ترجمات

ما هو مؤتمر ميونخ للأمن، وما أهمية تواجد معارضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيه؟

جَذَب مؤتمر ميونخ للأمن، الذي يُعقد كل عام في جنوب ألمانيا، انتباه الرأي العام الإيراني، هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى. وذلك لأنّ مؤتمر هذا العام أتاح لمعارضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية الفرصة للتواصل والتحدث بشكل مباشر مع النخب السياسية ووسائل الإعلام الدولية حول قضية “الجمهورية الإسلامية” والجهود المبذولة الرامية إلى تغييرها.

جاء هذا الحدث غير المسبوق، في الوقت الذي أكد فيه منظمو المؤتمر في موقفهم الرسمي، بأنهم غير مستعدين لدعوة المسؤولين الرسميين للحكومة الإيرانية والروسية للمشاركة في المؤتمر.

اتُّهمت الحكومة الإيرانية، خلال الخمسة أشهر الفائتة، بقتل المتظاهرين العزّل، الذين حاولوا إظهار معارضتهم لهذا النظام السياسي، ودعمت الدول الغربية المتظاهرين في إيران بأشكال مختلفة.

ما حدث في ميونيخ، وُصف بأنه آخر خطوات الغرب في دعم الاحتجاجات الإيرانية، والمطلب الرئيسي للمتظاهرين، المتمثل في تغيير نظام الجمهورية الإسلامية.

ما هو مؤتمر ميونيخ للأمن؟

تعدّ الاجتماعات الدولية المشتركة بين أصحاب السلطة والخبراء، دون أن يتم التخطيط لها أو استضافتها من قبل الحكومات، من بين المبادرات التي تحوّلت، خلال الحرب الباردة، إلى وسيلة مرغوب فيها، في سبيل تأثير المجتمع المدني في العالم الغربي على صناعة القرار في دوله.

عقب انتهاء الحرب الباردة، لم يزدد عدد هذه الاجتماعات وحسب، بل بدأت دول خارج العالم الغربي أيضاً في عقد اجتماعات مماثلة، من أجل التأثير على الهيمنة الإعلامية للقاءات الغربية؛ حيث أصبحت بعض اللقاءات مثل الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أو مؤتمر ميونيخ للأمن أهميةً كبيرة، وذلك نظراً لخلفيتهما التاريخية.

كانت فكرة مؤتمر ميونيخ للأمن، هي فكرة لكاتب وناشر ألماني يدعى إيوالد هاينرش فون كلايست، الذي كان في الستينات، مثل مجموعة من الأشخاص، الذين يحملون فكراً مماثلاً، قلقاً بشأن وقوع نزاع عسكري شامل بين الكتلة الشرقية والغربية.

كانت هذه المجموعة من المثقفين والمحللين السياسيين الألمان في تلك الأيام، تعتقد – بسبب تقسيم ألمانيا إلى قسم شرقي وآخر غربي- أنّه في حال نشوب صراع عسكري جديد (بعد الحرب العالمية الثانية) ستتحوّل ألمانيا إلى خط المواجهة في هذا الصراع، وبالتالي سيلحق بها ضرر كبير.

في الوقت نفسه، كانت هذه المجموعة مناهضة للكتلة الشرقية، وكانت لديها قناعة بأنّ بلادها بحاجة إلى دعم شامل من الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، من أجل مقاومة الاتحاد السوفييتي، والتحوّل إلى دولة شيوعية موحدة.

لهذا السبب، قرّر هذا الكاتب الألماني عام 1963 تنظيم لقاء مستقل، ودعوة مجموعة من السياسيين المؤثرين، مثل هنري كيسنجر، للمناقشة وتبادل وجهات النظر، والتعرّف على الآراء المختلفة للحفاظ على “الأمن والسلم الدوليين”، وذلك بحضور شخصيات بارزة ومنظّرين ألمان رفيعي المستوى في السياسية الدولية.

عُقدت هذه الاجتماعات – سنوياً، وبشكلٍ محدود ٍ- على مدى عقود. لكن بعد انتهاء الحرب الباردة، ولا سيّما في القرن الواحد والعشرين، ازدادت أبعاد هذا المؤتمر وعدد ضيوفه.

في عام 2011، سجّل ويلفانغ إيشينجر- وهو أحد الدبلوماسيين الألمان المخضرمين الذي ترأس مؤتمر ميونيخ للأمن منذ عام 2008 – منظمة غير حكومية في ألمانيا تحمل الاسم نفسه، وتتولى هذه المنظمة، في الوقت الراهن، عقد المؤتمر سنوياً، وهو يعتبر كأحد الاجتماعات السياسية الدولية الهامة، والتي وجدت العديد من الخصوم حول العالم في السنوات الأخيرة.

لكن ما منح مؤتمر ميونيخ للأمن أهمية خاصة، هو تواجد قادة الدول الغربية فيه، وهذا ما جعل حضور هذا المؤتمر أكثر جاذبية لدبلوماسيي مختلف الدول.

ووفقاً لما يقول تريستيان نايلور، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كامبريدج، والباحث في مثل هذه اللقاءات، في كتاب “الدوائر الاجتماعية المغلقة والمجتمع الدولي”، فإنّ مثل هذه التجمعات تتيح للدبلوماسيين الوصول بسهولة إلى وزارات خارجية القوى الكبرى، والاستفادة من المباحثات التي تجري على هامشها، لتطوير وتعزيز أهداف سياساتهم الخارجية.

إضافةً إلى ذلك، تحاول هذه الاجتماعات-ولاسيّما مؤتمر ميونيخ للأمن- التأثير على الخطابات المهيمنة على وسائل الإعلام الدولية فيما يتعلق بالقضايا الأمنية الهامة، بل وحتى تغيير هذه الخطابات في بعض الأحيان، وبالتالي فهي فرصة تمنح هذه الاجتماعات قوة كبيرة على المستوى الدولي، والتي ازدادت أهميتها خلال العقدين الماضيين.

إيران ومؤتمر ميونيخ

كان مؤتمر ميونيخ للأمن لسنواتٍ طويلة، خلال فترة الحرب الباردة، نادياً للدول الغربية ذات التفكير المماثل، والذي كان يؤكد على تحالف غرب أوروبا والولايات المتحدة في وجه الكتلة الشيوعية الشرقية. ولم يكن لخصوم الغرب مكان في هذا المؤتمر الذي كان شكله وطبيعته مختلفين، في تلك المرحلة.

كان لنهاية الحرب الباردة تأثيراً كبيراً على هذا الاجتماع الدولي، وأُثيرت للمرة الأولى قضية دعوة الخصوم الدوليين إليه أيضاً. ومن هنا، تمت دعوة قادة أو وزراء خارجية ودبلوماسيي بعض الدول مثل روسيا والصين وإيران، شيئاً فشيئاً، إلى ميونيخ.

نتيجةً لهذه الدعوات، انتقد فلاديمير بوتين، في أحد الخطابات الشهيرة التي ألقاها في ميونيخ عام 2007، توسع الناتو باتجاه الشرق، واتهم الغرب بانتهاك الاتفاقات غير المكتوبة التي تم التوصل إليها، إبّان انهيار الاتحاد السوفييتي.

وبالنظر إلى التوجه الأيديولوجي لمؤتمر ميونيخ تجاه قضية الأمن الدولي، لم يكن يبدو من الممكن حضور ممثل عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا الاجتماع لسنوات طويلة. لكن مع تغيير هذا النهج، ولا سيّما بعد رئاسة وولفغانغ إيشنجر في عام 2008، لم تتم دعوة إيران إلى هذا المؤتمر وحسب، بل سعى مؤتمر ميونيخ الأمني إعادة تعريف نفسه على أنه اجتماع شامل، وذلك على الرغم من قربه التاريخي والتقليدي من حلف الناتو وأعضائه.

وبطبيعة الحال، عندما أصبحت قضية البرنامج النووي الإيراني، إحدى الأولويات الرئيسية للأمن الدولي، خلال العقد الماضي، أتيح لممثلي إيران العديد من الفرص لسماع آراء منتقدي هذا البرنامج، وبالتالي شرح مواقف طهران، في هذا المؤتمر.

وصل هذا الموضوع إلى ذروته بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، مما جعل محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني حينها، أحد الضيوف الذين لاقى اهتمام الكثير من وسائل الإعلام في ميونيخ، والتي كانت تنتظر أن تسمع من ظريف إعادة توجيه السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن دون أن يتحقق ما كانت تصبو إليه.

في السنوات الأخيرة أيضاً، ولا سيّما بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأمريكية، وعودة المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، أتيحت الفرصة لحسين أمير عبد اللهيان، للعب الدور نفسه الذي لعبه ظريف ذات يوم في ميونيخ.

تسببت هذه الخلفية في أن يكون لتقارير الوسائل الإعلامية حول عدم دعوة إيران (إلى جانب روسيا)، والأهم من ذلك دعوة نجل الشاه رضا بهلوي، ومسيح علي نجاد، ونازنين بنيادي، كمعارضين للحكومة الإيرانية، صدىً كبيراً بين الإيرانيين.

ما أهمية عدم دعوة إيران؟

إنّ مؤتمر ميونيخ للأمن، في حقيقة الأمر، تعقده شركة خاصة، ولا تتعلق قراراته بالسياسة الخارجية للدول الغربية بشكلٍ مباشر.

حتى أنّ وولفغانغ إيشنغر، الذي ترأس هذا المؤتمر من عام 2008 إلى 2022، أعرب عن استيائه بسبب عدم دعوة إيران وروسيا. بمعنى آخر، إنه لو بقي رئيساً للمؤتمر، لكان من المحتمل أن تتم دعوة ممثلين عن الحكومة الإيرانية، دون حضور المعارضة الإيرانية.

لكن هذا لا يعني أنّ قرار رؤساء مؤتمر ميونيخ للأمن أقل أهمية، فهم جزء من نخبة المجتمع المدني الأوروبي، الذين يحاولون التأثير على سياسات بلدانهم، على أعلى مستوى.

يعتبر قرارهم هذا، علامة مهمة على نجاح المعارضة الإيرانية في التأثير على الرأي العام العالمي في الدول الغربية. في غضون الأشهر القليلة الماضية، قمعت الجمهورية الإسلامية الاحتجاجات بعنف شديد، ويتوقع المعارضون ألا يبقى المجتمع الدولي صامتاً تجاه هذه القمع.

ما حدث في مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2023، هو في الواقع إنجاز آخر للمعارضة التي تحاول في الخارج، الإطاحة بالجمهورية الإسلامية، وتقول إنها تعكس أصوات المحتجين داخل البلاد.

بما أنّ موضوع الأمن الدولي وتأثير سياسات حلف الناتو على مؤتمر ميونيخ للأمن، يشكّل أحد الأجزاء الهامة من هوية هذا الاجتماع، وكون الحرب الأوكرانية هي أهم موضوع في اجتماع هذا العام، لذلك فإنه من المرجّح أن يكون اتهام الجمهورية الإسلامية بتقديم الدعم العسكري لروسيا في هذه الحرب، قد أثّر أيضاً على قرار رؤساء مؤتمر ميونيخ.

لقد أصبحت قضية الطائرات المسيّرة الإيرانية، والأضرار التي ألحقتها هذه الأسلحة بأوكرانيا، من أهم المخاوف الأمنية لأوروبا. وبالتالي، فإنّ قرارات مثل هذه، إلى جانب عقوبات الاتحاد الأوروبي، والتصريحات المتتالية للمسؤولين الغربيين، تكون مفهومة جميعاً في سياق السعي إلى إيقاف الدعم الإيراني لروسيا.

إنّ عدم دعوة إيران، وإضفاء الشرعية على شخصيات معارضة مثل رضا بهلوي أو مسيح علي نجاد، هي ضربة أخرى لشرعية النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، التي تحاول التقليل من شأن معارضيها، ولا تعترف أساساً بوجود تحدٍّ لهذه الشرعية.

 يقول رؤساء مؤتمر ميونيخ للأمن، في الوقت الراهن، بوضوح، إن توجههم لا يقتصر على الاعتراف بشرعية المعارضة في نضالهم وحسب، بل إنّهم يسعون من خلال دعوتها وتقديم الدعم لها، إلى إضعاف النظام السياسي الإيراني.

………………………………

الكاتب: كيوان حسيني.

الترجمة عن الفارسية: مركز الفرات للدراسات

الرابط الأصلي للمقال

زر الذهاب إلى الأعلى