ترجمات

نهج السياسة الخارجية الأمريكية لا يزال غامضاً

لم يُظهِر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” – في السنة الأولى من رئاسته – الكثير من التلميحات حول نهجه في صنع السياسات الخارجية. ويُعتبر هذا الشيء مفاجئاً بالنسبة لشخص أمضى نصف قرن من عمره داخل الحكومة، بما في ذلك رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى شغله لمنصب نائب الرئيس أثناء إدارة أوباما.

بشكل منطقي، يمكننا افتراض إيلائه الشؤون الخارجية اهتماما كبيراً. غير أن الأشهر القليلة الأولى من إدارته أظهرت خلاف ذلك.

لم يتناول “بايدن” الشؤون الخارجية بشكل كاف خلال حملته الرئاسية، حيث قام برحلته الأولى والوحيدة إلى خارج البلاد – كرئيس إلى الآن – في تموز/يونيو الفائت. وكانت هذه أطول مدة انتظرها أي رئيس أمريكي قبل السفر دولياً، منذ عهد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في الستينات من القرن الماضي.

وقد أدّى هذا النهج – في صنع السياسة الخارجية – إلى وقوع العديد من أصدقاء أمريكا في حيرة من أمرهم. ورغم أن بعض الدول شعرت بالارتياح بسبب فوز بايدن في الانتخابات، خاصة الدول الأوروبية، التي كانت لها علاقات مشحونة مع دونالد ترامب، لكن في نفس الوقت، هذه الدول التي رحّبت برئيس أكثر تقليدية في البيت الأبيض، باتوا يتساءلون عن دورهم في إطار السياسة الخارجية الأمريكية هذه.

على الرغم من أن بايدن لم يعطِ أية إشارة إلى ما يمكن أن تكون عليه “عقيدة بايدن”، فمن الممكن القيام بتجميع أجزاء من هذه اللوحة، لتكوين صورة لما سيكون عليه نهج سياسته الخارجية:

أولاً: تم انتخابه بناءً على أجندة محلية، وبرنامج انتخابي يركّز أكثر على الشأن الداخلي، وهذا هو سبب عدم اهتمامه بالسياسة الخارجية، باستثناء مسألتا الصين وتغير المناخ. وقد يكون سبب تركيزه على هاتين المسألتين – هذا إن لم يكن من قبيل الصدفة – أنهما متداخلتان مع كل من السياسة الداخلية والشؤون الخارجية.

وفي الحقيقة، فإن بايدن كان حازماً نسبياً مع الصين. فقد فرضت إدارته عقوبات اقتصادية على المسؤولين الصينيين بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وضد الشركات المرتبطة بقطاع الدفاع الصيني. وواجهت بكين صعوبة فيما يتعلق بموضوع هونغ كونغ وتايوان.

ثانياً: لا يهتم “بايدن” بالتعلم من دروس أخطاء الماضي. وهذا واضح من قراره بسحب القوات الأمريكية بشكل متسرّع من أفغانستان، دون أن يبدي أي قلق بشأن عواقب هذا الانسحاب.

ففي عام 2011، عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي، كان بايدن جزءاً من القرار الذي اتخذته إدارة أوباما بسحب جميع القوات الأمريكية من العراق، على الرغم من أن بعض النقاد طالبوا وقتها بإبقاء قوة تدريب صغيرة في العراق، لمساعدة قوات الأمن العراقية. وبحلول عام 2014، استولت داعش على أجزاء كبيرة من البلاد، بما في ذلك ثاني أكبر مدنها، مدينة الموصل. وفي النهاية، اضطر أوباما إلى إعادة القوات الأمريكية إلى العراق.

يتضح من الوضع الأمني ​​الحالي في أفغانستان، أن بايدن يقوم بتكرار الخطأ نفسه الذي ارتكبه أوباما في العراق.

ثالثاً: يُظهر “بايدن” عدم استعداده للاعتراف، عندما يكون مخطئاً في قضايا السياسة الخارجية الرئيسية. فنهج إدارته تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والمعروفة أيضاً باسم الاتفاق النووي الإيراني، هو مثال جيد على ذلك. رغم أنه عندما كان نائباً للرئيس، لعب وقتها دوراً مهماً في إشراك الولايات المتحدة في اتفاقية 2015. فالعديد من أولئك الذين كانوا يخدمون في إدارة أوباما في ذلك الوقت، هم الآن جزء من إدارة بايدن، وهم متمسّكون سياسياً وشخصياً بإنقاذ الاتفاق النووي.

بالنظر إلى سلوك إيران على مدى السنوات الستّ الماضية في المنطقة برمتها، فإنه يستدعي الاعتقاد بأن أي شخص يمارس السياسة الخارجية بشكل موضوعي، يمكن أن يدعم عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة. كما أن يأس البيت الأبيض من إحياء الاتفاق النووي، إلى جانب عزوف طهران عن إحراز تقدم في المحادثات الجارية في فيينا، جعلت الولايات المتحدة تبدو ضعيفة.

أخيراً، في عصر المنافسة الكبرى بين القوى العالمية، تتمتع قوة عظمى مثل الولايات المتحدة بميزتين كبيرتين: التأثير الاقتصادي والدفاع الوطني القوي. ومن المؤسف أن إدارة بايدن لم تظهر أية رغبة للتقدم في أيّ منهما.

لم تكن هناك محاولات جادة في البيت الأبيض لتأمين صفقات تجارة حرة جديدة. بدلاً من ذلك، أبقت إدارة بايدن على العديد من السياسات الاقتصادية الحمائية “نظام الحماية الجمركية” ذاتها، التي نفذتها إدارة ترامب.

عندما يتعلق الأمر بالإنفاق الدفاعي، فإن الوضع قاتم أيضاً. إذا نجح بايدن في الحصول على طلبه لميزانية عام 2022، فستحصل وزارة الدفاع على زيادة ضئيلة بنسبة 1.6% في التمويل. هذا في الواقع تخفيض في القيمة الحقيقية للإنفاق الدفاعي، لأنه من المتوقع أن يكون معدل التضخم بحدود 2.2٪.

إن عدم رغبة إدارة بايدن في تعزيز التجارة الحرة، والحرية الاقتصادية حول العالم، أو تمويل الجيش الأمريكي بشكل صحيح، بما يتماشى مع المصالح العالمية لأمريكا، يمكن أن يقوّض في نهاية المطاف، الموقف الحازم الذي اتخذه البيت الأبيض حتى الآن ضد الصين.

كتب روبرت جيتس، الذي شغل منصب وزير الدفاع في إدارتي بوش وأوباما، في كتاب صدر عام 2014 أن بايدن “كان مخطئًا في كل قضية تتعلق بالأمن القومي تقريباً على مدى العقود الأربعة الماضية”.

باعتراف الجميع، لا يزال بايدن في الأيام الأولى لرئاسته. ولكن ربما ستجبره الأحداث العالمية على أن يولي اهتماماً أكثر بالقضايا الدولية، أو ربما لأنه لم يجد الكثير من التعقيد في القضايا الداخلية، فإن ذلك سيعطيه دافعاً قوياً للانخراط في قضايا عالمية أخرى، إلى جانب قضيتا التغير المناخي والصين. وربما سيدرك أخيراً بأن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) كانت صفقة سيئة في عام 2015 ولا تزال صفقة سيئة حتى اليوم. ومع ذلك، هذا غير محتمل.

اعتماداً على الاعتبارات السابقة، نتوقّع من البيت الأبيض – على مدى السنوات القليلة المقبلة – نهجاً مشتّتاً، ولا يمكن التنبؤ به، بالنسبة للسياسة الخارجية.


صحيفة عرب نيوز: مقال رأي

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات- قسم الترجمة

بقلم لوك كوفي: مدير مركز دوغلاس وسارا أليسون للسياسة الخارجية في مؤسسة (هيريتيج) Heritage Foundation، وهي مؤسسة بحثية وتعليمية، ومركز أبحاث، تأسست في العام 1973 في واشنطن. ولها تأثير بارز في صنع السياسة العامة الأمريكية، وتعتبر واحدة من منظمات البحث المحافظة الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة.

رابط المقال الأصلي

زر الذهاب إلى الأعلى