ترجمات

الجهود الأخيرة للولايات المتحدة لإيقاف الغزو التركي لشمال شرق سوريا

بدأت إدارة ترامب بتفعيل جهودها الأخيرة لتفادي الغزو التركي لشمال شرق سوريا؛ والذي من المتوقع أن يتم – أي الغزو – خلال الأسبوعين المقبلين.

مع وجود عشرات الآلاف من الجنود الأتراك المحتشدين بالقرب من الحدود، يعتزم وفد رفيع المستوى من وزارة الدفاع تقديمَ ما يصفه المسؤولون الأمريكيون بالعرض الأخير الهادف لاحتواء مخاوف تركيا، وذلك خلال اجتماعٍ يوم الأثنين في أنقرة.

يعدُّ هذا الاجتماع ذروة جدال عمره سنة بين حليفي الناتو على إثر دعم أمريكا للمقاتلين الكُرد السوريين الذين قادوا الحرب البرية ضد الدولة الإسلامية، هم أنفسهم الذين تعدّهم تركيا تهديداً إرهابياً لأمنها.

إن الانتصارات التي حُققت بقيادة الكرد ضد المجموعات المسلحة قد جعلهم مسيطرين بشكل فعّال على معظم المنطقة الحدودية.

قد يؤدي فشل الجهود الأمريكية إلى دفع المنطقة التي دمرتها الحرب نحو اضطراب أعمق معرضةً للخطر كل من الجهود الرامية إلى هزيمة بقايا الدولة الإسلامية، بالإضافة إلى التأثير على الخطة الزمنية التي وضعها الرئيس ترامب لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا بسبب الاضطراب الحاصل.

يتضمن المقترح عمليات عسكرية أمريكية-تركية مشتركة لحماية القسم الجنوبي من الشريط الحدودي السوري التركي بعمق 9 أميال وبطول 87 ميلاً والذي سيُسحَب منه المقاتلين الكرد.

سيقوم الجيشين الأمريكي والتركي بشلّ تأثير التحصينات الكردية، ومن ثمّ سيقومان بدوريات مشتركة في المنطقة متمركزين في الثلث الأوسط من الحدود الشمالية الشرقية الممتدة بين نهر الفرات والعراق، وسيتم إخلاء الثلثين المتبقيين لاحقاً.

منشأة طبية تحت أرضية مجهزة من قبل الهلال الأحمر الكردي في بلدة بمحافظة الحسكة بالقرب من الحدود التركية. (آليس مارتينز للواشنطن بوست)

رفضت تركيا هذه المحدّدات مسبقاً، مصرّة على “منطقة آمنة” بعمق 20 ميلاً على الأقل ومعربةً عن تفضيلها للسيطرة على هذه المنطقة بمفردها.

تسعى الحكومة التركية أيضاً إلى إقامة مناطق من شأنها أن تؤمن عودة آمنة للبعض من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا حالياً، والبالغ عددهم أكثر من 3.6 مليون لاجئ.

إنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها تركيا بالاجتياح، إلا أن التهديد حقيقي ووشيك هذه المرة ، فبحسب مسؤولين أمريكيين وأتراك وكُرد وأوروبيين، تحدّث بعضهم دون كشف هوياتهم عن الوضع القابل للانفجار.

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد في مناسبة افتتاح طريق سريع ومشفى في مدينة بورصة: “نحن الآن بصدد الدخول إلى شرق الفرات” و”لقد أبلغنا روسيا والولايات المتحدة بذلك” وأضاف: “لم نعد نطيق صبراً أكثر من ذلك”.

أوضحت الإدارة بشكل صريح بأنها لن تستطيع التدخل لحماية المقاتلين الكرد بموجب سلطات الكونغرس إذا ما رفضت تركيا العرض الأمريكي.

تهيمن وحدات حماية الشعب الكردية YPG على جيش قوي عديده 60 ألف مقاتل يدعى بقوات سوريا الديمقراطية التي دربتها الولايات المتحدة  وزودتها بالعتاد ووجهتها للقضاء على خلافة الدولة الإسلامية المعلَنة من طرف واحد.

إضافة إلى التوتر الشديد حول هذه المسألة، فإن الإدارة الأمريكية منخرطة في نزاع آخر مع تركيا حول شرائها لمنظومة الدفاع الصاروخي الروسية المتطورة، والتي أدت في وقت سابق إلى إنهاء الولايات المتحدة لمشاركة تركيا في تصنيع وشراء طائرات الـF-35؛ الجيل القادم  من طائرات الشبح الأمريكية.

يشترط القانون الأمريكي على ترامب فرض عقوبات اقتصادية على تركيا على خلفية الصفقة الروسية، تجنباً لسخط الحزبين في الكونغرس فقد تفادى ترامب حتى الآن تنفيذ هذا التفويض، ليحافظ جزئياً على الأقل على تجنب تفويت أي فرصة للتفاوض حول الكُرد.

حذّر الكرد في الوقت ذاته من أن القتال ضد تركيا قد يجعلهم غير قادرين على حراسة السجون المؤقتة التي تحوي سجناء الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا، حيث أن هناك 8000 متشدد سوري وعراقي وحوالي 2000 من بلدان أخرى قد ألقي القبض عليهم خلال العمليات التي أدت إلى إنهاء الخلافة مطلع هذا العام.

وقال آلدار خليل أحد القادة السياسيين الكرد في شمال شرق سوريا: “إما أن نحارب” الأتراك “أو أن “نحرس” السجناء، “لا نستطيع القيام بالأمرين معاً”.

وأضاف أن القوات الكردية اتفقت مع الولايات المتحدة على الانسحاب من منطقة بعمق ثلاث أميال عن الحدود، وذلك خلال آخر زيارة للجنرال كينيث. إف. ماكنزي ؛ رئيس القيادة المركزية الأمريكية لهذه القوات.

وقال خليل خلال مقابلة أُجريت معه في مدينة قامشلي السورية الحدودية: “صراحةً، نحن لا نستخدم سجناء داعش كورقة” يمكن لعبها “ولكن ربما سنفقد السيطرة في هذه الحالة…إنها ليست بسجون رسمية؛ بعضها عبارة عن مدارس قمنا ببناء جدار حولها وحولناها إلى سجن”. وأضاف: “إذا ما رأى أعضاء داعش بأن هناك قتال وبأن تركيا قد هاجمت بالفعل….سوف يدمرون الجدران ويهربون”.

في شمال شرق سوريا، تستعد الإدارة الكردية للحرب مع تركيا، حيث أن الطرقات في البلدات الحدودية محفورة حديثاً بالأنفاق، وحُولت عشرات المنازل إلى ملاجئ، كما بنيت المشافي الميدانية تحت الأرض.

يقول الكرد أّنه لا يساورهم الشك حول الانتصار على الجيش التركي، ويقول خليل: “إذا ما دخلوا، فإن منطقتنا ستُدمر”.

المشكلة الكبرى

إن النزاع حول الكرد بين الولايات المتحدة وتركيا كان يتم تأجيله دائماً بسبب وجود مشكلة أكبر من ذلك وهي الدولة الإسلامية (داعش).

ينعكس النزاع أيضاً على اختلاف الأولويات بين الجيش الأمريكي والدبلوماسيين الأمريكيين، فالأول يعتبر الكرد دون منازع قوةً مقاتلة فعالة ومتاحة له في سوريا، أما الدبلوماسيين فهم مسؤولون عن توضيح قرارات السياسة الأمريكية لأنقرة.

تشكَّل التحالف بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب عندما قامت القوات الكردية بدعم من الطيران الأمريكي باستعادة مدينة كوباني الحدودية والبلدات والقرى المحيطة بها من الدولة الإسلامية عام 2015.

تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب والأطر السياسية السورية التابعة لها كمجموعات فرعية لحزب العمال الكردستاني التركي.

قاتل حزب العمال الكردستاني PKK الجيش التركي لعقود، بدايةً، بهدف إقامة دولة كردية مستقلة، ومؤخراً، للحصول على نوع من الحكم الذاتي الكردي داخل تركيا.

صنفت كل من الولايات المتحدة وتركيا الـ PKK كمنظمة إرهابية، وقد زادت حدة الاشتباكات بين تركيا والـPKK بشكل ملحوظ في الأشهر الفائتة، وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب أيضاً منظمة إرهابية، إلا أن الولايات المتحدة لا تصنفها كذلك.

أخبر المسؤولون الأمريكيون تركيا بأن تحالفهم مع وحدات حماية الشعب تحالف مؤقت، وبأن الأسلحة التي مُنحت للمقاتلين الكرد لاستعادة كوباني سوف تُسترد منهم، إلا أن هذه الوعود تلاشت على خلفية الحاجة إلى وجود قوات برية فعالة في الميدان للقتال ضد المتشددين في شمال شرق سوريا.

يتجنب الدبلوماسيون الأمريكيون إشهار تواصلاتهم مع الكرد، إلا أن الجيش الأمريكي كان حريصاً على الإشادة ببسالتهم في ساحات القتال.

تم منح الأسلحة بصورة متزايدة -على الرغم من أنها لا تشمل المدفعية أو الأسلحة الثقيلة كما ادعت تركيا- ووقف القادة العسكريون الأمريكيون بفخر مع المقاتلين لأخذ صُور نُشرت على صفحات وحدات حماية الشعب على مواقع التواصل الاجتماعي.

كانت كل صورة تزيد من غضب الأتراك، تماماً كما حدث عندما استعاد المدعومون أمريكياً السيطرة على مدينة منبج من الدولة الإسلامية بالقرب من الحدود؛ على بعد حوالي 25 ميلاً غرب نهر الفرات عام 2016.

أصبح النهر لمدة طويلة حداً فاصلاً غير رسمي بين ساحة حرب الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية وباقي الأراضي السورية، حيث كان الرئيس بشار الأسد يقاتل قوات المعارضة السورية مع حلفائه من الروس والإيرانيين.

على الرغم من أن الاتفاق الأمريكي التركي لإخراج وحدات حماية الشعب من منبج قد تم، إلا أن التنفيذ كان بطيئاً وجزئياً.

في بداية عام 2016، احتشدت القوات التركية في الجزء الغربي من شمال سوريا، لمنع الكرد المدعومين أمريكياً من الاتحاد مع المجموعات الكردية السورية الأخرى وتشكيل خط قوي على طول كامل الحدود.

مع اتخاذها إجراءات صارمة ضد حزب العمال الكردستاني شمال الحدود، اتهمت تركيا الكرد السوريين بضرب الأراضي التركية بالمدفعية وقذائف الهاون، ويقول الكرد السوريون بأن الأتراك هم من كانوا يهاجمونهم عبر الحدود.

الاتصال الهاتفي

عندما أعلن ترامب في كانون الأول/ديسمبر عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا؛ وذلك بعد اتصال هاتفي مع أردوغان، قال الكرد السوريون – حلفاء أمريكا – بأنهم يخافون من زيادة حدّة الهجمات التركية عليهم.

في كانون الثاني/يناير، وفي ظل ردة فعل عكسية، غرّد ترامب قائلاً أن الولايات المتحدة سوف “تدمّر تركيا اقتصادياً فيما إذا هاجمت الكرد”، إلا أنه أضاف: “وبالمثل فإنها لا تريد من الكرد استفزاز تركيا”.

كان قرار الانسحاب من بين العوامل التي أدت إلى استقالة وزير دفاع ترامب؛ الجنرال المتقاعد جيم ماتيس الذي لم يشغل منصبه بديل دائم منذ ذلك الوقت حتى الشهور الأخيرة حيث صودق على تعيين مارك تي. إسبر.

عسكرياً، كانت الحملة البرية ضد الدولة الإسلامية في سوريا -مدعومةً من الطيران الأمريكي وطيران التحالف- من بين أكثر عمليات الولايات المتحدة نجاحاً وأقلها تكلفةً منذ عقود، على الرغم من أن جماعات حقوق الإنسان قالت بأن الحرب الجوية بقيادة الولايات المتحدة قد خلفت آلاف الضحايا المدنيين.

باستثناء ما يقل عن 2500 جندي برتب رفيعة، فإن معظم القوات الأمريكية كانت بعيدة عن خط النار وتكبدت عدداً ضئيلاً من الخسائر البشرية خلال سنوات، وكان يعتبر وجودهم رمزياً إلى حدّ كبير ولكنه حصن منيع ضد غارات الحكومة السورية وروسيا وإيران على شمال شرق سوريا.

ساعدت الصدمة التي خلفتها إعلان ترامب بالانسحاب من سوريا – الصدمة التي خُفِّفت في النهاية باتفاق على إبطاء الانسحاب الأمريكي – على تقريب وجهات النظر بين الدولة ووزارة الدفاع حول اتفاق يقضي بكيفية حل مشكلة تركيا.

نجح وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في إرجاء ما أصبح إلى حد كبير علاقةً موجهةً عسكرياً، وكلا البيروقراطيتين قد وجدتا قضية مشتركة في التعامل مع الأتراك الغَضوبين غالباً.

ينظر الداخل الأمريكي إلى ترامب – الذي يمني نفسه بإعادة انتخابه – على أنه لا يملك هدفاً حقيقياً سوى إعادة القوات إلى الديار؛ إلا أنه لعب أيضاً دوراً مفيداً في بعض الأحيان في استرضاء أردوغان.

انخفض الوجود الأمريكي العسكري الآن إلى حوالي 1000 جندي، وستكون هناك حاجة إلى عدد منهم للقيام بدوريات مع القوات التركية في المنطقة الآمنة المقترحة أمريكياً.

يوازن الكرد السوريون رهاناتهم بشتى السبل، فهم على تواصل مع نظام الأسد حيث أن هناك هامش صغير للتقارب، وكذلك هم متواصلون مع الروس.

يقول خليل، السياسي الكردي أن روسيا “تقترح اتفاقاً نقوم فيه بدفع الأمريكيين خارجاً، وهم بدورهم سيوقفون الأتراك” ويضيف: “أخبرناهم كذلك: “كيف لنا أن ندفع الأمريكيين خارجاً؟ هل نحن من جلب الأمريكيين إلى هنا؟”

بقلم كل من كارن دي يونغ وسعاد مخنيت ولويزا لوفلوك | الواشنطن بوست

 ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – هوزان هادي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى