قضايا راهنة

أردوغان الغريق يتعلق بقشة الـ 20 ميل!

يكثر الحديث والتكهنات هذه الأيام عن “المنطقة الآمنة” في شمال وشرق سوريا، خاصة بعد جولات المباحثات الأولى الفاشلة بين أمريكا وتركيا والخلاف حول عمقها ومن سيشرف عليها، وتزامنها مع تصاعد نبرة التهديد والوعيد من قبل أردوغان “بدفن الكرد تحت التراب” الأمر الذي فتح الباب أمام الكثير من التساؤلات من قبيل، هل ستهاجم تركيا حقاً شرق الفرات؟ هل ستتخلى أمريكا عن الكرد؟ هل سيكون مصير شرقي الفرات كمصير عفرين؟.

من خلال متابعة التحليلات والتكهنات التي يطلقها السياسيون والمحللون يمكن ملاحظة أن الغالبية تركز اليوم على الوضع الكردي وكيف سيتعاملون مع هذه التهديدات وماذا سيفعلون إن تخلت عنهم أمريكا وهاجمتهم تركيا، ودائماً ما نرى نموذج ما جرى في عفرين حاضراً كنوع من تذكير الكرد بحالة الانكسار التي تعرضوا له نتيجة الصفقات والتفاهمات الدولية على حساب الكرد، و كرسالة إلى الكرد بعدم الوثوق بأمريكا.

ولكن لماذا لا ننظر إلى الموضوع من منظور آخر، أي أن نترك الملف الكردي ومصيرهم على طرف، وننظر إلى موضوع شرق الفرات من المنظور الأمريكي، ونطرح عدة تساؤلات أخرى، مثلاً: ماذا ستستفيد أمريكا في حال هاجمت تركيا شمال شرق سوريا؟ وما المكاسب والخسائر التي ستجنيها أمريكا في حال تخلت عن الكرد؟ وهل السياسة والاستراتيجية الأمريكية الحالية في المنطقة في وارد السماح لتركيا دخول شرقي الفرات؟

للإجابة على تلك التساؤلات علينا البحث عن أولويات المكاسب والمصالح لتلك القوى العالمية في المنطقة، وبداية علينا مقارنة وضع عفرين بشرقي الفرات من النواحي السياسية والعسكرية والجغرافية والاستراتيجية، لنعرف بعدها إن كان مصير شرق الفرات من الممكن أن يكون كعفرين أو لا.

الاختلاف بين وضع عفرين وشرق الفرات:

 من الناحية السياسية

من الناحية السياسية في ملف عفرين كان هناك أوراق المجموعات المسلحة التي قايضت تركيا بها روسيا على عفرين، خاصة أن روسيا لم تستطع تحقيق الكثير من المكاسب العسكرية في سوريا حينها، وبتلك الصفقة استطاعت روسيا جني الكثير من المكاسب من تركيا، حيث أفرغت الأخيرة كافة المناطق السورية الداخلية وأطراف دمشق بشكل خاص من المجموعات المسلحة ونقلتهم إلى شمال غرب البلاد، بالإضافة إلى صفقات اقتصادية فرضتها روسيا على تركيا ولا نستبعد أن تكون منظومة اس 400 من احدى بنود تلك الصفقة.

ولكن في شرق الفرات لا تملك تركيا أوراق قوية تمكنها من فرض أي شروط وصفقات على أمريكا، والأخيرة ليست بحاجة لتركيا لا اقتصادياً ولا عسكرياً، وأساساً تأزمت العلاقة السياسية بين الطرفين بعد التقرب التركي من روسيا وخروقات تركيا للعقوبات المفروضة على إيران من قبل أمريكا، لذا فلا يوجد أي سبب يجبر أمريكا التنازل لتركيا والسماح لها باجتياح شرق الفرات، خاصة أن هذه المنطقة بالأساس تحت اشراف التحالف، وليست كوضع عفرين التي كانت خارج سيطرة روسيا والنظام لذا عقدت روسيا الصفقات عليها مقابل بسط سيطرة النظام على الداخل السوري.

من الناحية العسكرية

أما من الناحية العسكرية فالوضع مختلف كلياً بين عفرين وشرق الفرات أيضاً، فعدد القوات العسكرية وكمية ونوعية السلاح في عفرين ليست بعدد وفاعلية ما تملكه القوات شرقي الفرات، ورغم ذلك قاومت وحدات الحماية شهرين أمام الهجوم التركي في عفرين، ولا ننسى أن قوات سوريا الديمقراطية تلقت تدريبات جيدة من قبل التحالف، وخاضت معارك عنيفة مع داعش واكتسبت تجارب قتالية عالية، وهذه كلها ستساعد في اشعال جبهات قتالية واسعة وطويلة الأمد مع تركيا، الأمر الذي أكده سابقاً القائد العام لقسد مظلوم عبدي “بأنهم سيشعلون مسافة 600 كيلو متر على الحدود اذا شنت تركيا هجوماً”. وذلك بعكس وضع عفرين التي كانت محصورة في منطقة ضيقة ولا تملك ممرات مفتوحة لإمدادها بالمقاتلين والأسلحة.  

من الناحية الجغرافية والاستراتيجية

 أما من الناحية الجغرافية والاستراتيجية فإن المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية اليوم هي منطقة واسعة وتمتد حتى الحدود العراقية من الجهتين الجنوبية والشرقية، لذا فإنه يستحيل على تركيا إنشاء منطقة “آمنة” بعمق 20 ميل بالاجتياح العسكري، لأنه حتى لو تمكنت من اخراج كافة القوات الكردية وحتى الشعب من هذه المسافة فإنها لن تستطيع الحفاظ عليه وإبقائها “آمنة” لأن القوات الكردية ستكون خلفها مساحات كافية لمواصلة شن الهجمات على منطقة الـ 20 ميل، إذا في حال فكرت تركيا بإنشاء المنطقة الآمنة بالقوة العسكرية يتوجب عليها أن تضع نصب عينها احتلال كامل مناطق شرقي الفرات أولاً واخراج كامل القوات العسكرية منها حتى تنشئ منطقة آمنة “لمنطقتها الآمنة على الحدود”، وهذا الأمر شبه مستحيل لعدة أسباب:

أولاً- لوجود التحالف الدولي في هذه المنطقة، وسيتطلب الأمر انسحاب أمريكا والتحالف من سوريا كاملة لإفساح المجال لتركيا بشن هجماتها الواسعة تلك، وهي بطبيعة الحال لن تسمح لتركيا اجتياح كامل جغرافية شرقي الفرات لأن هذا سيهدم كل ما حققته قوات التحالف في المنطقة، ويفتح الطريق أمام التدخل الإيراني والروسي إلى شرقي الفرات بسهولة.

ثانياً- دخول تركيا لهذه المنطقة سيعيد إحياء داعش من جديد، وما سيتبعها من مجازر وموجات النزوح الجماعية، وهذه ليست في مصلحة أمريكا ورئيسها ترامب الذي يقف على أعتاب انتخابات رئاسية قريبة، وهو الذي يستثمر الانتصار على داعش في الدعاية لنفسه، فلن يهدم انتصاراته تلك ارضاء لأردوغان.

ثالثاً- هناك ورقة قوية أخرى بيد الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية لضمان عدم سماح أمريكا لتركيا باجتياح شرق الفرات كاملة، وهي وجود آلاف المعتقلين الدواعش من كافة الجنسيات، والآلاف من عوائلهم في مخيم الهول، وهم يشكلون قنبلة موقوتة ترهب العالم، ومسمار أمان هذه القنبلة هي بيد الكرد، فأي هجوم تركي على المنطقة ستدفع إلى تفجير هذه القنبلة بوجه العالم أجمع.

 رابعاً- وهو الأهم، هي الاستراتيجية السياسية بعيدة المدى لأمريكا في المنطقة، والمتمثلة بما تسميه أمريكا “مشروع السلام في الشرق الأوسط” أو ما بات يعرف باسم “صفقة القرن” فأمريكا اليوم تعتبر منطقة شرق الفرات التي تسيطر عليها نقطة ارتكاز أساسية لتمرير مشروعها، لأن هذه الاستراتيجية من أهم أهدافها قطع يد إيران عن سوريا ولبنان، والقضاء أو إلغاء دور الأنظمة الدينية والقومية كما حصل في عدة دول عربية مثل مصر والجزائر والسودان وليبيا، وهو الحال في النظامين التركي والإيراني اللذان تحكمهما سلطات باسم الدين، وذلك تمهيداً لدفع الدول العربية والاسلامية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل ومحاربة الجماعات الراديكالية والمتطرفة والاسلامية أمثال الإخوان المسلمين وحزب الله والحرس الثوري الإيراني الذين لم يعد وجودهم يخدم المرحلة الحالية للاستراتيجية الأمريكية الهادفة لضمان أمن اسرائيل وتوسيع نفوذها في المنطقة، وقد رأينا أن أمريكا أعلنت سابقاً وضع الحرس الثوري وحزب الله على لائحة الإرهاب، وطرحت مشروع لوضع الإخوان أيضاً على هذه اللائحة، وذلك تمهيداً للقضاء عليهما، وبما أن حكومة أردوغان هي الداعم الرئيسي للإخوان فلا يمكن أن تقبل أمريكا بمد يدها في منطقة شرق الفرات ذات الموقع الاستراتيجي، بالإضافة إلى هدف أمريكا بالسيطرة على طريق الحرير المار من الشرق الأوسط وكردستان بشكل خاص، والتي تحاول الصين إعادة إحيائها لمنافسة النفوذ الاقتصادي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، لذا لن تتخلّ أمريكا عن هذه المنطقة لصالح الصين وإيران وروسيا. إذا فأي هجوم تركي إن حصل على شرق الفرات ستحبط الاستراتيجية الأمريكية تلك، والأخيرة لن تسمح بذلك طبعاً.

 ما هي أهداف أردوغان من التهديدات والتحشيد العسكري على الحدود إذاً؟

قد يتساءل المرء ماذا يبتغي أردوغان من وراء رفع وتيرة تهديداته وكثرة الحشودات العسكرية على الحدود وهو يعلم أنه لا يمكنه الدخول شبراً واحداً شمال سوريا بدون الموافقة الأمريكية؟ يمكن من خلال قراءة ما سبق والنظر إلى الأوضاع الداخلية التي تمر بها تركيا، أن نستنتج عدة أهداف من التهديدات التركية الأخيرة لشرق الفرات ومنها:

1- إثارة الذعر في نفوس الشعب الكردي في روجآفا واتباع الحرب الخاصة والنفسية ضدهم، ورسم توهم في مخيلتهم على أنه في حال هاجمتهم تركيا ستفعل بهم كما حصل في عفرين، وذلك بهدف الاحباط من عزيمتهم ودفع إدارتهم السياسية والعسكرية لتقديم أقصى ما يمكن من التنازلات لمنع هذا الهجوم على شعبهم، وهذه السياسية التركية تذكرنها بما اتبعه صدام حسين ابان ارتكابه مجزرة حلبجة في شمال كردستان عندما قصفت بالكيمياوي من قبل طيرانه المروحي، وبعد أن فرضت قوات التحالف حظراً للطيران ذات الاجنحة الثابتة على شمال كردستان، وفي هجماته التالية على كركوك التي كان الكرد قد استعادوها، لجأ صدام إلى سياسة بث الذعر عبر استخدام الطيران المروحي في التحليق الأمر الذي أعاد فوراً إلى ذاكرة الشعب الكردي ما ارتكبه الطيران في حلبجة، ما دفعهم إلى التفكير بالفرار قبل التفكير في المقاومة، ورغم أن صدام لم يكن يجرؤ حينها على استخدام الكيماوي مرة أخرى خوفاً من ردود فعل انتقامية من قبل القوات المتحالفة، إلا أنه استغل عدم قدرة الكرد الوثوق بالقوات الخارجية التي خذلتهم مراراً، وعدم قدرتهم التثبت من نوايا صدام في استخدام الكيماوي أو عدمه، فكانت التهديد بالمروحيات كتكتيك لبث الذعر بين المدنيين ودفعهم للنزوح وليتمكن بعدها صدام من احتلال كركوك بأسرع وقت وبأقل الخسائر ودون الحاجة لاستخدام الكيماوي هذه المرة.

وتهديدات وحشودات أردوغان اليوم هي أشبه بذلك التكتيك بعد ما ارتكبه طيرانه من مجازر في عفرين، أي اللعب على الحرب الخاصة وبث الخوف والذعر في نفوس الشعوب وتهيئتها للنزوح وعدم التفكير في المقاومة في حال شنت أي هجمة على المنطقة.

2- وتعتبر هذه التهديدات التركية المُتزايدة باجتياح شمال وشرق سوريا، التي تدخل ضمن إطار الحرب النفسية، كعامل مساعد للخلايا النائمة التابعة للمُخابرات التركية والتي تعمل في الآونة الأخيرة بالتعاون مع الإعلام القطري، على اطلاق حملة تشويه إعلامية ضدّ قسد، وذلك عبر فبركة انتهاكات بحق المدنيين العرب وادعاء أن من يقوم بذلك هم مقاتلون كرد، ويكون العنصر النسائي حاضراً في تلك الفيديوهات لإثارة واستفزاز المشاعر العربية ضد الكرد بهدف نشر الفوضى، وخلق فتنة عربية – كردية تسهل على أنقرة تنفيذ مخططاتها بالاجتياح العسكري لتلك المناطق. وكنوع من محاولات ضرب القلعة من الداخل عبر بث الفتن بين مكونات المنطقة، بالإضافة إلى التكثيف من التفجيرات لخلق حالة من عدم الاستقرار ونوع من الضغط النفسي على الشعب وتحريضهم ضد الإدارة الذاتية على أنها لا تستطيع ضبط الأمن في مناطقها.

3- لا يخفى على أحد أن تركيا تعيش أزمات كبيرة في الداخل جراء سياسات أردوغان الذي استفرد بالحكم في البلاد بعد أن فرض النظام الرئاسي على تركيا، ويتعرض لمخاطر كبيرة جراء الانهيار الاقتصادي التركي ومساع المعارضة وحتى أعضاء حزب العدالة والتنمية البارزين على تشكيل أحزاب جديدة تنافس أردوغان، وتهدف للإطاحة به، لذا يحاول أردوغان من خلال تهديد الشمال السوري توجيه أنظار الشعب التركي إلى الخطر الوهمي الخارجي، وأن يطيل من حالة الطوارئ في البلاد ويستخدمها لتأجيل أو تقريب الانتخابات الرئاسية بحسب ما تتطلب مصلحته، بحجة أن البلاد في حالة حرب، وبذلك يضعف موقف المعارضين له ليظهر نفسه على أنه الوحيد الذي يدافع عن الأمن القومي التركي.

لماذا يصر أردوغان التعلق بعمق الـ 20 ميل للمنطقة الآمنة؟

تطالب أنقرة بأن يكون عمق المنطقة 20 ميلاً وتمتد على طول الحدود من جرابلس إلى فش خابور قرب حدود العراق، فيما أبدت واشنطن استعدادها لمنطقة بعمق خمسة كيلومترات وليس على طول الحدود، ويستثنى منها المدن الكردية الكبيرة، ولكن أردوغان متمسك كثيراً بشرط الـ 20 ميل، والسبب في ذلك أن هذا المطلب هو الخيار الأخير الذي قد يمكنه من القضاء على الإدارة الذاتية التي أعلنها الكرد، وتشتيت قواتهم العسكرية، لأن العمق الذي يطلبه أردوغان تشمل كافة مناطق روجآفا ذات الغالبية الكردية التي تعتبر القاعدة الاساسية لمشروع الإدارات الذاتية في شرق الفرات، وإن استطاعت تركيا اختراق هذه المنطقة، فإنها ستبدأ بتنفيذ عدة مخططات لهدم أركان هذه الإدارة ومنها: 

1- المطالبة بتغيير هيكلية هذه الإدارات وإدخال شخصيات ضمنها من المرتبطين بالاستخبارات التركية، وبذلك ستقدم الدعم والتسهيلات للخلايا النائمة بزيادة نشاطها لإحداث فلتان أمني عبر الخطف والاغتيالات والنهب والتشهير بالشخصيات الوطنية، كما هو الحال في مناطق شمال غرب الفرات التي تحتلها تركيا.

2- إرسال آلاف السوريين المهجرين في تركيا إلى شرقي الفرات وخاصة عوائل مرتزقتها أو الحاصلين على الجنسية التركية، بهدف احداث تغيير ديمغرافي للمناطق ذات الغالبية الكردية على غرار ما فعلت في عفرين، واستخدامهم لخلق صراعات اثنية وطائفية.

3- خلق حروب داخلية بين الكرد والعرب السوريين، ثم تتدخل تركيا عسكرياً في المدن التي ستجري فيها المعارك بحجة أنها ستحمي مواطنيها ممن يحملون الجنسية التركية.

4- المطالبة بإجراء استفتاء لضم منطقة الـ 20 ميل إلى تركيا وستعتمد في ذلك على من أرسلتهم من السوريين إلى المنطقة وحاملي الجنسية التركية، وذلك بعد أن تكون قد انهت خطط التغيير الديمغرافي ومكنت المجموعات المرتبطة بها السيطرة على المؤسسات الأمنية والإدارية في المنطقة وهجرت غالبية الكرد من موطنهم كما يجري في عفرين وقبلها في جرابلس والباب حيث أفرغت كافة القرى الكردية في تلك المناطق، لتضمن بذلك أن الغالبية الموجودة ستستفتي على الانضمام لتركيا، على غرار ما فعلت في لواء اسكندرون وقبرص قبلها.

هل يمكن لأردوغان تحقيق هذا الحلم في الوقت الراهن؟

من خلال تتبع ما يجري على أرض الواقع بالإضافة إلى ما ذكرناه من الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، يمكننا التنبؤ بأن أردوغان يحاول النجاة من الغرق التي وقع فيه اثر محاصرته من الأزمات الداخلية والخارجية بالتمسك بقشة الـ 20 ميل في محاولة أخيرة لإنقاذ نفسه والانتقام من الكرد الذين أفشلوا كافة مخططات تركيا الاحتلالية وحلم أردوغان ليصبح امبراطوراً عثمانياً جديداً في المنطقة، ولكن يبدو أن أمريكا لا تنوي في الوقت الحالي على الأقل التفريط في منطقة شرق الفرات، لأنه رغم كافة التهديدات التركية لم تتغير التحركات الأمريكية، فهي لاتزال ترسل شحنات الدعم العسكري واللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية، ولاتزال توسع من انشاء قواعدها العسكرية في المنطقة، وتصريحات جيمس جيفري الأخيرة تؤكد ذلك حيث قال :” “نحن لا نجري محادثات مع تركيا حول حماية الكرد… ولا عن منع أي غزو لأننا لا نرى بوادر لأي غزو محتمل لشمال وشرق سوريا. نحن نتباحث معهم حول إمكانية إقامة منطقة آمنة تحت حماية أمريكية تركية لمعالجة المخاوف الأمنية التركية على طول الحدود.”

وأضاف جيفري: “الأتراك كانوا متشددين في موقفهم ورفضوا المقترح الأمريكي الذي أراه منطقياً والذي كان ينص على منطقة آمنة يتراوح عمقها بين 4 إلى 14 كيلومتراً. الأتراك طالبوا بمنطقة أعمق إضافة إلى حدوث خلاف في الآراء حول ما إذا كانت واشنطن وأنقرة ستعملان في تلك المنطقة لوحدهما. ولكن كما سبق وأشرنا هذه المقترحات يجب أن تلقى رضا السكان في شمال وشرق سوريا وهو أمر مهم.” 

نستنتج من ذلك أن أمريكا حسمت أمرها بمنع أي غزو تركي أو دخول تركيا لعمق 20 ميل، وتحاول الآن اقناع أو بالأحرى اجبار تركيا الرضوخ والقبول بمنطقة ما بين 4 حتى 14 كيلو متر وتكون تحت اشراف أمريكي مع دوريات تركيا فيها كما يجري على خطوط التماس في منبج.

واعتقد أن تركيا ستحاول المماطلة وزيادة التهديدات لكسب أكبر قدر ممكن من التنازلات من الإدارة الذاتية، وقد تطور تهديداتها إلى قصف بعض المواقع شرقي الفرات من خلف الحدود قبل الإعلان عن موافقتها على المقترح الأمريكي، ليوهم اردوغان الشعب التركي بأنه قبل الشروط من مصدر قوة وليس ضعف، ومع ذلك سيسعى باستمرار لإحداث الصداع للإدارة الذاتية عبر طرق ووسائل مختلفة قد يلجأ إليها بعد انتهاء حلمه في احتلال شرقي الفرات عسكرياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى