دراسات

الأمن المائي في الجزيرة السورية

مقدمة:

إذا كانت حروب العالم منذ القدم وحتى وقتنا الراهن على البترول للسيطرة على الاقتصاد العالمي, فإنّه يتوقّع بأن تندلع الحرب المستقبلية لأجل المياه, فالصراع على المياه هو الصراع من أجل البقاء, حيث تشكّل المياه عصب الحياة, وهذا ما تشير إليه آية في القرآن: (وجعلنا من الماء كل شيء حيّ), لذا يأخذ هذا الصراع أبعاده الاقتصادية والسياسية، بحيث تصبح للدول ذات الوفرة المائية قوة اقتصادية وسياسيّة في إدارة هذا الصراع مع جيرانها، ويتوقّع أن يباع الماء ويشترى في المستقبل أسوة بالنفط.

تعتبر المياه أهم عناصر الأمن القومي، وذلك لما لها من علاقة مع الأمن الغذائي، لأنّ الماء هو العنصر الرئيسي الذي من دونه لا يمكن الحصول على المحاصيل الزراعية اللازمة لبقاء الحياة على وجه الأرض, وهكذا فإنّ أزمة المياه تفجّر أزمة الغذاء, ولا يقتصر دور المياه على الزراعة فقط, بل وعلى الصناعة أيضاً، وذلك لما لها من دور في دفع عجلة الصناعة الى الأمام, فكلّ الصناعات تعتمد على المياه, وفضلاً عن دور المياه في تلبية الحاجات البشرية من مياه للشرب والغسيل، وبالتالي لم يكن عبثاً نشأة الحضارات بالقرب من منابع المياه, ومن هنا تأتي أهمية الأمن المائي في تحقيق الاكتفاء الذاتي للدول ورفع المستوى المعيشي والاقتصادي لها, لذلك تعمدت بعض الدول مثل تركيا الى احتكار مصادر المياه الاقليمية (الحدودية) ومنع الدول المجاورة لها مثل سوريا والعراق من الحصول على حصصها من هذه المياه, وذلك بلجوئها إلى بناء السدود على نهري دجلة والفرات وعلى بعض روافدهما, وكان أكبرها سد أتاتورك على نهر الفرات.

يهدف البحث الى:

  • معرفة مهدّدات الأمن المائي في الجزيرة السورية.
  • استنتاج وسائل لتحقيق الأمن المائي في منطقة الجزيرة.

مصادر المياه في الجزيرة السورية:

أهم الأنهار والينابيع في الجزيرة السورية:

الرقم اسم النهر الطول الاجمالي/كم الطول ضمن الأراضي السورية/كم
1 الفرات 2280 610
2 دجلة 1718 50
3 الخابور 477 402
4 الجرجب 78 26
5 الزركان 125 45
6 الجق جق 124 100

 

الرقم اسم النبع المنطقة متوسط التصريف ل/ثا
1 الهول الحسكة 75
2 الفردوس الحسكة 120
3 عين ديوار ديريك 5
4 طابان الحسكة 143

مصدر الجدولين وزارة الموارد المائية في سوريا

أهم السدود في الجزيرة:

السدود في الجزيرة السورية: أقيمت في الجزيرة مجموع من السدود التي ساعدت بدورها في تخزين مياه الامطار والأنهار، وأهم هذه السدود: سد الفرات، سد الخابور، سد السفّان، سد جل آغا، سد مزكفت, والخريطة التالية تبين السدود في الجزيرة السورية:

 

مصدر الخريطة:  https://www.arab-ency.com/ar
مصدر الخريطة:  https://www.arab-ency.com/ar

مهدّدات الأمن المائي:

  • حفر الآبار العشوائية: إنّ لجوء المزارعين إلى حفر الآبار بشكل عشوائي بدون ترخيص، وبدون كشف من قبل المختصين عليها يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطبقات الحاملة للمياه الجوفية وبالتالي تهدّد الأمن المائي.
  • احتباس المياه الإقليمية: إن حبس المياه من قبل الدولة التركية يعتبر أحد أهم مهدّدات الأمن المائي, لقد لاحظنا غنى منطقة الجزيرة السورية بالمياه، ولكن معظم منابع المياه هي خارج أراضيها, فهي قادمة من تركيا، وبالتالي فإنّ أهم القضايا العالقة بين تركيا وسوريا هي على المياه الاقليمية, وهذه هي السدود المقامة من قبل الدولة التركية على نهري دجلة والفرات والتي تؤثر على حصص سوريا من مياه هذين النهرين:
  • سد كيبان عام 1974م: هو أول السدود التركية على نهر الفرات, موقع السد في نقطة تلاقي روافد الفرات (فرات صو, مراد صو), ارتفاع السد 211م وطاقته التخزينية 30.7 مليار متر مكعب وكان الهدف من هذا السد هو توليد الطاقة الكهربائية.
  • سد قره قايا عام 1987م: ويقع هذا السدّ جنوب سد كيبان حيث يبلغ ارتفاعه 173م وهو ثاني أكبر سد في تركيا, السعة التخزينية له 9.5 مليار متر مكعب، وكان الهدف من بناء السدّ توليد الطاقة الكهربائية، حيث تم الموافقة من قبل البنك الدولي على تمويل هذا السد بعد موافقة كلّ من سوريا والعراق على هذا المشروع، وقد تم ملئ السد تدريجياً وببطئ تماشياً مع اتفاق تركيا للبنك واستغرق ملؤه من 1986 الى 1988م.
  • سد أتاتورك 1992م: هو رابع أكبر سد في العالم وأكبر سد في تركيا يبلغ ارتفاعه 184م وطوله 1820م, وخلف السد أنشأت بحيرة اصطناعية تبلغ مساحتها السطحية 817 كم2 ويبلغ حجم المياه المجمعة في السد قرابة 48 مليار متر مكعب ويبعد عن الحدود السورية 65كم, وكان الهدف من بناء هذا السد العملاق: 1- توليد الطاقة الكهربائية 2- ري الأراضي الزراعية 3- استخدام مياهه في الصناعة, تمويل المشروع لم يكن من البنك الدولي لأنّ الأخيرة رفضت تمويل المشروع بسبب الضرر الخطير على كلّ من سوريا والعراق، ولذلك لجأت تركيا إلى التمويل الخاص من قبل عدة شركات وبنوك سويسرية وألمانية وايطالية وبتكلفة قدرها 4.2 مليار دولار وتحت اشراف أمريكي التنفيذ، والجدير بالذكر أنّ سدّ أتاتورك هو واحد من 22 مشروعاً سوف يقام على نهري دجلة والفرات لتشكل معاً عناصر خطة واحدة لتطوير جنوب شرقي الأناضول معروفة باسم GAP.
  • سد الي صو 1999م: أقيم هذا السد على نهر دجلة، حيث بدأ التخطيط لهذا المشروع في عام 1999م يقع السد على بعد 45 كم من الحدود السورية العراقية ويبلغ طوله 1820متر, وارتفاعه 135م وتبلغ المساحة التي يغطيها الخزان 300 كم2.

المعاهدات والاتفاقات القديمة حول نهري الفرات ودجلة:

  • معاهدة لوزان (ديسمبر 1920م): عقدت هذه المعاهدة بين دولتي الانتداب الفرنسي والبريطاني ونصت على وجوب دراسة أي مشروع تنفذه فرنسا لتنظيم الري في سوريا ويؤدي الى نقص مياه نهري الفرات ودجلة عند دخولهما بلاد ما بين النهرين.
  • معاهدة فرنسا- تركيا (اكتوبر 1921م): نصّت على أنّه يحقّ لمدينة حلب أن تأخذ من مياه الفرات لإشباع حاجات المنطقة.
  • معاهدة الصلح لوزان (يوليو 1923م): عقد الاتفاق بين الدول المعنية من أجل المحافظة على المصالح والحقوق المكتسبة لكل منها, وذلك عندما يعتمد النظام المائي في دولة ما على الأعمال المنفذة في إقليم دولة أخرى, وعند تعذّر الاتفاق تحسم المسألة بالتحكم.
  • معاهدة الصداقة بين فرنسا وتركيا (مايو 1926م): حيث نصّت المادة 13 منها على تأكيد معاهدة أكتوبر 1921م حول حقوق سوريا في نهر قويق وحق حلب في الانتفاع من مياه نهر الفرات.
  • معاهدة فرنسا وتركيا (مايو 1930م): تقضي بان لسوريا وتركيا حق متساوي بالانتفاع من مياه نهر دجلة بوصفه نهراً مشتركاً وهذا ينطبق على نهر الفرات.
  • معاهدة الصداقة بين العراق وتركيا (مارس 1946م): وتقضي بتنظيم انتفاع مياه دجلة والفرات بين الدولتين, والاشتراك في اختيار مكان الانشاءات التي تقام في تركيا وأن تعلِم تركيا العراق عن مشاريعها في بناء السدود.
  • بروتوكول سوريا وتركيا (يوليو 1987م)، نصّ على ما يلي: خلال فترة ملء حوض سد أتاتورك وحتى التوزيع النهائي لمياه الفرات بين البلدان الثلاثة (تركيا- سوريا- العراق) يتعهّد الجانب التركي بأن يوفر معدلاً سنوياً يزيد عن 500م3/ثا عند الحدود التركية السورية وكما سوف يعمل الجانبان مع الجانب العراقي لتوزيع مياه نهري الفرات ودجلة بأسرع وقت ممكن, وقد قامت سوريا في عام 1994بتسجيل الاتفاقية المعقودة مع الحكومة التركية في الأمم المتحدة لضمان الحد الأدنى من حقّ سوريا والعراق في مياه نهر الفرات.
  • اتفاقية سوريا والعراق (أبريل 1990م): اتفقت الدولتان على أن تكون حصة العراق بموجب هذا الاتفاق 58% من المياه الواردة في نهر الفرات عند الحدود التركية السورية وحصة سوريا 42% منها.

على الرغم من كلّ هذه المعاهدات والاتفاقيات حول المياه المشتركة بين سوريا وتركيا، إلا أنّ الأخيرة لم تتقيّد بها حتى وقتنا الحاضر، بل أخذتها كورقة ضغط على الحكومة السورية بين الفينة والأخرى.

المقترحات المساهمة في تحقيق الأمن المائي:

  • جمع مياه الجريان السطحي الناتج عن هطول الأمطار والثلوج وتخزينها في قطاع التربة مباشرة أو في خزانات أو آبار أو سدود صغيرة أو حفائر ليعاد استخدامها للشرب والغسيل والزراعة, وهو تقنية قديمة جداً وتمثل ذلك القنوات الرومانية القديمة.

–  إعطاء الأولوية لمياه الشرب والاستعمالات البشرية ومن ثم للزراعة.

–  استخدام تقنيات الري الحديثة كالري بالتنقيط.

– تحديد نوعية الزراعات وذلك بزراعة المحاصيل التي لا تحتاج كميات مياه كبيرة وتقليل مساحات زراعة الأقطان وذلك لاستهلاكها كميات كبيرة من المياه.

– حلّ المشاكل العالقة حول المياه الإقليمية وذلك باللجوء إلى الأمم المتحدة للحصول على الحصص العادلة من هذه المياه.

– العمل على إتمام مشروع جرّ نهر دجلة لإرواء الجزيرة السورية, حيث كان هذا المشروع مموّلا من قبل الصندوق الكويتي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بملغ قدره 300 ألف دينار كويتي وقد توقف المشروع بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا عام 2011م, وكان هذا المشروع يهدف إلى إرواء مساحات شاسعة من أراضي الجزيرة السورية, لذلك لابدّ من العمل على إيجاد ممولين جدد لهذا المشروع والعمل على وضعه في قيد التنفيذ لما له من دور الكبير في التنمية الزراعية ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.

– متابعة ترشيد المياه بالتوعية ومن خلال وسائل الاعلام.

الخاتمة:

كون الجزيرة السورية فيها مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتشكل السلة الغذائية لسوريا، وبالتالي المحافظة على مصادر المياه فيها تعتبر من أولويات الحكومة, وخاصة بالنسبة لمياه نهري دجلة والفرات اللذين يشكلان 80% من مصادر المياه الطبيعية على مستوى سوريا, ورسالة الدولة التركية واضحة في حرمان سوريا من حصصها من مياه هذين النهرين, وذلك بإصرارها على تنفيذ مشروع GAP (إحياء جنوب شرقي الأناضول) وهذا المشروع يهدّد الأمن المائي في الجزيرة, وبالتالي لابدّ من حلّ هذه المشكلة عبر الأمم المتحدة, وكما لابد من النظر إلى إعادة تقييم هذا المورد ونشر الوعي بين السكان حول أهمية المياه ووسائل المحافظة عليه, والذي بدوره يساعد في تحقيق الأمن المائي, وبالإضافة الى ذلك لابد من الاشارة إلى أهمية استكمال تنفيذ مشروع جرّ المياه من نهر دجلة.

 


المراجع

  • د. سلامة, رمزي, “مشكلة المياه في الوطن العربي احتمالات الصراع والتسوية”, منشورات منشأة المعارف, 2001م.
  • م. الربيعي, فراس, “أثر المشاريع الخزنية والإروائية على الأمن المائي العراقي”, جامعة ديالى, حزيران 2013م.
  • العادلي, منصور, “موارد المياه في الشرق الأوسط صراع أم تعاون”, دار النهضة للطباعة والنشر, 1998م.
  • د. عبدالصبور, ممدوح, “تقنيات مياه الصرف الصحي واعادة استخدامها للأغراض الزراعية”, مجلة أسيوط للدراسات البيئية, العدد 19, يوليو 2000م.
  • د. السحيباني, عبدالله, “استمطار السحاب”, mediu.edu.my/books/MAL03876.pdf
  • الشوبكي, عادل, “حصاد مياه الأمطار”, المنظمة العربية للتنمية الزراعية, الدورة التدريبية القومية حول دور المرأة في الإرشاد والتوعية المائية في الوطن العربي, عمان, المملكة الاردنية الهاشمية, 17 – 21/9/2006م.
  • وزارة الموارد المائية في سوريا
  • صافيتا, محمد, “السدود في سوريا”, الموسوعة العربية,

https://www.arab-ency.com/ar

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى