قضايا راهنة

إلى ماذا تحتاج عملية التنمية الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية

لا شك أن مناطق الإدارة الذاتية تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، نتيجة التهديدات التركية المستمرة للمنطقة من جهة، وعدم توصل الإدارة مع حكومة دمشق لأي اتفاق، أو شراكة معينة – حتى الآن – من جهة ثانية. وحيث ما تزال الأزمة السورية مستمرة، ولم تتوصل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة فيها – حتى الآن – لأي اتفاق، حول شكل الحل المطلوب، لوضع نهاية للحرب السورية، فإن ذلك كفيل بأن يلقي ظلالاً كثيفة على الواقعين السياسي والاقتصادي في هذه المناطق، التي ما تزال مرتبطة مالياً ونقدياً بالسياسات الاقتصادية لدمشق.

إن الواقع الحالي، يبدو للوهلة الأولى غير قابلاً لبناء آليات للعمل الاقتصادي السويِّ، الذي يحتاج أول ما يحتاجه إلى حالة من الأمن والاستقرار، تسمح بجريان النهر الاقتصادي في سياقات سليمة، تحقق الأهداف الرئيسية المرجوة، كتوفير الخدمات الأساسية للسكان، وتخفيف أعباءهم المالية، وتحسين مستوى معيشتهم، بالتزامن مع توفير الإيرادات والإمكانات اللازمة للإدارة الذاتية نفسها، ولمؤسساتها، وموظفيها.

ولكن، هل نسلّم بوجهة النظر هذه، ونضع يدنا فوق خدنا، ونبقى نعمل بدون خطة اقتصادية سليمة، وبأهداف معينة، تسعى إلى استغلال الموارد المتاحة، وتسخيرها لخدمة المنطقة، وتطويرها، وتوفير احتياجات سكانها؟.

تُعد عملية التنمية، عملية اقتصادية اجتماعية مستمرة، لا يجوز أن تتوقف بسبب الظروف الحالية التي تعيشها المنطقة، وتحميل هذه الظروف جميع النتائج السلبية، وجعلها شماعة يمكن أن يلصق بها أي فشل، أو أية سياسات وإجراءات غير سليمة يتم العمل من خلالها، قد تؤدي إلى نتائج غير متوافقة مع رؤى وتطلعات الإدارة ذاتها من جهة، أو ما يأمله الجمهور من هذه الإدارة من جهة ثانية.

 أهداف تنموية وخطط اقتصادية غائبة

لا شك أن الإدارة الذاتية استطاعت – خلال السنوات الماضية – تغيير الطابع الاقتصادي للمنطقة من حيث الظاهر، وقد اقتصر هذا التغيير على تحسين القطاع التجاري، وترخيص عشرات الشركات، والسماح بتداول العملات الأجنبية، وتحويلها، إلا أنه بقليل من التمحيص يمكننا ملاحظة سياقات متعددة على صعيد القطاعات الاقتصادية، يمكن من خلالها الحكم بأن الأوضاع الاقتصادية ليست بحالة جيدة، لا من حيث السياسات، ولا الأهداف، ولا النتائج. فعلى الرغم من استثناء المنطقة من عقوبات قيصر الأمريكية، إلا أنها لم تستطع حتى الآن أن تكون بمنأى عن الآثار الاقتصادية والمعيشية الخطيرة، التي تتركها على الواقعين الاقتصادي والمعيشي، كما في عموم سوريا.

إن انخفاض قيمة الليرة السورية، وارتفاع الأسعار، والتراجع الكبير في القدرات الشرائية للأفراد، فضلاً عن الانخفاض الكبير في كميات الإنتاج الزراعي، وعدم حدوث أي تراكمات رأسمالية، أو قيم مضافة حقيقية في المنطقة، مع انخفاض مستوى الخدمات الرئيسية المقدمة للأفراد، وأزمات المحروقات بين الحين والأخر، هي من المؤشرات التي باتت واضحة داخل المجتمع عامة، وعلى صعيد القطاع الاقتصادي على وجه الخصوص.

على الرغم من وفرة الموارد، ومقومات الإنتاج الزراعي مثلاً، لم تشهد المنطقة تنمية زراعية بالمعنى الحقيقي، الذي يعني فيما يعنيه توفير مختلف المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، التي تغطي طلب الأفراد عليها في الأسواق المحلية، تلبيةً لاحتياجاتهم من الغذاء، وبالتالي المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.

إن غياب الأهداف التنموية في هذا القطاع وغيره من القطاعات الاقتصادية، هو سبب رئيسي في تراجع الأداء الاقتصادي، وعدم قدرة القطاعات الإنتاجية الرئيسية على تأدية مهامها الأساسية في تقوية البنية الإنتاجية أولاً، وتوفير احتياجات الأفراد والمجتمع ثانياً، ومن ثم زيادة الاعتماد على الاستيراد، لتغطية احتياجات الأسواق من السلع والمنتجات، وخاصة الغذائية منها.

إن التراجع الاقتصادي الواضح، من خلال غياب الاستثمارات الحقيقية، وصعوبة توفر فرص العمل، مع زيادة صعوبات الأفراد في تأمين احتياجاتهم، وتزايد الاعتماد على الخارج في تأمين السلع والمنتجات الحياتية اليومية، يجعل من القرار الاقتصادي – وبالتالي السياسي – رهيناً للخارج. يضاف إلى ذلك، الصعوبات الواضحة في تأمين الخدمات الرئيسية في المنطقة، وانخفاض إنتاجية القطاع الزراعي على وجه الخصوص، كل ذلك يدل على الابتعاد عن صياغة الأهداف الرئيسية لعملية التنمية الاقتصادية، أو بالأحرى غيابها عن ميكانيكية التفكير الاقتصادي في المنطقة أساساً.

إن عدم البحث في التدابير والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، وعدم تشخيص معوقات التنمية وتحدياتها بالصورة المطلوبة، سيدفع بالأوضاع الحقيقية والاجتماعية نحو التفاقم، وربما تتعرض لمشكلات بنيوية، قد تصبح مع مرور الوقت مشكلات مركبة، تُنتج ذاتياً، وتصبح عملية حلها، أو تذليلها عملية صعبة، ومكلفة جداً.

لذلك، وفي ظل توفر الموارد الاقتصادية الكافية في المنطقة، لا بد من الحديث عن خطط تنموية طموحة، سواءً على صعيد التنمية الزراعية، أو التنمية الصناعية، وخاصة الصناعات الزراعية؛ بهدف التكامل بين القطاعين الزراعي والصناعي، من خلال تحسين عملية إدارة الاقتصاد المحلي، وتوجيه الموارد الاقتصادية المتاحة نحو القنوات الاستثمارية الحقيقية والسليمة، والتي توفر استخدام هذه الموارد بالشكل الأمثل، وبكفاءة إنتاجية عالية، تضمن رفع مستويات الإنتاج، وتحقق قيم مضافة، لضمان حاجة المنطقة من السلع والمنتجات، وتحقيق الأمن الغذائي، وإقامة الاستثمارات.

التأخر في صدور قانون الاستثمار

لم تصدر الإدارة الذاتية – حتى اليوم – قانون الاستثمار، الذي قد ينظم العملية الاستثمارية بالشكل السليم، من خلال تنظيم الاستثمارات في القطاعات الرئيسية، وخاصة الإنتاجية، وخلق الأرضية المناسبة لاستثمارات القطاع الخاص، ضمن الأسس والضوابط التي سيحددها القانون، الذي سيوجه تلك الاستثمارات وفق أسس التخطيط الاقتصادي الموجه، ويوفر الحوافز المطلوبة لجذب رؤوس الأموال، سواءً المحلية أو الأجنبية، للقيام بالاستثمار في المنطقة، والبدء ببناء بنية إنتاجية متنوعة، وخاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي ستشكل – ولا بد – قاعدة إنتاجية، تكون أساساً لعملية التنمية الاقتصادية خلال السنوات المقبلة.

نحن ندرك – تماماً – أن حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي التي تعيشها المنطقة، تسبب عائقاً رئيسياً أمام أية توجهات استراتيجية تنموية، ولكنها لا يجب أن تكون سداً منيعاً أمام القيام بعملية الإنتاج – في حدودها الدنيا على الأقل – كما يحدث الآن.

هنا يمكن القول: إن التوجه نحو تنمية الاقتصاد المحلي، وزيادة حجم الاستثمارات فيه، سيعمل على دعم قدراته الإنتاجية، وتحسين الواقعين الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير المنتجات التي تحتاجها أسواق المنطقة، وتوفير فرص العمل داخل الاقتصاد المحلي، وتنويع الإنتاج، وعدم إبقاء اقتصاد المنطقة أسيراً للإيرادات التي توفرها عملية بيع النفط ومشتقاته فقط.

الهيكل الاستثماري في الاقتصاد المحلي بحسب القطاعات

يتصدر القطاع التجاري – اليوم – مشهد الهيكل الاستثماري في مناطق الإدارة الذاتية، وتشكل الأموال الموجهة إلى القطاع التجاري النسبة الأكبر من الأموال الاستثمارية المتداولة داخل الاقتصاد المحلي، ويشمل تجارة العقارات، والسيارات، والمواد الغذائية، إلى جانب التجارة بالعملات وصرفها. وأكثر ما يلفت الانتباه، هو حجم التجارة الخارجية، وعمليات استيراد السلع والمنتجات المتنوعة إلى المنطقة، دون البحث عن آليات تخفيض حجم المستوردات، أو توفير منتجات بديلة، على الرغم من توفر الموارد القادرة على ذلك، كالموارد الزراعية، التي على الرغم من توفر جميع المقومات للنهوض بالواقع الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، إلا أن عملية الاعتماد على المستوردات الزراعية من الخارج في تزايد مستمر، مقابل تراجع حجم الإنتاج في القطاع الزراعي، ومستوى الأداء الاقتصادي فيه.

يأتي القطاع الزراعي في المرتبة الثانية، من حيث حجم الاستثمارات فيه، وعلى الرغم من أنه يشكل القطاع الأكثر أهمية داخل الاقتصاد المحلي، إلا أن حجم الاهتمام الذي يلقاه لا يرقى للمستوى المطلوب. فحيث هو القطاع المسؤول عن الأمن الغذائي لسكان المنطقة، إلا أنه يعاني في السنوات الأخيرة من ضعف فعاليته، وتراجع الإنتاج فيه، مما يدفع باتجاه استيراد المواد الغذائية، والمنتجات الزراعية بكثرة من خارج مناطق الإدارة الذاتية.

يشكل قطاع البناء والتشييد، القاعدة الرئيسية للأنشطة الاقتصادية والخدمية في المنطقة، ويأتي هذا القطاع في المرتبة الثالثة ضمن الهيكل الاستثماري لاقتصاد الإدارة الذاتية، فمع زيادة الحركة الإنتاجية لهذا القطاع، تزداد فرص العمل، ويرتفع مستوى الطلب على العمالة، والخدمات المرافقة لعمليات البناء والتشييد. حيث يلقى معظم أصحاب المهن المرتبطة بالبناء، فرص عمل جيدة، وبمداخيل يمكن القول عنها بأنها عالية، مقارنة مع رواتب أصحاب الدخل المحدود، فضلاً عن تنشيط حركة تجارة ونقل مواد البناء والاكساء المختلفة.

لم يشهد الاقتصاد المحلي حركة استثمارية متميزة في القطاع الصناعي، إذا استبعدنا قطاع الصناعات الاستخراجية (النفط) عن هذا القطاع، ويعود السبب إلى الظروف التي تعاني منها المنطقة، سياسياً وأمنياً، وحالة شبه الحصار المفروضة عليها، فضلاً عن صعوبة تأمين مستلزمات المعامل، وآلاتها، وخطوط الإنتاج الحديثة لها. لذلك يبقى هذا القطاع، من حيث حجم الاستثمار فيه، متخلفاً عن القطاعات الاقتصادية الأخرى، على الرغم أنه يشكل الرافعة الحقيقية لأية عملية تنموية منشودة، والحصان الذي يقود عربتها.

يبقى قطاع النقل والمواصلات، الذي يعمل العاملون فيه على نقل وتوزيع البضائع على مدن وأسواق المنطقة، سواءً المستوردة أو المنتجة محلياً، فضلاً عن أن المنطقة تشهد حركة ترانزيت، تتنقل من خلالها المركبات الكبيرة القادمة من خارج المنطقة إلى منطقة إقليم كردستان، وتدر دخلاً إضافياً لخزينة الإدارة الذاتية.

بين ضرورات التنمية المحلية وكيفية الاضطلاع بها

تعتبر عملية التنمية الاقتصادية المحلية عملية مشتركة بين معظم مفاصل الاقتصاد المحلي، الإدارية، والمالية، وأصحاب رؤوس الأموال، وقطاع الأعمال، وفئات المجتمع المحلي؛ من خلال تضافر الجهود الجماعية، بهدف تعزيز القدرات المحلية، للنهوض بالواقعين الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، بشكل يرفع من سوية الأداء الاقتصادي، ويرفع من مستوى معيشة الأفراد.

وهذا لا يمكن أن يتم، إلا من خلال تبني استراتيجية للتنمية الاقتصادية المحلية، وتنظيم الآليات، وتحديد الأولويات، وتنفيذ السياسات الكفيلة بنجاحها، بالاعتماد على القدرات الذاتية، والاستفادة من المزايا النسبية المتوفرة داخل الاقتصاد المحلي، وخاصة مقومات ومزايا القطاع الزراعي، والموارد النفطية في مناطق الإدارة الذاتية.

يحتاج المجتمع المحلي، في مناطق الإدارة الذاتية، إلى توحيد جهوده التنموية، باتجاه إقامة المشروعات الإنتاجية، وخاصة في القطاعين الزراعي والصناعي، للتقليل من ظاهرة الاقتصاد التجاري (سيادة قطاع التجارة)، والضلوع في عملية الاستثمار والإنتاج، بهدف توسيع القاعدة الاقتصادية، وفرص التوظيف في العمل الإنتاجي، الأمر الذي يحتاج إلى التركيز على مسائل متعددة، أهمها تحديد وتنفيذ برامج اقتصادية نوعية من جهة، تعتمد على الابتكار والريادة في المشروعات الاستثمارية، ومن جهة ثانية تعتمد على التنوع في مجالات توظيف الأموال واستثمارها.

لعلنا بحاجة الآن إلى فهم جديد للعملية الاقتصادية برمتها، والجانب التنموي فيها على وجه الخصوص، وهذا ينطلق من ضرورات متعددة، يمكننا تلخيصها فيما يلي:

  • تراجع المستوى المعيشي لغالبية المواطنين في المنطقة، ليس فقط بسبب غياب الخطط الاقتصادية التنموية، وإنما يضاف إليها أسباب اقتصادية وسياسية ترتبط بالأزمة السورية، من انخفاض قيمة الليرة، والعقوبات الاقتصادية المفروضة، وحالة شبه الشلل الإنتاجي والاقتصادي في البلاد.
  • انقسام المجتمع، في مناطق الإدارة الذاتية، إلى طبقتين اجتماعيتين، غنية تسيطر على النسبة الأكبر من موارد المنطقة وإيراداتها، وهي معدودة، وأخرى فقيرة، تتمثل في الغالبية العظمى من الأفراد، الذين لا يلقون قوت يومهم إلا بصعوبة بالغة، وخاصة ذوي الدخل المحدود، وأصحاب المهن المرتبطة بحالة النشاط الاقتصادي.
  • توافر الموارد الاقتصادية في المنطقة، وهذا يفرض ضرورة الاستغلال الأمثل لهذه الموارد، واستخدامها لتقوية البنية الإنتاجية في المنطقة، وتنويع القاعدة الاقتصادية المحلية، وزيادة الناتج المحلي، وتحسين مستوى الدخل الفردي، وتنويع مصادر الدخول، وزيادتها.
  • تحديد برامج وسياسات اقتصادية محددة، تتناسب مع الواقع الاقتصادي للمنطقة، وتستخدم مواردها المتاحة للحصول على السلع والمنتجات، التي تلبي الطلب في الأسواق المحلية، ويمكن عدّها للتصدير إلى خارجها – أيضاً – لتوفير القطع الأجنبي، ورفد الخزينة العامة به.
  • تحسين الأطر الإدارية والرقابية والقانونية، وتحسين مناخ الاستثمار، بهدف تحفيز رؤوس الأموال المحلية، نحو إقامة الاستثمارات والمشاريع الإنتاجية، وجذب رؤوس الأموال الخارجية، وخاصة أبناء المنطقة المغتربين، لتنفيذ المشاريع الضخمة، التي قد تعجز رؤوس الأموال المحلية عن تنفيذها، كمشاريع مزارع الطاقة الشمسية، وبناء السدود، ومد الطرقات الطويلة، وبعض الصناعات التقنية الحديثة، التي تحتاجها المنطقة في المراحل الأولى لعملية التنمية الاقتصادية.
  • تحديد أولويات عملية التنمية الاقتصادية، بالتوازن مع التنمية الاجتماعية، والتركيز على القطاعات الخدمية الرئيسية، كالصحة، والتعليم، وخدمات البلديات، وتوفير متطلباتها الأساسية، بما يضمن حصول السكان على نوعية جيدة – إن لم نقل عالية – من هذه الخدمات.
  • الاستفادة من المزايا النسبية في مناطق الإدارة الذاتية، كالمساحات الزراعية الهائلة، وثقافة تربية المواشي، وآبار النفط والغاز، من خلال رسم الخطط الاقتصادية المطلوبة، وضمن عملية تنموية شاملة، تهدف إلى تقوية الاقتصاد المحلي، ورفع المستوى المعاشي للسكان في هذه المناطق.
  • الأخذ بعين الاعتبار مسألة التنمية المستدامة، والحفاظ على حصة الأجيال القادمة من الموارد الاقتصادية للمنطقة، وخاصة الأراضي الزراعية، وعدم تغيير طبيعتها، وأيضاً النفط والموارد المائية، وهذا لن يتم إلا من خلال وضع الخطط الاقتصادية السليمة، ضمن إطار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المناسبة.

إن المسألة الأكثر أهمية في هذا الإطار، أي للبدء بعملية التنمية الاقتصادية أو تطويرها، هي تحسين كفاءة العمليات الإدارية والتنظيمية والرقابية، التي تقوم بها مؤسسات الإدارة الذاتية المعنية، للاستفادة من الموارد الاقتصادية للمنطقة، والتقليل من هدرها، والوقوف على أهم العوائق التي تقف في وجه تنفيذ عملية التنمية الاقتصادية، وتطوير واقع الاقتصاد المحلي، وبنتيه الإدارية والاستثمارية، وتنويع قاعدته الإنتاجية.

ماذا نحتاج لتنفيذ عملية تنمية الاقتصاد المحلي

قبل البدء بأية عملية، اقتصادية كانت أو غير اقتصادية، لا بد من تحديد الأهداف الرئيسية لها، ومن ثم البحث في الآليات، والأدوات، والسياسات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف. ولعلنا لن نبتعد كثيراً عمّا أوردناه في سياق ضرورات العمل التنموي، وجعلها أهدافاً للعملية التنموية في المنطقة، من تنويع القاعدة الاقتصادية، وتغيير الهيكل الاستثماري للاقتصاد المحلي وقطاعاته الرئيسية، والاستفادة من المزايا النسبية المتوفرة في المنطقة، ورفع مستوى الدخل الفردي والمعاشي لأبنائها، والتقليل من الفروقات الطبقية، والاستفادة القصوى من الموارد الاقتصادية، والتقليل من هدرها، وتوفير احتياجات المنطقة وأبنائها من السلع والمنتجات، وتقديم الخدمات الرئيسية للسكان، وبنوعية جيدة.

ولكن، ولتحقيق هذه الأهداف، لا يمكن الاعتماد على مؤسسات الإدارة الذاتية وحدها، بل لا بد من القيام بالكثير من العمل، وتوفر الإرادة العالية لدى أبناء المنطقة، لإنجاز عملية التنمية الاقتصادية، بالتوازي مع التنمية الاجتماعية، الأمر الذي سيعود بالفائدة، ليس فقط على جهة معينة بذاتها، بل ستدعم فوائدها بنية الإدارة الذاتية، باتجاه تقويتها وتطويرها على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والإدارية، وكذلك ستعود بالفائدة على أبناء المنطقة، بتوفير احتياجاتهم، وتأمين متطلبات الحياة الكريمة لهم، من خلال توفير وتنويع مصادر الدخل، وتنفيذ مشاريع تفتح فرص للتوظيف، سواءً العمالة أو الأموال.

قد تتلخص هذه العملية في عدد من الخطوات، التي نراها من وجهة نظرنا، بأنها قد تكون سبيلاً لتنفيذ عملية التنمية الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية:

  • تصوير إطار متكامل، ومنهجية واضحة، تشمل جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الرئيسية، التي ستكون ضمن برامج عملية التنمية الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية.
  • التعرف على خصائص الاقتصاد المحلي، والفرص الإنتاجية المتوفرة، فيه وتقييم نقاط القوة والضعف، والفرص والإمكانات، وأيضاً التحديات القائمة، وذلك بهدف تحديد الاستراتيجية التنموية الملائمة للواقعين الاقتصادي والاجتماعي، وبصورة عملية، نضمن من خلالها تحقيق النتائج المرجوة منها.
  • التعاون بين مختلف الجهات، من أصحاب المصالح بتنفيذ عملية التنمية الاقتصادية، من رجال أعمال، والمجتمع المحلي، والقطاع الاقتصادي الرسمي وغير الرسمي، ومؤسسات الإدارة المعنية، بهدف تضافر الجهود الجماعية، وتكوين رؤية موحدة، تبعد الهواجس عن أي طرف، وتعمل على تحقيق الفائدة المجتمعية.
  • إنشاء قاعدة بيانات اقتصادية، تتضمن جميع المعلومات المطلوبة عن نوعية المشاريع المطلوب تنفيذها، وتوفر البيانات النوعية والكمية، الديمغرافية والاقتصادية والبيئية والمالية، اللازمة حول الفرص التنموية المحلية، وكيفية تنفيذها.
  • توفير المهارات والخبرات العلمية والأكاديمية، القادرة على رسم المعالم الرئيسية لعملية التنمية الاقتصادية وإدارتها، وتحديد أولوياتها ومتطلباتها، وبما يتلاءم مع الأهداف والرؤى المجتمعية في تحسين وتطوير الواقعين الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، وبما قد ينعكس في النهاية على واقعها السياسي.
  • تكوين فريق عمل، لتنظيم عملية التنمية الاقتصادية، يضم أكاديميين اقتصاديين وقانونيين وإداريين، وممثلين عن الجهات الإدارية في الإدارة الذاتية، ذات الصلة بالمسائل الاقتصادية والتنموية، وأيضاً أصحاب المصالح من المجتمع المحلي، كرجال الأعمال، ونقابات العمال، والمرأة، والشباب، ورواد الأعمال.
  • الإسراع في إصدار القوانين الناظمة للعمل الاقتصادي والتنموي، وخاصة قانوني العمل والاستثمار، لما تشكله عملية القوننة من أهمية في تنظيم وتنفيذ العمل الاقتصادي، وتحديد أطره الإدارية والقانونية، ومراقبته، وتقييمه.
  • تسخير بعض وسائل الإعلام المحلية، من صحافة وإذاعات وقنوات تلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، للحديث عن ضرورات التنمية وفوائدها على المنطقة وأبناءها، وعن أهمية تضافر الجهود المجتمعية، لتنفيذ عملية التنمية الاقتصادية، وأنه من الضرورة أن يتحمل الجميع مهامه وواجباته في هذا السياق، من إدارات، ومؤسسات، ومنظمات المجتمع المدني، وأصحاب رؤوس الأموال، والمستثمرين، وأفراد المجتمع كافة، بشكل يضمن المشاركة المجتمعية في هذه العملية، ويضمن نجاحها.

وفي الختام .. قد لا تسعفنا هذه الصفحات القليلة، في وضع برنامج واقعي وعلمي متكامل، يتناول عملية التنمية الاقتصادية في مناطق الإدارة الذاتية، يُعْنى بتوضيح ضرورات وأدوات وخطوات العمل التنموي والاقتصادي، ويرسم الخطط الاقتصادية فيها، ولكننا نأمل أن تكون بادرة للتوجه التنموي، ورسم تلك الخطط، وأن تكون برنامج عمل مبسط، يحتاج إلى التوسع في الطروحات والرؤى، وتحديد الخطوات والسياسات اللازمة، وعلى مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية، بما يقود نحو تعزيز العمل الاقتصادي، ويرفع من سوية الأداء في القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة، ويزيد من كفاءتها وفعاليتها، وأن تكون أيضاً مسودة عمل، ينطلق منها أصحاب القرار، لصياغة استراتيجية تنمية الاقتصاد المحلي، وبناء الخطط الفعالة، الكفيلة بتطوير الواقعين الاقتصادي والاجتماعي في مناطق الإدارة الذاتية.

زر الذهاب إلى الأعلى