقد تمكّنت 6 طائرات مسيّرة فقط منها، إتمام هذه المهمة.

إنّ الدولة التي تستخدم تقنيات مثل تقنيات شاهد 136، تطلق أعداداً كثيرة من هذه الطائرات في نفس الوقت، وذلك نظراً لرخصها، مع أخذها في الحسبان أنّ خُمسها على الأقل، يبقى في مأمن عن نيران الدفاعات الجوية، وبالتالي تكون قادرة على تنفيذ المهمة.

دخان “شاهد” والأذى الذي يلحقه بمصالح إيران وأمنها القومي

بطبيعة الحال، ليست شاهد 136 وحدها هي من أكسبت الحرب الأوكرانية طابع حرب المسيّرات، فأوكرانيا أيضاً تستخدم، عدا عن طائرات بيرقدار التركية، نوعاً آخر من هذه الأسلحة المتطورة المشابهة مثل مسيّرات “سويتش بليد” التي قدّمتها لها الولايات المتحدة.

تطغى كثير من الشكوك على نجاح روسيا في هذه المرحلة، في تحقيق هدفها في ترهيب وإرغام القيادة الأوكرانية على قبول المفاوضات، من خلال استخدام طائرات شاهد136 والأسلحة المشابهة، وشنّ الهجمات واسعة النطاق على المدن والمناطق الآهلة بالسكان والبنى التحتية الأوكرانية. ويعود سبب ذلك إلى أنّ حلفاء أوكرانيا سيوفرون لها المزيد من الأسلحة المماثلة، كما أنهم سيسارعون إلى تعزيز وتحسين منظومتها الدفاعية، ومن المحتمل أيضاً أن يتزايد النقاش حول تقديم أسلحة حسّاسة أكثر تطوراً وفعاليةً لإحراز التقدم على الجبهة، بما في ذلك الدبابات غربية الصنع، ليصبح الوضع سائراً وفق مقولة “حارب لنحارب”.

مهما يكن، فإنّ الفهم والإدراك الأيديولوجي الخطير والصادم المستحوذ على عقل النواة الصلبة للقوة الحاكمة في إيران، حيال المعادلات والعلاقات الدولية، قد ربط مصير وأمن إيران وعلاقاتها بمعادلات الحرب الأوكرانية أكثر من أي وقتٍ مضى، كما أنّ هذا الفهم هو في حالة من الوهم التام فيما يتعلق بالانتصار الحتمي والمؤكد لروسيا و”هزيمة الاستكبار، وانهيار النظام القائم.”

جانب من احتجاج سكان كييف على دعم إيران للهجوم الروسي على أوكرانيا/ مساء الإثنين 17 تشرين1/أكتوبر

إنّ النقاش المتزايد الذي يجري في كييف حول قطع العلاقات مع إيران، يبيّن إلى أي مدى أصبح تدخل إيران بالسلاح في الحرب، مسألةً جدية وتحديّاً بالنسبة للحكومة الأوكرانية التي لا تولي أدنى اعتبار أو اهتمام بنفي وإنكار الجمهورية الإسلامية، لهذا التدخل.

جانب آخر من احتجاجات ليلة الإثنين أمام سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كييف

إلى هنا، ربما يمكننا القول أنّ الاستخدام المكثف لطائرات شاهد136 المسيّرة، لم يساهم في إطالة أمد الحرب الأوكرانية، وحسب، بل تسبب أيضاً في زيادة حدّة التوتر في هذه الحرب، وتعزيز الجهود والمساعي الرامية إلى تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة، وتمكينها من اتخاذ تدابير دفاعية وهجومية أقوى.

في الوقت نفسه، فقد ارتفع مستوى التوتر والتشنج السياسي الدولي تجاه إيران، وحول مواقف وسلوك “الجمهورية الإسلامية”. وبالتالي فإنّ المزيد من الأضرار والخسائر التي تمس مصالح إيران ومكانتها على الساحة الدولية، من المحتمل أن يتسبب بضغوطات وأضرار على الأمن القومي الإيراني وعلى حياة المجتمع الإيراني في المستقبل.

…………………………………………….

الكاتب: حبيب حسيني فرد.
ترجمة: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

الرابط الأصلي للمقال

زر الذهاب إلى الأعلى