قضايا راهنة

انقلاب افغانستان.. انقلاب للمعادلات الأمنية وتغيير لقواعد اللعبة

بعد مضيّ عشرين عاماً من تدخلها في أفغانستان تحت مظلة محاربة الإرهاب، وانسحابها بهذا الشكل، لا بد للولايات المتحدة من تبيان مفهومها تجاه الإرهاب، والحركات الإرهابية. وتوضيح معاييرها الجديدة في تحديد من هم الجماعات الإرهابية، وهل تشمل هذه المعايير حركة طالبان أم لا.

بكل الأحوال، فإن المقال الأكثر وضوحاً خلال عملية الانسحاب هو أن الولايات المتحدة ليست منظمة خيرية أو مخلّصة للشعوب، بل هي دولة تحركها المصالح والدوافع الاستراتيجية، بغض النظر إن جاءت متوافقة مع مصالح الدول والشعوب الأخرى أو متعارضة معها، فليس للعواطف أو للدوافع الإنسانية مكان في السياسة الأمريكية والغربية بشكل عام، فهي تسعى لإرساء الاستقرار في حال اقتضت مصلحتها ذلك، وتحوّل منطقة ما إلى بؤرة للتوتر أيضاً إذا استدعت مصالحها ذلك، والحالة الأفغانية لا يمكن استبعادها من الإطار نفسه، فقد استخدمتها واشنطن لزعزعة الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، وكقاعدة ضد خصومها التقليديين فيها، وليست فقط ضد حركة طالبان.

القول اليوم، هو أن واشنطن استخدمت سياسة إطلاق الغول من القفص، ولكن ما تزال ممسكة بالرسن، لتوجيهه وفق مصالحها، وفي أي اتجاه تشاء، وضدّ من تشاء. لذلك فإن شبح عودة طالبان ليس مروعاً للولايات المتحدة، خاصة وأن هذه العودة جاءت بعد الاتفاقات التي تم توقيعها مع الحركة في الدوحة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لا شك أن الولايات المتحدة قد ضمنت خط سير ما لحركة طالبان في البلاد – بعد انسحابها-  يمكّنها من توجيهها. والتاريخ القريب يؤكد ذلك، حينما دعمت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان والباكستانيين بالأسلحة وموّلت المقاتلين هناك ما يقارب العشر سنوات لمحاربة الاتحاد السوفيتي، ووصفهم الرئيس الأمريكي الراحل “رونالد ريغان” عند لقاء قادتهم في البيت الأبيض عام 1983، بأنهم مقاتلون من أجل الحرية.

لذلك لا يمكن استبعاد وجهة النظر التي تقول أن ما يحصل حالياً في أفغانستان أقرب لأن يكون اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان، لفرض واقع سياسي وعسكري جديد، تضغط من خلاله الولايات المتحدة على الدول المعنية بهذه الأزمة، وتحوّل هذا الانسحاب إلى مصدر قلق وتهديد لأمن تلك البلدان، وتخلق حالة من اللااستقرار للعديد من الدول المجاورة لأفغانستان. فطالبان استمرت بالنمو وبشكل أقوى في أفغانستان رغم الوجود الأمريكي، مقابل خسارة الحكومة الأفغانية رغم الدعم المقدّم لها، وحتى تحافظ طالبان على ذاتها وقوتها الحالية لا بد لها من عدم إثارة غضب الأمريكيين بالدرجة الأولى، ليس بدافع أخلاقي، وإنما بدافع وجودي.

إنذار بالخطر

ما يحصل الآن في أفغانستان ربما هي الاستراتيجية المنطقية للولايات المتحدة، أما منفردة، أو بالاتفاق مع طالبان، الهدف منها إعادة إثارة المشاكل في أسيا الوسطى، لتشكل تهديداً جديداً، يزيد من صعوبة موقف خصومها التقليديين في المنطقة، وخاصة روسيا وإيران والصين. والتي لها مصالح أكثر من الولايات المتحدة، وباتت تخشى من كارثة مباشرة، ومستنقع للفوضى جراء هذا الانسحاب، والتي قد تكون لها مآلات غير محمودة العواقب بالنسبة لهم، مما استدعى تشغيل صفارات الإنذار، ونواقيس الخطر لدى تلك الدول.

لقد عطّل هذا الانسحاب حالة توازن القوى، والهدوء النسبي في تلك المنطقة، والتي استمرت مدة عشرين عاماً. منذ تدخّل الولايات المتحدة، سمحت لخصومها بالتمدد الاقتصادي والأمني والاستراتيجي هناك، وإن تحويل هذه المنطقة اليوم إلى بؤرة توتر جديدة قد يقطع الطريق أمام أية مشاريع استراتيجية لهم في وسط آسيا، وقد تتيح للولايات المتحدة فرصة الاستفادة من احتمال نشوب نزاع بين طالبان وأعدائها أو خصومها في تلك المنطقة البعيدة عنها وعن إسرائيل، أو عن حلفائها في أماكن أخرى في غرب آسيا، وهذا النزاع لو نشب لا شك سيزعزع الاستقرار في أواسط آسيا وجنوبها، في مشهد يمكن إيجازه كالتالي:

في روسيا

تشكّل أفغانستان بالنسبة لروسيا أهمية كبيرة، رغم عدم وجود حدود مشتركة بينهما، وإنما لتأثيرها في وسط آسيا، فهي ترى في كابول ضمانة لأمنها الداخلي، وقد عمدت روسيا لبناء قاعدة لها في طاجيكستان، بالقرب من أفغانستان، لحماية مصالحها، والحد من نفوذ القوى الخارجية الأخرى هناك، إضافة لمنع تمدد أي فوضى من أفغانستان إلى طاجيكستان، ومنها إلى جمهوريات آسيا الوسطى، وحتى الداخل الروسي. فهي ترى أن أي زعزعة استقرار في أفغانستان سيؤثر على استقرار المنطقة كلها، مما يضرّ بالأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية لروسيا، وخاصة مشاريع الطاقة وخطوط إمداداتها ونقلها.

فمهما أبدت روسيا ارتياحها وترحيبها بالانسحاب الأمريكي، لكنها في نفس الوقت تخشى مآلات هذا الانسحاب، بسبب خوفها من حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي سيخلقها هذا الانسحاب، وقد تنتقل إلى الجوار، وهي تهديدات جديدة في منطقة آسيا الوسطى، ستزيد من صعوبة الموقف الروسي، لتواجه سلسلة عواصف في محيطها الحيوي.

وفي سعيٍ منها لاحتواء الموقف وتبديد مخاوفها، فهي تحاول التقرّب من طالبان، وإطلاق تصريحات عبر مبعوثها الخاص لأفغانستان “زامير كابولوف” بإمكانية إطلاق عملية شطبها من قائمة الإرهاب. قراراً معاكساً للقرار الذي تبنته روسيا سابقاً، بأن طالبان منظمة إرهابية. لكنها بالرغم من ذلك، تجد صعوبة في التعامل مع مجموعة تتبنى معتقدات إسلامية متشدّدة، مع الإشارة إلى عدم امتلاكها النفوذ الكافي على حدود افغانستان.

ماذا بالنسبة لإيران؟

إيران من الدول التي كانت تشعر منذ تولّي الرئيس دونالد ترامب السلطة، بأن هناك استراتيجية أمريكية جديدة في التعامل مع قضايا غرب آسيا، من خلال القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، وبروز مؤشرات جديدة لتحويل أفغانستان إلى ساحات لاستيعاب بقايا هذا التنظيم، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، لتشكل تهديداً لأمن منطقة آسيا الوسطى، من إيران وصولاً لروسيا والصين.

لذلك، فقد عارضت إيران سابقاً أي انسحاب أمريكي على حساب الحكومة الأفغانية، فالساحة الأفغانية تعتبر منطقة نفوذ لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي ترى المسار الحالي بسيطرة طالبان على أفغانستان، يحمل طابع صعودها في بداية الثمانينات، لكن هذه المرة تحمل تعقيدات مختلفة، بمعادلات مختلفة، وفهم مختلف للنظام الدولي، عبر تجميل صورتها. وعودتها ستسبب مشاكل لإيران، وتهدد أمنها القومي شرقاً.

نستطيع القول: إن البيئة الجيوسياسية تغيرت بالنسبة لإيران، والتحديات باتت تتصاعد في مواجهة الأمن والمصالح الإيرانية. فالمستنقع الأفغاني قد يجبر إيران على تخفيف ضغطها على سوريا والعراق واليمن، وسحب جزء من ميليشياتها لتقديم الدعم لميليشياتها في أفغانستان، كما كانت تفعل العكس في السابق. الأمر الذي سيخفف من الأعباء الأمريكية في سوريا والعراق.

بالنسبة للصين

على الرغم من المعاملة البراغماتية للصين مع حركة طالبان، باعتبارها قوة على الأرض، وأداة لاستنزاف القوة الأمريكية، إلا إنها قلقة من أجندة التنظيم الإيديولوجية، فهي تخشى من انتقال عدوى نموذج طالبان لتركستان الشرقية، التي تتشارك في حدودها مع أفغانستان على امتداد 76 كم. حيث جذبت الصين اهتمام الجماعات الجهادية، نتيجة سياستها تجاه مسلمي الإيغور في هذا الإقليم، مما أثار عداء تلك الجماعات، وجعلها محط اهتمامهم، ولا سيما ممراتها التجارية في أوراسيا.

فالصين كانت من الدول التي تعوّل على الحكومة الأفغانية، بضرب جميع أشكال الإرهاب والإيديولوجيات المتطرفة، وفق تصريحات وزير خارجيتها، “وانغ يي” سابقاً، إلا أن الأمور سارت بالاتجاه المعاكس، ليأتي الوزير نفسه، ويصرّح بضرورة الحفاظ على الاستقرار ومنع الحرب والفوضى، ويشتكي من الانسحاب الأمريكي المتسرع. وتداعياته السلبية على استقرار أفغانستان وعلى الأمن القومي الصيني، فنجاح طالبان في أفغانستان ربما ستكون المقدمة لدعم حركة الجهاد من أجل استقلال تركستان الشرقية، وهذا ما يثير مخاوف الصين، فبالرغم من توجسها بالتواجد الأمريكي في أفغانستان التي تشارك حدودها، لكن بنفس الوقت هذا التواجد حقق للصين استقراراً نسبياً طيلة عقدين من الزمن.

الأمر الآخر هو أن تحويل أفغانستان إلى بؤرة توتر من شأنه أن يضرب بخطط إعادة إحياء طريق الحرير -الذي تنوي الصين القيام به-  بعرض الحائط، فبعد فشل الأخيرة في فتح مثل هذا الطريق من خلال دول آسيا الإسلامية، والتي تربطها علاقات سياسية وثقافية وتاريخية مع تركيا كأذربيجان وتركمانستان على خلفية رفض الدول الغربية لهذا المشروع عن طريق حليفتهم تركيا، فقد حولت الصين وجهتها نحو باكستان وأفغانستان في ظل وجود الحكومة السابقة في أفغانستان، وعلاقاتها الاقتصادية مع الحكومة في باكستان. ولكن اليوم، وبتغير الظروف السياسية بسيطرة طالبان الأمنية على أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة، فقد بات من الصعب تكملة هذا المشروع على الأقل في الفترة الحالية، وهذا ما قد يسبب إحباطاً اقتصادياً لدى الصين التي تتطلع إلى فوائد ضخمة جداً من مشروع إحياء طريق الحرير.

في باكستان

يعتبر أي صعود لطالبان أفغانستان صعوداً لطالبان باكستان، فمع بدء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بدأت حركة طالبان في باكستان بتنفيذ عدة هجمات في باكستان، لتؤكد إنها ما تزال نشطة، حيث حولت أهدافها إلى الاستثمارات الصينية في باكستان، والتي جاءت نتيجة التقارب الواضح بين الحكومتين الباكستانية والصينية، وهو التقارب الذي أثار استفزازاً كبيراً للولايات المتحدة، التي أبدت مخاوفها من تعميق العلاقات بين باكستان والصين، حيث كشفت صور للأقمار الصناعية، منتصف عام 2020، بدت كإشارات أولية على بناء قاعدة بحرية صينية على ساحل المحيط الهندي، مما عزز من تخوفات واشنطن من خطة بكين لتعزيز نفوذها عن طريق الأراضي الباكستانية، فقاعدة “جوادر” ستمنح الصين القدرة على مراقبة مضيق هرمز، منطقة عمليات الأسطول الأمريكي الثالث المتمركز في البحرين.

إذاً، فاستراتيجية الانسحاب من شأنها أن تزيد المخاوف من اتساع رقعة الجماعات المتشددة، لتهدد هذه المشاريع الطموحة، التي تعمل عليها بكين في باكستان بالدرجة الأولى. كما إنها ستشكل كابوساً لباكستان لمنحها حركة طالبان في باكستان دفعة قوية وعمقاً جغرافياً في الدخول بأي صدام مع الحكومة الباكستانية. بالإضافة إلى التخوّف من موجة لاجئين جدد على حدودها مع أفغانستان، تضاف إلى 3 ملايين لاجئ أفغاني موجودين سابقاً على أراضيها.

مصالح على المحك

تقع أفغانستان على طريق استراتيجي مهم للتجارة في آسيا، مما سيكون لها تداعيات اقتصادية على دول الجوار، وخاصة جارتيها الشرقيتين الصين وباكستان.

بالنسبة للصين جاء قرار الانسحاب وصعود طالبان ضربة قوية لها، لا سيما في انخراطها التجاري، مع بلد يعيش في حالة حرب وحكومة مهزومة، فالفوضى الحالية في أفغانستان ستؤثر بلا شك على المصالح الصينية، وخاصة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو ممر (CREC)، جوهرة التاج للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والذي تبلغ تكلفته عدة مليارات دولار، ويهدف لبناء بنية تحتية، وتوسيع الروابط التجارية، وتعميق علاقاتها عبر أوراسيا. فمنذ إعلانها عن هذا الممر عام 2015، كانت الصين ترغب في توسيع نطاقه ليشمل البلدان المجاورة لباكستان، بما فيها أفغانستان، وفتح نقاط حدودية بينهما لزيادة التجارة، والتركيز على الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

لكن نجاح هذا الممر، ومبادرة الحزام الصيني يعتمد حالياً على الوضع الحالي في أفغانستان ومستقبله، في ظل الملاذ الذي وجدته الجماعات المعارضة في الصين وباكستان في أفغانستان حالياً، مما يزيد من خطورة تحقيق هذا الممر، وهذا ما اتضح من الهجوم الأخير في إقليم خيبر بختونخوا الباكستاني 14 يوليو 2021، واستهداف المصالح الصينية في باكستان، مما سيشجع هذه الجماعات على زيادة مثل هذه الأنشطة مع صعود طالبان في أفغانستان. 

أما في باكستان، فالتهديد الأول جاء من “البلوش” المعارضين، حينما أعلنت باكستان عن خطة لإنشاء 12 سوقاً حدودياً مع أفغانستان في فبراير 2020، تنفيذاً للرغبة الصينية بزيادة معابرها التجارية مع أفغانستان، وقد نفّذ البلوش عدة هجمات في بلوتشستان، ضد المشاريع الصينية والعمال الصينيين، وجاء صعود حركة طالبان في أفغانستان ليشكل القلق الأكبر لباكستان على المشاريع الصينية داخل أراضيها؛ فهي امتداد لطالبان باكستان التي قد تنفذ هجماتها على هذه المشاريع، مما سيفرض مستويات لا يمكن لباكستان تحملها من الديون التي بلغت 106 مليار دولار أمريكي عام 2019، منها 11% ديون للصين، والباقي من صندوق النقد الدولي ومنظمات أخرى، بحسب سكرتير قسم الشؤون الاقتصادية في باكستان “نور أحمد”.

ووفق محللين، فإن هذا الممر الاقتصادي فرصة ذات فائدة كبيرة لباكستان، وتنفيذه سيساهم في 9 إلى 10% من الناتج الاجمالي لها، كما سيضيف 2.5 نقطة مئوية لمعدل النمو. وسيساهم أيضاً -من خلال إيراداته-  في تسديد نسبة كبيرة من ديونها، لكن يبقى التخوّف من إعاقة هذا الممر والمشاريع الأخرى بعد صعود طالبان، ليس فقط لباكستان بل لمستحقي تلك الديون وخاصة الصين.

بين جنوب آسيا (أفغانستان) وغربها (سوريا والعراق)

هناك اختلاف بين الساحتين الأفغانية والسورية العراقية، فالخطأ الأمريكي بانسحاب جزئي لقواتها من العراق أو سوريا، استغلته بسرعة خصومها التقليديون، كإيران وروسيا، وبدت كأنها تنازلت عنها للاثنين، ومن ناحية أخرى، فإن بعض الدول العربية وعلى رأسهم السعودية ومصر، يجدون أن الانسحاب الأمريكي من العراق أو سوريا على الأقل في المرحلة الحالية، سيشكل بداية لتغييرات جيوسياسية خطيرة في المنطقة. كما يحصل الآن في أفغانستان، خاصة بعد صعود طالبان، حيث ستتأثر التنظيمات الأخرى في سوريا والعراق، ويتيح لهذه الشبكات بدعم بعضها، كما أنها ستستمد الإلهام من تجربة طالبان في أفغانستان، بمعنى الصمود لفترة أطول فرصة للانتصار.

من ناحية أخرى، اكتسبت حركة طالبان في أفغانستان صبغة حركة تحرر وطنية، وقف إلى جانبها جزءٌ كبير من الشعب الأفغاني، وهذا خطأ أجبر واشنطن وغيرها من الدول، على التعامل معها على أساس قوة مدعومة شعبياً، على عكس التنظيمات الأخرى في سوريا والعراق كداعش.

ختاماً

يمكن القول إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دون أي تنسيق، يعتبر انقلاباً في المعادلات الأمنية لمحيطها الحيوي، ويعطي إشارات واضحة في تغيير قواعد اللعبة، ويصبُّ في إطار رفع مستوى التوتر والمخاوف الأمنية للدول المعنية بالوضع في أفغانستان، وبشكل خاص إيران وروسيا والصين. وهي استراتيجية أمريكية جديدة للتعامل مع التهديدات في منطقة آسيا، من خلال خلق جيوش عقائدية إيديولوجية تحارب بها خصومها ومخالفيها ومعترضي توجهاتها وسياساتها، وتشكل بنفس الوقت مفرخة للإرهابيين، قد تشكّل هذه الدول محطات رئيسية يمكن إنزالهم فيها لتشكيل تهديدات أمنية لهم وخلق حالة من عدم الاستقرار، لا تسمح بإحداث أي تفوّق استراتيجي على الولايات المتحدة هناك. إذاً، الانسحاب -وهو قرار طال انتظاره- لن يكون خاتمة جميلة وممتعة لخصوم واشنطن، وإنما ستكون كارثية بالنسبة لهم، فرؤيتهم وهم مجبرين على التعامل مع المشاكل القادمة، والتي سببتها الولايات المتحدة، سيكون أمراً ممتعاً للأخيرة، لذا فإعادة المشاكل إلى آسيا الوسطى، هي الاستراتيجية المنطقية للولايات المتحدة، فلا مصالح جوهرية لها في المنطقة، وآن الأوان لخصومها في آسيا الوسطى مواجهة المشاكل الأمنية المتبقية والقادمة. وتوكيل مهمة التصدي لأصدقائها في الناتو مثل بريطانيا وتركيا كوكلاء لها، كي تبقى نشطة فيها وتحافظ على نفوذها ومصالحها دون تحمل أي مسؤولية الوضع على الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى