ترجمات

هجوم داعش على سجن الصناعة في الحسكة

الهجوم الأخير على سجن الصناعة في شمال شرق سوريا، بالتزامن مع هجومٍ آخر في العراق، هو بمثابة تذكير بأن تهديد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لا زال مستمراً، وأن مهمة إنهاءه لم تُنجز بعدُ.

هاجمَ مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سجناً في شمال شرق سوريا، يوم الخميس الماضي، في محاولةٍ لتحرير الآلاف من رفاقهم، وهو هجوم يعتبر الأكثر جرأة من جانب هذا التنظيم الإرهابي في الشرق الأوسط، منذ سقوط ما يسمى بالخلافة قبل نحو ثلاثة أعوام، بحسب مسؤولين أمريكيين وكرد.

ذكر المسؤولون أن الهجوم الذي بدأ ليل الخميس، واستمر إلى وقت متأخر من يوم الجمعة الفائت، تسبب في اشتباكات دامية مع قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الكرد المسيطرون على المنطقة، مما أسفر عن مقتل العشرات، والسماح – ولو بشكلٍ مؤقت – لعشرات السجناء بالفرار.

على الجانب الأخر للحدود، في الداخل العراقي، شنّ عناصر تنظيم داعش واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ شهور يوم الجمعة الفائت أيضاً، مما أسفر عن مقتل 11 من أفراد قوات الأمن العراقية، حيث بدأ الهجوم قبل الفجر على موقع للجيش في محافظة ديالى.

تُظهر الهجمات الأخيرة الحالة الأمنية الهشّة، والتي تعيشها المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة تنظيم داعش، وأظهرت أيضاً أن الجهاديين – رغم ما حلَّ بهم من ضعف – لا يزالون قادرون على التسبب في خلق المتاعب لحلفاء الولايات المتحدة.

التطورات الأخيرة لفتت الانتباه أيضاً، إلى أن الهزيمة العسكرية التي لحقت بالتنظيم في العراق والشام عام 2019 لم تنجز بعدُ، حيث يتواجد عشرات الآلاف من عناصر ما يسمى بالخلافة وأُسرهم، الذين يُحتَجَزَون الآن – إلى أجل غير مسمى – من قِبَل قوات سوريا الديمقراطية، التي لا تريد الابقاء عليهم لديها، ولا تستطيع التخلص منهم.

قامت داعش بشن هجوم على سجن يحوي محتجزين من عناصرها في مدينة الحسكة بسوريا، مساء الخميس الفائت، والقيام بتفجير سيارة مفخخة قرب مدخل السجن، ومن ثم إطلاق وابل من النيران على الحراس.

امتد القتال إلى الأحياء المجاورة، مما أسفر عن مقتل العشرات، بمن فيهم المدنيون، ومع اشتداد الاشتباكات بين الطرفين، لاذ السكان بالفرار من هذه الأحياء.

وعندما هاجم المقاتلون، قام السجناء بأعمال شغب، وحرقوا البطانيات والبلاستيك، وحاولوا مساعدة المهاجمين على إطلاق سراحهم.

لا يزال مقاتلو الدولة الإسلامية يسيطرون على نحو ربع المنطقة الشمالية للسجن، واستمرت الاشتباكات العنيفة هناك، في أحد الأحياء الواقعة إلى الغرب من السجن في وقت متأخر من يوم الجمعة، بحسب فرهاد شامي، المتحدث الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية (SDF).

ومن غير الواضح عدد السجناء الذين تمكنوا من الفرار، ومنذ متى؟

وأفادت وكالة صابرين نيوز، وهي وسيلة إخبارية عراقية تابعة لميليشيات مدعومة من إيران، بأن عشرات السجناء الفارين اعتُقِلوا بالقرب من الحدود السورية العراقية أثناء محاولتهم الفرار إلى العراق.

يضمُّ السجن حوالي 3500 عنصراً، تم اعتقالهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية، خلال المعارك التي دارت بين الطرفين، وذلك لطرد تنظيم داعش من الأراضي التي يسيطر عليها في شرق سوريا. ودخلت هذه القوات في شراكة مع تحالف عسكري دولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، الذي حكم – في أوج قوته – على منطقة بحجم مساحة بريطانيا في الأراضي السورية والعراقية.

وصرّح مسؤول عسكري أمريكي، أن طائرات التحالف المناهض لتنظيم داعش نفذت ما لا يقل عن غارتين جويتين استهدفت فيهما “عدداً كبيراً” من المهاجمين على السجن، والهاربين خارج السجن.

وأضاف بأن طائرات الاستطلاع التابعة للتحالف تحلّق في سماء المنطقة، لمحاولة مساعدة قوات سوريا الديمقراطية على الأرض، لكن لم تشارك القوات الأمريكية بشكل مباشر في الصراع القائم.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مرصد مراقب للصراع الدائر، بأن 39 من عناصر تنظيم داعش الذين هاجموا السجن قد قتلوا، إلى جانب فقدان 35 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية لحياتهم، وخمسة مدنيين على الأقل.

وذكر المرصد السوري أيضاً بأن مقاتلي تنظيم داعش داخل السجن يحتجزون الحراس كرهائن.

لطالما حذّر المسؤولون الكرد في شمال وشرق سوريا بأنهم لا يملكون الموارد اللازمة للاحتجاز الآمن للعديد من السجناء في سجن بدائي، ومن المرجح بأن عناصر وخلايا داعش قد يحاولون تحريرهم منها.

ينحدر السجناء من عشرات الدول، بناءً على الجنسيات المتعددة لعناصر داعش المنضمين لصفوف التنظيم، والتي رفض معظمها استعادتهم.

خلال زيارة للسجن في عام 2019، رأى مراسلو صحيفة نيويورك تايمز مئات الرجال، الكثير منهم هزيلين ومصابين، يرتدون بدلات برتقالية، وقابعون في زنازين مزدحمة. أولئك الذين تمت مقابلتهم إما أنكروا أنهم كانوا مع داعش، أو زعموا أنهم انخرطوا بأعمال غير عسكرية، كمدرسين أو طهاة.

كما شاهدت صحيفة التايمز أكثر من 150 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 9 و14 عاماً، محتجزين في زنازين مكتظة. لا يُعرَف أين يتواجدون الآن.

وبحسب السيد فرهاد شامي يتواجد هناك حوالي 700 من الفتيان تحت سن 18 في السجن، لكنه لا يعرف وضعهم الحالي.

وانتقدت منظمات حقوق الإنسان الحكومات الغربية، لعدم إعادة مواطنيها من شمال وشرق سوريا، وشبّهت احتجازهم – لأجل غير مسمى دون محاكمة – بمعاناة المحتجزين في مركز الاعتقال الأمريكي في خليج غوانتانامو، بكوبا.

بالإضافة إلى الرجال المحتجزين في السجون، هناك أكثر من 60 ألفاً آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، الذين تم اعتقالهم في مخيماتٍ بالمنطقة، مع انهيار ما يسمى بخلافة “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، حيث حذرت منظمات الإغاثة من أن هذه المخيمات تفتقد للظروف الصحية الملائمة، وتتحول إلى مراكز تجنيد الجهاديين.

حذّر المسؤولون وخبراء الإرهاب الأمريكيون، من أن استمرار احتجاز هؤلاء الأشخاص بهذا الشكل، يشكل خطراً محدقاً للقيام بأي عملية عصيان في المستقبل.

وصرّح الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية في نيسان/أبريل الماضي: “ما لم نجد طريقة لإعادتهم (عناصر داعش) إلى أوطانهم، وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم، ومعالجة تطرّفهم، فإننا سنواجه مقاتلين داعش من جديد بعد سنوات قليلة”.

…………………………………………….

مقال رأي.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

بقلم: بين هوببارد: مدير مكتب نيويورك تايمز في بيروت. عمل في العالم العربي لأكثر من عشر سنوات، وقام بتغطية في كل من سوريا والعراق ولبنان والسعودية ومصر واليمن.

ترجمة عن الإنكليزية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى